Print
عماد الدين موسى

ريم يسّوف: الفنان السوري ضحية تهديد العنف كأي مواطن

22 أغسطس 2019
حوارات
تؤكد الفنانة التشكيليّة السوريّة ريم يسّوف في هذا الحوار الخاص أهميّة المعارض الجماعيّة، كونها "تغني تجربة الفنان فيما يتعلق بالتواصل مع الآخر"، عدا عن أنها "تفكيك لحالة العزلة التي يعيشها مع العمل الفني داخل المرسم لفترات طويلة".
ريم يسّوف، المولودة في دمشق سنة 1979، تخرجت من كلية الفنون الجميلة قسم التصوير بجامعة دمشق سنة 2000. ومنذ ذلك الحين أقامت العديد من المعارض الفردية والجماعية في كلٍّ من سورية، الأردن، لبنان، لندن، فرنسا، إيطاليا، هولندا، ألمانيا، قطر، دبي، الكويت، واشنطن، ولندن.
تم اختيار لوحاتها من قبل العديد من المجلات الثقافية والأدبية والكتب الشعرية والأدبية كمجلة the wolf لندن 2013، واليونيسكو كغلاف لكتاب المدرسة الصيفية للأطفال 2014، ومجلة مركز الأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية في فرنسا IISMM 2017.


تفكيك حالة العزلة
تقول ريم يسوف إن مبدأ عرض العمل، إن كان فردياً، أو مشتركاً، هو فعل تشاركي مع الآخر. فالعرض الفردي هو نتيجة العمل على المضمون الفكري، أو التقني، نتيجة لتجربة مرحلة عمل معيّنة يمر فيها الفنان، ويحدّدها بنفسه، وباستقلالية كاملة، بطريقة تقديم هذه

التجربة. بينما المعارض أو المشاريع المشتركة هي داعمة أيضاً لتجربة الفنان والعمل الفني، من خلال مجموعة من الفنانين، تحت عنوان واحد، وضمن مشروع موحّد، بالرغم من أن هذا لا يمنع استقلاليته الفكرية بتقديم ما ينتجه. ولكنها أيضاً تغني تجربة الفنان بمعالجة التواصل المشترك مع الآخر، وإمكانية تحقيق هدف المشروع القائم باختلاف وتنوع آلية طرح العمل لدى كل منهم ومواجهة جمهور واسع في آن واحد، وهي أحد وجوه تفكيك حالة العزلة التي يعيشها الفنان مع العمل الفني داخل المرسم لفترات طويلة وتعزيز المشاركة الفكرية. كذلك تمنح نوعاً آخر من التواصل مع اختلاف المتلقي فكرياً وتنوّع أكبر للثقافة البصرية.


تسمية العمل الفنّي
نسأل ريم عن أهمية تسمية اللوحة على غرار النصوص الأدبيّة، فتقول "أنا مع تسمية المعرض كعنوان لمشروع فني خلال تجربة الفنان مع عمله المستمر وأرشفته، ويمكن أن نعتبر التسمية مفتاحاً مبدئياً لقراءة الأعمال فكرياً من وجهة نظر الفنان نفسه أولاً. وهذا ليس مبنياً على قاعدةٍ للحكم على أي عمل لتقييم مستوى العمل بحد ذاته كقيمة فنية. وبشكل شخصي لا أميل إلى تسمية كل عمل على حدة، وإنما تقديمه تحت اسم مجموعة ينتمي لها تتبع لتجربة أو مرحلة أعمل على بحثها فقط، باستثناء بعض الأعمال التي أنتجها بشكل مستقل، إما لمعرض معين أو مشروع مشترك مع فنانين آخرين ربما أو لسبب معين ينشأ تحت التجربة بالعمل نفسه وبسببه. وبخروج العمل الفني من مرسم الفنان يصبح أمام تلقي شريحة واسعة لتحكيمه وتقييمه فيترك العمل لعنونة نفسه حراً أيضاً".
العنوان، بحسب ريم، هو أحد أدوات وصف المشروع أو وضعه تحت توصيف يتيح للفنان طرح فكرة تقديمية كمفتاح بسيط لقراءته من الناحية السببية؛ ولكن هذا لا يجعل من العمل أكثر أو أقل أهمية على المستوى الفني والتقني بالعموم.


