Print
نديم جرجوره

فراس فياض: "الكهف" حصيلة "كاميرا مراقبة" لمشفى في الغوطة

17 يناير 2020
حوارات
بعد عامين اثنين على نيل فيلمه السابق، "آخر الرجال في حلب" (2017)، ترشيحاً رسميّاً لجائزة "أوسكار" في فئة أفضل فيلم وثائقي طويل (2018)؛ نال "الكهف" (2019) للسوري فراس فيّاض ترشيحاً رسميّاً للجائزة نفسها في الفئة نفسها، مساء الإثنين، 13 يناير/كانون الثاني 2020.
جديده هذا توثيقٌ ليوميات مشفى في الغوطة، معروف باسم الكهف. لكنّ التوثيق مفتوح على لغة الصورة السينمائية في مقاربة أحوال أناسٍ يعملون في المشفى، ويمارسون وظيفتهم بالتوافق مع قناعات ذاتية عن الفردية وحرية التعبير والمساواة والانفتاح، كما مع ديمقراطية العيش والعلاقات، وإنْ في حربِ إبادةٍ يستعين الروسيّ فيها بثقافة ستالينية، تقضي بإنهاك الثوّار عبر "القصف لا التدمير"، كما يُشير فيّاض إلى ذلك في حوار "العربي الجديد ـ ضفّة ثالثة" معه، بعد عرض "الكهف" في الدورة 32 (20 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 1 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية".

 

(*) ماذا عن فكرة "الكهف"؟
هذا المشروع سابقٌ لـ"آخر الرجال في حلب". الفكرة مرتكزة على رغبة في الاشتغال السينمائي على المشافي في حلب وإدلب والغوطة. كنّا فريقين، واحد في الغوطة، والآخر، الذي كنتُ معه، في إدلب. قبل ذلك، تمّ اعتقالي. في السجن، أمضيت 18 شهراً مع مدنيين كثيرين. عرفتُ بتعذيب النساء لأنهنّ نساء. عذّبهن الجلاّدون لأنّ لهنّ رأياً سياسياً أيضاً، فكانوا يقولون لكلّ واحدة منهنّ: "يجب أنْ تكوني في البيت". بقي هذا عالقاً فيّ. نشأتُ في منزل تُقيم فيه 14 عمّة وخالة. أمّي كردية. لي 7 أخوات، إحداهنّ مُدرِّسة طُردت من عملها لأنّها امرأة. لم أستطع أنْ أفعل شيئاً لهؤلاء النساء.
المسألة مرتبطة بأمر آخر: كيف أبني قصّة غير محدّدة بالحكي عن المرأة كضحية، بل كامرأة تواجه وتكافح، أثناء الحرب. أردتُ مكاناً يحتوي النساء كنموذجٍ للديمقراطية، ويُمكن أن نراه موديلاً فنّياً أيضاً. البحث طويل، لكنّي محظوظ. صوّرتُ في عدد من الأماكن/ المشافي، تشهد موديلاً آخر للديمقراطية. حياة وثقافة بشكل من الأشكال التي صنعها أمير كوستوريتزا، والعوالم التي صمّمها فرنسوا تروفو بعد الحرب العالمية الثانية، والموجة الجديدة.

(*) هل كان بحثك عن المطلوب سهلاً؟
هناك ثقافةٌ تُنافس من أجل إثبات حضورها، من العار ألاّ أبحث عنها. لذا، تطلّب الأمر منّي

