بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي، استعمر الخوف الحياة الثقافية في ألمانيا، مشكلًا فقاعة هائلة يتحرّك ضمنها الجميع، وأعني هنا فقاعة الخوف من تهمة معاداة السامية. وكان علينا كي نستعيد حريتنا التي استعمرها الخوف أن نواجهه، ولكلّ شخص طرقه الخاصة في ذلك.
بالنسبة لي، سألت مجموعة أصدقاء وصديقات ألمان عن رأيهم في ما يحدث، وأقصد عن أسباب التأييد المطلق للحكومة الألمانية لإسرائيل وحربها ضد سكان غزّة المدنيين، وإجماع وسائل الإعلام الألمانية على خطاب الحكومة، بل وقمع المؤسسات الثقافية الألمانية لحرية التعبير في ألمانيا من خلال استبعاد الفنانين والمؤلفين المناهضين لإسرائيل وحربها. كان ردّ صديقة، وهي كاتبة ألمانية معروفة في برلين، عن الأسباب التي تدفع المثقفين والفنانين الألمان إلى السكوت عن سياسات المؤسسات الثقافية الألمانية وسياستها المكارثية التي تتعامل بها مع كلّ الأصوات الناقدة للحكومة الإسرائيلية في حربها ضد غزّة، إنّها هي نفسها لديها خوف من تهمة معاداة السامية.
وثمة صديق ألماني آخر رفضت المكتبة أن تبيع نسخًا من كتابه عن فلسطين بسبب خوفها من تهمة معاداة السامية في هذا التوقيت تحديدًا، رغم أنّها كانت تبيعه لسنوات سابقًا. صديقة أخرى منحازة لعدالة القضية الفلسطينية، قالت إنّها لا تجرؤ على مناقشة عائلتها وأقرب أصدقائها بأفكارها حول هذا الموضوع.
هنا سألت نفسي: هل أنا أيضًا خائفة، طالما أنّ الجميع حولي خائفون؟ الجواب كان نعم. وعلى الرغم من مشاركتي لكثير من المقالات والصور التي تدين قتل الحكومة الإسرائيلية للمدنيين في غزّة على منصتي إكس (تويتر سابقًا) وإنستغرام، فقد تشكّل لديّ في العمق خوف من هذه السياسة المتشدّدة التي انتهجتها الحكومة الألمانية تجاه كلّ ما يخص إسرائيل وحربها في غزّة. لذا حين قرأت الدعوة إلى إضراب ثقافي في ألمانيا بهدف الضغط على المؤسسات الثقافية الألمانية لتغيير سياساتها الحالية المنحازة لخطاب الحكومة الألمانية، قرّرت مباشرة التوقيع والانسحاب من فعاليات عدّة كنت سأشارك فيها، منها فعالية أيام بريشت التي تقام لمدّة أسبوع في فبراير/ شباط، أي قرّرت مواجهة خوفي قبل أي شيء آخر، وتجاهل ما يمكن أن أتعرّض له بعد التوقيع. وما إن وقعت وأرسلت إيميلات عدّة للجهات التي كان لديّ قراءات وفعاليات معها حتى كتبت لي كاتبة ألمانية مشاركة في إحدى تلك الفعاليات على "واتساب" بشكل شخصي. أخبرتني أنّ ما قمت به يشكل خطرًا على وجودي في هذا البلد، وأنّ هذا يعني انسحابي من المشهد الثقافي الألماني، وبالتالي خسارة المصدر المالي الذي أعيش منه في هذا البلد. أخبرتها أنّني أدرك هذا، وأدرك أكثر أنّ لدي خوفًا اليوم في هذا البلد، ولهذه الأسباب تحديدًا أنا أوّقع. إذ لا منطق للعمل الثقافي في بلد سوف يرفض العمل معي بسبب آرائي السياسية. هذا يعني العودة للعيش في ظلّ نظام ديكتاتوري مشابه بطريقة ما للنظام الذي هربت منه في بلدي، وهو ما أرفضه.
