يتقن خطيب بدلة، كخياط ماهر، "تبطينَ" الأحاديث، فيستحدث لها جوهراً يحتاج إلى "لبيب" ليفهم كل إشاراته ولا يمكن المرور على الأدب الساخر في سورية من دون التوقف عنده، فهو صاحب تجربة وتكنيك خاص أهله لإيصال نصوصه رغم سطوة الرقابة في جمهورية الخوف.. وهو في هذا الحوار يجيب على الأسئلة ويعيد صياغة السخرية ويدورها كمادة غير قابلة للفناء..
بدأ خطيب بدلة مشروعاً موسوعياً يضم فيه الطرائف السورية. إلى أين وصل؟ وما هي آفاقه؟ وهل هو تأريخ للسخرية؟ وأين الأدب من كل ذلك؟
الكاتب الساخر خطيب بدلة عضو في الائتلاف الوطني السوري للمعارضة وتقوم أحياناً بالتعليق على الأحداث السورية عبر القنوات الفضائية، هل تتبوأ هذه الأمكنة من موقع الساخر أم من موقع الناشط الصرف؟ وكيف يمكن أن نميز بين هاتين الوظيفتين والشخصية التي تؤديهما واحدة ولها ذات المرجعية؟
دعنا نتوقف عند كتاب "حكايات سورية"، وقيامك بتنسيق إبداعات ثلاثين من الكتاب الساخرين.. هل هو متابعة لمشروعك الموسوعي، أم لمجرد التعريف ببعض الساخرين المخبئين هنا وهناك من قبيل الدعم أو الاستثمار؟
ما هو المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه الساخر في سخريته، خاصة ذلك الساخر الذي لا ينضب؟ من أين يغرف خطيب بدلة ليبقى مستوى الأدرنالين في أدنى مستوى؟
كانت للقصاص الشعبي "حكمت محسن" دكانةٌ في أحد أسواق دمشق، حيث يعمل في تنجيد اللحف. وكان يكتب تمثيليات إذاعية بشكل يومي تقريباً، واستطاع أن ينتج كاراكترات خالدة مثل أبو رشدي وأبو فهمي وأم كامل ودرة.. وعندما سئل عن منبع حكاياته أشار إلى الناس العابرين، وقال: كل واحد من أهل بلدنا له قصة، وحكاية، ومأساة، وملهاة، وملحمة!
أنا، أيضاً، قصاص شعبي، وقد سررتُ كثيراً عندما لقبني أحدهم (كاتب الشعب). لدي دكانة، ولكنها ليست لتنجيد اللحف، ومكانها غير ثابت. كان صديقي حميد يراني في معرتمصرين (قريتي) قادماً من إدلب فيقول لي: الظاهر صار عندك نقص في رصيد الحكايات!
أستمتعُ كثيراً بالسرد الحكائي. كان حكمت محسن يأتي بالأدوات: القماش الملون، والقطن الخام، والخيطان، ويصنع منها لحافاً. اللحاف جميل من جهة، ولا سيما حينما ترتبه العروس (الزوجة) على سطح السرير، ويبعث الدفء في الوقت نفسه. وكان يأخذ حكايات الناس وينجدها فتكون ممتعة ودافئة. الآن، مَنْ ذا الذي يقدر، ضمن هذا الواقع الكارثي، على صناعة نص جميل ويجيد وضع قفلة بارعة له؟
يقحم الكاتب خطيب بدلة مفردات تفيد التهكم والسخرية، ويحرص على أن يكون النص طافحاً بها، ألا يؤثر ذلك على مستوى النص؟ أم أن السخرية هي هدفك النهائي؟
سأعترض، أولاً، على فكرة الإقحام. كان أهل معرتمصرين يذهبون إلى الكروم في مطلع شهر يوليو/تموز ويُعالجون ثمر التين غير الناضج، إذ يضعون فيه كمية قليلة من الزيت، فينضج بسرعة، ويبيعونه بسعر مرتفع، بسبب ندرة التين في تلك الآونة. وبعد مدة ينضج التين الطبيعي، ويختلط الحابل بالنابل في السوق. وكان الزبون يسأل البائع: هذا التين مزيت، أم طُلُوع ربه؟ فيحلف أنه (طلوع ربه)! أنا، ككاتب، في الحقيقة، من هذا الصنف الثاني. ولأنني (طلوع ربي) فإنه لا يوجد شيء يفسد استمتاعي بتأليف نصي.
