Print
صدام الزيدي

"أدب الفيسبوك": إبداعٌ أم تكريس لوهم؟ (1)

14 يوليه 2019
هنا/الآن
لا يختلف اثنان حول الطفرة الكبيرة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، على صعيد انتشار الكتابة الأدبية في فضاء من حرية شبه مطلقة، متجاوزةً كثيراً مما كان يطوّق الأدب العربي في مساحات محدودة وفي جماعات وشلل، ناهيك عن قيود النشر وطباعة الكتاب ومقص الرقابة وغيرهما.
في المقابل، ماذا عن النص الرديء (المشوّه بالأغلاط والنتوءات) الذي يُنشر في فيسبوك وواتس آب وغيرهما على نطاق واسع؟. هذا النص، الذي يتناثر على شعاب ومساحات لا نهاية لها فاتحاً الباب على مصراعيه لأشباه كُتّاب وللسرقات الأدبية ولموجة من التكرار والتناسل والتناسخ والتساقط، ما هي عيوبه ومخاطره لا سيما وأنه لا أحد يراجعه أو يقوِّم اعوجاجه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم "اللايكات" والتعليقات على مثل هذا النص، عندما تنبني على مجاملة شخصية ودوافع شللية أو تنساق في طابعٍ عفويّ واستهلاكيّ على نحو: "جميل، مبدع، مدهش، نص رااائع".. وهل تبني هذه الوسائل مبدعاً أم تصنع وهماً؟
يرصد منبر "ضفة ثالثة" في هذا الملف الخاص آراء عدد من الأدباء والنقاد العرب من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، والذين انقسموا إلى فريقين: فريقٌ يحذِّر من "نص سمته الرداءة والاستسهال والاستهلاك، مليء بالأخطاء، لا علاقة له بالإبداع والمعرفة"، وفريقٌ ليس بمقدوره إنكار أن "الرداءة والشللية موجودتان في الفيسبوك وخارجه وبين المبدعين وغيرهم"، لكنه في الوقت عينه يزعم أن "الفيسبوك هو آخر ملجأ للإنسان العربيّ لكي يعبِّر عن أفكاره أو نصفها أو ربعها أو حتى جزءاً يسيراً منها".
هنا الجزء الأول

 
الشاعر والناقد الأكاديمي المغربي صلاح بوسريف:

نصٌ لا علاقة له بالمعرفة والإبداع!
لم أعتبر شخصياً ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي إبداعاً، أو كتابة يحتاج معها القارئ إلى كبير عناء في فهمها وفك شيفراتها، وما تنطوي عليه من رموز ودلالات، إلا ما كان في أصله كتابة جرت خارج مغريات هذه الوسائط، أي هي في أصلها كتابة فيها شغل وعمل،

وتنطوي على حس إبداعي أو نقدي ظاهر.
هذه الوسائط هي وسيلة للإخبار، للتواصل والحوار، ووسيلة لتبادل الأفكار ووجهات النظر، وليست وسيلة نشر ذات مصداقية، خاضعة لمعايير النشر كما نجدها في الجرائد والمجلات والمواقع التي لديها معايير محددة، وخط تحريري لا يتنازل عن القيمة الفنية والإبداعية، أو المعرفية، بل إن قيمة العمل المنشور، هنا، تكون من قيمة الجريدة والمجلة والموقع، لما تتسم به من مصداقية وصرامة في النشر.
ما ينشر في هذه المواقع الخاصة لا قيمة له، فصاحب الصفحة هو الكاتب، هو المحرر، هو الناشر، ووراءه خليط من الصداقات التي ليس أصحابها بالضرورة ممن لهم ثقافة نقدية، أو يمتلكون القدرة على تقييم النصوص والكتابات، أو حتى فهم طبيعة ما في النص من لغة وتركيب ودلالة، ففي كثير من الحالات، يضعون علامة الإعجاب من باب المجاملة، وتبادل الإعجاب فقط، دون قراءة ما هو منشور، بدليل أن نصوصاً كبيرة تنشر هنا، مأخوذة من أعمال معروفة وذات قيمة فنية جمالية عالية، لا تحظى بعدد ما حظيت به نصوص سخيفة مليئة بأخطاء اللغة والتعبير، من علامات الإعجاب. هذا يكفي لنفهم أن هذه الصفحات هي كلام حمامات، لا كلام معرفة وإبداع.

