Print
يوسف وقّاص

كوصي كوملا-إيبري: نسعى لتحويل الغياب المزدوج إلى حضور مزدوج

1 يناير 2022
حوارات

كوصي كوملا ـ إيبري حكّاء من عصرنا (غوريوت، بلهجات أفريقيا الغربية)، بمظهره الوقور، وبنظرته العميقة التي تكشف عن دراية واسعة بالواقع المحيط به، مشوبة بسخرية دفينة من هذا الواقع نفسه لما آل إليه من انعدام توازن في العلاقات الإنسانية. ذات يوم، عبر كوصي "النهر"، مثل أسلافه، ووصل إلى فرنسا وهو في الحادية عشرة من عمره. كان يحلم بمستقبل أفضل، وهو يبحث في البرد الذي يلسع جلده لأول مرة، عن منظور لحياة لم يكن يعرف ما إذا كان سيتحقق في يوم ما.
أكثر من مهنة جديرة بوجوده، التي نالها في النهاية، كانت لديه أيضًا الرغبة في اكتشاف نفسه من خلال الآخرين. ثم اتسع المنظور، واندمج في أحجية الأحداث التي دفعته إلى أقصى شمال إيطاليا، ليعمل طبيبًا جراحًا في بلدة يبحث فيها الناس عن أي عذر للعمل حتى أيام الآحاد، وحيث يصدف أن تسمع مريضًا يقول: "لا أريد ذلك الطبيب، لأنه أسود". وعملًا بمبدأ "لكل داء دواء"، تعلّم كوصي اللهجة المحلية تفاديًا لهذه المواقف المحرجة، لهجة مقاطعة لومبارديا، لدرجة أن جريدة "الكورييري دي كومو" عدَّته: "أكثر الكتاب الأفارقة لومبارديًا".
وُلد كوصي أميكويوا كوملا ـ إيبري في توغو (تسيفيي) عام 1954. بعد نيله شهادة الدراسة الثانوية في فرنسا، وصل إلى مدينة بولونيا في إيطاليا عام 1974، ضيفًا على الكاردينال الراحل جاكومو ليركارو، حيث أكمل دراسته الجامعية في الطب في بولونيا، عاصمة مقاطعة إميليا رومانيا، وتخصّص في الجراحة العامة في ميلانو. خاض بعدها تجربته العملية الأولى في مستشفى القديس جان دي ديو في أفانيان في توغو، ثم تابع عمله كطبيب مختص، لغاية تقاعده قبل سنتين، في مستشفى فاتيبنفراتيللي في بلدة إربا التابعة لمنطقة كومو القريبة من الحدود السويسرية.
فاز كوصي بالجائزة الأولى للسرد في الإصدار الثالث لمسابقة "إكس & ترا" (الأجانب بيننا) في عام 1997 بالقصة القصيرة "عندما أعبر النهر"، كما حصل على الجائزة نفسها في إصدار 1998 عن قصة "ألم ...".
بالتعاون مع الطبيب المتجول ألدو لو كورتو، والرسام البرازيلي أوبيراتان بورتو، قام بتأليف الكتاب المُصوّر "دليل الصحة الأفريقي"، حيث ساهم نادي الروتاري في مدينة لوغانو السويسرية بنشره، ومن ثم توزيعه، مجانًا، في قرى أفريقية مختلفة لنشر التثقيف الصحي بين السكان المحليين.
حتى عام 1999، كان نائب الرئيس المسؤول عن البحث العلمي (معهد عموم أفريقيا في مدينة لوغانو السويسرية)، ونائب مدير مركز دراسات الشعوب الأفريقية.
هو عضو مؤسس لمجلة "القبلي" الإلكترونية التي تنشر نتاج الكتاب المهاجرين الذين يكتبون أعمالهم باللغة الإيطالية.
تتميز كتابات كوصي بنبرة خاصة، مشابهة للسرد الشفهي الذي ما زال منتشرًا في بعض أرجاء أفريقيا، وكتب خلال مسيرته الأدبية العديد من القصص والروايات والتجارب الحياتية، أشهرها "مواقف عنصرية محرجة"، التي صدرت ترجمتها العربية مؤخرًا عن دار نشر "كو روما"، وهي دار متخصصة بترجمة الأدبيات الفلسطينية إلى اللغة الإيطالية.
في هذا اللقاء، يحدثنا كوصي عن تجاربه ومساهمته المميزة في توطيد ونشر أدب المهاجرين في إيطاليا:

