Print
ليندا نصار

ليو نا: ترجمة الشعر العربي بالصين تعاني إهمالًا كبيرًا

2 يوليه 2021
حوارات

 

للأدب الصيني مكانة يحتلّها في الآداب العالميّة، وذلك من خلال ما أضافه الصينيّون إلى الترجمة والأدب والفلسفة والإبداع بشكل عام. وقد تأثّر الأدب الصينيّ وتوازى في مساره الزمنيّ مع التحوّلات والتغييرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي طرأت على العالم الحديث. ودخلت الفلسفة إلى الأدب الصيني، الذي بدوره مارس تأثيره على الآداب العالمية، كما تأثّر بها، من خلال التبادل الثقافي والمعرفي ما أدى إلى تلاقح الأفكار عبر التاريخ.

ثمّة نقاط اختلاف وتشابه بين الأدب الصيني والأدب العربي وذلك بالنّظر إلى سياق التغييرات الاجتماعية والسياسية واختلاف مفهوم الوطن والهويّة بين البلدين، وهذا ما عبّرت عنه المترجمة والأكاديمية ليو نا (Lyu Na)، المولودة في مقاطعة هوبي في الصين عام 1989، وهي أستاذة اللغة العربية في كلية اللغات الأجنبية في جامعة صان يات سان (Sun Yat-sen University) الصينية.  وسبق لها أن درست الإجازة (ليسانس) في اللغة الإنكليزية في جامعة صان يات سان بين 2007 و2011، وكانت تتعلّم اللغة العربية كأنها اللغة الأجنبية الثانية بالنسبة إليها. بعد تخرّجها في جامعة صان يات سان، سافرت إلى سورية وتعلّمت العربية في جامعة دمشق لمدة سنة تقريبًا. في 2013 سجّلت لدراسة الماجستير في اللغة العربية وآدابها في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية (Shanghai International Studies University)، وبين 2014 و2015، كانت تشتغل أستاذة اللغة الصينية المتطوّعة في معهد كونفوشيوس بالدار البيضاء. وفي حزيران/ يونيو 2016 حصلت على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها وكانت أطروحتها بعنوان "ملامح القومية العربية في شعر نزار قباني". وفي أيلول/ سبتمبر 2017، سجّلت لدراسة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، وبدأت بحوثها حول الشعراء العرب المهاجرين في أوروبا، وكانت طالبة زائرة في جامعة بون الألمانية تحت إشراف الدكتور سرجون كرم بين أواخر 2018 وأوائل 2019 لجمع المعلومات المتعلّقة بموضوع البحث وإجراء مقابلات شخصية مع بعض الشعراء العرب في ألمانيا، من بينهم الشاعر العراقي د. فاضل العزاوي والشاعر السوري أحمد إسكندر سليمان. في أيار/ مايو 2020، حصلت ليو نا على شهادة الدكتوراه، وأطروحتها كانت بعنوان "دراسة في أدب المهجر المعاصر في الشتات: الشعراء العرب المهاجرون في أوروبا وأعمالهم الشعرية أنموذجا". وفي الأطروحة قامت بدراسة بعض النماذج عن الشعراء العرب المهاجرين في أوروبا من خلال تحليل المواضيع والأساليب الإبداعية في قصائدهم. ولديها بعض التجربة في الترجمة، فقد ترجمت رواية "ساق البامبو" لسعود السنعوسي وبعض الأعمال الأدبية لأمين الريحاني ونزار قباني من اللغة العربية إلى اللغة الصينية بالتعاون مع البروفيسور تساي ويليانغ، وهو رئيس سابق لجمعية دراسة الأدب العربي في الصين، كما نقلت بعض القصائد للشاعر اللبناني الألماني الدكتور سرجون كرم من العربية إلى الصينية، وصدر الديوان في تايوان في أيلول/ سبتمبر 2020.

ترجمت ليو نا  رواية "ساق البامبو" بالتعاون مع البروفيسور تساي ويليانغ



هنا حوار معها:

(*) حدّثينا عن بعض تفاصيل رحلتك من الصين إلى ألمانيا والعودة إلى جامعة "Sun Yat-sen".

