Print
صدام الزيدي

عن منصات التواصل و"الشِّللية الثقافية"

3 نوفمبر 2024
هنا/الآن
من البديهي اليوم القول إن السوشيال ميديا جاءت لتحد من الشِّللية في الأوساط الثقافية والإبداعية، لكن ما يبدو جليًا، هو أن هنالك شللية، غير معلنة، تتوغل في تفاعلات المحتوى الأدبي والثقافي (العربي) على المنصات، هي جزء من سلوك يصعب الحدّ منه، تقريبًا، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل صار القائمون على المنصات يمارسون نوعًا من الإزدواجية والشللية القاسية في التعامل مع المحتوى المنشور بما يخدم توجهات سياسية على حساب أخرى!
فهل حدّت منصات التواصل الاجتماعي من "الشِّللية الثقافية" أم أن الأمر تضاعف ووجدت (الشللية) فضاءات بديلة بطريقة أو بأخرى؟... وكيف يرى الأدباء إلى المحتوى (الأدبي والثقافي المنشور في المنصات) القائم أساسًا على تكتلات ظاهرة أو مُبطّنة؟... وفي المجمل، هل تخدم الشِّللية المبدع أم أنها تدفعه لكي يسير في فضاءات الوهم؟.
أسئلةٌ طرحناها على عدد من الأدباء والكتاب العرب، فكانت هذه هي إجاباتهم:

ريتا الحكيم (شاعرة سورية):
بسبب الشللية نواجه اليوم انقلابًا في مفهوم الموهبة الأدبيَّة



"الشِّللية" عملة ذات وجهين... أحدهما هدَّام والآخر بنَّاء، وهذا الأخير أصبح اليوم عملةً صعبةً ونادرة الوجود في ظلِّ المحسوبيات والمصالح الشَّخصية، وبما أنَّ وسائل التَّواصل الاجتماعي باتت اليوم انعكاسًا للواقع بكلِّ تفاصيله؛ فإنها ساهمت بشكلٍ سلبيٍّ في المشهد الثقافي بكلِّ مفاصله وتنوُّعه رغم أنَّها وسيلة انتشارٍ سريعةٍ وهذا ما قصدت بـ"الوجه الهدَّام" الذي لا يعتمد على جودة المنتَج الأدبي وكفاءة كاتبه بل جلُّ مضمونه تفاهات ومنشورات لا تلتزم بالمعايير الأدبية، وتخضع لكواليس العلاقات الشَّخصية.
الشِّللية المنتشرة اليوم على منصَّات التَّواصل الاجتماعي هي إعادة تدوير لتلك التي تحدث على أرض الواقع. لا رقابة على المحتوى، تهميش للإبداع الحقيقي وإفساح المجال لمتسلقي الأدب، إضافةً إلى التَّداعيات السَّيئة التي تُخلِّفها وراءها، حيث أن منصَّات التَّواصل الاجتماعي تتحوَّل أحيانًا إلى ساحات حربٍ حقيقيةٍ عندما تختلف الآراء والتَّعليقات على منشورٍ ما.
وبما أن العالم الافتراضي أصبح موازيًا للعالم الواقعي؛ فلزامًا علينا ألَّا نستغرب إعادة تدوير الشِّللية، وأيضًا ألا نُغفل إيجابيات المنصَّات التي تلتزم بالمعايير الأدبية ولا تعتمد على الشِّللية والمحاباة.
تبقى الشِّللية ظاهرة تسعى لقتل الإبداع واستبداله بفقاعاتٍ مصيرها لا بدَّ إلى زوال، لأن العبرة في الخواتيم ولن يصحَّ إلا الصَّحيح رغم أنني أجد أن هذا "الصَّحيح" لا يبدو قريبًا في الأفق.    
الشِّللية الفاسدة لا يعنيها المحتوى الأدبي وكل ما تقدِّمه من إغراءاتٍ للمنتسبين إليها ليس إلاَّ من باب إخفاء هشاشتهم وتحويلهم إلى دمى متحركةٍ لتحقيق منافعَ شخصيةٍ وغاياتٍ أخرى، والهدف واضح جدًّا لمَن يرى بعين بصيرته.
نحن اليوم نواجه انقلابًا في مفهوم الموهبة الأدبيَّة لأن الشِّللية أتاحت للغادي والبادي أن يعتبر نفسه موهوبًا وبسهولةٍ يجد مَن يأخذ بيده ويجعل منه واسع الانتشار على منصَّات التَّواصل الاجتماعي.
الشِّللية يمكن أن تستبعد المبدع الحقيقي وتنحَّيه جانبًا للتَّرويج لمَن هم أقل منه موهبةً وأداءً مما يدفع بهؤلاء إلى السَّقوط  في هاوية الوهم، ولكن لا بدَّ هنا من التَّنويه إلى أنَّ هاوية الوهم هذه ليست إلاَّ فخًّا يعود على مَن كان ضحيته بعواقبَ وخيمةٍ.
الشِّللية الفاسدة اليوم هي في صراع مع الشِّللية الملتزمة بمعايير الأدب والثَّقافة ولا بدَّ من أن نجد انفراجًا في مستقبل الأيام يُظهر على الملأ عدم جدواها.
 في الختام أرى أن مفهوم الشِّللية بشقَّيه يجب ألا يسود المجال الأدبي والثقافي لكي يأخذ المبدعون فرصتهم الحقيقية.

