Print
بوعلام رمضاني

أصغر كاتبة جزائرية: يَحزّ بقلبي نُفور الأطفال من المُطالعة

4 يناير 2022
حوارات

 

صَنعتْ وحْدَها حدثًا إبداعيًّا ملفتًا في تَظاهُرةٍ أدبيَّةٍ يَحضُرُها ويُنظِّمُها عادَةً الكِبَارُ والكِبَارُ فقط. طِفلةٌ في سنِّ الربيعِ، وصَاحبَةِ وجهٍ أسمرَ كلُّه شفافيَّةً وبراءة وعُذوبة ورمزية استثنائية. أقصُدُ بهذَا الوجهِ، المُبدعة الموهوبة لينة قرناش، أصغرُ كاتبَةٍ جزائريَّةٍ في الوطن العربي عام 2017. بعدَ مُشارَكتها في صالونِ نادية الأدبيِّ في مَدينة عنَّابة (أنظر تغطيتنا "يوم ثقافي في عنابة")، التقت "ضفة ثالثة" لينة، وكانَ لنا معها هذا الحديثِ القصيرِ الذِّي يَعكِسُ ماهيتَهَا الإبداعية غير المسبوقة.

 
(*) من هيَ لينَة قرناش، وكيفَ تُقدِّمَ نفْسَها لقُرَّاء مَوقع "ضفة ثالثة"؟

أنا لينة قرناش، أصغَرُ كاتِبَةٍ بالوطن العربي مُنذُ عام 2017، وُلِدتُ بمدينة بسكرة في الثامن عشر من شهر أبريل/ نيسان 2009 من أبٍ ونشريسي (الشلف) وأم أوراسية (باتنة). بدأتُ التَّفكيرَ في الكتابَةِ في عُمُر السادِسَةِ وأنا تِلميذَةٌ في المَدرَسةِ التِّي كنتُ أدرُسُ بها. وبرَزَتْ مُيُولي نحوَ الكِتابَةِ بشكلٍ مَلمُوسٍ بعدَ أن طَلبَتْ منَّا المُعلِّمة مَشرُوعَ كِتابَةِ قِصَّةٍ، وبعدَ عودَتِي إلى المَنزِلِ بدَأْتُ في كِتابَةِ قِصَّةٍ، فكانَت "لينة وزهرَةِ الياسمِين" التي راوَدَتْنِي أحداثُها شيئًا فشيئًا حتَّى أَتيْتُ على نِهايتها، ولمَّا عرضْتُها على والِدَتي فَرِحَتْ بهَا كثيرًا وشجَّعَتنِي. مِنْ جِهَتِهَا، أُعجِبَتْ مُعلِّمتي بالقِصَّةِ حدَّ الانبهارِ، ونَشَرَتْهَا في مجلَّةِ المدرسة "مواهب المدرسة"، ومنذُ ذلكَ الوقتِ أصبَحْتُ أُلقَّبُ في المدْرَسَة بالكاتِبة الصّغيرة.

وخلال زيارتي لجدِّي في العُطلة، تَفاجَأَ بمَا كَتبْتُ، وقرَّرَ أن يَطبَع قِصَّتي الأولى، الأمرَ الذِّي أرَّخ لتاريخَ رِحلَتي مع الكتابة.

 
(*) ما طبيعَةُ الدَّوْرِ الذِّي لَعبَهُ المحيطُ الاجتماعي والتَّربَوي بِوجهٍ عامٍ والعَائِلِيِّ بِوجهٍ خاصٍ في انطِلاقَتِكِ كَكَاتِبَةٍ في سنِّ الثّامنة؟ وهل أسْتَنتِجُ بِالضَّرورَةِ أنَّكِ "وَرِثْتِ" حُبَّ القِراءَةِ مِنَ الوَالِدينِ أو من أَحَدِهِمَا، وكَيفَ؟

لقد وَجَدْتُ الدَّعْمَ بِمُحيطِ مَدرَسَتي الابتدائيَّةِ انطلاقًا منَ المُعلِّمَة مُرورًا بِالمُدِيرِ وَوُصولًا إلى المُحيطِ العائلي (الوالدان والجد).