 

الشاعرة المصرية ديمة محمود:
ترويج للرداءة وللكتابة الهشة!
تسيّد وسائل التواصل الاجتماعي القطيعة في اللاوعي وتصنع النجوم وتوجه اهتمامات الناس بالصورة والخبر والكلمة وهذا هو دورها الذي لا يمكن مواجهته إلا بالوعي قدر الإمكان.  وهكذا شأنها فيما يتعلق بالنشر الأدبي والشأن الثقافي عامة. وأيّاً كان التحفظ على الفوضى الحاصلة فلا يمكن تجاهل دورها في التعريف بشعراء وكتابات من العالم العربي وتشجيع

الكثيرين على اكتشاف ذواتهم ومواهبهم في الكتابة.
سواء تعلق الأمر بنشر الكتابات الأدبية من قبل الأفراد أو الصفحات التي أوكل أصحابها لأنفسهم مهمة اقتناء نخبة النصوص فيما يروجون لذوقهم الخاص وصحبتهم الأثيرة أو العبث الشعري بخلط الحابل بالنابل حينما يذرون الرماد في العيون بشعراء راسخين في الشعرية وبنصوص لا يختلف على شعريتها اثنان، فإن هناك موجة عارمة من كتابات باهتة سمتها الرداءة والاستنساخ أفرزها النشر عبر هذه الوسائل في هيئة نصوص سليكونية متشابهة ومتطابقة أحياناً فلا بصمة ولا شعرية ولا دهشة، ليس فقط لأنها فتحت الباب على مصراعيه لسرقة النصوص جملاً وأفكاراً بل لأن بعضها لا يعدو كونه خواطر وكلاماً في كلام أو أنها ما أميل إلى تسميته  بنصوص الكتالوج حيث أنها مكتوبة بنفس الطريقة والمنوال حتى في تصميم الصور والمجاز لدرجة يمكن معها توقع خاتمة النص. هذا لا ينفي وجود نصوص ممتازة وشعرية بمعنى الكلمة، ولا يتعارض مع الإشادة بالكتابات الجادة والمتميزة للجميع وخاصة الأجيال الجديدة.  وإذا كان هذا يتوافق بشكلٍ ما مع ما عرض له زيغمونت باومان في "الحداثة السائلة" من حالة الانفلات والسيولة وتراخي الروابط واستمرار حالة التشكل والتبدل بلا غاية ولا ضوابط، فإنني أظن أننا وبكل أسف وصلنا إلى اللزوجة التي في ماهيتها لا تسيل ولا تثبت بل تعاود الالتصاق والانفصال وهكذا دواليك.
لقد أساء هذا إلى قصيدة النثر بالذات بحكم عوامل كثيرة تتعلق بسعتها وخلوها من الضوابط ومرونتها وقدرتها المستمرة على التطور واستيعاب التشكل من جديد، فقفز كثيرون عليها واستفاضوا في استباحتها وأصبح كل كلام رث مهلهل لا علاقة له بالشعرية من قريب ولا بعيد لقيطاً يُنسب إلى قصيدة النثر. رغم ذلك وبواقعية قد لا يتفق معها البعض، ليكتب الجميع بلا وصاية، فالتاريخ مفرمة والأيام عواصف لن تبقي إلا النصوص الراسخة التي تستحق الخلود ولا يكسوها التراب. التنويه المطلوب هو لمن يأخذون على عاتقهم الترويج للرداءة والكتابات الهشة وتصديرها على أنها كتابات جيدة وترتقي للشعرية. أنا أعتبر أن هؤلاء هم مجرمون في حق الأدب سواء أكانوا كباراً في السن جعلوا من تاريخهم الأدبي وهيبتهم لدى الآخرين عموماً والمقبلين على الكتابة سبّة تمنح النصوص أفضلية أو جواز مرور لعالم الشعر، أو قائمين بالأعمال الخيرية لا يمكنني أن أدخل نواياهم لكن ما أعرفه فقط هو أنهم يجنون على الشعر عن قصد لتمرير ما يريدونه من نصوص صديقاتهم وأصدقائهم أو للنشر لحساب مواقع يعملون بها أو عن غير قصد فإنهم يمارسون التضليل والتزوير، لكن قدسية الكلمة أقوى من العبث، وعاجلاً أم آجلاً تحكي النصوص الحقيقية عن نفسها فلا قطيع اللايكات ولا الصور المرفقة ولا التعليقات المجاملة ولا حتى مقالات النقد المكتوبة لتبادل المصالح ستخلد نصاً أو تلبسه ثوب الشعر طال الزمن أو قصر.