شخصيًا، لست متيّقنة من جدوى هذه الحملات، لكنّني كنت واثقة من أنّ توقيعي هذا مهم لي على الأقل لأواجه ذاك الخوف الذي ولد فجأة في داخلي في هذا البلد الديمقراطي. سألت نفسي بقلق: هل سيسحبون مني الجنسية الألمانية؟ ربما. لكن سيكون هذا سببًا إضافيًا لأهمية التوقيع. وحين قمت بالاطلاع على قائمة أسماء الموّقعين والموّقعات، وجدت قلّة من المثقفين والكتاب من العالم العربي الفاعلين في أوروبا ممن قاموا بالتوقيع. بالطبع للجميع أسبابهم في هذا، خاصة في بلد يمكن أن يحرمك من تجديد إقامتك بسبب تهمة العداء للسامية. لكن ماذا عن المثقفين المقيمين في البلدان الأوروبية الأخرى؟ وتلا ذلك، سؤال مهم آخر: ماذا تضيف هذه الدعوة إلى المقاطعة؟ هل في إمكانها الدفع لتغيير سياسات المؤسسات الألمانية؟
ربما، فإحدى المؤسسات الثقافية في برلين قرّرت أنها تقبل العمل معنا (كفاح علي ديب وأنا) بالرغم من قيامنا بالتوقيع على البيان، وأنهم يريدون النقاش حول هذه المواضيع والخوض فيها، لأنّ هذا هو الطريق الوحيد للتغيير وسماع جميع الأصوات المختلفة في هذا البلد. ولذا بعد الاطلاع على الأسماء توّجهت إلى كاتبتين سوريتين مشاركتين في هذا الإضراب، وهما الروائية السورية سمر يزبك، المقيمة في باريس والمتواجدة حاليًا في الدوحة، والفنانة والكاتبة كفاح علي ديب المقيمة في برلين.
في هذا السياق، سألت كفاح علي ديب أوّلًا، كونها مقيمة في ألمانيا، ولأن الإضراب موّجهٌ ضد المؤسسات الثقافية الألمانية، عمّا إذا كانت لديها مخاوف بسبب توقيعها على الإضراب، في ظلّ اتهام أغلب وسائل الإعلام الألمانية لكلّ شخص ينتقد إسرائيل وحربها على غزّة بمعاداة السامية؟ ردت قائلة: "عندما وقعت على بيان حملة (سترايك جيرمني) قمت بذلك مدفوعة بقناعتي التامة بأنّه من واجب كلّ العاملين في الثقافة الوقوف في وجه سياسة قمع الأصوات المناهضة لإسرائيل، التي تمارسها الحكومة الألمانية والإعلام الألماني كذلك. فلا يخفى على أحد أنّه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، كان ثمّة حملة سياسية وإعلامية ممنهجة في ألمانيا للدفاع عن الحكومة الإسرائيلية التي تقتل المدنيين في غزّة. وللأسف، وبسبب تهمة معاداة السامية، انكفأ أغلب المثقفين الألمان ومعظم المثقفين والعاملين في الثقافة من المهاجرين عن قول رأيهم حول هذا الموضوع، خوفًا من توجيه أصابع الاتهام إليهم، خاصة وأنّ بعض الولايات الألمانية ذهبت بمنهجها أبعد من مجرّد الاتهام، بل وبات الحصول على الجنسية الألمانية مشروطًا بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وبالعودة إلى سؤالك المحدّد عمّا إذا كان لديّ مخاوف أنا نفسي بعد التوقيع على البيان؟ لا. ربّما، لن يتم منحي الجنسية الألمانية، حسنًا، إذا كان عدم منحي الجنسية الألمانية مرتبطًا بتوقيعي على هذا البيان فأنا لا أريدها، لأنّني عندما قدّمت طلبًا للحصول على جواز السفر الألماني كنت أطمح بالحصول على مزيد من الحرية، أمّا في حال كان حصولي عليه يعني أن أسكت وأكتم قناعاتي، فهذا يعني أنّني لن أحصل على الحرية التي أطلبها، وبالتالي لا حاجة لي به".
أما الروائية السورية سمر يزبك صاحبة "المشاءة"، فقالت لنا: "لا توجد لديّ أيّة مخاوف بهذا الشأن، ليس فقط لأنني أقيم في فرنسا، وأتنقل بين دول عدّة، أو لأن كتبي مترجمة إلى 23 لغة، ومنها الألمانية التي سوف يصدر لي كتاب بها قريبًا، بل لأنّي أقول إنّ هذا السؤال لا يتعلق أبدًّا بالمكاسب التي من الممكن أن يحصل عليها الكاتب نتيجة عدم وقوفه إلى جانب القضايا العادلة. بالنسبة لي، القضية الفلسطينية مثل القضية السورية قضية عادلة. ولهذا ليست لديّ أيّة مخاوف. ليس لديّ خوف من خروجي من مؤسسات عديدة. تعرّضت لعدد كبير من القضايا التي حدثت في الغرب بسبب توقيعي على البيانات وكتابتي لبعض المقالات في الصحف الأوروبية. لكنّني لا أفكر في هذا الأمر. وبالنسبة لي جزء من وجود هوية الكاتب/ المثقف الوجودية أن يكونوا مع العدالة والضحايا. وليس لديّ خوف من اتهامي بمعاداة السامية، وسبق أن رفضت عروضًا لها علاقة بمنابر ومشاركات عالمية بمشاركة مع كتاب صهاينة. لذا موقفي ورفضي ليس جديدًا. ليس لديّ ما أخسره. كما أنّه إذا حصل الكاتب على مكاسب نتيجة عدم انحيازه للقضايا العادلة يكون قد خسر هويته الوجودية نفسها ككاتب ومثقف".