يقول المثل العربي، رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد، وبصراحة لم أكن أتوقّع كلّ هذه الأشياء في حياتي. في نهاية عام 2017، تعرّفتُ إلى الشاعر اللبنانيّ الألمانيّ د. سرجون كرم، أستاذ الأدب العربي في جامعة بون، بفضل الأستاذ أحمد محمد محمد، الخبير في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في جامعة دمشق، والذي كان يدرّسني اللغة العربيّة. أنا شخصيًا أؤمن بالكلام الوارد في برولوج رواية "ساق البامبو" للكاتب الكويتيّ سعود السنعوسي: "علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها"، وهذا ما كنتُ أشعر به في علاقتي مع الشاعر كرم. ذات يوم في حزيران/ يونيو 2018 حين قمتُ بتصفّح ديوان سرجون المعنون بـ "سندس وسكين في حديقة الخليفة"، وجدتُ قصيدة بعنوان "رجل الثلج" التي جعلتْني أتذّكر مباشرة قصيدة "رجل الثلج" بقلم الشاعر الصيني قو تشينغ. سرعان ما قمتُ بمقارنة بين القصيدتين وتمّ نشر المقال في جريدة "البناء" وعلى موقع "الميادين"، الأمر الذي زاد ثقتي بإنجاز بحثي حول الأدب المهجري الأوروبي لنيل شهادة دكتوراه. لذلك سافرتُ إلى ألمانيا في أواخر عام 2018 كوني طالبة زائرة في جامعة بون تحت إشراف الشاعر كرم. أمّا عودتي إلى جامعة  Sun Yat-senفهي مصادفة جميلة أيضًا لأنها جامعتي الأم حيث درستُ لأربع سنوات لنيل شهادة البكالوريا في اللغة الإنجليزية.


(*) على خلفية تخصصك في "أدب الشتات"، هل وجدت ملامح مشتركة بين الأدب المهجري الأوروبي والأدب الصيني؟ ومن خلال اطّلاعك وثقافتك ما أكبر التغييرات والتحولات التي طرأت على الأدب العربي؟

في عام 1988 فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، وكان بين الحاضرين في حفل تسليم الجائزة الكاتب الصيني ليو زايفو، وهو أوّل كاتب صيني تتمّ دعوته لحضور حفل تسليم جائزة نوبل في الأدب. في تصوّري لا يجوز أن نتكلّم عن أدب المهجر الصيني دون التطرّق إلى الكاتب ليو زايفو الذي يعيش في أميركا منذ 1989. من البديهي أنّ معظم أعمال زايفو تحاول تحديد ماهيّة الوطن. فالوطن عنده لم يعد بقعة محدّدة في الخريطة، بل محيطات الحياة التي لا ضفاف لها حيث تترعرع كل الأفكار والآراء والعقائد والمشاعر بحرية مطلقة. أو بالأحرى، الوطن الذي يتوق إليه زايفو عبارة عن ملكوت الروح الذي كان يكرّس الفيلسوف الصيني تشوانغ تسي حياته كلّها لبلوغه. وكان تشوانغ تسي أوّل فيلسوف صيني طرح مسألة الحرية الروحية من دون عبودية. لاحظتُ أنّ مفهوم الوطن في الأدب المهجري الأوروبي يشبه مفهوم الوطن عند الكاتب ليو زايفو كثيرًا. 

(*) كونك باحثة وناقدة، حدّثينا عن مفهوم الوطن والهوية في الوطن العربيّ وتجلّيه في الأدب المهجري الأوروبي ومدى اختلاف هذا المفهوم عمّا هو عليه في الأدب الصيني؟

في السادس عشر من أيّار/ مايو 2021، شاركتُ في مؤتمر "الأدب العربي وتيّارات الأفكار الاجتماعية" الذي استضافته كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين وقمتُ بتقديم ورقتي بعنوان "الثورات العربيّة والتحوّلات في الشعر العربي الحديث" وعرضتُ خطًا بيانيًّا للقصيدة الثورية من نجيب الريّس "يا ظلام السجن خيم" مرورًا بالشاعر الفلسطيني توفيق زياد "أناديكم" وصولًا إلى حالة الشعر الشبابي الحديث، انطلاقًا من أنطولوجيا "وطن للتهجئة" للشعراء الشباب اللبنانيين وأنطولوجيا "بورتريه للموت" للشباب السوريين. ومن الواضح أنّ الوطن فقد هالته في الشعر الشبابي الحديث، فقد تمّ تصويره أحيانًا على أنّه حذاء، بالإضافة إلى ذلك فإنّ العبثية وشعور اللاجذور سائدة في الشعر الشبابي. أمّا الأدب المهجري الأوروبي فهو لا يخلو من قصيدة تمجّد الوطن كما عند الشاعر السوري أحمد إسكندر سليمان مثلًا.

