Print
إيهاب محمود

رحيل فاروق الفيشاوي.. الفنان الذي تكلم عن عيوبه

27 يوليه 2019
هنا/الآن
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وقف الفنان المصري فاروق الفيشاوي على المسرح، خلال فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ34، ليخبر الجميع بسره الكبير، وربما الأخير، عن إصابته بالسرطان: "بالعزيمة وبالإصرار، سأنتصر على هذا المرض. سأهزمه. وحاجي الدورة الجاية الـ35 لمهرجان الإسكندرية عشان أقول لزميل آخر أو زميلة أخرى: مبروك على التكريم"، غير أن القدر لم يمهل الفيشاوي الفرصة الكافية ليبارك لأحدهم على التكريم في الدورة الجديدة.
رحل فاروق الفيشاوي، الذي عاش حياة يحسده عليها الكثيرون، إذ بدا متسقاً مع نفسه إلى درجة كبيرة، وكان يتحدث دائماً عن نزواته، وأخطائه، وعيوبه، بدرجة من التصالح مع الذات والسلام النفسي، لا تملك أمامها إلا أن تقر لصاحبها بأنه معافى نفسياً، وأن عليك أن تتجاوز عن أخطائه هذه، بعد أن تعامل هو معها بهذا القدر من الاعتراف، والحب أيضاً.
كان الفيشاوي يتصرّف كما أراد، وفق ما تملي عليه قناعاته هو فقط، فلم يكن مجبراً مثلاً على أن يظهر إلى جوار السياسي المصري حمدين صباحي في مؤتمر كبير لمناقشة فرص فوزه بانتخابات رئاسة الجمهورية على حساب مرشح تقف إلى جانبه جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وإعلامها، إذ كان واضحاً تماماً أن العام 2014 سيشهد إعلان عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر، لا حمدين صباحي، غير أن فاروق اختار أن ينحاز إلى ما آمن به، بصرف النظر عن مآلات ذلك، وعن أن قناعاته قد تجعل الدولة وأجهزتها وإعلامها يقفون له بالمرصاد، إذ آثر الرجل أن يبقى على طبيعته، ويكمل حياته حقيقياً كما هو.
رفض الفيشاوي أن تتكفل الدولة بعلاجه، وعندما طلبت منه وزارة الصحة أن يتقدم بالأوراق المطلوبة لتلقي العلاج، اعتذر بسبب أنه "مستور الحال"، وربما يكون هناك المزيد من الذين ليس بإمكانهم تحمل نفقات علاجهم، وعلى الدولة أن تساعد هؤلاء المحتاجين أكثر منه بمراحل.
ولأن الإنسان لا يخلو من التناقضات، إذ أنه سمة أساسية من سماته، ولأنه ليس ملاكاً بالطبع، لم يجد فاروق الفيشاوي مشكلة في أن يخرج إلى الناس، في حوار صحافي أجراه معه صلاح منتصر، ليؤكد أنه أدمن الهيرويين لفترة من حياته، وقفت فيها إلى جانبه زوجته الفنانة سمية الألفي، وكان ذلك خلال الثمانينيات، وهي الفترة التي شهدت توهج الفيشاوي وأدائه لعدد كبير
من أهم الأدوار التي قدمها، سواء في السينما، أو على مستوى الأعمال الدرامية.
ولد فاروق الفيشاوي عام 1952 بمحافظة المنوفية وتخرج في كلية الآداب، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليتخرج فيه، ويبدأ مشواره الفني منتصف السبعينيات قبل أن يقدم أولى أدواره الحقيقية التي كشفت عن وجهه كنجم قادم بقوة، في مسلسل "أبنائي الأعزاء.. شكراً"، مع الممثل القدير عبدالمنعم مدبولي، والمخرج محمد فاضل.
وانطلق بعد ذلك في السينما التي حققت له شهرة كبيرة، كما ساعدته وسامته في الحصول على أدوار عدة، مثلما ساعده تنوع أدواره في ما بعد، وإجادته للكوميديا، والدراما، وكذلك الأدوار التي يمكن أن تكون صعبة، نظراً لأنها تلعب على الحالة النفسية للممثل، ونجح في لعب كل هذه الأدوار بإتقان وبصدق جعل الجمهور يتفاعل معه.
قدم الفيشاوي أعمالاً سينمائية مهمة، مثل "الباطنية"، و"فتوة الجبل"، و"وحوش الميناء"، و"عندما يبكي الرجال"، و"الكف"، و"الأستاذ يعرف أكثر"، وغيرها.
على المسرح قدم "الدنيا مقلوبة"، و"البرنسيسة"، و"اعقل يا دكتور"، و"الناس اللي في
التالت"، وكان آخر عمل مسرحي شارك فيه "الملك لير"، مع الفنان يحيى الفخراني، وهي المسرحية التي حققت ولا تزال ردود أفعال جيدة للغاية على المستويين الجماهيري والنقدي.
وعلى عكس غالبية الفنانين، ارتبط فاروق الفيشاوي بعلاقات قوية وحقيقية مع الكتاب والأدباء والمثقفين، فجلس معهم في حلقاتهم النقاشية، ويبدو من صوره معهم سعيداً ومنسجماً للغاية، وكأنه لم يصب بما يحدث للفنان في الغالب من اكتفاء بنفسه، وانزواء داخل المقربين منه فقط، وكلهم فنانون أو يعملون في الوسط الفني، غير أن الفيشاوي كان بإمكانه أن يسمح لأحدهم بالتقاط صورة له وهو يرتدي "البيجامة" في المنزل، كما ظهر في صورته مع الشاعر إبراهيم داوود، أو تسمع من ناقد كالدكتور حسين حمودة يتحدث عن الفيشاوي الذي فتح له قلبه وحكى له الكثير من أسراره، في أول لقاء جمعهما في منزل الفنان كمال أبو رية، وكأنه صديق قديم. وما لفت نظر حمودة كان هو نفسه السر الذي أحب الناس فاروق الفيشاوي بسببه، وهو الصدق، ذلك الذي يطل من عينيه معلناً عن نفسه، حيث اعترف له بأخطاء ارتكبها، ونزوات اقترفها، وبدا من صوته محملاً بقدر من الألم الكبير، ولكنه متعايش معه، ومتصالح مع نفسه لدرجة بعيدة.
ولأن الفيشاوي ظهر في فترة لمعت فيها أسماء أخرى كبيرة وكثيرة، لم يصبح هو النجم الأول، رغم أنه حقق ذلك في فترات، لكن تنافسه مع نجوم بأسماء عادل إمام، محمود عبدالعزيز، أحمد زكي، نور الشريف، صلاح السعدني، خلق أمامه صعوبة كبيرة في الظفر بلقب النجم الأول، ورغم أنه كان أكثرهم وسامة، إلا أنه اعتمد بالأساس على موهبة وحضور وكاريزما من نوع خاص، لا تملك أمامها إلا أن تتفاعل معها.