وبخصوص الجدوى من المشاركة في مثل هذه الحملات، خاصة مثل حملة المقاطعة (سترايك جيرماني) وتأثيرها على إمكانية تغيير سياسات المؤسسات الثقافية الألمانية، أو غيرها، قالت الفنانة والكاتبة كفاح علي ديب: "من وجهة نظري فإنّ هذا البيان وغيره من الحملات لا يهدف إلى المقاطعة بشكل جدي، بل إلى فتح الحوار للنقاش حول موضوعها، وهي دعوة للمؤسسات الثقافية لتكون أكثر استقلالية في سياساتها، ولا تسمح للسياسات الحكومية بالتحكّم بها. وهو ما حدث معي بعد توقيعي على بيان الإضراب، إذ أنّ المؤسسات التي أرسلت لها اعتذاري تواصلت معي لفتح باب الحوار، وهذا في رأيي مهم للغاية. أجل، هذا النوع من الحراك السلمي لا بدّ أن يعطي نتائج إيجابية على المدى الطويل".
أما الروائية سمر يزبك صاحبة "مقام الريح" فردّت قائلة: "أنا شخص شديد التشاؤم. لذا أؤمن بالاجتهاد وأدرك أنّ تأثيرنا ليس بالتأثير الكبير. لكن أدرك أيضًا أنّنا حين نمدّ يدنا إلى بعضنا البعض ونعمل بطريقة فعلية وحقيقية على أرض الواقع مع جهات فاعلة شعبية غير تابعة لأنظمة غربية أو أميركية يمكن أن نؤثر. وكما نفكر أن نكون جسرًا بين الناس الذين يعيشون في المنافي وفي داخل البلاد، أفكر أنّ ما يحصل قد يبدو عديم الأثر. لكن أنا مدركة أنّ كلّ هذه التفاصيل الصغيرة قد تؤدي يومًا ما إلى نتيجة".
* كاتبة كردية سورية مقيمة في برلين.
بالنسبة لي، سألت مجموعة أصدقاء وصديقات ألمان عن رأيهم في ما يحدث، وأقصد عن أسباب التأييد المطلق للحكومة الألمانية لإسرائيل وحربها ضد سكان غزّة المدنيين، وإجماع وسائل الإعلام الألمانية على خطاب الحكومة، بل وقمع المؤسسات الثقافية الألمانية لحرية التعبير في ألمانيا من خلال استبعاد الفنانين والمؤلفين المناهضين لإسرائيل وحربها. كان ردّ صديقة، وهي كاتبة ألمانية معروفة في برلين، عن الأسباب التي تدفع المثقفين والفنانين الألمان إلى السكوت عن سياسات المؤسسات الثقافية الألمانية وسياستها المكارثية التي تتعامل بها مع كلّ الأصوات الناقدة للحكومة الإسرائيلية في حربها ضد غزّة، إنّها هي نفسها لديها خوف من تهمة معاداة السامية.
وثمة صديق ألماني آخر رفضت المكتبة أن تبيع نسخًا من كتابه عن فلسطين بسبب خوفها من تهمة معاداة السامية في هذا التوقيت تحديدًا، رغم أنّها كانت تبيعه لسنوات سابقًا. صديقة أخرى منحازة لعدالة القضية الفلسطينية، قالت إنّها لا تجرؤ على مناقشة عائلتها وأقرب أصدقائها بأفكارها حول هذا الموضوع.
