تبرز اللقطة السينمائية زركشة الأرضية، ونقش الجدران، وفروع لوحة شجرة السلالة، ولون حديد الشبابيك، ورسوم الفراش، ونقوش أواني الطعام، وألوان طبق الدوم، حيث يقدم الخبز... يصل الأميركي إلى مراكش، يجد صعوبة في الجلوس على أرائك منخفضة، في الاتكاء على وسائد غير ثابتة، يأتيه حوض الغسيل بدلًا من أن يذهب إليه... يمد الأميركي يده ليأكل من دون سكين وشوكة، ثم يغرق في الطاجين... بعدها يركب عربة تجرها الخيول ليكتشف مدينة النخيل...
هكذا اكتشف جمهور السينما العالمية سينوغرافيا مدينة مراكش في مطلع فيلم ألفريد هتشكوك "الرجل الذي كان يعرف أكثر من اللازم" (1956). سينوغرافيا ذات تناسق مؤثر تَشكل في زمن طويل ليبلغ ذروة الجمال. صوّر هتشكوك الفيلم في مراكش منذ سبعين سنة، وما زال هذا المشهد ينبض بالجمال وقد اغتنى بتفاصيل أكثر رفاهية... كل يوم يصل عشرات آلاف الأشخاص لعيش هذا الحدث. وقد عاش الرئيس بيل كلينتون هذه اللقطة، ثم جلس أرضًا يشرب الشاي في ضواحي مراكش في 2019. استثمر هتشكوك في فيلمه مشهد الضيافة عند المغاربة كما وصفه الرحالة والسفير الإسباني، أنطونيو دي سان مارتين، في 1863م في كتابه "مدينة النعاس رحلة إلى داخل المغرب" (ص 134). هذه تقاليد عريقة صمدت للزمن في المدينة التي لا تنام، وستصمد لملايين الكاميرات.
قرن ونصف قرن بعد زيارة السفير الإسباني، وسبعين سنة بعد الفيلم، ما زالت الضيافة مذهلة، وما زالت العربات التي تجرها الخيول تجوب المدينة، وقد ركبها كاتب هذا النص لكي يُرضي تشوّف العين لمتابعة كرنفال مراكش.
انطلق كرنفال الألوان المراكشي من ساحة الحارثي للقيام بجولة في أهم شوارع مراكش. تتقدم فرق موسيقية من كل مناطق المغرب، من السهول والصحراء والجبال، فرق بملابس مختلفة وإيقاعات متعددة. ترصد العين خضرة الشوارع، بهجة الأضواء، ورواج ونشاط هائل في مسرح حي يومي لا موسمي...
تتنوع درجات الألوان الدافئة في معمار وفضاءات مراكش. بهجة الألوان: الأحمر الفاتح، والبني الداكن، في الجدران والخشب المنقوش والآلات الموسيقية الجلدية. رقص وموسيقى، الاحتفاليات الطقوسية متصلة بروح المعمار.
على العربة عين متنقلة ترصد وتصف: باب محطة القطار، ومسرح ملكي، وعشرات فنادق خمسة نجوم، وقصر مؤتمرات، وشارع عرضه أكثر من أربعين مترًا... يُعدي لون الصخر والطين ما حوله بشكل متدرج... حياة خصبة، منغمة. تساعد الإيقاعات والألوان على التخلص من التوتر والقلق.
يتتبع هذا النص معالم أرضية الكرنفال، وهي سينوغرافيا فضاء مفتوح أحمر تحت إضاءة مسائية أرجوانية غامقة بسبب لون الجدران الطيني. مبان كبيرة أنيقة كبيرة... أشجار متشابكة، وزليج ترابي... توجد وحدة أسلوبية في اللون والمعمار... تتعايش عمارة الماضي مع الحاضر والمستقبل في مراكش.
يتكشف هذا لعين الراوي راكب العربة.
أنا هنا أرى وأكتب. هل ترقى اللغة لتسمية ما تراه العين؟
تتقدم العربة وتعبر شوارع تغطيها حدائق كبيرة جدا تحيط بفندق المامونية، وتؤدي إلى ساحة جامع الفنا، التي تحرسها صومعة الكتبية (تم بناؤها في 1199م).