إنّ مفهوم الوطن في الأدب الصيني يختلف عنه في الأدب العربي اختلافًا كبيرًا. ولم أجد، حتى من بين هؤلاء الأدباء المهاجرين، كاتبًا صينيًّا أنكر انتماءه إلى الثقافة الصينيّة التقليديّة التي نشأت منذ آلاف السنين. يبدو أنّ المسألة الرئيسة التي تشغل بال الأدباء الصينيين ليست مفهوم الوطن بل المشاكل النفسية والأخلاقية والعائلية الناتجة عن تطورات الصين بسرعة فائقة في السنوات الأخيرة، لا سيّما بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح.

 

بسام (شوي تشينغ قوه)  وفيصل (وانغ يو يونغ) يقومان بترجمة أعمال كلاسيكية صينية إلى العربية



(*) كيف تنظرين إلى علاقة الجامعات الصينية بالجامعات العربية؟

أعتقد أنّ العلاقة بين الجامعات الصينية والجامعات العربية حقّقت تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، قام رئيس الجامعة اللبنانية عام 2013 بزيارة الصين وتمّ إبرام أربعة اتفاقات تعاون أكاديمي مع أربع جامعات صينية وهي جامعة بكين، جامعة الدرسات الأجنبية ببكين، جامعة الدراسات الدولية في بكين وجامعة الدراسات الدولية في شنغهاي التي فيها حصلتُ على شهادة ماجستير وشهادة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها.


(*) هل نجد ثورة في شعر المرأة في الأدب الصيني؟ وما هي نقاط التشابه بينه وبين شعر المرأة في الأدب العربي؟

في تاريخ الأدب الصيني، هناك شاعرة مشهورة تُدعى لي تشينغ تشاو وُلدت عام 1084 وأطلق بعض الدارسين عليها لقب "خنساء الصين" إذ إنها في قصائدها الكثيرة كانت تعبّر عن وفائها المؤثر لزوجها وحزنها الشديد عليه من دون إخفاء مشاعرها. والشاعرات الصينيات اللاتي جئنَ بعد الشاعرة لي تشينغ تشاو ما زلن، في تصوّري، يركزن على الكتابة حول الحب في معظم الأحيان، ولكنهن أخذن يفكرن في حريّة المرأة وكرامة المرأة في علاقة الحب أو الزواج والمساواة بين المرأة والرجل في المجتمع. لتوضيح الفكرة هنا أريد أن أتحدّث قليلًا عن الشاعرة الصينية يو شيو هوا المولودة في عام 1979 والمصابة بالشلل الدماغي منذ صغرها والتي تُعتبر من أهمّ شاعرات الصين المعاصرات. في 2014، أثارت قصيدتها المعنونة "أعبر نصف الصين للنوم معك" ضجة كبيرة في الصين، ونعتها الكثير من النقاد الصينيين بـ"الفاسقة"، وفي الوقت نفسه أبدى عدد لا يحصى من القراء الصينيين إعجابهم بإبداع الشاعرة وجرأتها التي لا نظير لها. ولو تصفّحتِ دواوين يو شيو هوا فستجدين روحًا متمردة ثائرة مسجونة في الجسد المعوّق بفعل الإصابة بالشلل الدماغي، وهذه الروح هي التي تقول "ثمة قطارٌ في جسدي أيضًا/ لكني لا أظهره لأحد. وهذا ليس له علاقة بالأسرار/ لا يذهلني البدر للمرة المائة. أكتم صوت الناي/ الذي يثيره ضوء القمر". أرى أنّ الثورة التي نشبتْ في شعر يو شيو هوا بمثابة النضال المجيد ليعيد حياتنا إلى حالتها الحقيقية ويكمن في شعرها عنفوان الحياة الذي يقدر على خلق الكون من جديد. وبالطبع لاحظتُ تجليات هذا النوع من الجرأة والتمرّد في بعض الشاعرات العربيات بينهنّ الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان التي كانت تعيش في مجتمع تحكمه التقاليد والعادات الظالمة غير أنّها "كانت الأكثر جرأة على الذات والأكثر اندفاعًا في البوح والاعتراف".
 

