Print
أحمد عبد اللطيف

إسلام عاصم: الأثر الإسلامي في الإسكندرية مهمل

17 يناير 2018
آثار
تعرضت مدينة الإسكندرية، المدينة المصرية الثانية منذ الفتح الإسلامي والأولى منذ تأسيسها وخلال الفترتين اليونانية والرومانية، للكثير من الإهمال والتعدي في السنوات الأخيرة، بل ولم تعد على أجندة وزارة الثقافة ولا وزارة الآثار، رغم أنها تحتوي عددًا كبيرًا وهامًا من آثار الحضارة اليونانية والرومانية عطفًا على الآثار الإسلامية، ورغم أنها كانت قِبلةً للرحالة والمستشرقين طوال فترة القرون الوسطى وحتى القرن التاسع عشر.

 في هذين الشقين: الأثر الإسلامي والإسكندرية في نظر المستشرقين، كرّس الأكاديمي المصري إسلام عاصم، مسؤول العلاقات الخارجية بجمعية التراث، أطروحتي الماجستير والدكتوراه. هو أكاديمي سكندري بالتحديد، ركّز كل جهده البحثي والعملي لهذه المدينة، وشهد تحولاتها منذ إدراكه لوجوده بها وحتى الآن.

في عام 2009 تناولت أطروحة الماجستير كتب وآراء ومشاهدات الرحالة على اختلاف نواياهم واتجاهاتهم وأهدافهم حول مصر بشكل عام والإسكندرية تحديدًا، وذلك خلال الفترة من 1517 وحتى 1952. في الدكتوراه راح لموضوع نادر نوعًا ما: المساجد في الإسكندرية، إذ المعروف أن المساجد في القاهرة فيما المعابد اليونانية والرومانية في الإسكندرية. وفي الأطروحة تناول 14 مسجدًا منها 11 مسجدًا تُدرس لأول مرة، ما منح الإسكندرية وجهًا جديدًا لم يكن معروفًا عن الوجود الإسلامي به.

سبب إهمال الحضارة الإسلامية

لكن ما سبب إهمال الأثر الإسلامي في الإسكندرية مقابل الوجود الطاغي لما هو يوناني روماني؟

يقول عاصم: "تأسيس المدينة على يد الإسكندر واحتواؤها على إحدى عجائب العالم القديم السبع وشهرة مكتبتها القديمة والعلماء والفلاسفة الذين خرجوا منها طوال العصرين اليوناني الروماني، كلها أسباب تمنحها طابعًا كلاسيكيًا يونانيًا رومانيًا. في المقابل، يرى بعض المؤرخين أن تدهور المدينة قديمًا يرجع إلى الفتح الإسلامي، وذلك عقب نقل العاصمة إلى الفسطاط، بعد مدة زادت عن تسعة قرون كانت الإسكندرية مدينة ذات طابع مميز وخاص حتى أنه في بعض الفترات كان ساكنوها يعفون من دفع الضرائب دون باقي أرجاء مصر. لقد تعرضت المدينة أيضًا لعمليات سرقة ونهب ولكوارث طبيعية قضت على مبان كثيرة، مثل زلزال أول القرن الـ 14 الذي أزال فنار الإسكندرية، كذلك انتشرت في المدينة الأوبئة التي حصدت أرواح الآلاف بسبب ما تستقبله في مينائها، وما قد يشوب مياهها في الصهاريج من تلوث، لتصبح الإسكندرية مكانًا طاردًا للسكان، حتى أن الكرسي البابوي انتقل إلى القاهرة بعدما كان في الإسكندرية".

ويضيف عاصم: "في ظل كل ذلك، لم تتح الفرصة للمدينة ليتألق بها العمران الإسلامي مثلما هو في عدة مدن أخرى بمصر، فنجد أن معظم آثارها الإسلامية حربية دفاعية، مع بعض المساجد والأضرحة، بالإضافة إلى صهاريج المياه التي اكتشف معظمها مصادفة أسفل البيوت والمساجد، وهذه الآثار لا تتمتع بالبريق الكافي ليجعل أمر شهرتها لا يضارع الآثار اليونانية الرومانية. عندما تذكر الإسكندرية يأتي إلى الذهن قبر الإسكندر وغموض البحث عنه واختلاف المؤرخين والأثريين حول مكانه، فضلًا عن مقابر يونانية ورومانية مما يجذب وبشدة البعثات الأجنبية للمكوث في المدينة وبذل الجهد والمال للعثور على الجديد، وهو أمر للأسف غير محقق في آثار العصر الإسلامي التي ظلمت لوقوعها بين العصرين اليوناني والروماني وبين فترة محمد علي باشا في أوائل القرن التاسع عشر التي تجتذب حاليًا دراسات واهتمامات العديدين، مما جعل الآثار الاسلامية لا تلقى الاهتمام المطلوب مثل غيرها.

لكن هناك حقيقة أخرى أيضًا لا بد من أن أذكرها، أن الآثار الإسلامية في الإسكندرية حتى أواخر القرن الـ 19 لم يتم تجاهلها وسجلت عن طريق لجنة حفظ الآثار العربية، تلا ذلك فترات من عدم الاكتراث لتسجيل ما يستحق تسجيله في سجلات الآثار الإسلامية، ما أدى إلى زوال منشآت وتهديد أخرى بدعوى عدم تسجيلها كأثر، ولك في حمامات الإسكندرية أكبر مثال، حيث لم يسجل كأثر سوى حمام واحد هو حمام المصري الذي سجل بقرار وزاري عام 1999، وللأسف لم يسجل بعده أي حمام آخر، حتى حدثت محاولة هدم حمام الدهب في العطارين، لنكتشف للأسف أن لجنة وزارة الآثار اعتبرته لا يرقى ليكون أثرًا، وأنقذه من الهدم قرار محافظ الإسكندرية الذي تصدى بكل قوة لهذا الإهدار، في حين عجزت وزارة الآثار عن أن تقوم بدورها في الحفاظ عليه".