أحمد عايد (شاعر مصري):
مصنع إعادة تدوير "نفايات الأدب"...



تبدو الشللية معضلة أزلية لا تنتهي، منذ وجود الإنسان الأول، ثم تكاثره، تكتله، وتكوين أول جماعة، ثم انشقاق الجماعة جماعتين، فثلاثًا، فأربعًا... إلخ. ويبدو أن هذا مرض متأصل في الإنسان، هو أن ينجذب إلى مَن يشابهه ولو جزئيًّا، ويقيم مصالحه وعلاقاته بناء على هذا.
وبتتبع مسار الإنسان في الحياة، نجد أن الشللية تزداد بتقدم الزمن، ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت هذه الظاهرة، حيث يبحث الناس عن أي شكل للوجود، وأي تريند ليركبوه، وبيئة وسائل التواصل بيئة موبوءة مهيأة لإخراج بشاعات النفس المخفية؛ لأسباب كثيرة منها: غياب الرقابة، وسهولة التخفي، وكثرة الإدعاء حد الاختلاق.
في اعتقادي أن أحد أسباب فساد الأدب في عصرنا يرجع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد صار التواجد عليها أهم وأقوى من الوجود الفعلي والتواصل الحقيقي، بل يمكننا رصد ظواهر أدبية مخيفة لم تكن لتنشأ لولا وجود وسائل التواصل الاجتماعي.
من هذه الظواهر أدب التيك أوي (الوجبات السريعة) وهو يبدأ من المقولة/ الشذرة/ الومضة، مرورًا بالشِّعر، والقصة، وانتهاء بالرواية والمقالات والكتب... تبدو فكرة مخيفة أن يتحول الأدب إلى شيء عابر، وهو في ذاته شيء خالد يقاوم الزمان... لكن الشللية والتريند ووسائل التواصل الاجتماعي تصنع المخلفات وتتناولها وتعيد تدويرها... وهلم جرا.

منى محمد صالح (قاصّة وشاعرة سودانية- إريترية)/ المملكة المتحدة:
الإبداع الحقيقي يتطلب الانفتاح على أصوات مستقلة