كوصي كوملا ـ إيبري مع غلاف كتابه "مواقف عنصرية محرجة" في إحدى طبعاته بالإيطالية


(*) مثل جميع المهاجرين، كانت رحلتك أيضًا شاقة: من توغو، إلى فرنسا، ثم ربما عن طريق المصادفة إلى إيطاليا. ماذا تخبرنا عن تلك الحقبة، التي تبدو بعيدة، لكن الأحداث تجعلها أكثر أهمية؟
هذه الرحلة الشاقة جلبتني من توغو وأنا في مقتبل العمر (كنت في الحادية عشرة من عمري) بمنحة إلى فرنسا لمتابعة الدراسة حتى المرحلة الثانوية. بعد أن حصلت على شهادة البكالوريا، ذهبت إلى باريس، ومارست مهنًا متعددة وأنا أحلم بإمكانية مواصلة الدراسة الجامعية.
دفعتني المصادفة التي تتلاعب بمقدرات حياتنا إلى مقابلة رئيس أساقفة توغو في المترو، فحصل لي على منحة دراسية في إيطاليا، في مدينة بولونيا، لدى كلية دولية للدراسات الطبية.
إيطاليا التي عرفتها حينذاك، عام 1974، كانت ترحب بالمهاجرين، ربما لأننا كنا قليلين، وكانت هجرتنا "هجرة فكرية". كان هنالك كثير من الفضول العفوي تجاهنا، رفاق الدراسة كانوا ينهالون عليّ بمئات الأسئلة حول أفريقيا، ولكن من دون ريبة، أو مشاكسة. في ذلك الوقت، كانوا يرفضون تأجير المنازل لليونانيين الذين لم يكونوا جزءًا من المجتمع الأوروبي آنذاك.
في بولونيا، عندما كنت أسأل عن شارع ما، كان الناس يرافقونني إلى حيث أريد أن أذهب. كنت أجلس في الساحة وأتحدث مع أناس لا أعرفهم، وكان ينتهي بهم الأمر إلى دعوتي لتناول العشاء. اليوم، في إيطاليا، لم تعد تحدث مثل هذه الأشياء.


(*) لأفريقيا حضور دائم في أعمالك. ما هي علاقتك بأرضك وثقافتك الأصلية؟
بما أنني عشت حتى الآن "بعيدًا عن الوطن"، فإن علاقتي بأرضي يمكن أن تكون مجرد حنين إلى الماضي. نحن الذين نعاني دائمًا من توازن غير مستقر بين "لا أكثر" و"ليس بعد"، نعيش كمستأجرين دائمين بين بلدين. الحنين هو الجمر الذي يحترق باستمرار تحت الرماد، وهذا ما يغذي الذاكرة، ويعني البحث المستمر لإعادة اكتشاف جذورنا، ويقودنا، لكي نقي أنفسنا من البرد، إلى أن نستعيد جذوع الأشجار الأكثر توقدًا. دفعني البُعد إلى البحث واكتشاف مزيد من ثقافتي الأصلية لمقارنتها بثقافة البلد المضيف وتحديد هويتي.


(*) لكن هل هذه الثقافة معترف بها من قبل المثقفين الغربيين، أم أنها لا تزال تعد مجرد موضوع للدراسات الأنثروبولوجية؟
يدرك بعض المثقفين اليوم مدى أهمية ثقافاتنا، لكن تصور أفريقيا الموجود في المخيلة الجماعية للإيطاليين والغربيين عمومًا هو تصور قارة ضحية الآفات والأوبئة، وقارة ما يسمى بالحروب القبلية والدموية، والديكتاتوريات، والتعصب الديني.




