Print
علياء تركي الربيعو

علي المقري: كل وطن هو منفى

27 فبراير 2018
حوارات

في هذا المنفى ما زلت أشعر وكأنني أعيش أجواء الحرب، كما عرفتها في مرحلتها الأولى. أشياء كثيرة ما زالت تشدني لمتابعتها وتؤثر في مسار كتاباتي وحياتي عامة.


علي المقري، روائي وشاعر يمني، صدرت له أعمال عدة، نذكر منها: "نافذة للجسد"، "ترميمات"، "يحدث في النّسيان"، "الخمر والنبيذ في الإسلام"، "طعم أسود.. رائحة سوداء"، "اليهودي الحالي"، "حُرْمَة" والتي تمت ترجمتها إلى اللغات الفرنسية والايطالية والإنكليزية والكردية، ورواية "بخور عدني".

لا يؤمن المقري  بوجود رسالة للأديب أو مهمة له تستهدف تغيير العالم، فمثل هذا القول يعني أننا نقر بامتلاك الأديب قدرة خارقة لتغيير العالم، عن هذا وأكثر كان لنا معه الحوار التالي:

*كيف يكتب علي المقري اليوم في زمن الحرب والحيرة والمنفى كذلك؟

من العجب أن أقول إنني ما زلتُ أكتب بالرغم من كل هذا الخراب الذي حل في اليمن بسبب الحرب التي لم تدمر البنى التحتية الاقتصادية، فقط، وإنّما دمرت أيضاً كل ما له علاقة بالإنسان في اليمن، فقبل أن تقتله مادياً أو جسدياً قتلته معنوياً ودمرت أواصر علاقاته الحميمية بالمحيطين به من الناس وبالمكان الذي كان يعتبره وطناً.

هكذا صرت في منفى لم أتوقعه في يوم ما وإن كنت أظن، في فضاء الكتابة وقلقها، أن كل وطن هو منفى بشكل من الأشكال. في هذا المنفى ما زلت أشعر وكأنني أعيش أجواء الحرب، كما عرفتها في مرحلتها الأولى. أشياء كثيرة ما زالت تشدني لمتابعتها وتؤثر في مسار كتاباتي وحياتي عامة.

*صرحت بأنك تركت الشعر بعد أن اتجهت إلى كتابة الرواية متأخراً، ما الذي منحته لك الرواية مما لم يستطع الشعر تقديمه؟

ليس من السهل القول بسهولة إنني تركت الشعر. من يقول هذا ويذهب إلى عالم الرواية فهو، برأيي، لم تكن له علاقة حميمة بالشعر، إذا لم أقل إنه لم يكن شاعرا. علاقتي بالشعر كانت حميمة كعلاقتي الحالية بالرواية. مع هذا فمنذ سنوات لم أكتب سوى نصوص شعرية قليلة لم أنشرها وصارت الرواية تأخذ معظم وقتي. أظن أن كل فضاء كتابي له هواجسه الإبداعية الخاصة التي ليست بالضرورة أن تكون في محل تناقض.


*تعالج عادة قضايا حساسة أو كما يراها البعض مواضيع تمس الممنوع والمحرّم والمقصي، وكثيراً ما تُتهم بأنك تتجاوز الخطوط الحمراء في كتاباتك، كيف تتعامل مع النقد الذي يطاول أعمالك؟

ليس لدي مشكلة مع أي قراءة نقدية، أو غير نقدية، لكتبي. المشكلة هي في القراءات التي تتحول إلى تحريض ضد حياة الكاتب وحقه في الكتابة بحرّية.  فبالنسبة لي لا توجد أي خطوط حمراء في الكتابة. فالكتابة لا يمكن أن تكون أكثر قرباً أو اشتغالاً في هواجسها الخاصة إذا بقيت مقيدة أو تنجز تحت شروط معينة.


*ما سبب غياب اسم لشخصية المرأة في روايتك "حرمة"، هل في هذا إشارة إلى تهميش دور وحياة المرأة في مجتمعاتنا؟

ربّما تكون قراءتك صحيحة. مع هذا إذا تجاوزنا مسألة غياب اسم الشخصية إلى محنة أو إشكالية التحقق الوجودي للمرأة فربّما نتكشف ملامح أخرى لهذه الإشكالية.