هنا سألت نفسي: هل أنا أيضًا خائفة، طالما أنّ الجميع حولي خائفون؟ الجواب كان نعم. وعلى الرغم من مشاركتي لكثير من المقالات والصور التي تدين قتل الحكومة الإسرائيلية للمدنيين في غزّة على منصتي إكس (تويتر سابقًا) وإنستغرام، فقد تشكّل لديّ في العمق خوف من هذه السياسة المتشدّدة التي انتهجتها الحكومة الألمانية تجاه كلّ ما يخص إسرائيل وحربها في غزّة. لذا حين قرأت الدعوة إلى إضراب ثقافي في ألمانيا بهدف الضغط على المؤسسات الثقافية الألمانية لتغيير سياساتها الحالية المنحازة لخطاب الحكومة الألمانية، قرّرت مباشرة التوقيع والانسحاب من فعاليات عدّة كنت سأشارك فيها، منها فعالية أيام بريشت التي تقام لمدّة أسبوع في فبراير/ شباط، أي قرّرت مواجهة خوفي قبل أي شيء آخر، وتجاهل ما يمكن أن أتعرّض له بعد التوقيع. وما إن وقعت وأرسلت إيميلات عدّة للجهات التي كان لديّ قراءات وفعاليات معها حتى كتبت لي كاتبة ألمانية مشاركة في إحدى تلك الفعاليات على "واتساب" بشكل شخصي. أخبرتني أنّ ما قمت به يشكل خطرًا على وجودي في هذا البلد، وأنّ هذا يعني انسحابي من المشهد الثقافي الألماني، وبالتالي خسارة المصدر المالي الذي أعيش منه في هذا البلد. أخبرتها أنّني أدرك هذا، وأدرك أكثر أنّ لدي خوفًا اليوم في هذا البلد، ولهذه الأسباب تحديدًا أنا أوّقع. إذ لا منطق للعمل الثقافي في بلد سوف يرفض العمل معي بسبب آرائي السياسية. هذا يعني العودة للعيش في ظلّ نظام ديكتاتوري مشابه بطريقة ما للنظام الذي هربت منه في بلدي، وهو ما أرفضه.
شخصيًا، لست متيّقنة من جدوى هذه الحملات، لكنّني كنت واثقة من أنّ توقيعي هذا مهم لي على الأقل لأواجه ذاك الخوف الذي ولد فجأة في داخلي في هذا البلد الديمقراطي. سألت نفسي بقلق: هل سيسحبون مني الجنسية الألمانية؟ ربما. لكن سيكون هذا سببًا إضافيًا لأهمية التوقيع. وحين قمت بالاطلاع على قائمة أسماء الموّقعين والموّقعات، وجدت قلّة من المثقفين والكتاب من العالم العربي الفاعلين في أوروبا ممن قاموا بالتوقيع. بالطبع للجميع أسبابهم في هذا، خاصة في بلد يمكن أن يحرمك من تجديد إقامتك بسبب تهمة العداء للسامية. لكن ماذا عن المثقفين المقيمين في البلدان الأوروبية الأخرى؟ وتلا ذلك، سؤال مهم آخر: ماذا تضيف هذه الدعوة إلى المقاطعة؟ هل في إمكانها الدفع لتغيير سياسات المؤسسات الألمانية؟
ربما، فإحدى المؤسسات الثقافية في برلين قرّرت أنها تقبل العمل معنا (كفاح علي ديب وأنا) بالرغم من قيامنا بالتوقيع على البيان، وأنهم يريدون النقاش حول هذه المواضيع والخوض فيها، لأنّ هذا هو الطريق الوحيد للتغيير وسماع جميع الأصوات المختلفة في هذا البلد. ولذا بعد الاطلاع على الأسماء توّجهت إلى كاتبتين سوريتين مشاركتين في هذا الإضراب، وهما الروائية السورية سمر يزبك، المقيمة في باريس والمتواجدة حاليًا في الدوحة، والفنانة والكاتبة كفاح علي ديب المقيمة في برلين.
في هذا السياق، سألت كفاح علي ديب أوّلًا، كونها مقيمة في ألمانيا، ولأن الإضراب موّجهٌ ضد المؤسسات الثقافية الألمانية، عمّا إذا كانت لديها مخاوف بسبب توقيعها على الإضراب، في ظلّ اتهام أغلب وسائل الإعلام الألمانية لكلّ شخص ينتقد إسرائيل وحربها على غزّة بمعاداة السامية؟ ردت قائلة: "عندما وقعت على بيان حملة (سترايك جيرمني) قمت بذلك مدفوعة بقناعتي التامة بأنّه من واجب كلّ العاملين في الثقافة الوقوف في وجه سياسة قمع الأصوات المناهضة لإسرائيل، التي تمارسها الحكومة الألمانية والإعلام الألماني كذلك. فلا يخفى على أحد أنّه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، كان ثمّة حملة سياسية وإعلامية ممنهجة في ألمانيا للدفاع عن الحكومة الإسرائيلية التي تقتل المدنيين في غزّة. وللأسف، وبسبب تهمة معاداة السامية، انكفأ أغلب المثقفين الألمان ومعظم المثقفين والعاملين في الثقافة من المهاجرين عن قول رأيهم حول هذا الموضوع، خوفًا من توجيه أصابع الاتهام إليهم، خاصة وأنّ بعض الولايات الألمانية ذهبت بمنهجها أبعد من مجرّد الاتهام، بل وبات الحصول على الجنسية الألمانية مشروطًا بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وبالعودة إلى سؤالك المحدّد عمّا إذا كان لديّ مخاوف أنا نفسي بعد التوقيع على البيان؟ لا. ربّما، لن يتم منحي الجنسية الألمانية، حسنًا، إذا كان عدم منحي الجنسية الألمانية مرتبطًا بتوقيعي على هذا البيان فأنا لا أريدها، لأنّني عندما قدّمت طلبًا للحصول على جواز السفر الألماني كنت أطمح بالحصول على مزيد من الحرية، أمّا في حال كان حصولي عليه يعني أن أسكت وأكتم قناعاتي، فهذا يعني أنّني لن أحصل على الحرية التي أطلبها، وبالتالي لا حاجة لي به".
