نقف في المحور الأول من هذا العدد، على قراءات في حدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو يتضمن مجموعة من المواقف الرامية إلى الإحاطة بطوفان الأقصى، ومجمل التحولات التي صنع في المحيط الصهيوني الغربي، وفي المجال السياسي العربي، وتأثيره المباشر في الوضع الفلسطيني في الضفة وفي القطاع. ونذكر من بين عناوين قراءاته ما يلي: طوفان الأقصى في الأفق المنظور - المقاومة الطوفانية في مواجهة الشر المطلق - طوفان الأقصى، السردية الصهيونية - خواطر من "مسافة الصفر" - فخ الحرب. نحو اللاَّ أين. ما قبل وما بعد طوفان الأقصى - طوفان الأقصى أو رمزية الجهاد.
أما المحور الثاني وعنوانه: الغرب في مختبر طوفان الأقصى، فقد استوعب مجموعة من الأوراق التي تلتقي في بحث نمط حضور الغرب في المعارك التي فجّر الطوفان، ومن أهم أوراقه: غرب في ميزان 7 أكتوبر - التحدي الكبير، فلسطين ونخبة الفكر الغربي - بعد طوفان الأقصى، الغرب ونحن أو خداع المرجعية - طوفان الأقصى، إسقاط للحساب الاقتصادي - ما بين الغثيان الأبيض وصحوة الضمير، المثقفون الغربيون - الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا - وجهة نظر، نحو آخر مختلف عن ذاته. وقد اتجهت القراءات المنجزة في هذا المحور لتفكيك السردية الصهيونية، وإبراز انحياز الغرب الإمبريالي في الترويج لها والدفاع عنها. وفي المحور الثالث، اتجهت الدورية للتفكير في موضوع الوطني والقومي في قضية فلسطين، وهو يتضمن مجموعة من الأوراق: - النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حكاية جور - جدليات طوفان الأقصى وما بعده - اليوم التالي للحرب على غزة - طوفان الأقصى ورهانات الدولة الفلسطينية المستقلة. وتبرز بعض أوراق هذا المحور جوانب من تاريخ الاستعمار الغربي للمشرق العربي، كما يبرز بعضها الآخر مركزية القضية الفلسطينية في التاريخ العربي المعاصر، ومجمل التحولات التي لحقتها نتيجة لمختلف الحروب التي حصلت طيلة عقود القرن الماضي.
عادت المجلة في المحور الرابع لنشر وثائق هامة، تَمَّ استخراجها من أدبيات بعض رموز الحركة التقدمية المغربية، التي انخرطت منذ منتصف القرن الماضي في الالتزام بمبادئ منظمة التحرير الفلسطينية، الهادفة إلى تحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ونقرأ فيها ورقة منشورة في مجلة أنفاس المغربية سنة 1968 للمفكر الاقتصادي عزيز بلال (1932-1982)، وعنوانها: المقاومة الفلسطينية والحركة الثورية العالمية. كما نقرأ ورقة لعمر بنجلون (1936-1975)، وهي منشورة في مجلة أقلام العدد 1 سنة 1972 وعنوانها: القضية الفلسطينية ودور المثقف المغربي. ثم وثيقة ثالثة عبارة عن رسالة مفتوحة من المثقفين العرب إلى مثقفي الغرب. وقد جاءت هذه الوثائق في نهاية العدد لتكمل تصوّر المشرفين على الدورية، في النظر إلى القضية الفلسطينية، في علاقتها بقوى التحرر والتحرير في الوطن العربي.
ندرج تخصيص دورية النهضة لعدد خاص بالمقاومة الفلسطينية، التي فجّرها طوفان الأقصى، ضمن سياق صوّر تفاعل المثقفين والباحثين المغاربة مع القضية الفلسطينية ومختلف تحولاتها. وهم بذلك يتممون بعملهم هذا مواقف التنظيمات الرافضة لمآلات القضية الفلسطينية، والرافضة أيضًا للتطبيع، وما يمكن أن يترتب عليه من عمليات ترسيخ الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي. وتساهم المواد المنشورة في العدد، في إضاءة بعض الأسئلة التي يطرحها واقع الحال الفلسطيني، وواقع الحرب الصهيونية الغربية في غزة، كما تساهم في إبراز جوانب من أدوار المقاومة الفلسطينية العائدة. إننا أمام عمل يلتقي بجوانب من صور العمل الذي تقوم به كل من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، وكذا المرصد المغربي لمناهضة التطبيع.