وقتاً أطول، بحثْتُ خلاله عن شخصياتٍ تكون مثالاً لما أريد. حظّي جيّد أنْ ألتقي الدكتور سليم، والدكتورة أماني، وآلاء، وغيرهم. هؤلاء يعيشون في مجتمع مُقيم في الحرب. يصنعون مقاومة مجتمعية من أجل حرية التعبير. يستخدمون أدواتٍ مختلفة من أجل ذلك، بينها الموسيقى والطبخ مثلاً، إلى جانب المهنة الأصلية في المشفى (الطبابة والتمريض، وغيرهما). في مكانٍ كهذا، هنالك صراع جندري تقوده أماني، إذْ ممنوع على المرأة أن تتساوى مع الرجل. أماني هي، في حدّ ذاتها، فعلٌ سياسي ثقافي. هذا ما تريده السينما.
قررتُ الاستغناء عن كلّ شيء في إدلب. صُوَرٌ كثيرة وتوثيق الحرب وجرائمها. القصف الروسي المباشر على المشافي مقصودٌ، لكنه لا يهدف إلى التدمير، بل إلى إنهاك مَنْ في المشافي. التدمير يعني جريمة حرب. هذه ثقافة ستالين: "نقصف ولا نُدمِّر". الهدف؟ تشويش الذهن. نحن كنّا نعي هذا. القصف لا التدمير يُنهك مقاومة الناس. التلاعب ثقافة ديكتاتورية. تقييد حرية الفرد والفردية. ما يريدونه من الناس أنْ يصطفوا في جماعات، بينما أريدهم بعد صورةِ الأبوية المتسلّطة على المجتمع، التي تُذيبُ الأفراد في جماعاتٍ، أي ضمن إطار جماعي. هذه فكرة تافهة وسخيفة.
يجب على الفردية أنْ تبرز. هذا ما أريده: ظهور الفرد، وصوت الفرد. هذه حرية تعبير. هذا جعلني ألتقي سليم، وأعثر على ثقافة مختلفة عند سَمَاهر، وأماني. هؤلاء يواجهون إذابة الأفراد في صورة واحدة.

(*) كيف تمّ العمل على "الكهف"؟
أولاً، أؤكّد لك أنّ المواد كلّها صُوِّرت للفيلم. لا يوجد أرشيف. التصوير تمّ بإشرافي وإدارتي،

رغم وجودي في إدلب. المشفى المعروف بـ"الكهف" موجودٌ في الغوطة. هناك شبابٌ تولّوا تصوير كلّ ما أردتُه وطلبتُه. كنتُ أُرسِل إليهم شكلاً بصرياً لما أريد، وهم يُصوّرون وفق المخطّط، ويُرسلون المواد المُصوّرة إليّ. لم تكن لديهم أية خبرة في هذا المجال. ومع هذا، كانوا رائعين في تصوير المطلوب منهم. كأنّهم، بعملهم على "الكهف"، اكتسبوا خبرة في السينما الحقيقية التي أصنعها.
أحد الجوانب الأساسية في التصوير كامنٌ في ضرورة التقاط حركات الجسد والمشاعر، التي تبني القصّة أكثر من الحوار. هذا ما حصلتُ عليه. هناك مقابلات مع الشخصيات الأساسية، لكنّي استخدمتُ "المونولوغ الداخلي"، كما عند شكسبير، حيث التطوّر العقليّ للشخصيات. كنتُ أطلب من الشباب المُصوّرين وضع الكاميرا في زاوية معينة، أو في مكانٍ ما، وتركها تُصوّر لـ30 دقيقة مثلاً. هذا عمل يومي لـ3 أعوام ونصف العام، أدّى في النهاية إلى تصوير 500 ساعة. هذا في الغوطة فقط، ففي إدلب، هناك 500 ساعة تصوير أيضاً.

 