موضوع "الشللية الثقافية على المنصات الرقمية" يمس واقعًا جوهريًا في المشهد الثقافي الحديث، خصوصًا، فمن واقع تجربتي ككاتبة تنتمي إلى ثقافات متعددة، أرى أن منصات التواصل الاجتماعي في هذا الفضاء قد أفرزت حراكًا مختلفًا في البنية الثقافية. فقد قدمت للكثير من الكُتّاب والشعراء، بمن فيهم أنا، نافذة للوصول إلى متابعات محفّزة وبيئة تشجع على النشر والإبداع. ومع ذلك، لا يمكن القول بأن هذه المنصات قد حدّت من "الشللية الثقافية". في الواقع، ما لاحظته هو أن الشللية وجدت بيئة خصبة للنمو عبر مجموعات وتكتلات رقمية مغلقة تسعى لتحديد معايير القبول والتفاعل في المجال الأدبي. غالبًا ما تفرض هذه التكتلات توجهات أدبية محددة، مما يُقصي بعض الأصوات المبدعة ويحدّ من فرص الأصوات الجديدة.
ساهمت سابقًا مع كُتّاب وإعلاميين، جمعنا الهم الثقافي بتنوّعه، في إدارة صفحات أدبية هدفت إلى تعزيز الفعل الأدبي الشامل بعيدًا عن الشلليات. كما ساهمت في إدارة جائزة محمد سعيد ناود للقصة القصيرة، التي كانت مفتوحة لأدب دول القرن الأفريقي واستمرت لثماني دورات. ركزت الجائزة على جودة الكتابة الإبداعية ومنح الفرصة لمجموعة واسعة من الكتّاب بدون تفضيل فئة معينة. ساعد ذلك في ظهور أصوات جديدة ومبتكرة في الأدب، وشجّع على نشر أعمال متنوعة. كما كان للترجمة دور كبير في بناء جسور ثقافية بين الأدب العربي والآداب الأخرى المتنوعة، مما ساهم بشكل كبير في إثراء المشهد الأدبي العام، وتعزيز التفاهم والتواصل بين خلفيات ثقافية وأدبية مختلفة وعلى نطاق واسع.
أما بالنسبة للمحتوى الأدبي المنشور، فإن العديد من المنصات تعكس تأثير هذه الشللية، حيث يُبرز النشر الجماعي لأعضاء مجموعة معينة على حساب التنوّع والإبداع الحر. في تجربتي ككاتبة، واجهت تحديات تتعلق بفرض توجهات محددة على ما يُعتبر "إبداعًا مقبولًا"، مما يؤدي إلى تصنيف المحتوى بناءً على معايير جماعية لا تعكس بالضرورة قيمة الأدب الحقيقي. وهذا يؤثر سلبًا على حرية التعبير والإبداع.
بوجه عام، أرى أن الشللية لا تخدم المبدع الأصيل؛ بل تدفعه للسعي نحو إرضاء مجموعة معينة على حساب صوته الفردي. الإبداع الحقيقي يتطلب التحرر من هذه القيود والانفتاح على فضاءات جديدة تتيح للأصوات المستقلة أن تُسمع. بالنسبة لي، كانت تجربتي في التفاعل مع هذه التكتلات تحديًا كبيرًا، حيث إن الإبداع يحتاج إلى انطلاق نحو فضاءات أوسع تتجاوز الإطار الضيق الذي تفرضه الشللية.

سمير عبد الفتاح (روائي يمني):
الأمر يتحول إلى ظاهرة سلبية عندما تُحارب الأصوات الجيدة



 الشللية (بشكل عام) هي جزء من المشهد مهما كان الإطار الذي يعرض فيه (جلسات شفوية أو على الأوراق أو فضاء إلكتروني أو فضاءت ستظهر مستقبلًا)، فالإشكالية الأولى تبدأ مع اللغة التى تُوجه لجمع محدد (جغرافيًا أو فكريًا)، إضافة إلى مضمون المحتوى الذي يراعي ذلك الجمع، ويترتب على ذلك درجة الرضى التي يبديها (الجمع) عمّا يتلقوه من محتوى وكلما كان لصيقًا أو قريبًا منهم زاد الرضى والقبول والترويج له. لذا سيظل التكتل ضمن إطار ما سمة ملازمة للبشرية قد يتحور ويتخذ أشكالًا مختلفة أو تسميات جديدة لكنه في جوهره يظل واحدًا، والحكم عليه بإيجابية أو سلبية يعتمد على النتيجة التي يؤدي إليها، فالأمر يتحول إلى ظاهرة سلبية عندما تحارب الشللية الأصوات الجيدة أو تتجاهلها لحساب الأصوات الأقل جودة تحت مبررات مختلفة تبدأ بالانتماء مرورًا بالتشجيع وانتهاءً بالدفاع عن الجمع.
الشللية والتكتلات تهدف أساسًا للحفاظ على النسيج المتماثل للمنضوين تحتها، وبالتالي هي تمجد كل ما يصب في هذا الاتجاه، وهذا يقوّي الروابط ويزيد من تأثيره، لكنه بالمقابل يؤدي في حالات الشطط إلى تمجيد الرداءة، وتغييب الجودة بما يصب في إضعاف التكتل وانغلاقه أكثر على نفسه ويقل تأثيره، وكذلك هو يُضعف المناخ الإبداعي (مبدعين ومحتوى) على المدى الطويل.
وإجابةً على السؤال: هل تخدم الشللية المبدع أم لا؟، الأمر يحمل جهتين، فكما في حالة الأم التي تحيط طفلها لحمايته فالشللية تكوِّن جدار حماية للمبدع المبتدئ وتمنحه الفضاء الكافي لتقديم إبداعه، وتمنحه التقدير الذي يجعله يستمر في تقديم إبداعه، لكنه بالمقابل يُحتجز ضمن إطارها الضيق، وإذا لم ينتبه (المبدع) ويدرك محدودية دور الشللية فسيسجن داخل تلك الجدران، ولن يستطيع النمو والتمدّد خارجها، وسيظل أسيرًا للأفكار التي تتبنّاها، ولا يستطيع التعامل والتعبير عن العالم الرحب خارجها، وفي النهاية سيضمحلّ هو الآخر.