الروائي اليمني وجدي الأهدل:
حرية النشر أهمّ من بعض المنغّصات
ليس كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي هو أدب رديء، هناك تفاوت في الجودة

الأدبية. ومن حسن حظ الأجيال الشابة أن أتاح لهم التطور التكنولوجي طرقاً جديدة لنشر إبداعاتهم بعيداً عن الرقابة الغبية التي قيدت الإبداع العربي خلال المئة عام الماضية؛ وأيضاً من مميزات النشر المفتوح دون قيود التخلص من سلطة القائمين على الصحف والمجلات، الذين فرضوا أذواقهم على المجتمعات العربية في الماضي. وهذه الظاهرة لها سلبياتها دون شك، ولكن بالنسبة للعرب بالذات فإن هذه الحرية في النشر هي حاجة ضرورية، ولا تقل في أهميتها عن حاجتنا إلى الديمقراطية والحكم المدني والقوانين العادلة.
إن حرية النشر أهم بكثير من بعض المنغّصات الصغيرة التي قد تطفو على السطح هنا وهناك.


الروائي والشاعر والمترجم التونسي

جمال الجلاصي: اختلاط الحابل بالنابل!
مثّلت الثورة الرقميّة ينبوعاً لا ينضب للمعرفة والتعلّم الذاتي والتثقيف. ثم جاءت إثره مواقع التواصل الاجتماعي لتتحوّل إلى أكبر مهرجان أدبيّ ممكن. وأصبح التواصل بين الشعراء

والأدباء والنقاد ممكناً بل أصبح لحظياً. وقد انجرّ عن ذلك استسهال كبير للكتابة وخاصة للشعر (قصيدة النثر على وجه التحديد) وأصبح كلّ من هبّ ودبّ "يشخبط" جملتين أو ثلاثاً ينشرها مع صورة شخصية أو صورة لمنظر طبيعي، تنهال عليه اللايكات والتعليقات المادحة من كل حدب وصوب.
أنا لا أرى ضيراً من ذلك ما لم ينتقل هذا السلوك الافتراضي إلى الواقع؛ أي أنّ يتحوّل هؤلاء إلى شعراء يشاركون في الأمسيات بل وينشرون الدواوين، خاصة ونحن نرى تعليقات المجاملة والمتملّقة من بعض الشعراء الحقيقيين والأساتذة الجامعيين والنقاد.
الكتابة ليست ترفاً وليست لهواً لمن يعرف قيمتها وقدرها، لذلك أرى تحولها إلى وسيلة "نجومية" واستدرار الإعجاب عبر الصور المصاحبة أو الفيديوهات أمراً ينتقص من قيمة الأدب، ويخلط الحابل بالنابل. 


الشاعر والكاتب اليمني محمد عبدالوهاب الشيباني:
لو كنت أنثى ونصوصك هابطة ستحصد لايكات أكثر!

لا أذكر أني نشرت نصاً شعرياً جديداً لي في صفحتي على الفيسبوك أو عبر الواتس آب مطلقاً، حتى أني كثيراً ما اعترضت في البداية على شعراء من أصدقائي القريبين على نشر نصوصهم في وسائل التواصل السهلة خوفاً من انتحالها من أدعياء الكتابة من جهة، ومن جهة أخرى فإن مواقع وصفحات غير متخصصة أصلاً بنشر النصوص الأدبية عموماً (من شعر وسرد ونقد) لا