(*) كيف تعامل الشباب غير المحترفين مع المسألة، رغم إرسالك إليهم مخططات التصوير وتفاصيل اللقاءات؟
لم يكن سهلاً على المصوّرين العمل مع النساء. هذا مجتمعهم. لا خبرة لديهم في مسائل كهذه. كنتُ أحدِّد لهم الزاوية التي يجب أنْ يُصوّروا منها، وأنْ يتركوا الكاميرا على هذه الشخصية، وفي هذه الأماكن. وضعتُ صورة متخيّلة افتراضية للمشفى، ورسمتُ مواقع التصوير، وطلبتُ من الشباب تصوير هذه الأمكنة وتلك الشخصيات. مثلاً: مع سَماهر، وضعوا الكاميرا أمامها وهي جالسة لنصف ساعة، تتحرّك وتراقب. جعلتُ المصوّرين يُفكّرون أنّ كاميراتهم تتحوّل إلى "كاميرا مراقبة"، كتلك الموضوعة في الأماكن العامة في مدنٍ ومؤسّسات مختلفة. أردتهم أنْ يعملوا مع شخصيات محدّدة. لم تكن للشباب خبرة في التعامل مع "سينما المراقبة"، ومع التصوير لفترة طويلة. هذا نوع من التصوير لا يقوم على مخطّط، بل هو مراقبة يومية للشخصيات. مع هذا، كانوا رائعين، وأتقنوا عملهم كما أرغب فيه.
هذا سلوكٌ يُصيب ذاكرة المُصوّر. التجسّس/ التلصّص، بكلّ ما للكلمة من معنى. أريدُ فعلاً طبيعياً وسلوكاً عفوياً أمام الكاميرا، وهذا يجعلك حرّاً في البحث عن مفردات الصورة.
تصلني الصُور بعد شهرٍ من بدء التصوير. أتابع التطوّر العاطفي والمشاعر، ثم أكتب للمصوّرين، بشكل مبسّط للغاية، إرشادات ما، للتركيز على شخصية معينة، وعلى شخصية أخرى عند لقائها الشخصية الأولى. هذا أدخلنا في العلاقات الاجتماعية، والتطوّر الفعلي للشخصيات، أو انهيارها الفعلي. هناك احترامٌ كبيرٌ للحظة بكاء شخصية ما. يُذكّرني هذا بمسرحية "النورس" لأنطون تشيخوف، عندما تُدير الشخصية الرئيسية ظهرها، لا نعرف إنْ كانت تبكي، أو تعيش لحظة ضعف. نراها من الخلف. هذه حالة خاصة جداً، ولحظة عاطفية تتأثّر بها وتتعاطف معها.

 

(*) وماذا كانت النتيجة؟
التقطنا لحظات مهمّة على مستوى العلاقات الاجتماعية والعواطف الشخصية واللحظات

الحميمة. أنا لا أصوّر بنفسي. الكاميرا ليست ذاتية. لا علاقة عاطفية مع الشخصيات. صعبٌ جداً الوصول إلى الشخصية في لحظات حميمية في حياتها. لا احتكاك مباشر بيني وبينها. مع هذا، استطعتُ كسب ثقة الشخصيات بعد نقاش وحديث طويل مع الدكتورين سليم وأماني تحديداً. وثقا بي، فأنا أخبرتهما عن نفسي، وعن الاعتقال.
الحكاية ذاتية. شقيق أماني خُطف واعتُقل. سليم وأولاده كانوا في خطر. كلّ واحد منهما رآني في جانب من حياته، ومن زاوية شخصية. المصوّرون أيضاً. الثقة ضرورية للغاية، إنْ مع الشخصيات الأساسية، وإنْ مع من يشتغل على المادة. المسألة حسّاسة جداً، وعلى من يعمل معي أنْ يكون أميناً، فمَنْ تَكُن المواد المُصوّرة معه، يتحمّل مسؤولية كبيرة، إذْ عليه التنبّه والحذر كي لا يتصرّف بشكلٍ يُسبِّب اعتقالنا وتصفيتنا. المشفى سرّي، وهو قائمٌ تحت الأرض. لذا، فإنّ أية معلومة عن الموقع تُشكِّل خطراً على الموقع وعلى العاملين فيه. كلّ واحد من فريق العمل أمينٌ جداً. هذه ثقة أيضاً تمنحها لفريق العمل، خصوصاً على مستوى عدم إفشاء سرّ المشفى وناسه.
هذه ليست حرباً فقط، بل إبادة جماعية لمن واجه وثار. الثورة السورية تريد بناء بلدٍ ديمقراطي وحرّ، لأبنائه فيه كرامة. هذه حرب إبادة للناس الذين يُطالبون بحرية فردية، لا بحرية جماعية. لكلّ فرد في المشفى صوتٌ خاص به: سليم يستمع إلى الموسيقى أثناء إجرائه العمليات الجراحية، وأماني تدافع عن حقّ المرأة في العمل والعيش والاستقلالية، وسَمَاهر تُقاوم صدمات الحرب بالطبخ. التهميش يُصيب شخصاً ضعيفاً. التنويع بالشخصيات تنويع للمجتمع. هذا يتطابق مع رأيي، فالطبخ مثلاً فعلُ سياسي أيضاً. سليم يختار مقطوعات موسيقية لمؤلّفين روس، ستالين غاضبٌ عليهم. ليونارد ياكبسن كوريغراف روسي يكرهه ستالين. يُصمّم رقصات باليه كفعل مقاومة للإسكات الستاليني لحرية الفرد. الموسيقيون الآخرون أيضاً. في الوقت نفسه، للموسيقى علاقة بمقاومة فعل القتل الروسي. الموسيقى روسية. أجمل ما أبدعته روسيا موسيقيّون تعذّبوا على يديّ النظام الروسي، الذي أنتج آلات قتل بديلاً منهم. نظام عنيف ضد الفنّ وحرية التعبير، في عالمٍ ضيّق جداً (المشفى ـ الكهف) لا يرى فيه الناس الشمس.