محمد الأمين الكرخي (شاعر ومترجم عراقي)/ هولندا:
واحدة من تمظهرات الاستقطاب الطائفي... 



دقّ الربيع العربي المسمار الأخير في المشروع العربي التنويري وفضح أكاذيب الانتلجنسيات العربية التي رفعت شعار الدولة الحديثة والمواطنة، حين برهنت للجميع أن المثقف العربي هو كائن طائفي بامتياز، لقد تخندقت النخب العربية على ضوء هذا الانقسام الطائفي وتحولت إلى أبواق لأحزاب وتيارات وجماعات طائفية سياسية في أكثر من بلد عربي، من هذا الموضوع يمكننا القول إن الشللية هي إحدى تمظهرات هذا الاستقطاب الطائفي الذي لم يسلم من شروره إلا قليلون لا يتجاوزون عدد أصابع اليد.
ولا أعتقد أنني بالغت بهذا الرقم، كما انني أتحاشى ذكر أمثلة تبرهن على طائفية أسماء كبيرة في الثقافة العربية أسست لشلل تتصدى لكل انتقاد لرموزها الثقافية والأدبية.
عاصرت النخب الثقافية العربية مشروع الدولة الحديثة منذ انطلاقته، بل ساهمت بشكل فاعل في صوغ مبادئة وأهدافه، لكنها أخفقت في الخروج من ظل الأنظمة الديكتاتورية، وبما أنها أخفقت في تأسيس قواعد جماهيرية، ارتأت أن تنخرط في الخطابات الطائفية كي تضمن حضورًا باهتًا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
أعرف شعراء انضووا تحت رايات جماعات سياسية طائفية، شاركوا في أنشطتهم بقراءة قصائد نثر عن الحرية، لكنهم وجدوا أنفسهم مهمشين كل التهميش في الحراك الاجتماسياسي الذي تصدرته الجماعات الدينية الطائفية. آخرون تبنّوا أجندة سياسية لأنظمة عربية ولم ينبسوا بكلمة واحدة عن واقع الحريات المتردي في تلك البلدان، هذا الانخراط في مشاريع مجموعات وتيارات وأنظمة لا يليق بالفكر النقدي الحر ويتعارض معه. برأيي الشخصي على الشاعر أن ينأى بصوت نفسه من المشاريع التي ترى في القتل والحرب والكفاح المسلح ضرورة لتغيير الواقع، إما أن يؤمن الشاعر بمشروعه القيمي أو أن يخون ذاته وينصاع لمشاريع تتقاطع وتتضاد مع الفكر الحر.