تستطيع خلق إضافات توصيلية لجمهور متخصص في متابعة وتذوق الشعر والأدب عموماً.
أصدقاء الشاعر والأديب عموما في الفيسبوك أو الواتس آب أو أي وسيلة تواصل أخرى، ليسوا جميعهم شعراء ولا أدباء وكثير منهم غير مثقفين وغير متذوقي كتابة إبداعية. وإن الإعجابات والتعليقات التي يضعونها على المنشورات محكومة بالنفاق والمجاملات المطلوب ردها بالمثل على ما ينشرون، وبالتالي هذه الإعجابات الكثيرة والتعليقات السائلة ليست مقياساً حقيقياً لوصول النص إلى مستهدفيه من القراء الحقيقيين والطبيعيين.
يكفي أن تكون أنثى مثلاً أو منتحلاً لصفتها وتنشر خواطر تافهة في الفيسبوك فستحصد عشرات الإعجابات والتعليقات، وعلى ذلك قس.
إن سهولة النشر وبدون تدقيقات ونقد تغري مئات الشعراء ومدعي الشعر على النشر في صفحاتهم، ومئات الإعجابات التي يغدقها أصدقاء الافتراض المجاملون على النصوص هي ما قد تصنع بدواخل هؤلاء الشعراء وأشباههم وهم الانتشار والشهرة الزائفة.


الشاعرة السورية ريتا الحكيم:
الشللية تغزو الفضاء الأزرق!
تساؤلات عديدة تدور في الأوساط الأدبية اليوم حول ما يُنشر من نصوصٍ على وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها، وخاصة تلك الأوساط الملتزمة بمعايير الجودة.
هذا الفضاء الواسع يفسح مجالاً لكل من يرغب بنشر نتاجه، بغض النظر إن كان ما ينشره جيداً أم سيئاً، وهنا تكمن المشكلة الخطيرة ألا وهي عدم وجود المراقب الخبير، والقارئ الضَّليع في التمييز بين ما هو جيد ورديء.
طبعاً لا يمكننا التَّعميم لأننا بذلك نُقصي مَن يستحقون ونُجحف بحقِّهم، لكن وبصراحة فإن النشر الرقمي أتاح للبعض أن يتسلَّق سلَّم الأدب دون أن يكون متمكّناً من أدواته، من حيث اللغة