هذه الساحة، قلب مراكش، هي فضاء مفتوح طيلة السنة، 24 ساعة على 24، تحيط به عربات محملة بالتمر واللوز والزبيب والعصائر الطازجة، وفي وسطه مطاعم في الهواء الطلق التي يعلوها بخار الشواء، وحولها حلقات الحكواتية والعازفين والبهلوانيين يأتيهم جمهور يقف في دوائر وهو مسلح بآلاف الكاميرات.
هنا يطلب المتلقي صورًا أكثر مما يطلب كلمات، لذلك أعرِض عليه مشهدًا متحركًا. هذه محاولة إنتاج خطاب غير عامي عن المدينة. عن سينوغرافيا المدينة، محاولة كتابة نص سينمائي عن مدينة.. بالصوت الصورة.. عن سنابك الخيل وصور المعمار ورائحة الطبخ.. هذا ينفلت من الكاميرا... التي ترصد الشكل واللون والحجم والصوت... الكاميرا لا تشم.
مراكش، هنا والآن، بين 22 و26 يونيو/ حزيران 2023، لا مقعد فارغًا في مدرج المسرح الملكي. تتناوب الفرق الشعبية على المنصة، والجمهور يتجاوب معها. لمعمار المسرح لون صومعة الكتبية ذاته. هكذا تمتد وحدة العلاقات التشكيلية في المدينة، بل تمتد في لباس الفرق الفنية أيضًا. تمتد من جلد سروج الخيول إلى لون جلد الآلات الموسيقية...
بفحص تفاصيل الزي والأثاث والمعمار تحضر الدائرة بكثافة في المشهد. دائمًا هنالك دوائر تتوسطها نجمات أحادية اللون... في نافورات الرخام والحجر والزليج، في نقش على الخشب، في نقش حناء على أيدي البنات، في نقش جبس على سقوف الفنادق المقاهي والمساجد، في زركشة حواف الطاجين، في ألوان التوابل عند العطارين...
يتضمن هذا النص النظرية التي أنتجته. أكتب فوق العربة. أنا هنا أرى وأكتب.
توجد وحدة أسلوبية بين كل عناصر هذا المشهد. هنالك "وحدة العلاقات التشكيلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا"، حسب هربرت ريد في "معنى الفن" (ص 41).
يكمن الجمال في وحدة ترابط العلاقات الشكلية. لكن وسط كل هذا التناسق عُثر على حالة معمارية شاذة. إليكم أنثروبولوجيا كاميرا ترصد خلل المعمار: منذ سنوات، طُلب من أربعة مهندسين تصميم مكاتب لأربعة بنوك في مراكش. ذهب مهندسان موهوبان الى عين المكان، وعاينا المعمار، فوضعا تصميمين ينبعان من عين المكان. معمار جزء من بيئته. بينما فتح مهندسان ساذجان ثلاجة مكتبيهما واخرجا تصميمين زجاجيين ورحّلوهما إلى مراكش. الآن، يبدو التصميمان كأنهما وقعا من الفضاء، لذا لا نوافذ فيهما. مبنيان زجاجيان حديديان غريبان عن الصورة المشهدية للمدينة الحمراء شكلًا ولونًا.
المدينة والصورة
مراكش مدينة "ذائعة الصيت"، هذه عبارة من زمن سطوة اللغة.
ماذا سنقول عن الصورة؟
مراكش مدينة مرئية في كل العالم. جعلت الثورة التكنولوجية من الصورة وسيلة أساسية للتواصل على حساب اللغة، على حساب العبارة.
يستقبل المغرب 250000 سائح أسبوعيًا من ثقافات مختلفة جدًا. فبينما تنتشر رائحة البارود وحرائق الأحياء والغابات في أوروبا تعرف مراكش هدوءًا ورواجًا هائلًا. ارتفع عدد السياح في المدينة بأكثر من 50 في المئة في عام 2023. هؤلاء السياح، بعد أن يتغذوا ويسبحوا ويتعشوا ويستحموا ماذا أعدت لهم وزارتا الثقافة والسياحة؟
يتوغل السياح في المدينة العتيقة لتجربة وتمثل نمط العيش... تختبر كاميرات السياح المَشاهد، تختبر كاميرات العولمة التراث، وتفرز الأصلح القابل للتصدير بعد أن يكون الزمن قد غربله وصهره. لن يصمد من الماضي إلا ما هو مفيد ودال للكاميرا.