لا يؤثر استخدام المفردات التي ذكرتِها في سؤالك على سوية النص، وإنما العكس هو الصحيح. فعازف العود المبتدئ يدوس بأصابعه خانة (دو.. ري.. فا.. صول)، بشكل مدرسي، حَرْفِي، وأما العازف الماهر فيدوس الخانات نفسها ويزيد عليها ضربات جانبية رشيقة، يسمونها (الزغردة).. هل تذكرين زغردات فريد الأطرش على العود؟ شيء مذهل. وأما حديثك عن كون السخرية هدفاً نهائياً فلا أراه دقيقاً. السخرية أسلوب. لون بشرة. ولا يمكن أن تكون هدفاً نهائياً.
تحتوي نصوصك على شخصيات شعبية يمكن أن يصادفها المرءُ في الشارع. إلى أي مدى يتدخل خطيب بدلة في صياغة هذه الكاراكترات؟ أم هي مجرد شخصيات حقيقية من لحم ودم يحملها الكاتب ويضعها كما هي في النص؟
منذ بداية حياتي الأدبية كنت مولعاً بصناعة الكاراكترات. وللعلم فإن السيناريست المبدع نهاد قلعي قد ورث هذا النوع من الصناعة عن حكمت محسن ونقله إلى مجال التلفزيون، فعدا عن غوار الطوشة وحسني البورظان جاء نهاد قلعي بـ أبو صياح وأبو عنتر وفطوم حيص بيص وياسين وأبو رياح وأبو جاسم..
بالنسبة إلي قدمتُ في بداية تجربتي القصصية شخصية دلال العقارات والرجل العليفرزاتي الذي استوحيتُه من رسوم علي فرزات. وشخصيات أخرى اخترعناها في مجلة كش ملك..
في الإذاعة قدمتُ شخصيتي أبو عبدو وأبو صطيف.. وفي التلفزيون يوسف أجير الحلاق ومسطاوي اللمبة وطورت شخصية عبد الحميد كعبرة التي أوجدها أستاذنا حسيب كيالي.
وحول كون الشخصيات حقيقية، أقول لك: في الفن والأدب لكل شخصية جذر واقعي، ولكن الكاتب يطوره ويشذبه ويستخرج منه حلة جديدة.
بدأ خطيب بدلة مشروعاً موسوعياً يضم فيه الطرائف السورية. إلى أين وصل؟ وما هي آفاقه؟ وهل هو تأريخ للسخرية؟ وأين الأدب من كل ذلك؟
هذا المشروع لا يمكن أن ينتهي لأنه يتعلق باستمرار وجود البشر على الأرض. وهو امتداد لمشروع الراحل بوعلي ياسين في كتابه (شمسات شباطية). أصدرتُ منه المستطرف الأزرق والمستطرف الأخضر والمستطرف الليلكي. وأعد الآن كتاب المستطرف الشعبي. المادة الموجودة في الكتاب ليست طرفة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هي قصة قصيرة تحتوي في داخلها على موقف طريف، وهي ذات قفلة شديدة الاختصار والتوهج. يمكنني أن أشير هنا إلى أنني معجب، أيضاً، بكتاب رسول حمزاتوف "داغستان بلدي" الذي يتضمن نوعاً من هذه الحكايات الطريفة.
يقودني هذا إلى سؤالك عن الصلة بينك وبين شهاب الدين الأبشيهي ومؤَلَفه الشهير "المستطرف في كل فن مستظرف"؟
في تراثنا العربي مؤلفون كثر رادوا هذا النوع من الكتابة، الذي كانوا يسمونه أحياناً: المُلَح. ربما كنتُ أقرب، من هذه الناحية، إلى المعلمين الجاحظ وأبي حيان التوحيدي.