لا نتردّد في القول بأن أوراق العدد تقدم في مجموعها مساهمات تتوخى الاقتراب من بعض أوجُه ما يجري في موضوع القضية الفلسطينية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ونحن نربط محتواها بجوانب من ردود الفعل، التي صدرت عن بعض المثقفين والفاعلين السياسيين، تجاه العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، بعد عودة المقاومة مُجَسَّمَة في حركة طوفان الأقصى. ونتصوّر أن إطلاق تسمية نحن وطوفان الأقصى على محتويات العدد، يشير إلى خيار سياسي مُحدَّد، تعبر على جوانب من أبعاده محتويات الأوراق التي استوعبتها محاوره المختلفة.
2 - ساهم في إنجاز محاور العدد كل الأساتذة الذين يشرفون على إعداد الدورية، نور الدين العوفي، محمد الحبيب طالب، عبد الإله بلقزيز، وعبد الجليل طليمات. وقدمت المجلة قراءات متعددة لمجموعة من الباحثين والمهتمين بموضوع الصراع العربي الصهيوني، وموضوع القضية الفلسطينية وأسئلة طوفان الأقصى كما تبلورت زمن عودة المقاومة، واستمرار مشروع مخطّط الإبادة كما ترسم خطواته الصهيونية والغرب الإمبريالي. نذكر من بين الأسماء المساهمة في العدد: علي أومليل، فتح الله ولعلو، مليكة العاصمي، محمد الأشعري، كمال عبد اللطيف، أحمد المديني، نجيب العوفي، عبد الإله بلقزيز، عبد القادر الشاوي، سعيد يقطين، محمد المحيفيظ، صلاح بوسريف، عمر الزايدي، عبد العلي حامي الدين، إدريس هاني...
يقدم العدد إضاءات عديدة لزوايا مختلفة من معركة طوفان الأقصى، كما يشخص جوانب من أبعادها ونمط حروبها المتواصلة، وتفكر بعض أوراقها بصورة تضعنا في قلب ما يجري بطريقة تستحضر فيها تاريخ الكيان الصهيوني ومختلف الآثار التي ركَّب في فلسطين المحتلة... وإذا كان يصعب علينا عرض نتائج مختلف الأوراق التي يتضمنها العدد، وقد بلغ مجموع أوراقه (23) ومجموع صفحاته 334، فإنه يمكننا التوقف أمام بعض فقرات أوراقه، من أجل تمثل بعض نتائجها في سياق ما جرى ويواصل جريانه من جرائم حرب لا يتردد فيها الصهاينة، من إعلان مشروع إبادتهم للشعب الفلسطيني والحلول مكانه فوق أرض فلسطين.
نقرأ في ورقة الدولة السائبة ما يلي: «هذه حرب إبادة جماعية مع سبق إصرار. حرب وضعت على المحك كل ما نصّ عليه القانون الدولي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. بل إن القضية الفلسطينية نفسها، ومنذ النكبة، وضعت على المحك كل مواثيق حقوق الإنسان. أليس العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) هو نفسه عام النكبة؟
إسرائيل دولة أنشئت باسم حق اليهود في العودة إلى أرض موعودة بوعدٍ جاء في التوراة. لكن متى كان كتاب ديني ولو كان مقدسًا وثيقة مِلْكِية عقارية؟ أما الفلسطينيون الذين طردوا بالأمس القريب فقط من أرضهم وممتلكاتهم، ويملكون ملكية عقارية حقيقية فلا حقَّ لهم في العودة!».