بشكل عام، لا يزال الرأي العام الإيطالي غارقًا في النمطيات السائدة عن أفريقيا، وذلك مرتبط جزئيًا بوسائل الإعلام، وطريقة تقديمها لنصف الكرة الجنوبي في الميديا.
هذه النظرة السلبية في الغالب لأفريقيا تمثل وجهة نظر "تاريخ أحادي الجانب"، وتشمل جهات فاعلة متعددة، وليس وسائل الإعلام وحسب.
يأتي هذا التصوّر من بعيد، من الخرائط الجغرافية القديمة لـ"هيك سونت ليونز" (العبارة اللاتينية hic sunt leones تعني حرفيًا: "هنا توجد الأسود"، أو hic sunt dracones وتعني: "هنا توجد التنانين"، وهو تعبير مرتبط بالخرائط الجغرافية القديمة للإشارة إلى المناطق غير المستكشفة في أفريقيا، أي مناطق متوحشة) إلى العبودية والاستعمار، والاستعمار الجديد. مع أفريقيا الموسومة بأحرف "الميم" الثلاثة لرواد الحضارة (التجار ـ العسكريون ـ الإرساليات Mercanti-Militari-Missionari)، التي نشأت في الثقافات الشعبية للعالم الشمالي، وفي الذاكرة الجماعية للقوالب النمطية والأحكام المسبقة.


(*) ومع ذلك، الآن بعد أن فاز التنزاني عبد الرزاق قرنة بجائزة نوبل، يجب أن تتغير الأمور. ألا تعتقد ذلك؟
لا أؤمن بذلك كثيرًا، لأنه يظل حدثًا لمجموعة من الناس. لا يعرف كثيرون حتى أين تقع تنزانيا، ولا يدركون أنه خامس أفريقي يفوز بجائزة نوبل للآداب، بعد سوينكا، ومحفوظ، وغوديمير، وكويتزي.
القرنة، الذي تشرّفت بلقائه في عام 2015 في دوربان، غير معروف للأغلبية، ولا توجد نصوص مترجمة له، والآن فقط اشترت دار نشر حقوق ترجمة كتبه إلى اللغة الإيطالية.


(*) لقد مرت سنوات عديدة على ولادة أدب المهاجرين الإيطالي، وكنت أنت والعديد من الكتاب المهاجرين من أوائل من ساهموا في نشوء هذا الأدب. مع ذلك، يبدو أن عالم النشر الإيطالي يتجاهله مرة أخرى. كيف تفسر هذه الظاهرة؟
ما زلنا نُعد جزئيًا "فو كومبرآ" (اسم يطلقه الإيطاليون على البائعين المتجولين على الشواطئ الإيطالية) العالم الأدبي الإيطالي، لأن كثيرين لم يتجاوزوا نصوصهم الأولى ذات الطابع البيوغرافي، وبالتالي فإن النص الأدبي مفقود. وبعد انقضاء المرحلة "الإزوتيكية"، أصبحت دور النشر الكبيرة (مع بعض الاستثناءات) غير مهتمة به، وبقي الاهتمام فقط في عالم الدراسات الثقافية، وما بين الثقافات. ومع ذلك، فمن الأفضل أن تكون موضوعًا للدراسات على ألا تكون موضوعًا للا شيء. لكني أرى أن الإنتاج يزداد في الأجيال الجديدة، الذين لم يعودوا "مهاجرين"، لأنهم ولدوا ونشأوا في إيطاليا. لذا ينبغي عليهم الآن أن يتجاوزوا مسألة الهوية، وموضوع الإقصاء.


(*) كثر الحديث عن مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، لكن الحقائق تخبرنا بواقع آخر، أحيانًا بعيدًا عن هذا المنظور. هل يمكن للأدب، وخاصة أدب المهاجرين، أن يساهم بطريقة ما في تغيير هذا الواقع؟
يسمح لك الأدب، وبشكل خاص أدب المهاجرين، بإنشاء مساحة افتراضية للتلاقي والتعرّف على الآخر، المختلف عن الذات. يصبح الأدب مكانًا لتعليم الاختلاف لأنه يسمح بالانغماس في عوالم وطرق عيش أخرى: طريقة للخروج من المركزية العرقية. الدماغ مثل الكتاب: يعمل إذا كان مفتوحًا.