(*) ثمة بعض الإهمال أو النقص في ترجمة الأدب الصيني إلى اللغة العربية. إلام يعود ذلك؟

بصراحة، إنّ نقل الأعمال الأدبية من الصينية إلى العربية ليس سهلًا، أو بالأحرى، هو عمل شاقّ للغاية. ومن المستحيل أن تقومي بترجمة الأدب الصيني إلى اللغة العربية من دون أن تجيدي اللغتين اللتين تُعتبران من أصعب لغات العالم. وبالرغم من هذه التحدّيات، ما زلنا نجد بعض الباحثين الصينيين، من بينهم الأستاذ بسام (شوي تشينغ قوه) من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين والأستاذ فيصل (وانغ يو يونغ) من جامعة الدراسات الدولية في شنغهاي، يقومان بترجمة أعمال كلاسيكية صينية من تأليف الفلاسفة الصينيين العظماء مثل لاو تسي وكونفوشيوس وغيرهما... وبعد ذلك، هناك مترجمة مصرية تُدعى يارا المصري وهي تثابر على نقل الأدب الصيني المعاصر إلى اللغة العربية وقد حصلت على "جائزة الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" من وزارة الاعلام الصينية على إسهاماتها في ترجمة الأدب الصيني المعاصر إلى العربيّة. 

 


(*) نرى حضورًا للرواية الصينية بحيث أنها انتقلت إلى الواجهة. هل ثمة إهمال للشعر لصالح الرواية؟

نعم للأسف الشديد، وأعتقد أنّ إهمال الشعر لصالح الرواية أصبح ظاهرة شائعة في العالم كلّه. وحقيقةً نحن نعيش في عصر يبدو أهله يفتقرون إلى الصبر أو المزاج أو الجَلَد لقراءة الشعر. أظنّ أنّ كلّ شيء متعلّق بالشعر، سواء كتابة الشعر أم قراءة الشعر، يحتاج إلى عين القلب وهذا ما يفقده أهل العصر تدريجيًّا بعد أن أخذت الثقافة المادية أو الاستهلاكية تهيمن على كل ناحية من نواحي الحياة. هل تعرفين أنّ الشعر العربي أيضًا لاقى إهمالًا في الصين مقارنةً مع الرواية العربية؟ لنأخذ الشعراء العرب المعاصرين مثلًا، اليوم الكثير من القراء الصينيين يعرفون أدونيس ومحمود درويش وجبران خليل جبران بسبب الأستاذ بسام (شوي تشينغ قوه) الذي كرّس حياته لترجمة أعمالهم من اللغة العربية إلى اللغة الصينية، وكلّ باحث صيني متخصص في اللغة العربية وآدابها يعرف نزار قباني. ولكن حتى الآن لم نصنع اسمًا لشعراء عرب معاصرين غيرهم يجب أن نسلّط الضوء عليهم.

(*) ماذا عن المؤسّسات الرسميّة في الصين.. هل ثمّة اهتمام أو إحاطة أو دعم للكتّاب والترجمات؟

نعم، هناك اهتمام بالكتّاب والترجمات من قبل المؤسسات الرسميّة. ومنذ أن طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق" في خريف عام 2013، بدأت الحكومة الصينيّة بتقديم دعم مالي لافت النظر لتشجيع نقل الأعمال الأدبية في البلدان التي تقع في طريق الحرير بما فيها الدول العربية طبعًا. ومن أجل تنفيذ مشروع الترجمة "طريق الحرير الجديد"، كلّفت حكومتنا دور النشر الصينية القيام باختيار أعمال أدبية عالية الجودة في هذه البلدان وباختيار مترجمين وكان معظمهم أساتذة جامعيين في الصين. وفي إطار هذا المشروع، ترجمتُ رواية "ساق البامبو" بالتعاون مع مشرفي البروفيسور تساي ويليانغ في عام 2018.