Print
سارة عابدين

موكب المومياوات.. كيف حافظ المصريون القدماء على جثث الملوك

28 أبريل 2021
آثار

أحب المصريون القدماء الحياة وآمنوا بالخلود. حفزّهم هذا على وضع خطط لما بعد الموت. قد يبدو هذا الأمر متناقضًا، لكنه بالنسبة للمصريين القدماء كان منطقيًا تمامًا، فقد اعتقدوا أن الروح ستعود من جديد للجسد بعد الموت، لذلك يجب الحفاظ على الجسد قدر الإمكان حتى تتمكن الروح من أن تتعرّف عليه مجدّدًا، فلا تضيع. لذات المعتقد، اهتمّ المصريون القدماء بتجهيز المقابر بكل الأشياء التي قد يحتاجها المرء في حياته الأخرى، مثل الأثاث والملابس والطعام والأشياء الشخصية الثمينة.
على الرغم من أن ممارسة التحنيط بدأت في مصر حوالي 2600 عام قبل الميلاد، إلا أن التحنيط كان للحكام والفراعنة فقط في بداية الأمر. تغيّر هذا الأمر ببطء حوالي عام 2000 قبل الميلاد، وأصبح متاحًا لعامة الناس الوصول للعالم الآخر طالما كانت أجسادهم محنّطة، ووضعت مقتنياتهم الثمينة في المقابر.


أشهر ملوك موكب المومياوات
شهد الأول من أبريل/ نيسان الجاري موكب نقل 4 ملكات و18 ملكًا من ملوك مصر القديمة. نقلت المومياوات من المتحف المصري القديم بميدان التحرير إلى متحف الحضارة الجديد على بعد 5 كيلومترات، تبعًا للترتيب الزمني لعهودهم، من حاكم الأسرة السابعة عشرة، الملك سقنن رع تاعا الثاني، إلى رمسيس التاسع، الذي حكم مصر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.




الملك سقنن رع تاعا الثاني
كان الملك سقنن رع تاعا الثاني من أعظم ملوك مصر القديمة، وقد بدأ في عهده النضال الفعلي لطرد الهكسوس من مصر. كانت مومياء سقنن رع وتابوته ضمن الكشف المشهور الذي حدث عام 1880 في الخبيئة القريبة من معبد الدير البحري.
لقى الملك سقنن رع حتفه بسبب هجمة غادرة قام بها شخصان أو أكثر، فقد قتل فجأة عندما كان نائمًا في فراشه، وتسلّل الشخصان وطعناه بخنجر تحت أذنه اليسرى، فغاص الخنجر في عنقه. تبعًا للمؤرخ إليوت سميث فإنه مات في ساحة مكان القتال. جاء تحنيط جثته سريعًا بسبب عدم توفر المعدّات. هناك رأي آخر يقول إن جسده تعفّن أثناء نقله من ساحة القتال إلى طيبة، فجاءت عملية التحنيط غاية في السرعة والاختصار.


الملكة أحمس نفرتاري
الملكة أحمس نفرتاري هي زوجة وربما أخت غير شقيقة للملك أحمس أول، فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، وابنة الملكة إياح حتب زوجة الملك سقنن رع تاعا الثاني. أنجبت نفرتاري سبعة أبناء، مات منهم خمسة، وبقي اثنان على قيد الحياة. عند وفاة الملك أحمس الأول أصبحت الوصية على ابنها أمنحوتب الأول حتى بلغ السن القانوني للجلوس على العرش.
ارتبطت هذه الملكة ارتباطًا وثيقًا ببعض منجزات زوجها، حتى بات واضحًا أنها شاركته الحكم بشكل أو بآخر لأنه كان دائم الانشغال بحروب التحرير، وما خلّفته من آثار وعواقب. كما تمتّعت بسلطة شبه ملكية أثناء حداثة سن ابنها أمنحوتب الأول.  فضلًا عن هذا الدور السياسي كانت أحمس نفرتاري أول ملكة تشغل وظيفة "الزوجة الإلهية" بفضل قرار قضائي أسند إليها منصب "نبية آمون الثانية".