(*) كطالب جامعي أولًا، ثم كطبيب في مستشفى في الشمال، واجهت العديد من الحوادث العنصرية. هل كان هذا هو الدافع لتأليف كتاب "مواقف عنصرية محرجة"؟ وهل يمكنك إخبارنا بحادثة شهيرة؟
سعى كتاب "مواقف عنصرية محرجة" إلى الكشف أكثر من أي شيء آخر عن إحراج الاختلاف، والعنصرية الواعية واللاواعية التي تكمن وراء اللغة اللفظية وغير اللفظية اليومية. لقد كانت حوادث من العنصرية "المبتذلة" التي عايشتها أنا أو أصدقائي الذين، على الرغم من أنها ليست عنيفة أو قاسية، قد آذتهم في حياتهم اليومية، وجعلتهم يدركون أنهم ليسوا جزءًا منهم. إنها عنصرية "يمكن سماعها" في الحافلة، في البار، في الشارع، والتي تخبرك باستمرار "أنك مختلف": هذه كلمات إقصائية.




إحدى الحلقات التي أرادت القناة الأولى الحكومية تقديمها هي تلك الخاصة بعربة السوبر ماركت.
ذات مرة، ذهبنا أنا وزوجتي الإيطالية للتسوق، وبعد أن قمنا بإفراغ مشترياتنا في صندوق السيارة، دفعت لي زوجتي بالعربات لإعادتها إلى مكانها، واستعادة العملات المعدنية. بينما كنت أقوم بذلك، فرقع رجل ورائي أصابعه، ودفع عربته نحوي وهو يشير لي بالاقتراب، لأنه استنتج من تكليف نصفي الحلو بإعادة العربات أنني كنت مواطنًا فقيرًا أسود اللون، مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي، الذي يجمع العربات في ساحة انتظار السيارات ليكسب قوت يومه.


(*) ذكرت في مناسبات عديدة أن المهاجرين "مُهمّشون" في الأرض التي تستضيفهم، و"غرباء" في أوطانهم. بالتالي، هل يمكننا وصفهم بالضائعين، أو أن هذا مجرد شعور مؤقت يمكن علاجه بمرور الوقت؟
يعيش المهاجرون في هذه الحالة التي يسميها عالم الاجتماع والفيلسوف الجزائري عبد المالك صياد الغياب المزدوج: الغياب المادي عن البلد الأصلي، والغياب النفسي والاجتماعي في البلد المضيف. أعتقد أنه من المهم السعي إلى تحويل هذا الغياب المزدوج إلى حضور مزدوج.
لا يمكننا البقاء على قيد الحياة في البلد المضيف من دون المشاركة في الحياة، في واقعها، ورؤوسنا متجهة إلى الوراء في الحلم الوهمي المؤجل دائمًا بالعودة إلى "الوطن" الذي نعلم أنه لن يحدث أبدًا.
علينا أن نعيش وقتنا، لأن هذه الأيام على أرض لم تعد غريبة جدًا، هي أيام من حياتنا تمر تاركة الشيب في لحانا، وفي شعرنا، وتجعلنا نشعر بألم المفاصل مع مرور الزمن. إنها سنوات من حياتنا لن تعود أبدًا.
من ناحية أخرى، لا يمكننا أن نظل غير مبالين بما يحدث في بلدنا الأصلي. أعتقد أن رسالتنا هي العمل كجسر بين ثقافتين، بين واقعين، من خلال العمل كمنصة صوت لوقائعنا. سرد حقيقة مختلفة وتحفيز مشاريع ومسارات التنمية في بلد المنبت، من خلال إشراك الناس من البلد المضيف. الانتقال من الغياب المزدوج إلى الحضور المزدوج.