أما في ورقة فخ الحرب، فنقرأ توضيحًا مصورًا لما حصل يوم 7 أكتوبر، يوم إطلاق شرارات المقاومة: «هناك شيء قاس في كل حرب، لا يمكن التعبير عنه بأعداد القتلى والجرحى والمعتقلين فقط، بل وأساسًا بحجم اليأس الذي تفرخه، صغيرًا في البداية، ثم يصبح بعد كرنفال الأشلاء والجثث والأجساد المبتورة والأطفال الملفوفين في أثواب بيضاء، أو ما تبقى منهم في صراخ أمهاتهم، يصبح بعد هذا الكرنفال الأهوج، عملاقًا أضخم من الدمار الذي يمشي فيه مترنّحًا، وأضخم من الجيش الذي يريد اجتثاث حماس، وأضخم من القتلى ومن القتلة. (...) كان واضحًا منذ اليوم الأول الذي تلا السابع من أكتوبر، أن الجحيم قادم لا محالة. ولكن المقاومة فتحت لنا ممرًّا صغيرًا بين الأنقاض، لنرى شيئًا آخر غير الجحيم؛ فرأينا كيف تلقى الكيان الصهيوني الضربات الموجعة، الواحدة تلو الأخرى؛ وكيف انبثقت من جديد قضية فلسطين المغتصبة، ليصبح من خلالها حل الدولتين سرابًا جديدًا من أجل إيقاف الحرب».
ونقرأ في مقالة ما بين الغثيان الأبيض وصحوة الضمير ما يلي:
مباشرة بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر وما تلاه من شن للحرب على غزة، لاحظ أحد المثقفين الفرنسيين أن «حربًا إعلامية وحرب سرديات قد اندلعت بموازاة الحرب الجارية في الميدان». وبالفعل، فقد اندلعت - على مدى الأيام والأسابيع التي تلت هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر إلى يومنا هذا - داخل الأوساط الإعلامية والثقافية والأكاديمية الغربية «حرب أخرى» موازية، موضوعها: كيف نفهم ما جرى؟ ما هي دلالاته؟ ما الموقف الذي يجب - تأسيسًا على ذلك الفهم وتلك الدلالة - أن نتبناه وننتصر له؟ (...).
نختم هذا التقديم بموقف وارد في ورقة بعنوان: غرب في ميزان 7 أكتوبر: «ليس لدينا، إذًا، وَهْمٌ في إمكان العثور على عدالةٍ في سياسات الغرب: يسارًا ويمينًا، تجاه فلسطين وحقوقِ شعبها التّاريخيّة فيها. ربّما علينا البحث عن شيءٍ رمزيٍّ منها في مواقفِ الرأي العامّ الغربيّ والمنظمات المدنيّة غير الرسمية، ولكن تلك مسألةٌ أخرى تخرج عن نطاق سياسات الغرب السياسيّ: التي لا تدخُل القوى المشار إليها في جملته. على أنّ الأطمَّ من طامَّةِ الموقف السياسيّ الغربيّ - الحاكم والمعارِض معًا - من قضية فلسطين وصراع شعبها مع الصهيونية وكيانِها وأذرعِها الأخطبوطيّة الممتدة في العالم كلِّه (وفي الغرب على وجْه الخصوص)، مواقف المجتمع الثقافيّ في بلدان الغرب؛ حيث هي التي تكاد أن لا تختلف، في سوئها ومجافاتها قيمَ الحقّ والعدالة، عن سياسات الدول في ذلك العالم الأوروبيّ - الأميركيّ الْمَاسِك بأزِمَّة الأمور في بقاع الدّنيا، والذي تفشو قوانينُه في تلك البقاع فُشُوَّ أفكار مثقّفيه فيها بحيث يتضافر عملُهما معًا لإنتاج حالٍ واحدة يتمتّعان بها هيّ السّيطرة».
(*) مجلة فكرية صدر عددها الأول سنة 2012، أما المدير المسؤول عنها فهو الباحث الاقتصادي الأستاذ نور الدين العوفي.