في هذا الوقت ونحن نشهد كل هذا الدمار والدماء والتشرد هل يحق لنا أن نبتسم؟ وكيف يمكن إنتاج نص ساخر؟
إن الوظيفة الأساسية للأدب الساخر، برأيي، هي إضحاك الناس على مسببي الآلام والأحزان. الديكتاتور يمثل حالة صلبة فاقدة لليونة، وبالتالي ينطبق على سلوكه توصيف الفيلسوف هنري برجسون لآلية حدوث الضحك. في سورية كان ثمة مجرم كبير اسمه حافظ الأسد، يُميت الناس تحت التعذيب في السجون والمعتقلات، ويسرق ثروات الشعب السوري ويرسلها إلى حساباته المصرفية خارج الحدود، وكان، مع ذلك، يقف على شرفة وزارة التربية في الجسر الأبيض، ويفرفح بيديه ست ساعات متواصلة لمئات الألوف من الموظفين والعمال والمواطنين الذين أُخرجوا من بيوتهم ومعاملهم ودوائرهم الحكومية وأُجبروا على حمل صور المجرم نفسه، واللافتات التي تؤكد حبه للشعب وعطفه عليه، وعطاءاته التي لا تنفذ لهذا الشعب! ليس هذا هو المضحك فقط، فهذه التمثيلية الواقعية لها تجليات كثيرة، منها أن تَرَي رؤساءَ الأحزاب التي يُفترض أنها معارِضة يتبارون في تدبيج الخطابات التي تقوم أساساً على وصف حافظ الأسد بعكس صفاته الحقيقية، عكسها تماماً.
سؤالك عن إمكانية نص ساخر وسط تراجيديا القتل والدمار وكل هذه الفوضى، يستثير بي رغبة للقول بأن هذه الأوساط هي الأكثر ملاءمة لإنتاج الأدب الساخر. فعلى علمي أن الدول المستريحة التي لا يعاني فيها المواطن من أية مشاكل أو تجاوزات سياسية واجتماعية لم يظهر فيها كتّاب ساخرون مهمون.
هل يمكن أن يفكر خطيب بدلة أن يكون جاداً ويتخلى عن افترار الشفتين لصالح تقطيبة ولو لمرة واحدة؟
في جواب عن سؤال سابق قلت لك إن أسلوب السخرية هو أمر لا إرادي، ولا يمكن، بالتالي، التخلص منه إرادياً، ولكن ما حصل معي بالأمس يمكن أن يتضمن جواباً غير مباشر على سؤالك. فلقد ضغطت علي أخبار الإجرام والدمار والتهجير التي تسببها الطائرات الروسية المعادية لأبناء بلدي، وبينما أنا في استوديو إحدى القنوات التلفزيونية حانت مني التفاتة إلى جهاز (المونيتور) فوجدت وجهي مكفهراً، ينقط بالكآبة، فتذكرتُ أديبين عزيزين علي هما صديقي المرحوم تاج الدين الموسى وأستاذي محمد الماغوط، فحينما سئل تاج الدين الموسى عن آليات السخرية لديه قال: ليس لي علم بأنني ساخر. فأمي تقول لي: وجهك يكب صحن اللبن! وأما محمد الماغوط فكتب، ضمن زاويته الأسبوعية المعنونة (أليس في بلاد العجائب) أنه نظر إلى وجهه في المرآة، فوجده شبيهاً بالمرحوم فريد الأطرش في آخر أفلامه وهو يغني فوق غصنك يا ليمونة.
بعض مفردات اللغة العامية تجعل الكاتب الساخر يبدو فكهاً وقريباً للناس، برأيك هل تُفقد هذه المفردات النص بعضاً من رصانته، فقد يتهمها البعض بالإساءة إلى لغة الضاد؟ وهل يمكن لخطيب بدلة أن يتخلى عن هذا الأسلوب لصالح الفصحى الصرفة؟
لا يوجد كاتب ساخر مهم يكتب بفصحى رصينة. ولا حتى الجاحظ. للتوضيح أقول: الجاحظ في نصوصه الساخرة كان يستخدم لغة عربية فصيحة ولكنه يختار لها المفردات الأقرب إلى لغة الشارع. ولا ننسى الهمذاني في المقامة البغدادية حينما يقول (كم قلت لذاك القُريد إنني أبو زيد...)..