 الوضع الأمني أثر سلبًا

* وهل تزايد هذا الإهمال في الأثر الإسلامي وحضارة المدينة ككل في السنوات الأخيرة؟

 للأسف الشديد ارتفع التعدي على آثار وتراث الإسكندرية بشكل ملحوظ بعد 2011، وهو أمر جلي للجميع، إذ استغل الكثيرون فترة الانفلات الأمني ليقوم كل من سولت له نفسه بأخذ ما ليس من حقه، بالتعدي بالبناء على مواقع أثرية أو سرقتها، ولا أنسى حين زرت معبد تابوزيرس ماجنا غرب الإسكندرية في 2012، ووجدت خراطيش الرصاصات الفارغة هناك، وعندما سألت عن سبب وجودها، قيل لي إنه تم مهاجمة المكان عدة مرات على اعتقاد أنه يحتوي على ذهب ومجوهرات كليوباترا السابعة حيث كان زاهي حواس قد أعلن في 2010 عن احتمال العثور على قبرها هناك، مما دفع بعضهم إلى مهاجمة المكان في فترات الانفلات الأمني.

يضيف عاصم: "لا يمكن أن نغفل أن الوضع الأمني أثر سلبًا، لكن هناك أيضًا البيروقراطية التي تجعل أمر تغيير لمبة في منطقة أثرية بالإسكندرية تحتاج إلى أخذ الموافقة من القاهرة، فما بالك بالأمور الأكثر جسامة، أضف إلى ذلك عدم توافر الموارد المالية اللازمة بعد هبوط معدل السياحة ما أثر على دخل الوزارة وأدى إلى تدهور عام في حال آثار الإسكندرية".

لكن في مقابل البيروقراطية الحكومية وضعف الإمكانيات المالية، يرى إسلام عاصم "أن الأثريين أنفسهم، بخاصة الشباب، منهم يقومون بجهد كبير للمحافظة على الآثار، فبالجهود الذاتية تتم أمور كثيرة مثل النظافة وغيرها في عدد من المناطق الأثرية، وهذا ما لمسته من زياراتي للعديد من المواقع، إلا أن تلك الجهود ما زالت غير كافية فما زال هناك بعض السلبيات". وفي ما يخص استجابة الوزارة "فهذا أمر يتوقف على المسؤول ومدى استيعابه وحضوره".

الإسكندرية والمستشرقون

* عادة ما ينظر المستشرقون إلى زوايا محددة ليتناولوا منها الشرق، ربما سعيًا لما أشار إليه إدوارد سعيد بـ"الجوهرية"، فكيف بدت لك الكتب التي خضعت لدراستك وصورة الإسكندرية فيها؟

 كل منهم له أغراض مختلفة ووجهة نظر مختلفة تستلزم العناية في ما يتم نقله عنهم، فبالرغم من أهمية كتبهم إلا أن منهم من كانت توجّهه أغراض شخصية ودوافع استعمارية يجعلنا نحترس فيما نأخذه منه. أما عن الإسكندرية في كتاباتهم، فهي مدينة لم يخل من ذكرها كتاب رحالة إلا فيما ندر، فقد كانت مدينة الوصول لمعظمهم، لما يتوقعونه، ولانطباعهم عن المدينة ومنظرها وهم على ظهر المركب، ثم تحدثوا عن مينائها وتدافعهم وتنافسهم، تحدثوا عن شوارع الحي العربي الضيقة الموحلة التي تستقبلهم وتحدثوا عن إعجابهم بالحي الأوروبي وعن شوارعه ومبانيه، أثار إعجابهم الخليط الذي يوجد في المدينة والتناغم والتعايش بين أهلها، اندهشوا عندما وجدوا سائق الحنطور يصيح بثلاث لغات لتنبيه المارة فكان يقول "اوعى ساكن جواردا" بالعربية والتركية والإيطالية، بهرتهم حركة التجارة والبورصة والإنشاءات في المدينة وانشغال الناس بالعمل وأسعار الأسهم. كذلك تناولوا مسجد النبي دانيال معتقدين أنه موقع مقبرة الإسكندر الأكبر، وذكروا مسجد الألف عمود ومروا على مسجد العطارين، تحدثوا عن الوكالات والأسوار وأبواب المدينة القديمة وعن عمود السواري، تحدثوا عن مسلتيّ كليوباترا اللتين لم يتبق منهما سوى حديث الرحالة بعد أن رحلتا، وإحداها حاليا على نهر التايمز في إنكلترا والثانية في نيويورك.

مكتبة الإسكندرية الجديدة

تعتبر مكتبة الإسكندرية الرمز الثقافي الأكبر في المدينة، وهي بحسب عاصم، جزء رئيسي من حياة أي طالب أو باحث في الإسكندرية، سواء من خلال أنشطتها الثقافية والفنية ودورها في إتاحة الكتب والمراجع والدوريات وفتح أفق المعرفة الرقمية عبر مواقع البحث العلمي الدولية، فضلًا عن مشروعات رقمية تحفظ ذاكرة الأمة.

يقول عاصم: "استطاعت المكتبة أن تصل إلى كل جامعات مصر فيما يطلق عليه سفارات المعرفة، أضف إلى ذلك ما تقوم به من مؤتمرات وندوات وطباعة كتب ومنشورات لمكافحة التطرف ونشر الثقافة الإسلامية الوسطية في أرجاء مصر وعقد دورات عن الثقافة الإسلامية، هذا قليل من كثير تقوم به مكتبة الإسكندرية في الفترة الأخيرة".