أما الروائية السورية سمر يزبك صاحبة "المشاءة"، فقالت لنا: "لا توجد لديّ أيّة مخاوف بهذا الشأن، ليس فقط لأنني أقيم في فرنسا، وأتنقل بين دول عدّة، أو لأن كتبي مترجمة إلى 23 لغة، ومنها الألمانية التي سوف يصدر لي كتاب بها قريبًا، بل لأنّي أقول إنّ هذا السؤال لا يتعلق أبدًّا بالمكاسب التي من الممكن أن يحصل عليها الكاتب نتيجة عدم وقوفه إلى جانب القضايا العادلة. بالنسبة لي، القضية الفلسطينية مثل القضية السورية قضية عادلة. ولهذا ليست لديّ أيّة مخاوف. ليس لديّ خوف من خروجي من مؤسسات عديدة. تعرّضت لعدد كبير من القضايا التي حدثت في الغرب بسبب توقيعي على البيانات وكتابتي لبعض المقالات في الصحف الأوروبية. لكنّني لا أفكر في هذا الأمر. وبالنسبة لي جزء من وجود هوية الكاتب/ المثقف الوجودية أن يكونوا مع العدالة والضحايا. وليس لديّ خوف من اتهامي بمعاداة السامية، وسبق أن رفضت عروضًا لها علاقة بمنابر ومشاركات عالمية بمشاركة مع كتاب صهاينة. لذا موقفي ورفضي ليس جديدًا. ليس لديّ ما أخسره. كما أنّه إذا حصل الكاتب على مكاسب نتيجة عدم انحيازه للقضايا العادلة يكون قد خسر هويته الوجودية نفسها ككاتب ومثقف".
وبخصوص الجدوى من المشاركة في مثل هذه الحملات، خاصة مثل حملة المقاطعة (سترايك جيرماني) وتأثيرها على إمكانية تغيير سياسات المؤسسات الثقافية الألمانية، أو غيرها، قالت الفنانة والكاتبة كفاح علي ديب: "من وجهة نظري فإنّ هذا البيان وغيره من الحملات لا يهدف إلى المقاطعة بشكل جدي، بل إلى فتح الحوار للنقاش حول موضوعها، وهي دعوة للمؤسسات الثقافية لتكون أكثر استقلالية في سياساتها، ولا تسمح للسياسات الحكومية بالتحكّم بها. وهو ما حدث معي بعد توقيعي على بيان الإضراب، إذ أنّ المؤسسات التي أرسلت لها اعتذاري تواصلت معي لفتح باب الحوار، وهذا في رأيي مهم للغاية. أجل، هذا النوع من الحراك السلمي لا بدّ أن يعطي نتائج إيجابية على المدى الطويل".
أما الروائية سمر يزبك صاحبة "مقام الريح" فردّت قائلة: "أنا شخص شديد التشاؤم. لذا أؤمن بالاجتهاد وأدرك أنّ تأثيرنا ليس بالتأثير الكبير. لكن أدرك أيضًا أنّنا حين نمدّ يدنا إلى بعضنا البعض ونعمل بطريقة فعلية وحقيقية على أرض الواقع مع جهات فاعلة شعبية غير تابعة لأنظمة غربية أو أميركية يمكن أن نؤثر. وكما نفكر أن نكون جسرًا بين الناس الذين يعيشون في المنافي وفي داخل البلاد، أفكر أنّ ما يحصل قد يبدو عديم الأثر. لكن أنا مدركة أنّ كلّ هذه التفاصيل الصغيرة قد تؤدي يومًا ما إلى نتيجة".
* كاتبة كردية سورية مقيمة في برلين.