الرصانة حالة مضحكة بحد ذاتها، وتستثير السخرية. وللجاحظ قصة تُضحك الثكالى يَسخر فيها من قاضٍ رصين تكاد الذبابة أن تأكل ذقنه وهو لا يقبل أن يحرك يده ليكشها، لئلا تنتقص هيبته. كتبتُ في يوم من الأيام قصة عن رجل ذهب إلى المحافظ ليأخذ منه (الهيبة) فيرد عليه المحافظ قائلاً إن هيبته لو نقصت قليلاً لأقلع أولاده وزوجته عن احترامه!
الكاتب الساخر خطيب بدلة عضو في الائتلاف الوطني السوري للمعارضة وتقوم أحياناً بالتعليق على الأحداث السورية عبر القنوات الفضائية، هل تتبوأ هذه الأمكنة من موقع الساخر أم من موقع الناشط الصرف؟ وكيف يمكن أن نميز بين هاتين الوظيفتين والشخصية التي تؤديهما واحدة ولها ذات المرجعية؟
ليس طبيعياً، أو مألوفاً، أن يكون الأديبُ سياسياً. أنا، بالذات، كنت أبتعد، قدر مستطاعي، عن السياسة، وبصراحة، كنتُ أحرص ألا يحصل تصادم مباشر بيني وبين سلطات النظام السوري، ليقيني بأنها سلطات تمحو من يعارضها منْ على وجه الأرض. ولكنني، في الوقت نفسه، إنسان حر، مولع بالحرية، وشخصيتي مصممة لتكون معارضة، لذلك كنتُ أعارض النظام، ولكن بطريقتي الساخرة المبطنة بالدعابة.. وكانت تلك الدعابة تحميني في كثير من الأحيان. ولعله من المفيد أن أذكر أن معظم ضباط المخابرات الذين استدعوني للتحقيق كانوا يقولون لي: والله يا أستاذ خطيب نحن نحبك، ولكن أنت تعرف..، ظروف البلد، والمؤامرات الإمبريالية على صمودنا.. يعني يا ريت تخفف لنا من الانتقاد! ومرة قال لي العميد رئيس فرع الأمن العسكري: امرأتي وأولادي يتابعون كتاباتك ويحبونك! وأنا كذلك أحبك وأحترمك، ولكن قرأتُ في مدينة "صدد" قصة تغمز فيها من قناة رجال الأمن. يا رجل، نحن نحافظ على أمن البلد. لولانا لوصلت إسرائيل إلى دمشق لا سمح الله.
إن نظاماً مستبداً كنظام حافظ الأسد لا يسمح للناس بالتخصص. يعني الأديب لا يمكن أن يجلس في مكان هادئ وآمن ويُبدع ويسجل مذكراته على هواه. ولذلك لم يكن مستغرباً أن نمشي أنا وتاج الدين الموسى في المظاهرات ونهتف "يلا ارحل يا بشار. سورية لنا ما هي لبيت الأسد.." ورغم إصابة تاج بسرطان الرئة، وتعطل شرايين قلبي، فقد ركضنا هاربين حينما أطلقوا على المظاهرة التي كنا نمشي فيها النار في حي المنطرة..
أريد أن أقول لك، بعد هذا التمهيد، إن من واجب جميع الناس أن يثوروا على هذا النظام المجرم، وإنه لمن غير المقبول أن يتذرعوا بأن الأمر لا يعنيهم.
دعنا نتوقف عند كتاب "حكايات سورية"، وقيامك بتنسيق إبداعات ثلاثين من الكتاب الساخرين.. هل هو متابعة لمشروعك الموسوعي، أم لمجرد التعريف ببعض الساخرين المخبئين هنا وهناك من قبيل الدعم أو الاستثمار؟
في أواخر سنة 2011، وعلى الرغم من وجودي في جحيم جمهورية الخوف، أقدمتُ على تحرير كتاب (قصص وحكايات وطرائف من عهد الديكتاتورية في سورية)، وهو، في الحقيقة، نقلة نوعية في الأسلوب، من حيز التلميح والغمز والمواربة إلى حيز الكلام المباشر، بعدما تم حرق المراكب بشكل نهائي.