(*) هذه تفاصيل تمرّ بسلاسة في السياق السرديّ لـ"الكهف". تفاصيل ربما لا ينتبه إليها كثيرون، مع أنّها جزءٌ من شخصية كل واحد من العاملين الأساسيين في المشفى، ومن شخصية الفيلم إنْ صحّ التعبير.
هذه أفكار نوقشت في غرفة المونتاج. اللاشعوريّ يصل إلى المُشاهد من دون ابتذال، أو

"دفش"، أو القول المباشر. لكن، لا. هذا ليس تذاكياً على المُشاهد. ما فعلناه لاشعوريّ عاطفيّ. فعلٌ إنسانيّ. أنتَ تحاول الإمساك بالواقع، وترويضه بجمالية سينما الواقع.
أماني متفرّدة. امرأة غير متزوّجة في مجتمع يجب أنْ تتزوّج فيه المرأة لحمايتها. رفض المجتمع نادراً ما تراه. فعل مقاومة. عمرها 30 عاماً. الصبايا يتزوّجن وهنّ في العشرينات من أعمارهنّ. في الاحتفال بعيد ميلادها الثلاثين، اعترفت بعمرها، كنوعٍ من ثورة فردية ذاتية على المجتمع. حرية امتلاكها خياراتها في الحياة، عكس الصورة النمطية الأبوية للنظام الأسديّ، الذي فرضها على المجتمع.

(*) هنالك مشهد يأتي فيه رجلٌ إلى المشفى ليحصل على علاج، فيطلب طبيباً قبل أن تلتقيه الدكتورة أماني، والكلام الذي يقوله لها.
يُناقشها بصفتها امرأة، وانطلاقاً من نظرته الذكورية إزاءها. هذا أيضاً مؤلم وقاسٍ. ابتزاز الضحية للضحية أسوأ من ابتزاز النظام للضحية. من ناحية أخرى، بشّار الأسد طبيب تخصّص في بريطانيا. أماني طبيبة درست في سورية. هي تُنقِذ الضحايا في مشفى تحت الأرض. هناك لقطة لجبل قاسيون حيث تُقيم عائلة الأسد. ثم تنزل الكاميرا إلى تحت الأرض، حيث أماني. أسوأ أنواع القتل وأدوات القتل استعملها الأسد، وأماني تنقذ، أو تحاول، إنقاذ الضحايا. تريدون بديلاً عن الأسد؟ البديل هو أماني.
أماني غيّرت فيّ كصانع أفلام، وغيّرت في المُصوّرين الذين لا يريدون تصوير المرأة. تغيّروا معها كشخصٍ صار بطلاً لهم. ما فعلتْهُ غير متوقّع منهم، فأبهرتهم وغيّرتهم. لا أجمل من هذه الطاقة كلّها، الموجودة فيها. لا أجمل من مَثَلٍ كهذا: أنْ تتحدّى في مستويات المجتمع والثقافة والحياة، في حربِ إبادة. سينما تتجاوز الحدود، وترى الاكتشافات الخاصة.

