Print
إيهاب محمود

أمير تاج السر: الرواية العربية حققت انتشارًا عالميًا

6 أكتوبر 2018
حوارات

ينشغل الروائي السوداني أمير تاج السر بالتاريخ، تقريبًا تدور غالبية أعماله في حقب تاريخية بعيدة، يقول إنه لا يكتب عن شخصيات ووقائع تاريخية مثبتة، ولكنه يتخيل التاريخ، يدرس حقبة زمنية ما ثم يتخيل ما يمكن أن يدور فيها ويخدم قصته أيضًا.

وعلاقة تاج السر بالجوائز علاقة رائعة، إذ ترشح للقائمة القصيرة للبوكر العربية مرتين، كما ترشح لقائمتها الطويلة أربع مرات، كأكثر كاتب عربى حضورًا في قوائم الجائزة، إلى جانب الفلسطيني إبراهيم نصر الله، كما أنه غزير الإنتاج على نحو لافت، رغم أنه لا يكون في حالة كتابة دائمة كما يقول.

هنا حوار معه حول الكتابة، والرواية، والتاريخ، والجوائز.

 

*لديك غرام بالكتابة في حقب تاريخية بعيدة، وأسألك هنا: ما هو تعريف الرواية التاريخية عندك؟

في الحقيقة، أنا لا أكتب تاريخا موثقا كما يفعل البعض، أي لا أكتب عن شخصيات معروفة في أزمنة ما، أو معارك بأسمائها دارت في أحد الأزمنة. الذي يحدث أنني أدرس الحقبة الزمانية التي أريد لنصي أن يجري فيها، أدرس المجتمع آنذاك، وما كان متوفرا من نهج اقتصادي وسياسي واجتماعي، وحتى شكل المساكن والأسواق، ثم أكتب نصي المتخيل. ببساطة أنا أتخيل التاريخ، ولا أوثق لتاريخ حقيقي. فعلت ذلك في عدة أعمال مثل مهر الصياح، وتوترات القبطي، وزهور تأكلها النار، وروايتي الصادرة حديثا: جزء مؤلم من حكاية.

*وهل يحق للروائي أن يغير من مصير شخصية حقيقية عند معالجتها روائيًا؟

لا.. قد يضيف بعض الجوانب الإنسانية الخافية، أو يتخيلها، لكن لا يمكن تعديل المصير. إذا كان أحد قادة الحرب المشهورين، مات في معركة وثقها التاريخ، فلا بد أن يموت في المعركة نفسها داخل النص، فالذي يكتب رواية مثلا عن طلنا القومي: عبد القادر ود حبوبة زعيم ثورة الحلاويين ضد الإنكليز، ربما يتخيل جوانب من حياته، لكن ستكون النهاية كما وردت. لذلك تجدني لا أكتب عن شخوص واقعيين، ذلك لا يتفق مع اعتمادي على الخيال بشكل كبير.

*وهل تعتبر الرواية التاريخية وثيقة لقراءة التاريخ؟

في بعض الأحيان، حين تكتب عن شخصية رائدة أو حقيقية، وكما قلت في لقاءات سابقة: الروائي لا مصلحة له في تزييف التاريخ. هو يكتب من منطلق إبداعي نزيه إلى حد ما، إضافة إلى أن لغة الرواية جاذبة لقراءة التاريخ، أكثر من كتابة المؤرخين العلمية.

*كنت قريبًا من الفوز بالبوكر العربية لهذا العام، ووصلت من قبل إلى القائمة القصيرة، وفزت بجوائز مختلفة ومهمة.. ما قيمة الجوائز الأدبية بشكل عام؟ وهل يمكن اختزال قيمتها في المقابل المالي فقط؟

الجوائز المالية مهمة جدا بالطبع، هي مكافأة للأديب على جهده، خاصة أن نشر الكتب التي يحترق المبدع وهو ينحتها، لا يأتي بعائد كبير، وقد لا يأتي بأي عائد على الإطلاق في ظروف النشر الحالية. لا بأس من التقديم للجوائز ومن الحصول على جائزة، فقط لا يكون الهدف هو الكتابة لها كما يحدث هذه الأيام، نعم هناك من يكتب بالفعل على أمل الحصول على جائزة، ولكن جيلنا يكتب فقط فإن صادف أثناء كتابته جائزة مالية، فلا بأس. الجوائز أيضا خاصة جائزة البوكر، تنشط فعل القراءة، وكثيرون يبدأون موسمهم القرائي بالأعمال التي ظهرت في قائمة البوكر الطويلة.