ولعله من الطريف أن أشير إلى أنني، أثناء تنقلي بين الحواجز الأمنية ضمن مدينة حلب أو على طريق حلب معرتمصرين، في مطلع سنة 2012، كنت أتخلص مما دونت في الكتاب بعد أن أرسله بالإيميل لبعض أصدقائي المقيمين في أوروبا، وعندما أكون في البيت وأريد العودة إلى الكتابة كنت أسترد النص من مرفقات الإيميل.. (دوخت موسوليني بهذه التجربة)!
وأما كتاب (حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد) فكانت فكرته مختلفة تماماً عن كل ما سبق.. فهي مقتبسة من تجربة للأديب التركي الساخر عزيز نيسين في كتاب له بعنوان "قصص من عصر الجمهورية" مع بعض الاختلاف، فنيسين نشر إعلاناً في إحدى الصحف طالباً من القراء أن يرسلوا له ما يحفظون من حكايات سورية، وبعد مدة حصل على المادة الخام للكتاب، ثم قام بتحريرها. وأما تجربتي فاعتمدت على الاتصال الشخصي بالكتاب، والاتفاق معهم على الشكل النهائي للحكاية بعد التحرير. وتجدر الإشارة أن بعض النصوص كانت طويلة، وأقرب إلى فن القصة القصيرة، وبعضها كان أقرب إلى المذكرات، وبالأخص التي قدمها الكتاب حول تجربتهم في السجون السورية الرهيبة.
في أواسط سنة 2013 ترأستَ، أو "تورطتَ" بإصدار مجلة ساخرة هي كش ملك. حدثنا عن التقصير في انتظام صدورها، وإلى أين، وفق نظرتك، سيمتد هذا المشروع؟، وهل كانت مفيدة الاستعاضة عن الورق بتقنية الرقميات عبر موقع إلكتروني لمجلة؟
برأيي أن المشروعات غير التجارية لا بد لها أن تتعثر. ولكننا، مع ذلك، استطعنا الاستمرار في إصدارها، ولو ببعض التأخير. يقع العبء الأكبر في هذه المجلة علي أنا كما تعلمين. وأما عن أهمية المشروع فسأذكر لك أن المرحوم صدقي إسماعيل كان يحرر صحيفة (الكلب) بخط يده، وبنسخة واحدة يتداولها الناس ويصورونها فوتوكوبي. ومع ذلك لا يأتي الحديث إلى ميدان الصحافة الساخرة من دون التوقف عندها.
وفيما يتعلق بالإصدار الإلكتروني أنا أرى أنه الأفضل في ظروفنا الحالية، فالمجلة في متناول من يشاء، وأما الصحف الورقية فليست في المتناول دائماً. نصحني كثيرون بطباعتها للحصول على الدعم. لم أقتنع. وسوف أستمر بتمويلها من دخلي الخاص. ولن أوقفها.
أنت عضو في رابطة الكتاب السوريين، كيف ترى أسلوب عمل هذا التجمع؟ وهل هو بالفعل يمثل الكتاب السوريين أو جزءاً منهم على الأقل؟
رابطة الكتاب السوريين مثل مجلة كش ملك من جهة العمل التطوعي. كل الزملاء الذين يشاركونني العمل فيها متطوعون. ومع ذلك قَدمتْ بعض الإنجازات على الصعيد الوطني. مجلة أوراق وجائزة المزرعة للرواية. لم تستطع الرابطة أن تكون لكل الكتاب السوريين حتى الآن. السبب أن بعض الزملاء يرون فيها رابطة للكتاب الثوريين وليس السوريين. إننا نعمل على تجاوز هذه العقبة.
