Print
تغريد عبد العال

معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية".. في مفهومي الأسر والتحرّر

21 أبريل 2022
هنا/الآن

 

 

"عندما ألفظ كلمة صمت فأنا أكسره"- هكذا تقول الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا في إحدى قصائدها، وربما تكون الكلمات كالفن قادرة على حفر أنفاق في اللغة والوجود أو رسم طرقات داخل الجدران والغرف المعتمة. لكن الحياة نفسها أيضا تمتلئ بالسجون، ويبدو سؤال الحرية أوسع من مكان مغلق أو سجن. وربما تكون اللوحات حول ثيمة الأسر قليلة عالميًا مقارنة بالأدب الذي تحدث عن السجون والروايات التي خرجت منه أو كتبت عنه، سواء كانوا أسرى سابقين أو لم يخوضوا تجربة السجن. لكن فلسطينيًا يبدو السجن جغرافيا وبيئة حاضرة أوجدها الاحتلال، فحضر فنيًا وأدبيًا وحمل معه أسئلة الحرية والتحرر. هكذا يأتي التضامن مع الأسرى الفلسطينيين فنيًا كمجال اهتمام الكثير من الفنانين العرب والعالميين. كما كان لحفر نفق الحرية صدى فني فقدّم أكثر من فنان في العالم لوحته الخاصة. هنا نتأمل معنى أن يقدم الفنان رؤيته الخاصة للأسر من مكان مختلف، ومعنى أن تحتضن لوحات عن السجن مواد جديدة مختلفة عما كنا نشاهده سابقًا في أعمال فلسطينية وعربية وعالمية.

هذه التساؤلات وغيرها كانت مضمون معرض هو بمثابة تحية فنية لأسرى وأسيرات الحرية احتضنته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.

تقول قيمة المعرض رنا عناني ردًا على أسئلة "ضفة ثالثة":

"اختيار اللوحات تم بجهد مشترك أشرف عليه مديرنا العام خالد فراج. بدأت الفكرة بعرض أعمال فنية تبرع بها فنانون للوقفية الفنية لمؤسسة الدراسات الفلسطينية حول مفهومي الأسر والحرية، وتوسعت الفكرة لاحقًا لتضم مشاريع فنية نوعية حول هذا الموضوع، بعضها كان تبرعًا للمؤسسة والبعض الآخر تم استعارته من فنانين عرب وفلسطينيين وأجانب على حد سواء. وكان التجاوب رائعًا".

وتتابع عناني: "تمامًا مثلما نعمل في مؤسسة الدراسات الفلسطينية على إنتاج الكتب والمقالات والدراسات ضمن برامجنا البحثية والنشرية المتعلقة بموضوع الأسرى، ونتيح المساحة لطرح هذه القضية من خلال الندوات والمحاضرات وغيرها، نرى أن الفن هو أداة لا تقل أهمية في تناول موضوع الأسرى وتحديدًا الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. المسألة هي إثارة هذه القضية وإعادة طرحها على الطاولة، فالأسر طال تقريبًا كل بيت فلسطيني بشكل أو بآخر، في الوقت نفسه موضوع الأسرى مهمّش، وهم يشعرون أنهم منسيون في غياهب الزنازين الإسرائيلية. والمعرض هو تحية للأسرى والتضحيات التي قدموها وهذا أقل ما يمكننا فعله وفاء لتضحياتهم".

من المعرض: أسمى غانم، مالكوم إكس فلسطينيا، 2022- عامر الشوملي، ست صبرات كانوا بانتظارك، 2022- عبد الرحمن قطناني، شجرة زيتون، 2022



في المعرض تحضر مواد جديدة ورموز مبتكرة، كالساعة المهشمة وبدون عقارب والتي تشير إلى الوقت الذي لا ينتهي حيث يشبه الوقت داخل السجن، ويقدم الفنان هاني زعرب عملًا بعنوان "داخل الوقت"، صورة أشعة حقيقية لرئتيه، وساعة تم تثبيتها عالقة في مجرى التنفس بين شقي الرئتين.

يقول زعرب، المعتقل السابق الذي ولد في مخيم رفح ويقيم حاليًا في باريس:

"هذا العمل أنجزته في فترة كورونا والحجر حين تمت دعوتي للمشاركة مع سبعة فنانين آخرين في مشروع من مؤسسة أميركية في نيويورك ضمن مشروع العدوى الإبداعية، فعملت عمل ’داخل الوقت’، في تلك الفترة تم قتل جورج فلويد الأميركي بطريقة عنيفة تشبه كثيرًا قتل الفلسطينيين، واعتقالهم من قبل العدو الصهيوني، فما حدث من كورونا ومن قتل جورج فلويد وحاجة الإنسان للأوكسجين وعلاقة الإنسان بالرئتين ومرض كوفيد، فتقاطعت الأشياء بالنسبة لي وخاصة أن هذا جزء من بحثي الأكبر بين الشخصي والفلسطيني والعربي والعالمي. فوجدت أنني أبتكر ساعة محطمة أضعها بين الأضلاع، كناية عن كورونا وقتل الإنسان والحاجة للتنفس التي شعر بها فلويد كما يشعر بها الشهداء الفلسطينيون قبل أن يموتوا وكذلك الأسرى أيضا. أنا أيضًا معتقل سابق، وأعلم كم يكون الوقت ثقيلًا وجارحًا". وعن سؤال حول أثر المخيم يجيب هاني: "تركت مخيم رفح منذ عام 1994، ودرست في نابلس وعشت في جنين ورام الله وفي باريس، ولا بد من تأثير لهذه الأمكنة في عملي بلا شك".