(*) يبدُو لي أنَّ جَدُّكِ الصحافي مِيلود سويهر قد أثَّرَ إيجابيًّا في تحسينِ مُستواك، وفي تَوجِيهِك بِنسبَةٍ رُبما تَجاوزت نسبة تأثيرِ الوالدين. هل سُؤالي ناتجٌ عن مُجرَّدِ إحساسٍ أم هو نتيجَةَ تخْمينٍ مُوفَّق؟

جدّي لهُ دورٌ كبيرٌ جِدّا في مَا وَصلْتُ إليٍ، فهُو الذِّي يُوجِّهُني ويُصحِّحُ أعمالي لُغويًّا، وهو الذِّي طَبَعَ جَمِيعَ قِصَصي التِّي وَصل عَددُها إلى 5 قِصص، وأَشرَفَ على تَرجَمَةِ القِصَّةِ الثانية "الأميرةُ والبهلوان" إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية.



(*) هل القراءَة ُالمُبَكِّرَة – كتحصيلِ حاصلٍ- هيَ التِّي سَاعَدتْكِ علَى الكِتَابَة في سنِّ الزُّهُورِ، أمْ أنَّ فَرضيَّتِي غيرُ كَافيَةٍ لمُقارَبَةِ حَالَتُكِ، لأَنَّكِ تَعتَقِدينَ أنَّ الموْهبَةِ التِّي يَصعُبُ تَفسيرُهَا هيَ العَاملُ الأوَّلُ والأخيرُ الذِّي يُمْكِنُ أنْ يُفسِّرَ شُرُوعَكِ في الكِتابَةِ مُبكِّرًا؟

أعتقدُ أنَّ المَوهِبَةُ هيَ العاملُ الأسَاسِيُّ الذِّي بإمكانِه تَفسيرُ شُروعِي في الكِتَابَة المُبكِّرة، ثُم تَأْتِي المُطالَعَة التِّي سَاهَمَتْ بِشَكلٍ كبيرٍ فيِ تحسينِ مُستوَايَ في الكِتابة وإِثراءِ رَصِيدي اللُّغَوي.


(*)
من بابِ الافتراضِ أيضًا، هل يُمكِنُ الاعتقادُ أنَّكِ تَأثَّرْتِ بكُتَّابٍ مُعَيَّنينَ أو بِكاتِباتٍ مُعيَّناتٍ؟ إذا كان الحالُ كذلكَ مَنْ هُمْ أوْ من هنَّ؟ ولماذَا؟.

الكُتّاب الذينَ تأثَّرتُ بِقراءَتي لرواياتهم هم شارلوت براونتي وأغاثا كريستي وجون غريشام وبيتر بنشلي. وتأثَّرْتُ كذلكَ بقراءَتي لقِصَصِ ألفِ ليلَةٍ وليلَةٍ، وكليلة ودمنة.


(*) هل
تَكتُبينَ باللُّغَتَينِ الفِرنسيّة والإنكليزية أيضًا وليس باللغة العربية فقط؟

أكتُبُ باللغةِ العربيَّةِ فقط، لأنَّها اللُّغَةُ الأم والمفضلة لديَّ، وقد أَكتُبُ بلغَاتٍ أُخرى في المستقبل، وحاليًا أَكتفي بِتَرجَمَةِ قِصصِي إلى اللغتين الفرنسية والإنكليزية.


(*) لاحظْتُ بعدَ قِراءَتي القِصص التِّي وَصَلتْني من خِلالِ جدُّك أنَّكِ تَستَعمِلينَ اسمَكِ الشَّخصي في القِصَصِ، ومُتَأثِّرَةً جِدًّا بالحيواناتِ الأليفَةِ أوّلاً وبِالشَّخصيَّاتِ الفَقِيرَةِ ثانيًا، وتُحبِّينَ الفُنُونَ ومَسْكونَةً بِفِعْلِ الخَيرِ. مَا عَلاقَةُ ذلك بِتَربيَّتَك وبِقِراءاتِك، وهَلْ يُمكِنُ أنْ أتَصوَّرَ تَأَثُّرِكِ بِالكَاتِبِ الفِرنسِيِّ الشّهِيرِ الذِّي استنطَقَ الحيوانات أوْ بِكتَابِ كليلة ودِمنة؟ أمْ أنَّ الأمرَ غيرُ كذلك؟

تأثُّرِي بِالحيواناتِ الأليفَةِ والشَّخصيَّاتِ الفَقِيرَةِ راجعٌ بالدَّرَجَةِ الأُولى إلى تَربيَّةِ وَالِدَيَّ اللذَينِ رَبَّيانِي علَى حُبِّ الخيرِ للغَيرِ ونُكرانِ الذَّاتِ ومُساعَدَة المُعوَزِينَ، كمَا أنَّ كَليلَة ودِمنة لابنِ المُقفَّعِ كانَ مِنَ الكُتُبِ الأُولى التِّي غَرَسَت في نَفسِي حبَّ الحَيواناتِ.