(*) لكن، هل تنبّهت إلى هذا كلّه أثناء التصوير، أو متى؟
التسلّل بالصُور والدخول إلى غرفة المونتاج يجعلانك تنتبه إلى أشياء لم تنتبه إليها قبلاً. كيف

صارت تظهر في مخيلاتنا. السياسة والفعل الاجتماعي والصورة الأبوية للأنظمة وجرائم الحرب، وأهمية الوثيقة، ومسؤولية تفاعلها، وشكلها الوثائقي. نقاشات كهذه حدثت حتّى على المستوى الـ"سينفيلي"، ومرجعية السينما والأدب والمسرح. كنّا نصنع الصُوَر، ونكتشف أشياء جديدة دائماً.
نظام الصوت هو "أتموس" (Atmos). اشتغلناه في استديوهات جورج لوكاس، مع المصممّين أنفسهم لـ"دانكرك" لكريتسوفر نولان. نظام الصوت مبنيٌّ بتقنية 360 درجة. هذا يُساعد على نقل الصوت المحيط بنا كسوريين: تحليق الطائرة، والتفافها، وسقوط القنابل. هذه تكنولوجيا تجعلك تشعر أنّك هناك، وأنّك منخرطٌ في التجربة، كأنّك جزءٌ من مجتمعنا كسوريين يعيشون واقع الإبادة اليومية. أنتَ أمام تجربة ذهنية.

 

(*) لديّ سؤال عن حضور الموسيقى في "الكهف". أعتقد أنّها كثيرة ومتتالية. ألم يكن الأفضل تخفيفها وترك الصُوَر الملتَقَطة تُعبِّر عن المُراد قوله، أو البوح به؟ أيّ منح مساحة أكبر للصمت؟
هل تقصد بهذا كلمة "تلوّث"؟

(*) كلا، ليس تلوّثاً. بل كثرة موسيقى.
هناك دمار عقليّ يُمارَس على الشخصيات. في "برسونا" لأنغريد برغمان، ترى على التلفزيون حرق الرهبان (المونك). في سورية، يرتعش أطفالٌ كثيرون بسبب "غاز السارين". المُشاهِد يرى ولا يستطيع فعل شيء، كأولئك الذين ينظرون إلى الأطفال، ولا يستطيعون فعل

شيء. الصمت في سورية فِعلٌ مُتعالٍ. حالة رعب يعيشها السوريون بسبب القتل والتهديد اللذين يُمارَسَان عليهم، وأنتَ تطالب بلحظات صمت؟ هذا مختلفٌ تماماً عن صمت برغمان، الذي يستخدمه لينتقد مجتمعه السويدي.
هناك نقدٌ للعنف والإرهاب اللذين يمارسهما النظام الأسديّ والروس ضد الناس. أنا لستُ مايكل مور، الذي يشتم دونالد ترامب وجورج بوش. لا أريد قولاً مباشراً. أنا أعمل سينما. أريد أن يصل هذا النقاش إلى الناس، وأنْ يسألوا. بعض الصمت إلغاءٌ للجريمة المرتكبة. هذا ما أراه وأشعر به. كيف أسمح لنفسي أن أضع لحظة رفاهية على أناسٍ يتمنّون هذه الرفاهية، ولا يحصلون عليها؟ إنّهم يعيشون حالة إرهاب دائم. التلوّث الصوتيّ يُساهم في الانهيار الفعلي، وأنا أعكس هذه الوقائع في "الكهف".
ما أقصده هو التالي: لم تكن لديّ رغبة في ترك مساحة للصمت، لأنّ الصمت رفاهية يتمنّاها السوريون. في أجواء سورية، نعيش تحت رحمة أصوات آلات القتل، على مدى أعوام. لذا، عليّ نقل هذه المشاعر. لكن، بالنسبة إلى الموسيقى، شعرتُ أنّ لها دوراً يُمكن أنْ تضيفه. لذلك، قرّرت أنْ يكون لها دورٌ في رواية القصّة. أعتقد أنّها تركت انطباعاً قويّاً جداً عند جمهور واسع.