Print
أشرف الحساني

سنان حسين: الغرائبية حقيقة العالم الخفي الذي نعيش فيه

10 يوليه 2017
حوارات
يعد الفنان التشكيلي العراقي المغترب في الولايات المتحدة الأميركية سنان حسين، أحد أهم وأبرز الوجوه الفنية التي ميزت الحياة التشكيلية في العالم العربي بالكثير من الجدية والاحترافية عبر اشتغاله الدؤوب على ثيمات قلّما جرى التطرق إليها من قبل في الساحة التشكيلية العربية، كالعابر والزائل والمهمش والجسد المعذب والقبيح والغرائبية والميثولوجيا وغيرها من الموضوعات الجديدة، التي باتت تطبع الحياة الفنية اليوم، والتي لها علاقة أساسًا في بعديها الابستيمي والاستيطيقي بالفن المعاصر. وقد أقام الفنان سنان حسين في مسيرته الفنية، العديد من المعارض الفردية والجماعية في كل من دار الفنون بالكويت وقاعة المرخية بقطر وقاعة العالمية بالسعودية وقاعة دار الأندي بالأردن وقاعة هالواي أميركا ببوسطن ومعرض حافظ الدروبي ببغداد ومعرض الكورتيارد غاليري بدبي وغيرها من المعارض في كل من عمان وتركيا.

* الفنان سنان حسين، بداية ما هي اللوحة التي ورطتك في عالم الرسم. متى وأين؟


 لا أعتقد أن اللوحة ورطة، بل هي هروب من ورطة هذا الزمن إلى عالم غرائبي جديد يشبهني أنا، لأن العالم أصبح لا يشبه نفسه، بل أصبح متفسخًا لدرجة القيء. لهذا السبب أورط نفسي دائمًا بعمل أنقذ فيه نفسي من حالة التفسخ داخل هذا المجتمع. فالحالة الزمنية لا تعني لي شيئًا، فأنا أعتقد أني أرسم قبل أن أولد أو قبل أن أكون موجودًا. روحي هي التي تخلق وتخاطب ما هو مرئي وتحوله إلى حقيقة. أنا أرسم إذن، أنا حقيقي وموجود. فاللوحة هي حالة وجود قائم بها، أكيد هو الفرد، فالاستحواذ على الموجودات الصورية هو الذي يكوّن اللوحة، والفرد هو الجزء الذي نستحوذ به على الفكرة في الزمان والمكان.





* في جل لوحاتك تعمل على إبراز شخصياتك بشكل حالم وبأجساد معذبة. لماذا هذا الاهتمام الكبير بموضوعة الجسد؟


هو عالم معرفي خليط بفكر أقرب إلى الخيال، فالجسد ليس جسدًا مكتملاً، وهذا لا يعني الكمال الحقيقي الذي يتكون به الإنسان، وإنما الكمال الحقيقي هو أبعد من ذلك. حتى الجسد في بداية التكوين لم يكن جسدًا كاملاً بصفاته الآن، بل هو تغير بتغيير البيئة والمكان إلى أن وصل لمفهوم الكمال بمعتقد الإنسان. أما بمعتقد الآخر، وهو الذي يتجسد بعنصر المنتظر، فهو غير كامل بل يجتهد لوصول الكمال. فأصبح يتشكل بأشكال أقرب إلى الحيوان بصفات مشتركة مع الإنسان ليجد نفسه ليس هو فقط الكائن الذي رفض الأرض واتجه إلى العالم الآخر، ليتحول إلى عالم فسيح يمتلك الخبرة والفلسفة الكاملة للحقيقة، فأخذ ينجز ويتحدث ويكتب، لهذا فإن الفن هو جزء من معتقدي الروحي، فروحي هي التي رسمت أول لوحة وليس أنا.



* ماذا عن طقوسك الخاصة بالرسم؟ ثم ما هي الأشياء الأكثر حميمية وإلهامًا لك في الواقع؟


دائمًا أعيش حالة من التصوف، فأنا أرسم الغيبيات والروح عندي هي الملهمة، تطاردني في كل مكان، تخاطبني وتحول حالة الفوضى في مجتمعنا إلى حقيقة. أنا لا أعرف متى أرسم ولكن شيئا ما يأخذني باتجاه اللوحة، أضع كل ما أملك من فكر واستنتاج، بعد أن تتكامل اللوحة في ذهني، حينها أجدني أرسم. كيف؟ ومتى؟ أبدًا لا أدري، فقط روحي هي التي تسحبني، أغيب عن حالة الموجودات فتكتمل الصور داخل ذهني، فتنتج لوحة.. الواقع ملهم بالنسبة لي لأنه يخبئ كل يوم شيئًا جديدًا ومثيرًا وغرائبيًا. العزلة، السياسة، التطور، الفوضى إلخ.. كل هذه الأشياء تلهمني كي أنتج لوحة.