لينة قرناش مع الروائي واسيني الأعرج



(*) هل تَكتٌبينَ بعَفَويَّةٍ ومتَى؟ وهل اطَّلَعتِ علَى فُنونِ الكِتابَةِ القَصصية أم أنَّكِ تَحِسِّينَ أنَّ مَوهِبَتَكِ كافيَةٌ في الوقتِ الرَّاهِن للكتَابَة، والمُستَقبَلُ أمَامَكِ للإطلاعِ عن عالم القصَّةِ إبداعًا وتنظيرًا؟

نعم.. أنا أكتبُ بعفويَّةٍ، وليسَ لديَّ وقتٌ معيّنٌ للكتابة. أشعرُ أنَّ مَوهِبتي كافيَةٌ في الوقتِ الراهن للكتابةِ، وهي الموهبة التي سأصقلها بالاطلاع على فنون الكتابة القصصية وعالم الإبداع والتنظير.


(*) هل أتصور أنكِ تَسعيْنَ بإصرارٍ ووَعيٍ للتَّحوُّلِ إلى كاتبَةٍ قَصَصية أم أن لك مُيولًا في مجالاتٍ أخرى؟

ميولي عديدةٌ وفي مجالاتٍ كثيرة، الأمرُ الذِّي يَزيدُ مِن رُقْعةِ طُموحاتي الإبداعية. فإضَافَةً إلى القصة ونزوعي الروائي، أتطلَّعُ إلى مُستقبلٍ فنٍّي في التَّمثيلِ والتَّخَصُّص في الطِّبِّ البَيطَرِيِّ لمُعَالَجَة الحيواناتِ، مع الاستمرارِ في الكِتابَةِ.


(*) لماذَا قِصَصَك قصيرَةٌ جِدًّا جدًا؟

لأنّها في الأصلِ مُوجَّهةٌ للأطفالِ الصغارِ من جِهة، ومن جِهَةٍ ثانيةٍ تَستجيبُ لطَبيعَة سِنِّي ومُستواي اللغوي. مُؤخَّرًا شَرعتُ في كتابَةِ القِصَّة الطويلة.


(*) ماذا كان شُعورك وأنتِ تُشاركينَ في صالونِ ناديَا الثَّقافي في الخريف الماضي بعنابة كأصغَرِ مُبدعة، وهل تَعتَقدِينَ أنَّنا نَهتَمُّ في بِلادِنا بالشكل الذي يجبُ بِكلِّ ما هو إبداعٌ أَدبي وفَنِّي من خلال المنظومة التربوية بوجه عام؟

لقد سبقَ لي أنْ شاركتُ في المعرضِ الدولي للكتابِ بالجزائر في طبعتي 2017-2018، وكانت المُشاركَةُ الأولى بقصتي "لينة وزهرة الياسمين"، والمُشاركَةُ الثّانية بقصتي "الأميرة والبهلوان"، وقدْ شعرْتُ بفَرْحَةٍ كبيرةٍ تَغمرُني وأنَا أُشاهدُ التفافَ الأطفالِ حَولي مَع أوليائِهِم وهمْ يَقتَنونَ قِصَّتي ويَلتَقِطُون مَعي صورًا تذكارية. نفسُ الشعورِ غَمرني وأنَا أُشارِكُ في صالون الشَّاعرَةِ الرائعَة نادية وخاصة لَحظَة لِقائِي بالأديبِ الكبيرِ عبد العزيز غرمول الذَّي شَجَّعَني وأوَصى أهلَ عنابة خيرًا بي، لكنَّ ما يحزُّ في نَفسِي هو نُفُور الأطفال من المُطالعة لأنّهم لا يَلقون اهتمامًا من طرفِ المعلمين والأساتذَةِ في المؤسساتِ التربويَّة التي غابَ فيها نَشَاطُ المُطالعةِ والتشجيعِ عليهَا.