استحضار صور دمشق القديمة
تقول يسوف انه لا يمكن إنكار تأثير المكان على الفنان، أولاً من الناحية النفسية والبصرية ثم من ناحية انعكاسه على العمل الفني. ويبدأ من فكرة المساحة التي تعطي حرية العمل والتجربة في حالة الاستقرار النفسي والمادي للفنان مروراً بالمدينة (المكان) والضوء والطقس وانطباع حالة الشارع على وجوه المارة. وهناك أمثله شخصية خلال التاريخ في مذكرات وأعمال معظم الفنانين في العالم، وهو ما ينطبق أيضاً على الفنان السوري إن كان في الداخل أو ممن أجبرته الظروف الراهنة على الهجرة وتغيير الكثير من البلاد. ولكل مكان طابعه الثقافي والاجتماعي والبصري أيضاً الذي يصنع تأثيره على وضع بحث الفنان، وهذا لا يمكن إنكار تأثيره بشكل

مباشر أو غير مباشر على فكره وعمله.
وحول أثر المكان على عملها، تقول يسّوف: "كان للمكان تأثيره الجليّ على عملي في بعض الأحيان، حيثُ البحث عن حل للاستمرار فقط تحت أي ظرف من الظروف كي لا تكون عقبة على عملي الفني والتحريض على استمرارية البحث والتجربة، مع تأثير الحدث اليومي عليّ أولاً والوضع العام كاستخدام المواد المتاحة بمكان تواجدت فيه، وعشت تجربة مختلفة معه. وأحد الأمثلة البسيطة لتأثير المدينة التي أعيش بها الآن على عملي، كان في بداية حياتي في فرنسا ولوضع سكني الأول داخل مركز المدينة القديمة الفرنسية، في شقة تطل على تفاصيل هذه المدينة من نافذة صغيرة كنت أترقب منها شعور دفء هذه المدينة وبرودة وحدتها بنفس الوقت التي تفرضه لياليها الباردة في الطرقات وطقسها المختلف تماما عن بلاد الشرق. فكان العمل الأول الذي نفذته عبارة عن استرجاع ذاكرة أطفال من سورية فقدوا مفهوم منزل العائلة تحت حضور العنف اليومي والفقد في تفاصيل حياتهم، هذا من ناحية التحريض الفكري كذاكرة والتحريض البصري اليومي الذي ظهر كسبب لأول عمل فني كان في بداية حياتي الفرنسية، ولاستحضار الشكل المعماري لهذه المدينة تطابقا لذاكرتي بالشكل المعماري لمدينة دمشق القديمة بخطوطها واتكاء جدرانها، وكان هناك تأثير واضح على بناء تكوين العمل من ناحية هندسية وخطوط متقاطعة، وهو أحد أوجه بناء علاقة أولية مألوفة مع هذه المدينة الهادئة والبعيدة عن أي ألم لدى مثيلتها دمشق وباقي المدن السورية".


الانفتاح والحريّة الفكريّة
ترى يسّوف أن تجارب التشكيليات السوريات غنية جداً على المستوى الفكري والتقني ولا يمكن فصل الفنانات عن الحركة الفنية التي تؤرشف حالة ثقافية عامة. وكان هذا خلال تاريخ الفن السوري بالعموم، لكن أيضاً خلال ما نمرّ به حالياً وخصوصاً حراك الفن السوري الحالي بكل اضطراباته ومحاولة استمراريته والتطوير بآلية التعبير وتحديداً بعد الثورة، حيث أثبتت الكثير من الفنانات أنهنّ يملكن الحرية الفكرية وأنهن منفتحات على تجارب فنية حرة ومنفتحة على مستوى الفكرة والمادة، وبذا أثبتن دوراً وحضوراً لا يمكن إنكاره.
وتضيف: لا يمكن وصف تجربة كاملة بأنها الأقرب إليّ ولها الأثر الأكبر، ولكن يمكن وصف

أفضلية تجربة فنان بمرحلة معينة على فنان آخر، وهذا أيضا يعود لتأثير اكتشافي أو اطلاعي على فنان والتعمق بتجربته، بسبب تجربتي في كل مرحلة مررت بها منذ دراسة الفن وحتى الآن، ولكن هذا لا ينكر أن هناك أعمالاً لفنانين خلال تاريخ الفن، إن كان تاريخ الفن العربي أو العالمي، كان لها الأثر في تحريضي على البحث وبداية تأسيس مفهوم العمل الفني لديّ فكرياً وتقنياً، لكن كانت مشكلة التواصل مع الفن محدودة من خلال بعض الكتب المتاحة فقط أو بعض المعارض المتاحة والقليلة للفنانين السوريين الموجودين داخل دائرة معينة محدودة وتحت ظروف مشروطة، وعدم تواجد تنوع لمتاحف الفن كمنصة لاستضافة تجارب فنية، وكتبادلٍ ثقافي مع متاحف أخرى في العالم، وكتحريض للفنان على المعرفة والبحث بمفهوم العمل كوجهات نظر مختلفة ومتنوعة، تعتمد على متابعة تاريخ المدارس الفنية المعاصرة خارج دائرتنا الضيقة. ولكن بعد انتهاء دراستي ومن ثمّ السفر، كان لموضوع التأثر بالنسبة لي مفهوم آخر مما كنا نعاني منه كحالة عامة عند معظم الفنانين، وكان مفهوم البحث والتجربة أكثر حرية ومغامرة مع المادة ومع الذات أيضاً.