والموهبة.. مجرَّد بضعة أسطر تغزوها الأخطاء الإملائية والنَّحوية، تشعل جمهوراً غفيراً ممَّن لا يقرأون بتمعُّنٍ، ويطلقون أحكامهم على النصِّ من خلال عدم درايتهم وعدم معرفتهم.
هناك نقَّاد محترفون حين يبدون رأيهم بهكذا نصوص هزيلة يصبحون أعداء لمَن كتبَها، وهذه مشكلتنا أنَّنا لا نقبل النقد ونتسوَّل المحاباة على أنها نوع من المحبة للشخص وليست تقييماً للنَّص.
تكمن الخطورة في أن النصَّ المشوَّه لغةً وصياغةً يحوز على إعجاب الكثيرين، وهنا نطرح سؤالاً مهمّاً حول مصداقية القرَّاء في أحكامهم: هل هم يتملَّقون صاحب النصَّ بسبب جهلهم؟ أم أنهم يعرفون ذلك ويصفِّقون لأسباب تخُصّهم وحدهم؟
ربَّما يندرج هذا تحت بند الشلليَّة التي بدأت تغزو هذا الفضاء الأزرق على نحو متسارعٍ ينبئ بأننا مُقدمونَ على كارثةٍ حقيقيَّةٍ تضع أصحاب النصُّوص الهزيلة في الصُّفوف الأمامية لفترة مؤقَّتة، وبالمقابل أصادف نصوصاً تستحق التوقف عندها والغوص فيها لما تحمله في طيَّاتها من قوة تؤكد أن كاتبها متمكِّنٌ ويقف على أرضٍ صلبة ومع ذلك لا تلقى الانتشار الذي يليق بها ولا التصفيق الذي تستحقه.
لا أنكر أنَّ الشِّللية موجودة في الواقع أيضاً ولكن الفضاء الافتراضي أتاح لها أن تتناسل، وتتكاثر لتصبح ظاهرةً عامةً، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى الابتعاد عن النَّشر الرَّقمي حفاظاً على نصوصهم، والتزموا بالنَّشر الورقي مع كل ما يتكبدونه من معاناة مع بعض دور النشر، ولقلة ذات اليد أيضاً.
التَّصفيق لا يصنع كاتباً أو شاعراً، يصنع له شهرةً كاذبة لا تلبث أن تخبوَ جذوتُها إلى أن تنطفئَ كلِّيّاً؛ لأنه في نهاية الأمر لا يصحُّ إلَّا الصَّحيح.
الموهبة لا تُصنع أبداً، لكن إن وُجدت تقوَّم وتُدعَّم، وهذا أمر آخر تماماً.
كثيرون يساهمون بشكل فجٍّ جدّا في تشويه الحقائق حين يطبِّلونَ لنصوصٍ لا ترقى إلى مستوى الأدب المُراد تعزيزه، وتعميمه، ليكون قبلة الأنظار، ومحجّاً للقرَّاء.
أيضاً لا بد من التَّنويه إلى أنَّ بعض المجموعات الأدبيَّة على الفيسبوك (لا للتعميم أيضاً) ساهمت بشكل مباشر ومباشر جدّاً في نشر نصوصٍ هابطة في مستواها التِّقني من حيث اللغة ومن حيث الصيِّاغة، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك مجموعات أدبية احترافية تلعب دوراً إيجابيّاً في عملية التقويم لمَن يمتلك الموهبة الحقيقية، وهذه المجموعات تقيِّم وتقوِّم دون محسوبيات أو مراعاة.
عن نفسي حين أقرأ نصّاً تكثر فيه الأخطاء أشعر بإهانة للغتنا العربيَّة، واستخفافاً بذائقة القارئ غيرِ العارفِ بقواعد النحو والصِّرف.
كلُّنا معرَّضون للخطأ ولا ضير من التقويم أمّا أن يكون الحل هو نسف النَّص بأكمله، وإعادة صياغته بعد التصحيح، فهذا يؤكد أن الموهبة غير موجودة ولا ينفع معها أيَّ دعمٍ وأيَّ تقويمٍ.
المبدع الحقيقي يثبت وجوده بدون هذه المظاهر الخادعة من إعجابات وتعليقات تشبه في مضمونها كمن يسوِّق لتجارة ما. المبدع الحقيقي لا تخطئه عين القارئ ولا ذائقته، مع التأكيد أن بعضهم لم تسمح لهم الظروف بأن يأخذوا فرصتهم التي يستحقونها.
المحاباة في الأدب مرفوضة والتَّربيت على كتف النَّص لأن هناك علاقة شخصية تربط الكاتب بالقارئ أيضاً مرفوض.
إن لم يكن هدفنا البناء، فأقلّ ما يمكن فعله الابتعاد عن زرع الأوهام، وعن التَّمسك بالسَّراب.
نحتاج للنهوض من هذه الكبوة إلى مصداقية وشفافية مع إصرارٍ على إبداء الرأي الصحيح فيما نقرأ في هذا الفضاء الأزرق، أو بالأحرى أن نكون أمناء لرسالة الأدب السَّامية.


الشاعرة المغربية أمينة الصنهاجي:

الرقمية تبني عالماً موازياً بالضرورة

بغض النظر عن معايير تقييم نص ما، ووصفه تبعاً لذلك بالرديء أو الجيد، فالوسائط الرقمية منحت للإنسان العربي فرصة نشر ما يكتبه، بلا عرقلة من رقابة أو غيرها، وجعلت التفاعل لحظياً وسريعاً وهذا شجّع الجميع ليكتب كما يحلو له وبدأ عهد التحرر من القوالب والالتزامات التي قنّنت عالم الكتابة منذ القدم.
هذا الوضع أصاب البعض بالرعب، بسبب خوفهم على أنماط الكتابة وطرائقها والتي يعتبرونها

