Print
عماد الدين موسى

ممدوح حمادة: للسخرية قدرة أكبر على إيصال الرسائل

12 يونيو 2020
حوارات
تحظى المسلسلات التي كتبها ممدوح حمادة بمشاهدةٍ كبيرة، ويعاد عرضها مرة تلو الأخرى منذ سنوات، سيما مسلسلا "ضيعة ضايعة"، و"الخربة". فيما تنال تنال كتبه اهتمامًا أقلّ بكثير. حيثُ يؤكّد أنّ "أسوأ عمل درامي يحظى بمئات الآلاف من المشاهدين، وإذا نجح بملايين المتابعين، الذين سيعرف نصفهم على الأقل اسمك، بينما لم يسمع أحد منهم برواياتك".
ممدوح حمادة، المولود في هضبة الجولان سنة 1959، روائي وسيناريست ورسام كاريكاتير مقيم في بيلاروسيا، حاصل على دكتوراة في الإعلام. له العديد من السيناريوهات التلفزيونية، أبرزها: ضيعة ضايعة، الخربة، ضبّوا الشناتي، عيلة ست نجوم، وعدد من لوحات "بقعة ضوء".. إلخ.
كما صدرت له كتب عدّة، أحدثها: رواية "المحطة الأخيرة"، ومسرحيّة "الجلاد المتقاعد". بالإضافة مجموعات قصصية تحمل عنوان "دفاتر"، عن دار ممدوح عدوان، وقد صدر منها حتى الآن "دفتر الأباطرة"، و"دفتر الغربة"، و"دفتر القرية"، و"دفتر الحرب"، و"دفتر الهذيان".

هنا حوار معه:



(*) د. ممدوح حمادة يُعرف أكثر على أنه كاتب سيناريو، وقلة هم الذين يعرفونه كروائي وقاص ورسام كاريكاتي. هل تجد أن التقصير كان منك في التعريف بنفسك في باقي الأجناس، أم أن ضوء الدراما يغطي على المجالات الإبداعية الأخرى؟
في الحقيقة، هو هذا وذاك، فتجربتي الروائية لا تسمح لي بأن أُطلق على نفسي لقب الروائي بعد (هذا على هامش الحديث)، أما تقصيري فنابع من بعدي عن البلد، وعدم وجود علاقات مع جهات، أو أفراد، من تلك المهتمة بالنشر. أضف الى ذلك أن للدراما انتشارها الأوسع، ففي حين يصدر الكتاب بألف نسخة يطلع عليها من القراء ما يوازي نصف عدد النسخ تقريبًا، ويكتفي الباقون باقتنائها، نجد أن أسوأ عمل درامي يحظى بمئات الآلاف من المشاهدين، وإذا نجح بملايين المتابعين الذين سيعرف نصفهم على الأقل اسمك، بينما لم يسمع أحد منهم برواياتك.



(*) صدرت لك مؤخرًا مسرحية "الجلاد المتقاعد" عن دار موزاييك؛ ما هو سبب انتقالك لكتابة المسرح؟
هو ليس انتقالًا، فمن بين أول الكتب التي أصدرتها كانت مسرحية للأطفال عنوانها "صانع الفراء". وهنالك مسرحيات لم تر النور بعد. معظم ما أنشره الآن تقريبًا هو كتابات قديمة كانت موجودة في الأدراج على شكل مخطوطات، والآن أتيحت لها فرصة للنشر. هذا كل ما في الأمر.

(*) كم هي نسبة الواقع في نصوصك وكتابتك؟ هل فعلًا هنالك جلاد يقرّر التوبة والتكفير عن سيئاته بعدما قتل ونكل، أم أنها تعتمد على الخيال؟
هي في الحقيقة حالة متخيلة بكل تأكيد، فأنا ليس لي علم بجلاد يندم على ما فعل، ولكنني لا

