Print
عماد الدين موسى

خالد النصر الله: الجوائز تمنح الكاتب الإحساس بجدوى المواصلة

10 مايو 2022
حوارات

 

"لا أعتقد أنني طوال كتابة النص تمكَّنتُ من التحكُّم في شخصيات العمل"، يقول الروائي الكويتي خالد النصر الله على هامش حوارنا معه حول روايته الجديدة "الخط الأبيض من الليل"، الصادرة مؤخرًا عن دار الساقي في بيروت 2021، وقد وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة الرواية العربية (البوكر) لهذا العام.

سبق لضيفنا، المولود في مدينة الكويت سنة 1987، أن أصدر خمسة أعمالٍ روائية، هي: "يوم الحدث (2008)"، و"الحقيقة لا تقال (2009)"، و"هرطقة (2009)"، و"زاجل (2013)"، و"الدرك الأعلى (2016)".

عن روايته الأحدث واغتراب الإنسان في وطنه واستلابه الوجودي كان هذا الحوار:

(*) كأنَّ روايتك تشتغل على ثيمة الإنسان الذي لا يقول (لا) بل سمعًا وطاعةً لأولي الأمر؟

أؤمن أن لكل قارئ تأويله الخاص لما عنته الرواية، لكن أظن أن الرواية تحاول أن تثور على هذه الثيمة، على شكل ثارات صغيرة وشخصية تحولت إلى جماعية سرية، آلت إلى الشكل الذي انتهت عليه الرواية.

 

(*) إنَّ كل من يشتغل في مؤسَّسات الدولة أيّا كان موقعه: رقيبًا على المطبوعات، رقيبًا على الدوام، على الانصراف، على الكلام، يقصُّ رقبة مَنْ يعصاه أو يخالفه. وهذا بعض ما جرى لبطل الرواية ولبطلتها التي اعتقلت. أهي مقولتك محذِّرًا أم مُحرِّضًا؟

ليست تحذيرًا ولا تحريضًا، وإنما عرض يوازي الواقع الذي تفضلتم به في السؤال، وهي إحدى القضايا المعروضة في العمل، والتي تنسجم مع القضية الأساسية أو الثيمة الرئيسية.

 

(*) ثمَّة بذرة للتمرُّد في الرواية، وأعتقد انَّك اصطدت فيها الرقيب حين رفض بطلك تغيير كلمة ليُجيز طباعة الكتاب فيصير الرقيب (مُعارضًا) عميلًا مزدوجًا؟

نعم، المدقق شخصية مضطربة لها صراعاتها الداخلية الخاصة، كذلك يملك أفكارًا متناقضة كما الواقع في الخارج، وربما ندرك مع مضي العمل أيا من الأفكار كانت لها الغلبة، وهو الأمر الذي يتطلب بعض التمرد والاعتراض.

 

(*) في أعماق الرقيب نلاحظ تلك المجابهة التي تقوم بينه وبين الموضوع- التمرُّد على طاعة السلطة والذي هو خيطٌ في ثوبها، كأنَّك تروضه على خيانتها، وهذا ما يحصل حين يكتب روايته على جدار النفق؟

وعلى نحو آخر قد تمثل رواية الجدار متنفسًا صغيرًا في ظل الخناق الذي تحكمه السلطة على الشعب، إن فطرة المدقق التي ولِدَ عليها– حبه المجنون للقراءة– فرضت سيطرتها عليه وحرّكته باتجاه التمرد ولو كان بشكل ناعم، وهي الطبيعة التي تفرضها شخصيته في الرواية، لكن في النهاية هي محاولة حقيقية للانتصار.