كتابان من مؤلفات الكاتب الإيطالي ـ التوغولي كوصي كوملا ـ إيبري 


(*) تتحدث دائمًا تقريبًا إلى الطلاب في المدارس، حتى في المدارس الابتدائية. هل تجد هذه اللقاءات مفيدة؟ هل مررت بحادثة محرجة، أو مضحكة؟
أرى أن التجول في المدارس جزء لا يتجزأ من رغبتي في تقديم سرد مختلف في ما يتعلق بأفريقيا. مهمتي هي تفكيك هذه الصورة السلبية عن أفريقيا. أفريقيا الأطفال من جلد وعظم، الذين يعانون من الجوع، ببطونهم المنتفخة، بأنوفهم التي تسيل والذباب يغطي وجوههم. أفريقيا الديكتاتوريين آكلي لحوم البشر، والحروب القبلية. أفريقيا ذات "التاريخ الفريد"، كما تقول الكاتبة النيجيرية، شيماماندا نغوزي أديتشي.
أن أوضح أن أفريقيا ليست هذه فقط، فهي ليست دولة، بل قارة تضم 54 دولة، ومليار و300 مليون شخص لديهم 1200 لغة، وقارة غنية بالثقافات. أن أوضح أن أفريقيا ليست فقيرة، ولكنها فقيرة بما تنطوي عليه مسؤوليتنا المشتركة.
أذهب لأتحدث عن هؤلاء الأفارقة لعقول لم تتلوث بعد بأحكام مسبقة مترسخة.
أذهب لأوضح مدى الثراء الموجود في التنوع، وأن اللقاء مع الآخر لا يدمّر هويتنا، بل يثريها، لأننا جميعًا هويات متعددة تتشكل وتتحول على وجه التحديد في اللقاء مع الآخر، المختلف عنّا. في الواقع نحن في حاجة إلى أن يكون الآخر على ما نحن عليه، فنحن في حاجة إلى الآخر "للتعرّف على أنفسنا".




حدث لي موقف محرج عندما طلبت من الأولاد في أحد الأيام أن يعطوني تعريفًا للعنصرية.
أجابني أسرعهم بديهة: العنصري هو الأبيض الذي لا يحب الأسود!
حسنًا! قلت: وماذا نسمي الأسود الذي لا يحب الأبيض؟
نظروا إليّ جميعًا بعيون واسعة، وشعروا بالذهول من خلال تعبير مثل: "كيف يمكن للأسود ألا يحب الأبيض؟".


(*) قلتم في حوار لكم: من يغادر لم يعد ينتمي إلى أي مكان. هل هو ابن الأوتوبيا؟ لربما الأمر كذلك، ولكن ماذا عن الحنين إلى الماضي، والرغبة في زيارة أماكن الطفولة، واستعادة الأحلام التي زرعناها مرة على طول الطريق؟
الذي يغادر يصبح ابن الأوتوبيا، "اللامكان"، ويشعر بالضياع. إن هذا الإحساس "بالخسارة"، الألم العميق لـ"حنين" هو الذي يقودنا إلى الغوص في أنفسنا، في ذكرياتنا، في أماكن طفولتنا لاستعادة جزء منا وأحلامنا المنتشرة على طول طريق الغربة. لهذا السبب بالتحديد، عرّفت إيزابيل ألليندي، على سبيل المثال، الكتابة على أنها تمرين مستمر للحنين إلى الماضي.


(*) تقوم بأنشطة مختلفة: طبيب، وسيط بين الثقافات، ومشغّل ثقافي. ما هو الدور الذي تلعبه الكتابة في حياتك؟ ماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟
الكتابة بالنسبة لي تعني قبل كل شيء التواصل. الكتابة هي الوسيلة التي يجب أن أكون قادرًا من خلالها على التعبير عن نفسي. الكتابة لفتح نافذة على عاداتنا، وتقاليدنا، ولكنها تعني أيضًا وصف مشاعري، وإظهار أنني شخص لديه أحاسيس، ومشاعر مثلهم، وبالتالي نقل ما هو أبعد من الكلمات، الأشياء التي لدي في داخلي. أردت أن أكون موضوعًا لوقائعي، وليس موضوعًا للفت الانتباه. الكتابة هي تلك المساحة الافتراضية حيث ألتقي بالآخر.
أكتب أيضًا للتغلب على الحنين إلى الماضي، لأجد نفسي في الزمان والمكان، وأقوم بتقييم وضعي، وأجمع هوياتي المنتشرة في توغو، وفرنسا، وإيطاليا.