العين بصيرة والكاميرا طويلة.
الصورة تغني عن الكلمات لمن رأى.
تستضيف مراكش عشرات آلاف السواح من ثقافات ولغات مختلفة جدًا، بحيث لا يمكن مخاطبتهم لغويًا. يجب مخاطبتهم فنيًا، أي مخاطبة عيونهم.
لهؤلاء السياح لغات جد مختلفة، من كوريا حتى جنوب أفريقيا. لا بد من التواصل معهم بالصورة.
الصور أكثر إتحافًا من الكلمات. لذلك يستمتع السواح بالمشهد رغم أنهم لا يفهمون اللغة. لذلك تتساءل "جماعة مو":
و"هل اللغة هي الشارح العام لكل الدوال؟".
تجيب: لا.
يدعي اللسانيون واللغويون والنحويون أنه "لا يوجد أي شكل من أشكال التفكير خارج اللغة" (حسب كتاب مجموعة مو "بحث في العلامة المرئية من أجل بلاغة الصورة"، ترجمة سمر محمد سعد، المنظمة العربية للترجمة بيروت 2012، ص 72). هذا هو الادعاء اللساني الذي يحاول الكتاب تفنيده كمدخل لنقد إمبريالية المنوال اللساني في قراءة الظواهر.
الصورة تقول. هكذا قضت الكاميرا على الإمبريالية اللغوية. لا تحتاج الألوان والأشكال والأنغام إلى ترجمة. انتهى زمن سجن البلاغة في مجال ضيق للمعنى.
بلاغة الصورة أغنى وأبلغ ومن دون شرط الترجمة.
لقد وقع تغيير في نمط التلقي، كل سائح مسلح بكاميرا. يصور ثم يري. يرى سينوغرافيا مراكش في شاشة الكاميرا... يشاهد ما يبهج العين مصورا، ينظر لصورته في شاشة هاتفه ويعدلها أكثر من وجهه في المرآة.
يطرح هذا التحول في تمثل العالم تحديات ـ في التعليم والصحافة والسياحة ـ على الهندسة الثقافية في القرن الواحد والعشرين.
هكذا اكتشف جمهور السينما العالمية سينوغرافيا مدينة مراكش في مطلع فيلم ألفريد هتشكوك "الرجل الذي كان يعرف أكثر من اللازم" (1956). سينوغرافيا ذات تناسق مؤثر تَشكل في زمن طويل ليبلغ ذروة الجمال. صوّر هتشكوك الفيلم في مراكش منذ سبعين سنة، وما زال هذا المشهد ينبض بالجمال وقد اغتنى بتفاصيل أكثر رفاهية... كل يوم يصل عشرات آلاف الأشخاص لعيش هذا الحدث. وقد عاش الرئيس بيل كلينتون هذه اللقطة، ثم جلس أرضًا يشرب الشاي في ضواحي مراكش في 2019. استثمر هتشكوك في فيلمه مشهد الضيافة عند المغاربة كما وصفه الرحالة والسفير الإسباني، أنطونيو دي سان مارتين، في 1863م في كتابه "مدينة النعاس رحلة إلى داخل المغرب" (ص 134). هذه تقاليد عريقة صمدت للزمن في المدينة التي لا تنام، وستصمد لملايين الكاميرات.
قرن ونصف قرن بعد زيارة السفير الإسباني، وسبعين سنة بعد الفيلم، ما زالت الضيافة مذهلة، وما زالت العربات التي تجرها الخيول تجوب المدينة، وقد ركبها كاتب هذا النص لكي يُرضي تشوّف العين لمتابعة كرنفال مراكش.
انطلق كرنفال الألوان المراكشي من ساحة الحارثي للقيام بجولة في أهم شوارع مراكش. تتقدم فرق موسيقية من كل مناطق المغرب، من السهول والصحراء والجبال، فرق بملابس مختلفة وإيقاعات متعددة. ترصد العين خضرة الشوارع، بهجة الأضواء، ورواج ونشاط هائل في مسرح حي يومي لا موسمي...
