Print
عماد الدين موسى

سليم البيك: السينما الفلسطينية مكافحة ولها مشروعها الخاص

28 أغسطس 2021
حوارات
نال الروائي والناقد السينمائي الفلسطيني، سليم البيك، مؤخرًا، منحةً من مؤسسة "آفاق" عن مشروعه "السيرة الذاتيَّة في سياق الجمعيَّة: بحثٌ في السينما الفلسطينية". إذ يدرس المشروع تيّارَين في السينما الفلسطينية: السيرة الجمعية التي بدأتْ بها هذه السينما مع أفلام الثورة الفلسطينية، وتأثّرها، على مستوى الشكل الفني كما الموضوع، بالسينما الثورية السوفييتية، والواقعية الجديدة الإيطالية، وهو تيار استمر حتى اليوم، والسيرة الذاتية التي لحقت أفلام الثورة، مع أفول الثورة في الثمانينيات، وتأثرها، على مستوى الشكل الفني، بالموجة الجديدة الفرنسية.




يطرح المشروع فرضية أنَّ الذاتيَّة ردٌّ فردي على ذلك الأفول الجمعي. وقد حاول سليم في بحثه كشف القناع المزيف الذي يضعونه على وجه السينما الفلسطينية، لنرى روح فلسطين ومأساة ثورة ما يزال بطلها التراجيدي موضوعيًا يتشبث ويقارع محتلًا يحاول أن يمحو صورته. سليم في بحثه هذا، يتحدَّث عن سينما وثائقية فلسطينية، وأخرى روائية، ويفصل بين أفلام السيرة الذاتية، وأفلام السيرة الجمعية. سألناه: في رأيك، هل استطاعت هذه الأفلام أن تخلق حالة سينمائية تُجيّش رأيًا إنسانيًا لصالح فلسطين والقضيّة الفلسطينية؟
ردَّ بالقول: لهذه الأفلام مستويات متفاوتة. في الإجمال، لا أعتقد أنها استطاعت نقل صورة يمكن لها أن تتسبب في زيادة فاعلة، أو ملحوظة، في الوعي تجاه القضية الفلسطينية. سبب أساسي في ذلك يعود إلى كمية هذه الأفلام ونوعيتها، وطبيعة نقلها للحالة السياسية الفلسطينية، لكنها، ضمن ظروفها، سينما مكافحة، وتستحق التقدير.
إذن، فما يراه البيك هو أن السينما الفلسطينية سينما مكافحة، ولها مشروعها الخاص الذي تحاول فيه الرد والدفاع عن كيانها أمام المشروع الإجرامي للسينما الصهيونية. ولكن هذا المشروع بالنسبة له هو مشروعٌ (شخصيٌّ)، وإنْ تمَّ دعمه من قبل مؤسَّسة "آفاق". سألناه: ما الذي دفعك للاشتغال عليه؟ ولماذا لا تقوم المؤسَّسات الثقافية الفلسطينية الرسميَّة بوضع استراتيجية لتوثيق وتأريخ، ومن دون المباشرة الدعوية الفاقعة، للثورة الفلسطينية؟ يجيب: ما دفعني هو انشغالي شبه اليومي في هذا الموضوع، ضمن كتابة المقالات والقراءة والبحث والمشاهدة، فتكوَّن المشروع في ذهني تدريجيًا، ونضج، وشعرتُ أنَّ البحث مكتمل من حيث الأفكار والمحاور والتناول، فقدَّمت المشروع للمنحة. لكن، مع البحث السابق لمرحلة الكتابة، والموازي له، لا بد أن تتشكل أفكار ومقاربات جديدة. المؤسَّسات الرسمية الفلسطينية تعاني من بيروقراطية وفساد عظيم، وهي بذلك تشكل عائقًا أمام أي مشاريع ثقافية، ومن بينها السينمائية والبحثية.
هذه المعاناة، وهذا الفساد تتشارك فيه معظم المؤسسات الثقافية العربية، فسألناه: أنتَ تدافع عن السينما الفلسطينية، سواء كانت أفلام سيرة جمعية، أو سيرة ذاتية. ألا ترى أنَّ الأجناس الأدبية، مثل الشِعر والقصة والرواية، وكذلك بالنسبة للرسم، كانت أكثر صلابة وشراسة، ولها السبق في التعبير عن مشروعية الثورة ومقاومة الاحتلال؟ يقول الناقد في معرض إجابته: الأنواع الفنية (شعر ورواية وفنون) الفلسطينية، أكثر نضجًا من السينما (لنستثنِ أفلام إيليا سليمان)، لذلك ربما أجدني أهتم بالسينما الفلسطينية أكثر من الفنون البصرية مثلًا، فهي تعاني من خطابات ومقاربات مباشرة للقضية في ما كنّا نقرأه في الأدب قبل 30 أو 40 عامًا، وهي في الوقت نفسه تحمل عناصر نجاحها في ذاتها، وتقاربه في بعض الأفلام.




سألنا سليم أخيرًا: أكثر السينمائيين الفلسطينيين والعرب الذين تصدوا لصنع سينما فلسطينية، هل صنعوا تلك السينما التي يمكنها أن توازي السينما العالمية؟
يجيب سليم: "لا، ما نزال بعيدين عن أن نكون سينما عالمية، لكن الحضور في المهرجانات في حد ذاته أمر جيد، مهما كانت الأقسام التي تحضر الأفلام فيها، وبالنظر إلى الحال السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، وتشتتهم، وتاريخهم، بما فيه من مآسِ، فإن المكانة الحالية للسينما الفلسطينية متقدمة، رغم كل الملاحظات التي يمكن أن تنالها".