Print
أحمد عبد اللطيف

عبد الرحمن الثالث في عرض مسرحي بطليطلة

13 سبتمبر 2021
هنا/الآن
طليطلة التي كانت عاصمة لإسبانيا المسلمة، عادت إلى الأضواء مجددًا في استعادة لتاريخ إسبانيا عبر عروض مسرحية تقام على مساحة 30 قيراطًا في قلب الطبيعة، ليشاهد الجمهور أربعة عروض في النهار، في أربع قرى مختلفة، وعند حلول الليل يُعرض "حلم توليدو"، العرض الأكبر.
أبطال العروض المسرحية شخصيات مؤثرة في تاريخ هذه المدينة: المسرحي لوبي دي بيجا، المكتشف كريستوفر كولومبوس، الأسطوري السيد، والخليفة عبد الرحمن الثالث (عبد الرحمن الناصر لدين الله). كلهم يتشاركون خشبة مسرح تقع على بعد 6 كيلومترات من المدينة العظيمة، بالتحديد في "حديقة بوي دو فو إسبانيا".
تستغل العروض المسرحية التكنولوجيا الجديدة والمؤثرات لتروي تاريخًا طويلًا لبلد مرت عليه العديد من الحضارات، منذ الملوك القوطيين، وحتى دخول السكة الحديد. يتميز العرض بطرحه الجديد حول فكرة توالد الحضارات، وربط التسلسل الزمني قبل وصول الإنسان الحديث، فالرحلة الطويلة تبدأ من القرون الوسطى، ومن خلالها نكتشف كيف تطور تاريخ البلد.
ثمة أصالة لافتة في استدعاء التاريخ، وذكاء في اختيار الشخصيات التي لعبت دورًا رئيسيًا في تاريخ المدينة أولًا، ثم البلد ثانيًا. الابتكار أيضًا ملحوظ في استخدام المؤثرات الخاصة والأكروبات والمشاهد الفريدة والديكورات، ما يحوّل العرض إلى ما يشبه الحلم.
مدة العروض النهارية نصف ساعة، ويسع المكان من 1800 إلى 2400 مشاهد، ورغم الاحترازات الصحية، إلا أن المكان المفتوح عادة ما يمتلئ بكبار وأطفال وعائلات.



أبطال العرض
السيد كامبيادور (وهو بحسب الرواية العربية بطل أسطوري عربي، وفي الرواية الإسبانية إسباني) هو بطل "النشيد الأخير"، أحد أكثر نصوص القرون الوسطى تمجيدًا في البطولة والأسطورة، وهو نص يشبه بطولات سيف بن ذي يزن، وأبو زيد الهلالي، نموذج لمغامرات فارس قروسطي دافع لآخر لحظة في حياته عن قيم الشرف والكرامة. يمثل السيد الممثل الإسباني، رودريجو دياث، وتدور الأحداث في وسط قشتالة المقسومة. وخلال نصف ساعة يستعرض كيف يتملك زمام فرسه "بابيكا" على إيقاع الفلوت، فيما يصارع من أجل العدل.




وفي عرض "بالقلم والسيف"، يظهر المسرحي الشهير، لوبي دي بيجا (المعادل لشكسبير في المسرح الإسباني). هنا لا يختفي صراع السيف والمعارك والجنود، وتتراص المشاهد الملحمية للأسطول العظيم وفرسان الأندلس وعشرات الراقصات.

صقور عبد الرحمن الثالث وفرنان جونثالث


عبد الرحمن الثالث يظهر في عام 939م، خلافة قرطبة سقطت في سيمانكاس، وعبد الرحمن وفرنان جونثالث يعقدان هدنة. الكونت القشتالي يهادي الخليفة بنسر ملكي كعلامة للسلام. ردًا على الهدية، أطلعه الخليفة على صقوره. ثم بدأ الصراع بينهما من دون سلاح، وانطلق الرقص بصحبة أكثر من مئتي طائر، على ارتفاع منخفض، ليشعر المشاهدون بحب الطبيعة.
المؤثرات الفنية كان لها دور كبير، إذ نقلت في عرض كريستوفر كولومبوس نبض البحر وأجواء عام 1492، عام اكتشاف أميركا عبر حملة كولومبوس التي غيرت مجرى تاريخ العالم. وعلى مدار 20 دقيقة نتجول بميناء بالوس ونشعر بضجيج التجهيزات الأخيرة قبل الرحلة. يدور العرض داخل سفينة، نتطلع منها على البحر، ونعرف كيف كانت الكمرات والحياة في الماء حتى تأتي لحظة الصيحة "أرض"، التي أطلقها كولومبوس.



قرى لها تاريخ
بالإضافة للعروض النهارية الأربعة، تضم الحديقة أربعة مخيمات تاريخية تضم عشرين فيلّا وبيتًا كبيرًا، وكذلك محلات وورش تنتج منتجات يدوية ومحلية. في مخيم العسكر الأندلسي، تؤسس البيوت على الطراز الإسلامي، وتفوح منها رائحة العسل والبندق، وتنتشر الخيام على طول هذا المخيم الموريسكي، حيث تعيش بعض الحرف، مثل الحدادة وصناعة الزجاج. ثمة مخيم آخر هو القرية الملكية، ويتكون من جدران حجرية وخشب قديم وأبواب مقوسة وسقوف عتيقة. وبداخله أفضل الحرفيين بالمدينة، ويمكن تذوق أفضل الأطباق القروسطية.




في مخيم مجاور باسم سوق دي سان إيسيدرو، ثمة ركن للزيت الطبيعي، والنبيذ، على الطريقة القديمة، والجبن الطازج، واللحوم من كل أرض لا مانتشا. في هذا المكان نكتشف الحياة الريفية في القرون الوسطى، حيث التفاصيل الواقعية لهذا الزمن.
وفي مخيم الرابال، تتراص المحلات والفرشات والحانات. وهو مكان الراحة والشرب والأكل للناس، ومن هناك، من هذا المرتفع، يمكن مشاهدة المدينة بقراها وعروضها.
مع غروب الشمس، يبدأ عرض "حلم طليطلة"، وهو عرض ليلي يراجع 1500 سنة من تاريخ إسبانيا، ويعرض في 70 دقيقة على مسرح يشغل مساحة 5 قراريط. وبالإضافة لأكثر من 200 ممثل وفارس وراقص أكروبات، يشارك أكثر من 800 بروجيكتور ومؤثرات خاصة وموسيقى تصويرية، تشيد كلها إعادة بناء التاريخ وصلح طليطلة مع الملك القوطي ريكاردو، وحدائق المأمون المدهشة التي ترجع للقرن الحادي عشر، واتساع أراضي الملوك الكاثوليك، أو افتتاح السكة الحديد في منتصف القرن التاسع عشر.
في النهاية، تمثل كل العروض والمخيمات والأسواق استعادة للحظات تاريخية هامة شكلت العالم الذي نعرفه اليوم. ويتجرد العرض الخاص بالتاريخ الإسلامي من أي أيديولوجيا، ولا يتطرق لأي خلاف تاريخي، أو عرض وجهات نظر متنوعة. كل ما يهم العرض اللحظة الزمنية والشخصية التاريخية، هذه البانوراما العامة ككولاج لعدة صور.