*هل تعتقد بأن الروائي أصبح يمارس عمل المؤرخ من حيث توثيق الأحداث وسردها، وهل هذا ما حاولت تقديمه في روايتك "اليهودي الحالي"، و"بخور عدني" المفعمتين بالسرد التاريخي؟

لا أظن ذلك. لم أكتب رواية تاريخية، وما اتكأت إليه في التاريخ لم يندرج حسب المفهوم التقليدي للرواية التاريخية. وقد تطور هذا المفهوم كثيرا في كل لغات العالم منذ أن تمت دراسة الفرق بين التوثيق التاريخي والرواية. فحتى ما يسمى بالتوثيق التاريخي، المعتمد على وثائق، ليس بالضرورة أن يكون صادقاً أو حقيقياً.  


*تقدم لنا رواية "بخور عدني" الطبيعة الكزموبوليتية للمدينة من خلال إظهار التنوع الإنساني الذي كانت تعيشه عدن، حيث شهدت في فترة من فتراتها اختلاطا غير مسبوق لأعراق وأديان مختلفة، كيف ترى اليمن في مرحلة ما بعد الحرب، وهل سنشهد تعايشاً فيها بعد كل الدمار والخراب اللذين لحقا بها؟

يمكن، كما يبدو لي، قراءة الرواية من وجهات مختلفة ومن ذلك مقاربتها مع ما يحدث في عدن الآن. لا يعني أن الأحداث تشابهت في أزمنة متلاحقة، بل يعني أن محنة التعايش وإشكالية الوطن واللاوطن ما زالت قائمة وربما ستبقى إلى ما لا نهاية. فالإشكالية لا ترتبط بوجهها السياسي الآني، أو الماضوي، وإنّما بعلاقة الإنسان الشائكة والقلقة بمكان أو وطن ما.


*تحدثت بأنك تبحث من خلال أعمالك عن إشكاليات وجودية تواجه الإنسان، من دون أن تهدف إلى تقديم إجابات، وتؤكد أن الرواية التي تنحو إلى هذه الوجهة تفقد روائيتها، بل، ترى بأن الأدب كرسالة لم يعد يتحقق في العصر الحديث، اذن ما هي وظيفة الأدب اليوم؟ وهل تؤمن حقا بأن الكتابة والأدب غير قادرين على تغيير العالم اليوم أو حتى التأثير به؟

في الحقيقة، مثل هذا السؤال يتكرّر في ذهني كثيراً: ما جدوى الكتابة؟ ليس لدي إجابة جاهزة، لكن في المقابل لست مع القول بوجود رسالة للأديب أو مهمة له تستهدف تغيير العالم، فمثل هذا القول يعني أننا نقر بامتلاك الأديب قدرة خارقة لتغيير العالم. أعرف أن للكلمة أثرها الكبير، ولكن ليس على الطريقة التي طرحها السابقون من المنظرين الذين ألحقوا مهمة الأدب بالتبشير السياسي.


*قلت إن الجوائز في المنطقة العربية محافظة جداً وتمنح دائماً وفق مقاييس أخلاقية وسياسية، ولا يمكن للكاتب العربي أن يحلم بهذه الجوائز إذا كان يتمتع بحرية مطلقة حين يكتب. ولكن في الوقت نفسه، ترى  بأن تزايد ظاهرة الجوائز في العالم العربي قد يساعد الكتاب على تحقيق مطمحهم في التفرغ للأعمال الأدبية، كيف تصف المشهد الروائي العربي؟ وكيف تؤثر الجوائز على المنتج الأدبي؟

ساهمت جوائز الرواية العربية في اتساع الإنتاج الروائي بشكل كبير وصار هناك كثيرون يكتبون روايات من أجل محاولة نيل هذه الجوائز، أو للاشتراك بمسابقاتها على الأقل.

كل الجوائز في العالم لها معاييرها الخاصة التي تتكئ عليها مع وجود فسحة أوسع للتشجيع على حرّية الكتابة، لكن الجوائز العربية، في معظمها، ما زالت تخضع للمعايير الأخلاقية والقيمية للمؤسسات والبلدان المانحة لها. وبالتالي فإن الأديب العربي المتميّز قد يكون من الأسهل له أن يحصل على جائزة نوبل للآداب، أو أي جائزة مشابهة، من أن يحصل على جائزة عربية.