الفنانون الروّاد
من جهةٍ أخرى ترى يسوف أنّ تجارب الفنانين الرواد من أمثال فاتح المدرس والياس زيات ونذير نبعة ومروان قصاب باشي وغيرهم العديد خلال تاريخ الفن السوري ومسيرة الفنانين منذ البداية وحتى الآن، أثرت على حضور الفن السوري بمفهوم العمل والتجربة ونوع من محاولة طبع هوية الفنان السوري ابن هذه المنطقة خلال مراحل مختلفة، من خلال العمل الفني ومن خلال تأثير تاريخ المنطقة أو الثقافة الاجتماعية وغيرها من التأثيرات اليومية على أبناء

المرحلة وانعكاسها على مواضيعهم المطروحة، وما زال لبعضها حضور واضح حتى يومنا هذا. كما أن تأثيرها واضح على بعض التجارب الفنية الشابة كبداية لمرحلة اكتشاف الذات قبل الانتقال لمرحلة فردية خاصة وهوية بصرية لكل منهم داخل حركة الفن السوري أولاً وتمييزهم ضمن الحراك الفني خارج الخريطة. وهناك بعض التجارب لفنانين شباب بدأوا محاولة التحرر من مرجعيات ثقافية معينة، نظراً لسهولة التواصل مع العالم والتجارب العالمية من خلال عالم النت أولاً ومحاولة ترجمتها كبدايات جدية، رغم أنها ظلّت خجولة نظراً لضعف القاعدة الأساسية لدعمها، ولكن ظهرت ذروتها ما بعد الثورة (سنة 2011) بشكل عام وظهرت حالة العطش لاكتشاف الذات والآخر من خلال الفن لمعظم الفنانين الشباب وخاصة لمن اضطرته الظروف للهجرة والانخراط بثقافات أخرى، رغم كل الصعوبات النفسية والمعيشية التي تواجه معظمهم. وقد أصبح الفن السوري والفنان السوري تحديداً تحت تأثير تغييرات، إجبارية كانت أو اختيارية، لانفتاحه وتحريضه على التعامل مع العمل الفني بإيجاد طرق مختلفة للتعبير والبحث بأكثر حرية مع المادة في بعض الأحيان أيضاً. ولا يمكن تحديد نتيجة نهائية لهذه المراحل بالوقت الحالي ولكن هناك إمكانية مراقبتها بشكل جدي واستنتاج الفنانين بمختلف مستوياتهم وأجيالهم مع الوقت لتصنيف تأثيرهم على مفهوم العمل وتطوير حركة الفن السوري في المستقبل.


تأثير الصدمة
"إلى أي درجة ترجمت لوحات الفنانين السوريين الواقع المأساوي وما يجري على الأرض؟"؛ نسأل ضيفتنا، فتجيب: "إن ما يؤلم هو أن الواقع السوري الموجع لم يتوقف حتى هذه اللحظة، وبرأيي الشخصي كان الفنان السوري أحد ضحايا تهديد العنف كأي مواطن سوري، وهو شاهد حيّ على ما يحدث من مجريات في الواقع السوري اليومي، إن كان في الداخل أو الخارج، وحاولت الغالبية منهم التعبير عن صوتها الخاص بالرفض، وكذلك التعبير عن الذات وإيصال صوتها بطريقة ما، وكان لبعض التجارب طرحها الواضح والمباشر تحت تأثير الصدمة،

والبعض اختار طرقاً أخرى للتعبير".
"وهل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تشكيل ثقافتين سوريتين، واحدة في الداخل وواحدة في المهجر؟"؛ حول ذلك تقول ضيفتنا: "أعتقد أن الثقافة التي يمكن وصفها بالداخلية هي نتيجة خليط ما مر به المجتمع والمنطقة من أحداث خلال تاريخهما سابقاً وحتى اليوم، من يوميات وتفاصيل، وما طرأ من تغيرات وتعديلات بحسب الظروف السياسية والاجتماعية. ومن في الخارج هو أيضاً يحمل مما سبق في ذاكرته، إضافة إلى تأثره بثقافات مختلفة ومختلطة تحت تأثير مجريات تاريخيّة لهذه البلاد من حروب وظروف سياسية واجتماعية حالية أيضاً. وقد تكون صادمة للبعض، بينما محرضة للبحث والمعرفة للبعض الآخر. ما أتمناه هو أن تكون الحالتان، الداخلية والخارجية حسب الوصف العام، منقذتين لبعضهما ومكملتين وليس فقط لتصنيفهما وعزلهما، في كل ما يتعلق بمقاومة ذاك الشرخ الكبير والخلل لمفهوم الثقافة وحمايتها، لأنها أحد ركائز أحلامنا لتحقق سورية حريتها الكاملة".