الملك تحتمس الأول
حمل الملك تحتمس الأول لقب "الثور القوي". كان هذا اللقب ينطبق عليه وعلى أعماله الشجاعة. إذ كان طويل القامة، متين البنية، قادرًا على تحمّل أهوال الحروب. صوّرته التماثيل بوجه ممتلئ ومستدير وأنف طويل وذقن مربعة وشفتين تميلان إلى الغلاظة. نما الملك تحتمس الأول في عهد أمنحتب الأول وزمن تخليص البلاد من الهكسوس. كان ذلك الجيل فخورًا بتلك الانتصارات، ما جعل روح الطموح والرغبة في الفتح والغزو تسيطر عليه. قام الملك تحتمس الأول بإخضاع السودان، قبل أن يذهب في اتجاه بلاد ما بين النهرين.


الملكة حتشبسوت
أصبحت حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول ملكة مصر عندما تزوجت من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني. بعد وفاته تصرّفت كوصية على ابن زوجها، الرضيع تحتمس الثالث، ثم استولت على العرش لاحقًا، وعلى السلطات الكاملة للفرعون. وسعت حتشبسوت دائرة التجارة المصرية، وأشرفت على مشاريع طموحة أشهرها معبد الدير البحري، الموجود غرب طيبة حيث دفنت.
صوّرت حتشبسوت "بناء على أوامرها الخاصة" كذكر في العديد من الصور واللوحات والمنحوتات، وظلت غير معروفة إلى حد كبير للعلماء حتى القرن التاسع عشر، وهي واحدة من أشهر ملكات مصر القديمة.

الملك سيتي الأول



الملك سيتي الأول

كان الملك سيتي الأول ابن الملك رمسيس الأول. أنجبه والده وهو في ريعان شبابه، وقد سار على خطى والده وانخرط في الجندية وبلغ فيها درجات عالية، حيث كان جنديًا قويًا وإداريًا حازمًا. منذ بداية حكمه وسيتي الأول يسير على السياسة الرشيدة التي أسّسها "حور محب". هدفت تلك السياسة إلى إعادة سيادة مصر ومكانتها عن طريق حكومة ثابتة موطّدة الأركان في الداخل، والتوسّع في إمبراطورية مصر في الخارج. بعد إعادة سيتي الأول أجزاء كبيرة من إمبراطورية مصر في الخارج، بدأ في الإصلاح الداخلي، وأقام معابد جديدة للآلهة الذين ساعدوه في انتصاراته، اعترافًا منه بصنيعهم، ولرفع شأنهم في نظر الشعب.


الملكة تي
الملكة تي واحدة من ملوك الأسرة 18 وزوجة الفرعون أمنحتب الثالث، ووالدة أخناتون، وجدة كل من توت عنخ آمون وعنخ إسن آمون. كان لها نفوذ كبير في أثناء حكم زوجها وابنها، وتواصلت بشكل مباشر مع حكام البلاد الأجنبية. وتظهر البرديات القديمة أنها كانت تحظى بتقدير كبير في الداخل والخارج خاصة في عهد ابنها أخناتون.
بالرغم من أنها كانت تؤمن بتعدّد الآلهة في مصر القديمة، إلا أنها دعمت إصلاحات أخناتون التوحيدية، لأنها تعاملت معها كحيلة سياسية لزيادة سلطة العرش على حساب كهنة آمون.