أستبعد ذلك، فعندما ينتقل الناس من حالة إلى أخرى كثيرًا ما يراجعون ماضيهم، ويكتشفون أخطاءهم. وبين الباحثين الأكثر تشددًا لآرائهم، والأكثر جرأة في طرحها، كثيرًا ما نجد أشخاصًا كانوا ينتمون إلى الفكر الذي ينتقدونه. ولكن هذا في طبيعة الحال ينطبق على المفكرين، أما الجلادون الذين لا ينتمون عادة إلى الفكر، فنادرًا ما ينتقلون إلى مواقع أخرى. جلادنا في المسرحية لم يفكر بالتوبة بناء على صحوة ضميره في الأساس، هو اكتشف الحياة فقط عندما أصبح متقاعدًا. اكتشف جمال مدينته، واكتشف وجود خمائل الورد على طريق بيته، واكتشف جمال زوجته. هو أراد أن يعيش الحياة التي اكتشفها، والتي حرمته منها أقبية السجون الرطبة ذات الروائح النتنة التي كانت تفرضها عليه طبيعة عمله. ما جعله يشعر بالذنب هو تعرضه لكابوس عده رؤية وإنذارًا من السماء، ولذلك فهو لم يكن نادمًا، أو لم يكن ضميره صاحيًا، وإنما أراد فقط أن يخفف من شدة عقوبته في السماء.

(*) في نهاية المسرحية، نجد كوميديا ساخرة تعودنا عليها، كما لديك دومًا، حين يرفض الضحية أن يعيش مع القاتل لينتقم منه ويعذبه كيلا يضيع الوقت وتذهب عنه المتع. هل هنالك ضحية تسامح بهذه الطريقة؟
بعد مرور الزمن، وتغير الأوضاع، ربما يحدث ذلك. عندما يصبح وضع الجلاد مثيرًا للشفقة،

ربما يتعامل معه الضحية الذي أصبح أقوى منه بشكل مختلف. وهنالك قصة تروى عن نلسون مانديلا، بغض النظر إن كانت حقيقية أم لا، تتحدث عن مصادفته لجلاده في مطعم بعد أن أصبح هو رئيسًا، فقام بدعوته لتناول الطعام معه. الموقف هنا رمزي، والضحية هنا لم تصفح. هو فقط تركه وشأنه، وفضل عدم التعرض لعذاب النار من أجل الانتقام، هو رأى في الانتقام بهذه الظروف التي تشبه الظروف التي تعرض هو فيها للتعذيب نوعًا من الغباء.

 

أثر المكان
(*) في روايتك الأخيرة الصادرة عن دار موزاييك أيضًا "المحطة الأخيرة" نجد أنك تصنع عوالم متناقضة تجمع فيها بين بيئتك السورية القروية، وبين البيئة الغربيّة. ما هو أثر المكان في تكوينك، ومساحات الإبداع عندك؟
المكان يترك أثرًا على سكانه، كمجموعة بشرية، فما بالك بأثره على الأفراد! في القصة، لم يكن المكان واضحًا، لأن المكان الأكثر تواجدًا كان المكان المتخيل الذي لا يمكن أن نعثر فيه على انتماءات محددة. حتى الأمكنة الواقعية التي تم التوقف فيها، والتي استدعتها ذاكرة البطل، لم تكن تربطها بيئة معينة، فهي وقعت في أماكن مختلفة، وبالتالي لا يمكنني هنا الحديث عن تأثير كبير للمكان، أو للبيئة، بقدر ما يمكنني الحديث عن العوالم الداخلية للبطل.

دفاتر ممدوح حمادة الصادرة عن دار ممدوح عدوان

(*) لاحظنا في رواية "المحطة الأخيرة" أن الأحلام والتخيلات هي من تصنع الفضاءات السردية فيها. كم تظن هذا يساعد على خلق واقع مناسب يزيد في المتعة؟
هذا صحيح، كونه يرتبط بطبيعة البطل الذي يعجز عن بناء الحدث على أرض الواقع. وفي حين هو مقيد وعاجز في الواقع، نراه يبني عوالم سحرية في خياله. وكما أن الخيال يساعد البطل على تحقيق أحلامه، فإنه يساعد الكاتب على حبك أحداث أكثر جاذبية، تمنحه حرية كبيرة في الانتقال غير المشترط بين الفعل والمكان والشخصيات.