 



(*)
هذه اللحظة، والرقيب يكتب، ينفجر بما يحمله من وعي أمني لممارساته كعين للسلطة، كأنك تدفعه ليقلعَ عينَهُ، تشكِّل ذروة في السرد، وهي من أشد لحظات التوتر الدرامية في الرواية. أهذا ما أردت الوصول إليه؟

عندما بدأ المدقق في الكتابة، كانت تلك محاولاته لإخراج الداخل إلى الخارج، الذي وكما ظهرت، أشد قبحًا مما هو في الواقع وأكثرها توترًا ورعبًا. والكاتب بطبيعة الحال حين يكتب أول رواية له، تتشكل أغلبها من حياته الخاصة وأفكاره الشخصية، لذا كانت روايته أشبه بالتناص مع ما يحدث من حوله.

(*) طبعًا الرقيب هذا ليس كاتب تقارير، بل هو رأس حربة، تُعطيه قوةً وبأسًا، ثم تُحطمه كما لو إنه (وهمٌ درامي). أهو اللعب فترسم كما سيكون وليس كما هو؟

لا أعتقد أنني طوال كتابة النص تمكنت من التحكم في شخصيات العمل، وعلى رأسهم المدقق. صدقني أنا لم أعطه أي قوة، أظن أن واقعه فرض عليَّ أن يُكتب بهذا الشكل، بالأساس هو إنسان محطَّم لم يتمكن من الظفر بالفتاة التي أحبها وهي صديقة أخته وتزورهم باستمرار في البيت، وربما هو توهم القوة في انعزاله التام عن الدنيا تحت النفق وتخليه عن وظيفته أو بقائه كعنصر مفيد للجماعات المناهضة لإدارة المنشورات.

(*) أحداث مركَّبة، أماكن جديدة قديمة، زمنٌ ماضٍ وآخر حاضر، وأنا روائية عالية، ومتحدِّث سياسي، ودولة أمنية في مشهدية تبدو (روائية سينمائية). أهو شكل روائي جديد؟

أرجو ذلك. في الحقيقة دائمًا أسعى لأن أحقق صوتًا روائيًا جديدًا، وأكتب ما أظنه تجريبًا مغايرًا على مستوى العرض والموضوع واللغة. هذا الحُكم يترك للناقد والقارئ.

(*) موضوعك (الصراع على الحريَّة) وليس صراع المثقف مع السلطة. وقد لاحظتُ أنَّكَ تقوم بتذويب السياسي في الدراما الروائية، وأكثر ما شدَّني إلى روايتك أنَّك لم تذهب إلى الاستعراض السياسي. هل تعتقد أنَّ هذا ما يخولها أن تذهب إلى الجوائز؟

في البدء لا أعتقد أن وظيفة الروائي أن يستعرض استقراءاته السياسية أو غيرها، لذا لا أحب أن أمنح هذا الجانب مساحة لا يسعها النص، أما بخصوص الجوائز، ربما النَفَس الديستوبي في النص هو ما رجح كفتها، وبالتأكيد عوامل أخرى تؤخذ بعين الاعتبار عند لجنة التحكيم.

(*) كيف تنظر إلى واقع الرواية في العالم العربي؟

تحتاج الرواية العربية إلى أن تتخلص من بعض كلاسيكيتها، ما زال القارئ والناقد لا يتقبلان بصدر رحب النصوص التي تطرح نفسها بشكل مختلف عن المتن المعتاد، ما نقرأه في الترجمات أكثر جرأة وقدرة على تناول الموضوعات في قوالب جديدة.

(*) برأيك؛ الجوائز ماذا قدّمت وتقدم للرواية العربية؟

تُعرّف القارئ العربي على أسماء ومناطق لم يطلع عليها من قبل، وهي فرصة حقيقية لهؤلاء الروائيين كي تأخذ نصوصهم حظها عند القارئ الذي بطبيعته يعتاد على الأسماء المعروفة ويتجنب الأخرى الجديدة، إضافة إلى أن الجوائز تمنح الكاتب الإحساس بالتقدير وجدوى المواصلة، الذي يُشعِره بوجوده الفاعل بين الناس.