*وما الذي يميز البوكر العربية تحديدًا عن باقي الجوائز الأدبية؟

البوكر كونها مشتقة من جائزة مان بوكر الإنكليزية العريقة، ورثت التقاليد نفسها، ومن هذه التقاليد، الوجود بكثافة في الإعلام طوال السنة، حيث تقام ندوات باسمها، ويدعى الفائزون لمهرجانات عالمية باسمها أيضا، وهناك التدريج في إعلان الفائز، أي موضوع القوائم الذي يرافقه دائما ترقب وتوتر، والذين يصلون إلى القائمة القصيرة تنتشر كتبهم بسرعة، وتصبح أسماء المغمورين منهم، معروفة للغاية، هناك جائزة كتارا أيضا وتلك تمنح لعدد من الكتاب، وأعتقد أنها تنمو تدريجيا في مسألة الدوي الإعلامي، وتصبح معروفة أكثر كل يوم.

*ما الذي ينقص الرواية العربية لتصبح منافسًا عالميًا؟

الرواية العربية وصلت العالم فعلا مع ازدياد حركة الترجمة، هي رواية عالمية بكل المقاييس، فقط يظل التأثير مقيدا بتعقيدات لا دخل للرواية العربية بها، مثل الاقتناع الأساسي عن كثير من القراء الغربيين بعدم صلاحية الإبداع العربي. لكن تظل هناك نصوص تحدث تأثيرا كبيرا، عندي شخصيا نصوص دخلت القوائم الطويلة لجوائز عالمية، ورواية فرنكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي، تلمع الآن وسط نصوص العالم بما أحدثته من تأثير.

*وهل من الصعب أن يفوز كاتب عربي آخر بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟

نوبل هذه ليست نهاية الدنيا، وشخصيا لا أرى ضرورة أن يفوز بها عربي، وأعتقد أنها لن تمنح لعربي مرة أخرى، وقلت كثيرا أن علينا كعرب أن ننشئ جائزة كبرى، نروج لها، وبالتالي  تصبح لنا نوبل الخاصة.

*برز كتاب خليجيون خلال السنوات الأخيرة، وللجوائز الأدبية فضل في ذلك، كما تم تسليط الضوء على الرواية الفلسطينية التي انتعشت هي الأخرى أخيرًا على نحو لافت.. هل نحن أمام إعادة تشكيل خريطة الإبداع العربي؟

لا أبدا، ليس إعادة تشكيل بالمعنى الحرفي ولكن في كل زمان ومكان يبزغ كتاب مجيدون من حين لآخر، وواجبنا أن نسلط الضوء عليهم.

*وما رأيك في أدب الخليج؟ وما تصورك لمستقبله؟

أدب الخليج، أدب عربي بنكهة البحر والصحراء، والمجتمعات التي تحوي أنماطا مختلفة من البشر، هو أدب راقٍ بلا شك، وهناك كتاب مجيدون فيه يستحقون التقدير، وشخصيا أراه يتطور باستمرار.

*نعيش أوقاتًا صعبة وتاريخية في بلداننا العربية الآن، وأسألك: ماذا تفيد الكتابة في أوقات كهذه؟ هل ثمة دور لها؟ هل ثمة أمل نرجوه منها؟

قلت مرارا، إن الكتابة ما عادت المشعل ذا الضوء القوي الذي يمكن وضعه في طريق الشعوب لتهتدي به، فقد انحسر دورها كثيرا كأداة تنوير، والكاتب أو الشاعر الآن، يقول ما عنده من دون أن ينتظر استجابة من أحد.

*وهل من الواجب أن يكون للفن دور؟ أم أنه وسيلة للاستمتاع بالحياة؟

له دور بكل تأكيد بجانب المتعة، مثل نقل المعرفة وهذا في حد ذاته أمر مهم.

*وما تعريف الفن عندك؟

ليس لدي تعريف محدد، لكن لنقل إنه ما أصادقه من أجل أن أظل مشحونا بكثير من الجمال.

*ماذا تكتب الآن؟

لا شيء، مشغول في أشياء أخرى، صدرت لي رواية: جزء مؤلم من حكاية، منذ فترة قليلة عن دار هاشيت أنطوان، وتصدر لي سيرة اسمها: تاكيكارديا عن هاشيت أنطوان، مطلع العام المقبل إن شاء الله.