يكتب خطيب بدلة المقالة والقصة القصيرة والنص الأدبي القصير بشكل عام، هل هناك محاولة سردية طويلة للكاتب خطيب بدلة، رواية مثلاً؟
يكتب خطيب بدلة المقالة والقصة القصيرة والنص الأدبي القصير بشكل عام، هل هناك محاولة سردية طويلة للكاتب خطيب بدلة، رواية مثلاً؟
لا أعتقد ذلك. المشكلة في كل هذه المهام التي تجعلني أفكر جدياً في استئجار شخص يحك لي رأسي، فأنا والله لا أجد وقتاً لأحك رأسي.
كيف يرى الكاتب والسياسي خطيب بدلة سورية المستقبل؟ وما هي آفاق الحلول التي تراها ممكنة وأنت الشاهد القريب على كل الأحداث المهمة منذ أكثر من أربعين عاماً حتى اليوم؟
حينما اغتصب حافظ الأسد السلطة في سورية بدأ يفكر، بداية، في كيفية الحفاظ عليها طالما هو على قيد الحياة، وفي أوائل التسعينيات، حينما ترسخ حكمه، وضرب شروشه في الأرض، بدأ يفكر جدياً بتوريث السلطة لباسل، وبعد موت باسل المفاجئ غير التكتيك وبدأ بتهيئة بشار، عندها أخذ يشتغل على استنفار كل الأوقات والأماكن والظروف والعلاقات والبنى التي تضمن هذا التوريث، ولتفخخ البلاد بحيث تحترق كلها فيما لو فكر أحد بالانقلاب عليه.
لا يمكن لأحد، في سورية، ممن يعرفون قذارة هذا النظام أن يصل به الحال إلى الندم لأننا ثرنا على هذا الوريث الأكثر إجراماً من والده، ولكن ما فعله بالبلاد يضعنا أمام أن نرى الحال قبل الثورة أفضل بكثير مما أصبحت بعدها.
دفعنا فاتورة باهظة.. ويجب ألا نرضى، في المحصلة، بغير دولة خالية من الاستبدادين: السياسي والديني.
الفصاحة والسخرية
إن اللغة المتأنقة التي تتوسل الفصاحة اللغوية لا تصلح، برأيي، لإنتاج نص نثري مهم، أي نص حتى ولو لم يكن ساخراً. على سبيل المثال أنا لم أتعاطف مع رواية رامة والتنين لإدوار الخراط، وبرأيي أن كتابي سليم بركات (الجندب الحديدي) و(سيرة الصبا) هما الأجمل بين ما أبدع من نثر في حياته. وحينما ترجم عبد القادر عبد اللي رواية (زوبك) لعزيز نيسين، وطلب مني صياغتها بالعربية تمكنتُ أن أنقلها بلغة عربية توازي اللغة التركية التي كُتبت بها. هناك مَنْ يقول: ولكنها لغة شوارعية. أنا أقول هذه لغة الشعب، ولو أراد عزيز نيسين أن يكتب بلغة عالية لكتب، فهو ليس قاصراً. وأنا، أيضاً، أستطيع، لكوني متمكناً إلى حد كبير من اللغة.
إن اللغة المتأنقة التي تتوسل الفصاحة اللغوية لا تصلح، برأيي، لإنتاج نص نثري مهم، أي نص حتى ولو لم يكن ساخراً. على سبيل المثال أنا لم أتعاطف مع رواية رامة والتنين لإدوار الخراط، وبرأيي أن كتابي سليم بركات (الجندب الحديدي) و(سيرة الصبا) هما الأجمل بين ما أبدع من نثر في حياته. وحينما ترجم عبد القادر عبد اللي رواية (زوبك) لعزيز نيسين، وطلب مني صياغتها بالعربية تمكنتُ أن أنقلها بلغة عربية توازي اللغة التركية التي كُتبت بها. هناك مَنْ يقول: ولكنها لغة شوارعية. أنا أقول هذه لغة الشعب، ولو أراد عزيز نيسين أن يكتب بلغة عالية لكتب، فهو ليس قاصراً. وأنا، أيضاً، أستطيع، لكوني متمكناً إلى حد كبير من اللغة.
لو كتب ياروسلاف هاشيك روايته (الجندي الطيب) بلغة استعلائية لما دخلت في ضمير الشعب التشيكي، ولما مرت عليها عشرات السنوات وهي محتفظة بحرارتها.