(*) في عام 1999، ترشحت لانتخابات مجلس بلدية إربا في القائمة المدنية. وفي عام 2001 في الانتخابات السياسية مع "تجمع الزيتون" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق رومانو برودي. كيف سارت الأمور؟
كان الالتزام السياسي تجربة مهمة بالنسبة لي، على الرغم من الصعوبات الموضوعية. كانت هذه هي المرة الأولى في منطقتنا التي يرشح فيها "أسود" نفسه لانتخابات البلدية، ومجلس النواب. علاوة على ذلك، في منطقة تعد موطنًا لحزب معاد للأجانب مع مكونات عنصرية مثل أعضاء حزب "رابطة الشمال". لم يكن الأمر سهلًا: لم يقبل الجميع في معسكر يسار الوسط نفسه ترشيحي، لأن الوقت لم يحن بعد لهم. كانت ملصقاتي تمزق بشكل منهجي، وكانت الحملات في الأسواق تحديًا دائمًا.




من ناحية أخرى، شعرت بالرضا لأن كثيرًا من الشباب أصبحوا شغوفين بالسياسة مرة أخرى. كانوا دائمًا هناك مستعدين للعمل كحراس شخصيين لي، وحتى لتغيير أماكن إقامتهم من أجل التصويت لي.
تعلّمت من هذه التجربة أن الوقت لا ينضج أبدًا حتى نقرر أن نجعله ناضجًا، وأننا لا نفوز بالأرقام فقط، ولكن بقوة وقناعة الأفكار التي يمكن أن تجر الآخرين؛ وأنه من المستحيل عدم الانخراط في السياسة، وأن الالتزام السياسي يجب أن يكون يوميًا، بدءًا من الشعب، ومن القواعد الشعبية، لتحمل المسؤولية في استشراف الحلول الملموسة وتقديمها.
لم أفز، لكنني حصلت على نسبة مُشَرّفة: 33% من الأصوات.


(*) صدر كتابك "مواقف عنصرية محرجة" منذ فترة قريبة مترجمًا إلى اللغة العربية؟ ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟
إن نشر كتاب "مواقف عنصرية محرجة" باللغة العربية يعني بالنسبة لي إنجازًا عظيمًا وشرفًا وفرحًا كبيرًا. أشكركم بصدق على الترجمة التي أنا متأكد من أنها تمت بعناية واحترافية. أشكر دار نشر "كو روما" لالتزامها، وللعناية التي أولتها لنشر الكتاب بأفضل صورة ممكنة، وأتمنى أن يلبي النص اهتمام الجمهور الناطق بالعربية.


(*) هل قرأت، أو أنك على معرفة بالأدب العربي، وما رأيك فيه؟
يجب أن أعترف أنني على جهل تام بالأدب العربي، ولدي فضول لمعرفته مستدلًا بنصائحك.


(*) ما هي مشاريعك الحالية؟
منذ فترة قصيرة جدًا، بين المؤتمرات والدورات، أكملنا للتو النسخة السلوفينية من روايتي "نائلة". بينما النسخة الفرنسية ستصدر مباشرة في توغو. إحدى مجموعاتي القصصية "قبل حلول الظلام" ستصدر في الخريف المقبل في الولايات المتحدة، وإذا ما سمحت لي الجائحة، سأقوم بجولة لتقديم الكتاب في عشر جامعات لعرضه مع "القصص المحرجة" (النسخة الإنكليزية من "مواقف عنصرية محرجة"). أخيرًا، أعمل بكسل على رواية جديدة: عمل طويل يبشر بولادة صعبة، ثم ستكون هناك فرحة الترحيب بالطفل.