إبراهيم مالك (شاعر موريتاني):
ظهور نموذج جديد يحدّ من الإبداع والموضوعية



يبدو أننا كلما اعتقدنا أن الشللية الثقافية تتراجع، نظرًا لارتفاع منسوب الوعي بها، تعود وتظهر من جهة مغايرة، حيث لم نكن نتوقع. وانطلاقًًا من ذلك انتقلنا من شللية في الأوساط الأدبية والثقافية الأخرى، إلى شللية مغايرة وأكثر خطرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، فطغت المجاملات، وتكومت الشللية، مما أدى إلى تضاعف كبير وظهور نموذج جديد ومؤذ يحدّ من الإبداع ومن الموضوعية على وسائل التواصل الاجتماعي.
أعتقد أن المحتوى الأدبي والثقافي المنشور في منصات التواصل الاجتماعي حين يكون قائمًا على أساس تكتلات شللية سواء كان ظاهرة أو مبطنة، يخلق نوعًا من الفوضى الأدبية، فيبرز من لا يستحق، ويضيع الذي يستحق.
فالفرصة هنا لا تمنح لمن هو أهل لها، بل تمنح على أساس شللي، فيتراجع منسوب الإبداع في المحتوى الأدبي المنشور على هذه المنصات، لأنه لم يكن قائمًا أساسًا على رؤية إبداعية أو موضوعية، بل على العلاقات الذاتية والمعرفة والدعم، فبالتالي تتراجع الحركة الإبداعية، في مقابل تعاظم هذه الشللية.
لا أرى أن الشللية يمكن أن تخدم المبدع، ولا أتوقع أن تكون صفة إيجابية، فما يبدو جليًا هو أنها ستساهم بشكل كبير في تراجعه سواء الفكري أو الأدبي، لأن واقعه الأدبي منذ البداية لم يكن قائمًا على أساس حقيقي وموضوعي، بل على المصلحة المتبادلة، وهو ما يحدّ من الإبداع ومن التقدم الثقافي والأدبي. وكما يبدو، فإن منصات التفاعل الاجتماعي خلقت نوعًا من الوهم أصبح أصحابه يرون أنفسهم في مكانة بعيدة، وهذه المكانة لم يكتسبوها إلا بطريقة شللية غير منصفة، فبهت نجم المبدع الذي يبتعد عن المصلحة والمجاملة، وسطع نجم الشللي، ولكن في محيط من الوهم والخيال. 

سارة النمس (روائية جزائرية):
العدوان على غزة كشف شللية التعتيم على المنشورات بخوارزميات خاصّة



لوقتٍ قريب كانت تبدو منصات التواصل منابر حُرّة ومستقلة وبإمكان الكاتب والمثقف والإنسان العادي أن يعبّر عن رأيه وموقفه فيها بقوّة وأريحية ويوثّق ما يشاء من أفكاره فيها بمعزلٍ عن الشللية الثقافية وما يشبهها، ولكن مؤخرًا العدوان على غزّة كشف بأنّ الإنسان ليس حرًا حقًا حتى في التعبير عن موقفه إزاء ما يحدث في هذا العالم إن لم يتوافق مع سياسة أصحاب هذه المنصات ومؤسّسيها... يتم التعتيم على المنشورات بخوارزميات خاصّة ويمنعون الكلمة من الوصول... أمّا التكتلات الشللية الثقافية فهي حاضرة بقوّة في المنصات الإعلامية والفعاليات الثقافية والكاتبُ الذي لا يجد مكانًا له فيها يتمُ إقصاؤه منها ويتعذّر عليه حتى نشر مقالاته إن لم يكن منضمًا لهؤلاء أو أولئك بحيث هنالك شللية قائمة على الجنسية، أن تكون ابن بلد معيّن والصديق الذي يجدونه في الضيق، وهنالك شللية قائمة على المصالح المادية والثقافية وتوصيات أخرى قائمة على العلاقات الشخصية ومغازلات رخيصة بعيدًا عن الاحترافية وجدّية المادة نفسها والمحتوى. بلا شك، هذه الشلليات الثقافية لم تفد الأدب في شيء بل ساهمت في انحطاطه كما ساهمت في إلقاء الضوء أحيانًا على من لا يستحق والتعتيم على مبدعين يتقوقعون في عوالمهم الخاصّة لأنّهم لا يملكون سوى أفكارهم ونصوصهم ولا يمكنهم أن ينسلخوا عن حقيقتهم وأن يكونوا ما لا يشبههم مقابل أن يجد الواحد منهم مكانًا له في الوسط الثقافي.