تتنوع درجات الألوان الدافئة في معمار وفضاءات مراكش. بهجة الألوان: الأحمر الفاتح، والبني الداكن، في الجدران والخشب المنقوش والآلات الموسيقية الجلدية. رقص وموسيقى، الاحتفاليات الطقوسية متصلة بروح المعمار.
على العربة عين متنقلة ترصد وتصف: باب محطة القطار، ومسرح ملكي، وعشرات فنادق خمسة نجوم، وقصر مؤتمرات، وشارع عرضه أكثر من أربعين مترًا... يُعدي لون الصخر والطين ما حوله بشكل متدرج... حياة خصبة، منغمة. تساعد الإيقاعات والألوان على التخلص من التوتر والقلق.
يتتبع هذا النص معالم أرضية الكرنفال، وهي سينوغرافيا فضاء مفتوح أحمر تحت إضاءة مسائية أرجوانية غامقة بسبب لون الجدران الطيني. مبان كبيرة أنيقة كبيرة... أشجار متشابكة، وزليج ترابي... توجد وحدة أسلوبية في اللون والمعمار... تتعايش عمارة الماضي مع الحاضر والمستقبل في مراكش.
يتكشف هذا لعين الراوي راكب العربة.
أنا هنا أرى وأكتب. هل ترقى اللغة لتسمية ما تراه العين؟
تتقدم العربة وتعبر شوارع تغطيها حدائق كبيرة جدا تحيط بفندق المامونية، وتؤدي إلى ساحة جامع الفنا، التي تحرسها صومعة الكتبية (تم بناؤها في 1199م).
هذه الساحة، قلب مراكش، هي فضاء مفتوح طيلة السنة، 24 ساعة على 24، تحيط به عربات محملة بالتمر واللوز والزبيب والعصائر الطازجة، وفي وسطه مطاعم في الهواء الطلق التي يعلوها بخار الشواء، وحولها حلقات الحكواتية والعازفين والبهلوانيين يأتيهم جمهور يقف في دوائر وهو مسلح بآلاف الكاميرات.
هنا يطلب المتلقي صورًا أكثر مما يطلب كلمات، لذلك أعرِض عليه مشهدًا متحركًا. هذه محاولة إنتاج خطاب غير عامي عن المدينة. عن سينوغرافيا المدينة، محاولة كتابة نص سينمائي عن مدينة.. بالصوت الصورة.. عن سنابك الخيل وصور المعمار ورائحة الطبخ.. هذا ينفلت من الكاميرا... التي ترصد الشكل واللون والحجم والصوت... الكاميرا لا تشم.
مراكش، هنا والآن، بين 22 و26 يونيو/ حزيران 2023، لا مقعد فارغًا في مدرج المسرح الملكي. تتناوب الفرق الشعبية على المنصة، والجمهور يتجاوب معها. لمعمار المسرح لون صومعة الكتبية ذاته. هكذا تمتد وحدة العلاقات التشكيلية في المدينة، بل تمتد في لباس الفرق الفنية أيضًا. تمتد من جلد سروج الخيول إلى لون جلد الآلات الموسيقية...
بفحص تفاصيل الزي والأثاث والمعمار تحضر الدائرة بكثافة في المشهد. دائمًا هنالك دوائر تتوسطها نجمات أحادية اللون... في نافورات الرخام والحجر والزليج، في نقش على الخشب، في نقش حناء على أيدي البنات، في نقش جبس على سقوف الفنادق المقاهي والمساجد، في زركشة حواف الطاجين، في ألوان التوابل عند العطارين...
يتضمن هذا النص النظرية التي أنتجته. أكتب فوق العربة. أنا هنا أرى وأكتب.
توجد وحدة أسلوبية بين كل عناصر هذا المشهد. هنالك "وحدة العلاقات التشكيلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا"، حسب هربرت ريد في "معنى الفن" (ص 41).