 

فن الكاريكاتير
(*) لماذا ابتعدت عن اختصاصك، ولا نجد لديك إلا ندرة في الإصدارت المتعلقة بفن الكاريكاتير؟
(فن الكاريكاتير.. من جدران الكهوف إلى أعمدة الصحافة)، و(الكاريكاتير في الصحافة الدورية) كانا أول كتابين صدرا في هذا الموضوع باللغة العربية. قبلهما كانت هنالك مقالات

نشرت هنا وهناك، ولا يمكننا الحديث حتى عن بحث قيم من الناحية العلمية. مع الأسف، لم يحظ الكتابان بأدنى اهتمام، وكتبت عنهما مادتان هزيلتان فقط في صحيفتين، وتم انتقاد الكتاب الأول فيهما لأنه لا يتحدث عن الكاريكاتير العربي، رغم أن الكتاب ينتهي مجال بحثه مع نهاية القرن التاسع عشر، حين لم يكن هنالك شيء اسمه كاريكاتير عربي، وإن وجد فهو رسوم متفرقة تعود لرسامين أجانب، ولا يوجد مرجع يوثق وجود كاريكاتير عربي قبل بداية القرن العشرين. هذا الإهمال، أو عدم الاحتفاء، إضافة إلى الحاجة إلى التفرغ، وتوفر الوقت، وأخيرًا بسبب عدم وجود مردود مادي، إضافة إلى غياب المردود المعنوي، كله يجعل الشخص غير متحمس لمتابعة الموضوع. في تخصصي الأوسع (الإعلام)، بدأت بعدة أبحاث، كلها توقفت عند مراحل محددة بسبب عدم توفر الإمكانيات للمتابعة، ولكنها كلها مشاريع قائمة سأنجز منها ما أستطيع كلما سنحت الفرصة لذلك.

 

الكوميديا والأدب الساخر
(*) أغلب كتاباتك الإبداعية تتجه نحو الأدب الساخر والكوميديا. هل تجد هذا النوع أفضل في التعبير وإيصال المقصود؟
ربما كان كذلك، وربما كان لتركيبة الإنسان النفسية والفكرية دور في التأثير في هذا الاتجاه. بالتأكيد، السخرية لها قدرة أكبر على إيصال الرسائل، وجعلها أكثر فاعلية، وهذا يشجع على اختيار هذا النهج.

(*) كيف تنظر إلى واقع الأدب الساخِر في العالم العربي؟
لكي لا أكون مدعيًا، فإن اطلاعي في هذا المجال محدود قليلًا، بسبب وجودي معظم سني حياتي في بلد لا يصل الكتاب العربي إليه. الآن، بعد توفر الكتاب الإلكتروني، بدأ تواصلي مع سوق الكتاب العربي يتحسن، وأنا أحاول ترميم هذا النقص. اطلعت على بعض التجارب الكلاسيكية ربما، ولكنها لا تخولني تقديم رأي ذي قيمة في هذا المجال.

(*) في رأيك؛ لِمَ لا نجد أسماء كبيرة وبارزة في هذا المجال؟
أعتقد أن هذا النوع من الكتابة يحتاج، إضافة إلى امتلاك فن الكتابة، إلى ملكة لا تتوافر إلا في القليلين، حتى على مستوى الحياة الاجتماعية. أضف إلى ذلك أنه لم تتكون لدينا مدرسة يمكن أن تقدم البنية النقدية لهذا الأدب الذي يساعد في ظهوره وصقله، فنحن على مستوى النقد ما زلنا نخلط بين السخرية والكوميديا. وليس لدينا مصطلحات وتصنيفات نقدية تساعد في تطوير هذا الأدب. أضف إلى ذلك صعوبة النشر التي تجعل كثيرًا من الأصوات والمواهب تموت في مهدها.

(*) منذ سنوات، يتابع مسلسل "ضيعة ضايعة" نجاحه. كذلك مسلسل "الخربة" يحظى بنسبة مشاهدة كبيرة. ما سبب ذلك؟
هنالك أسباب عدة، أهمها أن كلا العملين يقدمان موضوعات إنسانية تلامس مشاعر الناس، وهذه القصص الساخرة الناقدة حازت على إعجاب الناس، بأداء عفوي لا يشوبه الافتعال من قبل الجميع تقريبًا.

شخصيتا جودة وأسعد من إبداع ممدوح حمادة في مسلسله "ضيعة ضايعة" (فيسبوك) 

 (*) لماذا اخترت الريف؟
هو واحد من الخيارات. وسبق أن قدمت كثيرًا من الأعمال التي جرت أحداثها في المدينة. ومن بين أكثر من أربعين عملًا، هذان العملان الوحيدان في الريف، وهذا ما تطلبته طبيعة العملين.

 

(*) بعد خروج كتابيك الأخيرين إلى النور، هل من مشاريع أخرى جديدة؟
بالطبع، هنالك مشاريع متعددة، منها ما هو جاهز تقريبًا، ومنها ما هو مجرد أفكار على الورق، إضافة إلى عدد من المشاريع الدراميّة.