Print
عزيز العرباوي

تنمية الذات والوعي بالمسؤولية: عن المؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي

6 مارس 2023
هنا/الآن

لعبت بطولة كأس العالم التي نظمت في دولة قطر بشكل رائع ومتميز على كل الأصعدة الدور الكبير في بروز العديد من الشخصيات والصور الإنسانية التي أظهرت حقيقة الشخصية العربية وقدرتها على الإبداع والتغير نحو الأفضل ونحو بناء مستقبل متطور يتماشى مع قيمنا وثقافتنا المتميزة. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على علو كعب عدد من البلدان العربية في التنظيم والإبداع وتطوير أشكال العمل وترويج صورة العربي في العالم. ومن هنا يمكن الحديث عن ضرورة العمل أكثر على تنمية الشخصية العربية وتطويرها ثقافيًا وفكريًا حتى تساير التغير الحاصل على المستوى الرسمي.

تعد تنمية الشخصية من التحديات الذاتية التي تفرض على المرء التحلي بالذكاء والتأثير المباشر في الآخر بشكل مستمر؛ كما تجعله يحدد أهدافه وغاياته من وجوده كفرد وكذات إنسانية قادرة على تحقيقها بشكلٍ واعٍ ومميز في مجتمع متنوع ومتعدد التوجهات والأفكار والمواقف التي قد تفيده في الحياة والعلاقات الإنسانية التي يربطها مع الآخر كيفما كان واينما وُجِد. هذه التحديات تفرض عليه التحلي بنوع من الذكاء في التعامل والتموقف منها ومن الذين قد يكونون سببًا في إيجادها في طريقه؛ وبالتالي لا يمكن الحديث عن تنمية الشخصية إلا في إطار من الوعي بالمسؤولية تجاه الذات وتجاه الآخر قبل أي شيء آخر. 

إن الحديث عن الشخصية المؤثرة في المجتمع اليوم يتطلب منا الوقوف على أهم الصيغ والمحددات لنجاحها في مجال التواصل والتفاعل الإنسانييْن؛ حيث تجعل من نفسها أساسًا لتوجيه الآخرين والمحافظة على قيم المجتمع الذي تنتمي إليه لخلق أسباب التطور والتقدم. فأهمية الحضور الشخصي للذات في المجتمع وفهم هذا الوجود بشكل إيجابي ومؤثر في السلوكيات والتصورات المحتملة والمتاحة ترفع من شكل التوعية لدى أفراد المجتمع المستهدفين، والتأكد من مؤهلاتهم، ومهاراتهم، وكفاءاتهم المتعددة لتحسين فرص النجاح.

تحاول الشخصية العربية اليوم أن تقدم ذاتها بصورة إيجابية، سواء من خلال تحقيق تواجدها في المجتمع، أم من خلال توصيل أفكارها وترسيخها لدى الآخرين بشكل أو بآخر وتقديم نفسها للعالم على أنها المنقذة والمؤثرة والفاعلة. وقد يظهر في بعض الأحيان على هذه الشخصية أنها ضعيفة لا ترقى إلى مستوى التأثير أو القيادة، لكنها، وبفعل وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها وأصنافها، تحقق النجاح لدى فئة عريضة من الجمهور البسيط الذي ينجذب إلى الأمور التافهة أكثر من انجذابه إلى الأمور الإيجابية التي تتخذ الثقافة والتوعية غاية لها.

تحاول الشخصية العربية اليوم أن تقدم ذاتها بصورة إيجابية، سواء من خلال تحقيق تواجدها في المجتمع، أم من خلال توصيل أفكارها وترسيخها لدى الآخرين بشكل أو بآخر وتقديم نفسها للعالم على أنها المنقذة والمؤثرة والفاعلة

إن الوعي بالذات يتطلب أولًا وبشكل قوي الوعي بوجودها المادي والمعنوي في مجتمعها الصغير والكبير، وبقدرتها على التغير والتحول نحو الإيجابي والفهم السليم لقدراتها وكفاءتها في كبح جوارحها وتصحيح نقاط ضعفها المدمرة. فكشْف الجوانب الشخصية الإيجابية للعيان والعمل على تقديمها وفق نظرة علمية للجمهور من أجل توعيته على بناء الذات والمساهمة في التحول الاجتماعي المنشود هو الذي يرفع من شأن الشخصية المؤثرة في عالمنا العربي الذي صار يعج بمؤثرين فاشلين وسلبيين يكرسون التخلف والجهل والأمية والرجعية الثقافية والفكرية والدينية.