أما الفنان الفلسطيني منذر جوابرة فقد حضرت مادة خيوط الصوف في لوحته "زمن مكسور" والتي تشبه إلى حد كبير قضبان السجن، ولكنها على العكس مادة هشة وتزول بسرعة وكأنها مجاز أن السجن لن يطول، وعن هذه المادة وتجربته في العمل يقول منذر جوابرة:

"تم إنتاج مجموعة من الأعمال بين العامين 2015 و 2016 والتي أنتجت كمعرض شخصي تحت عنوان "زمن مكسور" وذلك بعد مشروع تجريبي عشت من خلاله لمدة خمسة وأربعين يومًا مع معتقلين سياسيين شاركوا في فيلم ’اصطياد أشباح’ للمخرج رائد أنضوني. وقد تمثلت مجموعة الأعمال بين العديد من الوسائط المتعددة. أما العملان المشاركان في المعرض فقد أنتجا للحديث عن حياة الأسرى الفلسطينيين داخل معتقلات العدو. واستعمال مادة الصوف جاء من تجربة المعتقلين الذين استخدموا هذا الخيط على وجه الخصوص لإنتاج أعمال فنية ومشغولات يدوية يقومون بإهدائها لأهاليهم خارج السجون، وهي عادة ما تكون بسيطة لكنها تعكس قيمة مثلى لهم من حيث إنتاجها والظروف التي أنتجت فيها... وعلى وجه الخصوص إشغال الوقت والتحايل على الملل والروتين".

من أعمال المعرض لمحمد صالح خليل ورؤوف الكرّاي والأسير المحرر الشيخ رائد صلاح



ويتابع الفنان حول عمل الفيديو: "أما عمل الفيديو فقد جاء نتيجة كثير من القصص والحكايات التي رواها المعتقلون عن الزنازين وضيق مساحتها وطرق التعذيب التي مروا بها. وإن الزنزانة الافتراضية على وجه الخصوص تعمل على تحفيز الجنون وفقدان التركيز وعدم السيطرة على الذات والضعف والوسواس".

هكذا نرى أن معظم الأعمال أتت من تجارب شخصية سواء داخل السجن أو خارجه مع السجناء أو ربما من حياة الفلسطينيين بعامة، أما الأعمال الأخرى فقد أتت تضامنية كما هو عمل الفنان التونسي رؤوف الكراي "صباح الخير يا فلسطين" والذي رسم فيه ستة طيور تخرج من النفق. ربما يكون تصوير الأسرى كطيور هو ما جعل صورة الأسر تتغير وتبتعد لتعني الحرية لكن خروجها من النفق أيضًا أعطى للعمل بعدًا آخر غير اعتيادي. وتحضر النباتات أيضًا كما هو في عمل عبد الرحمن قطناني "شجرة الزيتون" وعمل منال محاميد "زهرة الحرية" وأيضًا نبات الصبار في عمل عامر شوملي.


ومن هنا نستطيع القول إن هذه النباتات هي مجاز للعالم الخارجي الذي يطل عليه السجن وحضورها هو كسر مجازي أيضًا لتلك القضبان. أما عصبة العينين فكان لها حضور خاص في لوحة جواد إبراهيم "عين تحدق في القاتل" حيث يرسم الفنان رجلًا ينظر بعين واحدة من تحت عصبة بيضاء على العينين، تذكر هذه اللوحة بالعصبة التي يضعها السجن على أعين الأسرى، ولكنها أيضًا تحفز على الرؤية وعلى النظر إلى السجان ومواجهته.

ثمة أسئلة كثيرة ومعان مختلفة يضعها المعرض أمامنا والذي هو بمثابة تحية خاصة للأسرى، لكنه في الوقت نفسه دعوة للبحث في شكل التضامن الفني مع قضية عالمية تحمل داخلها أسئلة التحرر. هكذا ربما نجد بعض ملامح الإجابة في لوحة الأسير المحرر أمجد غنام الذي رسم القمر تلفه أسلاك شائكة. لم تقيد تلك الأسلاك الإنسان بل العالم من حوله وكأن هذه اللوحة اقتراح للنظر نحو الأسر كما لو أنه ليس فقط للبشر بل أيضًا للعالم من حولنا.

  

من أعمال المعرض