يكمن الجمال في وحدة ترابط العلاقات الشكلية. لكن وسط كل هذا التناسق عُثر على حالة معمارية شاذة. إليكم أنثروبولوجيا كاميرا ترصد خلل المعمار: منذ سنوات، طُلب من أربعة مهندسين تصميم مكاتب لأربعة بنوك في مراكش. ذهب مهندسان موهوبان الى عين المكان، وعاينا المعمار، فوضعا تصميمين ينبعان من عين المكان. معمار جزء من بيئته. بينما فتح مهندسان ساذجان ثلاجة مكتبيهما واخرجا تصميمين زجاجيين ورحّلوهما إلى مراكش. الآن، يبدو التصميمان كأنهما وقعا من الفضاء، لذا لا نوافذ فيهما. مبنيان زجاجيان حديديان غريبان عن الصورة المشهدية للمدينة الحمراء شكلًا ولونًا.
المدينة والصورة
مراكش مدينة "ذائعة الصيت"، هذه عبارة من زمن سطوة اللغة.
ماذا سنقول عن الصورة؟
مراكش مدينة مرئية في كل العالم. جعلت الثورة التكنولوجية من الصورة وسيلة أساسية للتواصل على حساب اللغة، على حساب العبارة.
يستقبل المغرب 250000 سائح أسبوعيًا من ثقافات مختلفة جدًا. فبينما تنتشر رائحة البارود وحرائق الأحياء والغابات في أوروبا تعرف مراكش هدوءًا ورواجًا هائلًا. ارتفع عدد السياح في المدينة بأكثر من 50 في المئة في عام 2023. هؤلاء السياح، بعد أن يتغذوا ويسبحوا ويتعشوا ويستحموا ماذا أعدت لهم وزارتا الثقافة والسياحة؟
يتوغل السياح في المدينة العتيقة لتجربة وتمثل نمط العيش... تختبر كاميرات السياح المَشاهد، تختبر كاميرات العولمة التراث، وتفرز الأصلح القابل للتصدير بعد أن يكون الزمن قد غربله وصهره. لن يصمد من الماضي إلا ما هو مفيد ودال للكاميرا.
العين بصيرة والكاميرا طويلة.
الصورة تغني عن الكلمات لمن رأى.
تستضيف مراكش عشرات آلاف السواح من ثقافات ولغات مختلفة جدًا، بحيث لا يمكن مخاطبتهم لغويًا. يجب مخاطبتهم فنيًا، أي مخاطبة عيونهم.
لهؤلاء السياح لغات جد مختلفة، من كوريا حتى جنوب أفريقيا. لا بد من التواصل معهم بالصورة.
الصور أكثر إتحافًا من الكلمات. لذلك يستمتع السواح بالمشهد رغم أنهم لا يفهمون اللغة. لذلك تتساءل "جماعة مو":
و"هل اللغة هي الشارح العام لكل الدوال؟".
تجيب: لا.
يدعي اللسانيون واللغويون والنحويون أنه "لا يوجد أي شكل من أشكال التفكير خارج اللغة" (حسب كتاب مجموعة مو "بحث في العلامة المرئية من أجل بلاغة الصورة"، ترجمة سمر محمد سعد، المنظمة العربية للترجمة بيروت 2012، ص 72). هذا هو الادعاء اللساني الذي يحاول الكتاب تفنيده كمدخل لنقد إمبريالية المنوال اللساني في قراءة الظواهر.
الصورة تقول. هكذا قضت الكاميرا على الإمبريالية اللغوية. لا تحتاج الألوان والأشكال والأنغام إلى ترجمة. انتهى زمن سجن البلاغة في مجال ضيق للمعنى.
بلاغة الصورة أغنى وأبلغ ومن دون شرط الترجمة.
لقد وقع تغيير في نمط التلقي، كل سائح مسلح بكاميرا. يصور ثم يري. يرى سينوغرافيا مراكش في شاشة الكاميرا... يشاهد ما يبهج العين مصورا، ينظر لصورته في شاشة هاتفه ويعدلها أكثر من وجهه في المرآة.
يطرح هذا التحول في تمثل العالم تحديات ـ في التعليم والصحافة والسياحة ـ على الهندسة الثقافية في القرن الواحد والعشرين.