ضماناً لارتقائها والحفاظ على مكانتها وسموها. بينما البعض الآخر اعتبر الأمر مرحلة ضرورية لتجاوز النخبوية وجعل الكتابة والنشر نشاطاً جماعياً يحق للجميع.
اللايكات والإعجابات أعتبرها مجرد تفاعل يخضع لعلاقات الكاتب ومدى تفاعله هو مع غيره أو شهرته التي بناها قبل الفيسبوك مثلاً. لكن هناك كُتّاباً يحصدون اللايكات بسبب جودة ما يكتبونه أو مدى ملامسته لهموم رواد الوسائط الرقمية، وهذا النوع حضور الأدباء بينهم قليل ونادر.
بالنسبة للشللية، لا يمكن تجاوزها، وهي تُبنى لاعتبارات لا علاقة لها بالنص الأدبي. والكثير ممن يضع "لايك" يضعه على النشر وليس بالضرورة أنه قرأ المنشور. كما لا يمكن تعميم هذا الرأي بل حصره في كون العلاقات داخل فضاء الفيسبوك مثلاً ليست علاقات أدبية أو ثقافية فقط بل هو فضاء يجمع معارف الشخص من كل الأصناف.
الوهم حياة موازية خلقتها وسائل التواصل الرقمي. فالوهم لم يعد بتلك الخطورة والغرابة التي كنا ننظر إليه بها، بل أصبح أمراً مقبولاً وممتعاً، وليس على مستوى الكتابة فقط بل أيضاً على مستوى كل أشكال النشر، من فيديوهات وصور ولايفات وغيرها.
أن يتوهم الشخص أنه شاعر حلقة من ضمن توهم آخر أنه مؤثر سياسياً، وغيره إمام داعية وله أتباع، وآخر أنه نجم يسحر بجماله وكاريزميته، وهكذا. هي موجة تسحب كل شيء. الرقمية تبني عالماً موازياً بالضرورة.

 الشاعر والكاتب المصري مؤمن سمير:

الإعجابات والقلوب الحمراء تحاصر كثيرين في كهف!
لكل ظاهرة جوانبها المتفاوتة، سواء الناجحة والمفيدة أو الفاشلة والضارة، وبالنسبة لوسائل التواصل فلا محل لإنكار أنها نجحت في لفت النظر إلى مبدعين جدد حيث أفرزتهم الحرية ونطاقاتها، وأنها محفز حقيقي على الإبداع ثم لعبة التدوينات المغرية بالكتابة وإعادة الكتابة

وكذلك معاينة رد الفعل لعملك بشكل سريع ومباشر، كما أنها شجعت المبدعين الذين ابتعدوا عن ساحة الإبداع على العودة واستئناف مشاريعهم وأوصلت مشاريع إبداعية كبيرة لأقصى درجات التفاعل والوصول، أما على الطرف الآخر من الأمر فنجدها قد رسّخت مبدعين بلا مشاريع وكرّست نصوصهم الضعيفة ومنعهم هذا التكريس من مساءلة نصوصهم والانطلاق خطوات نحو التجويد فظلمتهم من حيث أسعدتهم بالإعجابات والقلوب الحمراء فكأنها بهذا تكون قد حاصرتهم في كهفها الذي سيبقى طويلاً كهفهم.

الشاعر العراقي قاسم سعودي: أن تكتب نصاً رديئاً

أفضل من أن تطلق الرصاص على أحدهم
لا أجد أن ثمة مخاطر مترتبة على ما تطرحه وسائل التواصل الاجتماعي على صعيد النص الأدبي بشكل عام، وأرى أن الخطورة تكمن في حركة العالم المتسارعة ومحاولة اللحاق بما

تتطلبه عجلات العولمة السريعة، على الشكل الحياتي مثلاً، وسؤال الوجود والقسوة والصمت الذي بدأ يظهر واضحاً في المجتمعات البطيئة. أرى أنه ليكتب الجميع سواء أكانت هذه النصوص رديئة أو لا، والزمن كفيل بها. أن تكتب نصاً رديئاً أفضل من أن تطلق الرصاص على أحدهم، وأن تكون غارقاً في وهم الشعر والكتابة أفضل من أن تكون غارقاً في العنف وإنتاج الحروب. النجاة تكمن في البساطة، البساطة المفرطة التي تحترم الوجود الإنساني مهما كان نتاجه الأدبي أو الشعري المتنوع.