الطرق المختلفة لتحنيط المومياوات
تعتبر المملكة القديمة أو ما يسمى بعصر بناة الأهرام، واحدة من أكثر العصور تطورًا في الحضارة المصرية القديمة. لم تكن عملية التحنيط تهدف فقط إلى الحفاظ على الجسد، لكن كانت تقترب من محاولة صنع تمثال للمتوفى. عند فحص مومياوات الدولة القديمة، نجد طبقة من الكتان المغطى بالجص، تظهر ملامح المتوفى بشكل كبير، حتى إذا تحلّل الجسد تبقى طبقة الجص لتوفر شكل ظاهري للروح عند عودتها لتتعرّف على جسد المتوفى. تعود أقدم مومياء محنطة اكتشفت إلى الملكة حتب حرس، زوجة الملك سنفرو.
ليست فقط التكلفة المادية هي السبب الوحيد في ظهور فروق في جودة التحنيط، لكن على مدى فترات طويلة تغيّرت تقنيات التحنيط، وتطورت وأصبح المنتج النهائي أفضل بكثير من العصور السابقة. مع ذلك لم تكن الحركة دائمًا إلى الأمام. كان التقدّم متفاوتًا، في بعض الأحيان تتحسّن جودة المومياوات، وفي أحيانٍ أخرى تتدهور جودتها. وكشفت الدراسات المتخصصة أن عملية التحنيط كانت تستغرق ما يقرب من 70 يومًا. خلال هذه الفترة يقوم الكهنة بإجراء الطقوس والصلوات الجنائزية، ومعالجة الجسد ولفّه. تبدأ عملية التحنيط بإزالة أجزاء الجسد التي يمكن أن تتحلّل مثل الدماغ وجميع الأعضاء الباطنية باستثناء القلب، الذي يعتبره المصريون القدماء مركز جسم الإنسان. في الخطوة التالية يُغطى الجسم بالكامل بملح النطرون، لإزالة الرطوبة من الجسم، كما يعمل الملح كمادة حافظة ومادة تجفيف. تغليف الجثة بشرائط الكتان كان هو الخطوة الأخيرة.





على الرغم أن هذه هي الخطوات القياسية المستخدمة في عملية التحنيط بشكل عام، إلا أن العملية كانت تختلف حسب الحالة الاجتماعية للأفراد، لأن عملية التحنيط باهظة التكاليف، وتم تقديم بدائل أرخص للفقراء، وفقًا للمؤرّخ اليوناني القديم هيرودوت.
الطريقة الأولى، وتعتبر الأكثر كمالًا وتستخدم مع الملوك. تبدأ هذه العملية بسحب محتويات الدماغ بقطعة حديد ملتوية تشبه الخطاف من خلال فتحتي الأنف. الخطوة التالية تطهير الجمجمة بالعقاقير. بعد ذلك يقوم المتخصّص بعمل قطع طولي، ثم إخراج محتويات البطن بالكامل وغسل البطن بنبيذ النخيل وتطهيرها، ثم ضخ مواد عطرية مطحونة. بعد ذلك يملأون تجويف البطن بأنواع مختلفة من الأعشاب أهمها القرفة، ثم يخيطون الفتحة ويترك الجسد لمدة سبعين يومًا وهو مغطّى بالكامل. بعد انقضاء تلك الفترة التي لا يجب تجاوزها، يغسل الجسم مرة أخرى، ويُلفّ بشكل دائري من الرأس إلى القدم بشرائط الكتان الناعم المنقوع في الصمغ.
تُعاد الجثة بعد ذلك إلى أقارب المتوفى، ويضعونه في التابوت الخشبي المصنوع خصيصًا له. يغلق الصندوق ويربط جيدًا، ثم يترك منتصبًا بشكل رأسي على جدار المقبرة.



الطريقة الثانية، وهي للأشخاص الذين يرغبون في تقليل تكلفة عملية التحنيط. تبدأ العملية بحقن البطن بزيت شجر الأرز دون أي شقوق أو نزع للأحشاء. يترك الجسد في الهواء عددًا محدّدًا من الأيام يعمل خلالها زيت الأرز على إذابة المعدة والأمعاء، ويتركها في حالة سائلة. بعد ذلك لا يتبقى من الجثة سوى الجلد والعظام كهيكل خارجي. يعاد الجسد إلى أقارب المتوفى دون لفّ في شرائط الكتان.

الطريقة الثالثة، وهي للأشخاص الأكثر فقرًا، وتتم عن طريق تنظيف البطن والأمعاء بحقنة شرجية من الزيوت الطبيعية، ثم تغطّى الجثة بملح النطرون لمدة 70 يوما قبل إعادة الجثة إلى أقارب المتوفى دون لف في شرائط الكتان.



المصادر:
https://www.egypttoursportal.com/the-secret-of-egyptian-mummification/

https://www.livius.org/sources/content/herodotus/mummification/

https://www.telegraph.co.uk/news/2021/04/04/egyptian-mummies-paraded-cairo-ancient-rulers-procession/

https://www.marefa.org/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B3_%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A
https://www.hindawi.org/books/95193528/3/
https://www.worldhistory.org/tiye/
https://www.livescience.com/62614-hatshepsut.html
https://www.hindawi.org/books/81363602/54/