ويعد الحضور القوي للشخصية المؤثرة في عالمنا اليوم بمثابة ذلك الحد الفاصل بين التخلف والتقدم، من حيث كونها (الشخصية) علامة دلالية على التواصل الفعال مع الجمهور؛ هذا التواصل الذي يتطلب منها الإلمام بقواعده ومبادئه وقيمه الإيجابية المؤثرة في الآخر من خلال مشاركته التجارب الشخصية الناجحة والطموحات الفردية لبناء الذات وتنميتها بصورة ناجحة وقوية. كل هذا يعتمد على عدد متنوع من العوامل ويتأثر بقيم الثقافة المجتمعية وبالتقاليد والأعراف الاجتماعية وبالتحولات العالمية التي يجيب عن أسئلتها وأسئلة جمهورها الخاص.

تبدأ مسؤولية كل شخصية مؤثرة في المجتمع بالقدرة على تنمية الذات وتقويتها على المستوى الثقافي والقيمي حتى يتسنى لها إمكانية التحكم في النفس أمام المغريات العديدة التي قد تتعرض لها في مسيرتها كلها. فضريبة الشهرة والنجاح كبيرة جدًّا، وليس من السهل دخول غمارها بدون خسائر أو التعرض للإغراء والمنافسة والتهديد ومحاولة تشويه السمعة... لذلك ينبغي الابتعاد عن كل ما يثير الشبهات ويعرض الذات للسقوط في المصيدة والفخ الذي قد تجده أمامها في كل وقت وحين.

إن أهمية التأثير في الآخر تنبني أساسًا على التحلي بالمسؤولية تجاهه، ومحاولة توجيهه ثقافيًا وقيميًا وتربويًا وتوعويًا للمساهمة في بناء المجتمع وتطويره. مسؤولية عظيمة لا تتحمل الفشل أو الوقوع في الخطأ الكارثي الذي قد ينتج جيلًا مدمرًا للمجتمع، وفئات تساهم في تعطيل مسيرة البناء والتقدم أو الوقوف حجر عثرة أمامه في المجمل؛ مسؤولية تنطلق من الاعتزاز بهويتها وحلمها بالمستقبل الزاهر، تستلهم حضورها في المجتمع من خلال قدرتها على الانفتاح الثقافي واللغوي على العالم وعلى الآخر دون مركب نقص أو إحساس بالدونية، بل يجب على هذه الشخصية المؤثرة أن تكون حاملة لهمِّ المجتمع وأفراده، مدركة لأحواله وأحلام ناسه وتطلعاتهم وهواجسهم ومخاوفهم المستقبلية من أجل طرح الأفكار الجيدة والجديدة على جميع المستويات وفي كافة الجوانب.  

إن المسؤولية الذاتية تفترض متغيرات متعددة تدخل في إطار ما هو أخلاقي وقيمي، إضافة إلى المسؤولية تجاه الذات والآخرين وتجاه المجتمع، حيث ينبغي تطويرها وفق مهارات وكفاءات اجتماعية تساهم في نشر ثقافة الإحساس بالمسؤولية لدى أفراد المجتمع، وتحقيق الحد الأدنى من القيم الوطنية والمجتمعية التي تنتج مجتمعًا سليمًا ومتقدمًا؛ وهذا لن يتأتى إلا بوجود أفراد مؤثرين يفكرون بمنطق الربح والتربية والتعليم الناجع، وإلا صار هؤلاء مجرد أبواق تمارس الكلام دون حدود كما هو واقع اليوم لدى الكثيرين من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في عالمنا العربي.

* كاتب مغربي.