* ما نوعية الاستيهامات والأحلام التي تخامرك وتدغدغ مخيلتك، وأنت تقف صوب لوحاتك ممسكًا بفرشاتك؟


الغرائبية هي حقيقة العالم الخفي الذي نعيش فيه، ليس هناك شيء مدرك ولا ملموس. الكل يعاني من حالة ضياع وهروب من الحقيقة نحو الخيال الخفي. الغرائبية هي بحثي الدائم نحو اللامعقول لكن المعقولات الآن لا تمت للحقيقة بأي شيء سوى العبث بمفهوم المجتمع وتغيير منطقة الإدراك الفكري والحسي أيضًا. شخصيات أعمالي هي ليست غرائبية بمنطق الموجودات، وإنما هي أرواح تشكلت بأشكال تربط جميع المخلوقات بشكل واحد، أي إعادة صياغة التكوين الخلقي للبشر والحيوان والنبات أيضًا، ولهذا السبب هم يعيشون في عزلة. صراع داخلي تعيشه شخصيات أعمالي بين الحقيقة والـ لا حقيقة، كاعتراف بأنهم غرائبيين ومرفوضين من المجتمع. أعمالي ليست هروبًا من الواقع المؤلم، بل هي حقيقة العالم شخصيًا. أعمالي تتبنى جميع إشكاليات المجتمع بشكل ساخر، لأن الحقيقة هي أقرب إلى السخرية، وهذا هو العالم الذي نعيش فيه، نتحمل أخطاء بعض البشر. نحن نعيش بمسرح كبير وأنا أضع شخصياتي بجزء صغير من هذا المسرح الكبير، وتلعب شخصياتي أدوارًا فائقة الأهمية، لأنها تدرك الحقيقة أكثر من البشر.


* أول شيء يشد الانتباه إلى عالمك التشكيلي المتميز، هو هذا الزخم من تعدد الألوان. لماذا هذا الإصرار على الاحتفال باللون إلى هذه الدرجة؟


التلوين ليس هو طابع يتماشى مع العمل الفني فقط أو بمجرد حالة العمل يتطلب هذا اللون أو ذاك، أو معالجات تخدم مساحات العمل. عملي يسرد قصة أو حكاية خيالية هزلية لها علاقة بالمجتمع الذي نعيش فيه، وبما أن هذا الهزل أو التهكم أصبح يأخذ طابعًا سياسيًا، أكيد اللون سوف يأخذ اتجاهًا آخر. نحن نعيش بعزلة تامة عن المجتمع؛ خوف، قلق، توتر، صورة شخصية أو صورة الجواز الداكن، الذي يتبع أفكارنا أينما نذهب، كله له علاقة بإيقاع اللون للعمل، وحتى إن كان العمل لونه أحمر أو برتقالي، فإنه لون داكن بمفهوم العزلة. الأماكن كلها أصبحت داكنة أو مغبرة. أخبار كلها سوداوية ليس بها أي بصيص نور، هذا ما يؤثر تأثيرًا كبيرًا بعملي، فاللون هو مدلول لإيجاد حالة من التزامن المنطقي داخل العمل. أنا أعتبر أني وحشي بعض الأحيان بألواني، ولكن بدلالة الفكرة، فليس اللون وحده هو الشاغل.





* مرورًا بتاريخ الفن، ما هي المدرسة أو التيار الفني الذي يعتبر الفنان سنان حسين ينتمي إليه فنيًا ووجدانيًا؟ ولماذا؟


لا أجد نفسي أنتمي لأي مدرسة، فأنا أبحث دائمًا باتجاه الفن المعاصر وعن الشيء المختلف، ولكن تأثرت بمرحلة ما قبل الكلاسيكية، حيث الكنيسة كانت مؤثرة بشكل كبير باتجاه الفن، فأصبح الفن روحانيًا متصوفًا. هذا الذي أثر بي تأثيرًا كبيرًا، وأيضًا بفنون بلاد ما بين النهرين، الأكادية والسومرية والبابلية، حيث الأشكال الطوطمية واللامرئيات، حيث كان الرمز والتعبير هما أساس هذه المرحلة، والروح كانت تأخذ دائمًا طابعًا دينيًا روحانيًا ومقدسًا، مثل الفن الذي بزغ في عصر الأمير كوديا، والملك أور نمو، لهذا فقد مثّل هذا العصر استظهارًا للقوى الماورائية التي تخفيها أعمالهم.


* كيف يرى الفنان سنان حسين واقع التشكيل داخل المجتمع العراقي اليوم؟ وكيف يتصور ويتمثل مستقبله؟


المجتمع العراقي مثقف بالموروث، حتى وإن كان لا يستطيع قراءة اللوحة الحديثة، فإنه يراها بشكل مختلف. أما الواقع والفوضى التي يتخبط فيها العراق الآن، وانغلاق العديد من قاعات العرض أدّت إلى انكماش الفن، واتجاه أكثر الفنانين إلى سوق الفن. أما بخصوص الفنان العراقي، فيمكن تقسيمه إلى صنفين؛ الأول داخل العراق والثاني خارج العراق. فالفنانون الذين يعيشون داخل العراق، فإن تأثير البيئة العراقية واضح على معالم أعمالهم، وجزء كبير من هذه الأعمال تدور حول نفسها بمبادئ الموروث والميثولوجيا العراقية، أو بالاستناد إلى رواد الفن العراقي الحديث، منهم فايق حسن وجواد سليم وحافظ الدروبي وشاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي وغيرهم.. أي أن الفن يتجه باتجاه إعادة التدوير. أما بخصوص الفنانين الذين هاجروا خارج العراق، فإن أكثرهم استطاع أن يواكب سيرة الفن المعاصر الحديث، ومنهم أسماء مهمة والآن لها تأثير كبير في الساحة الفنية العربية والغربية. مستقبل الفن العراقي مميز وله تأثير على الساحة الحديثة، فهو متطور ويواكب الحدث بشكل مختلف دائمًا.