Print
ليندا نصار

خوسيه ساريا: لطالما كان الشرق مرتبطًا بأعمالي وأبحاثي

20 أكتوبر 2024
حوارات
يعد الشاعر الإسباني خوسيه ساريا من الشعراء الذين يدعون إلى التجديد في الشعر والتطلّع إلى حداثة القصيدة والتفكير في مكنوناتها والتعمق فيها. وقد اشتغل الشاعر على تعميم ثقافة الانفتاح خصوصًا على العالم العربي، وذلك انطلاقًا من عشقه للأندلس، ويبدو ذلك عبر اهتمامه باللغة العربية أيضًا.
أما النقد بالنسبة إليه فهو حاجة وضرورة تسير بتواز مع الشعر للكشف عن الإنسان والوجود.
وخوسيه ساريا ناقد أدبي وأكاديمي مراسل في الأكاديميات الملكية في قرطبة وإيخيا (إشبيلية) وأنتيكيرا (مالقة).
له أكثر من ثلاثين كتابًا في الشعر والسرد والنقد. تُرجمت أعماله إلى العربية، الإيطالية، الفرنسية، الإنكليزية، والرومانية. وتظهر منجزاته في أكثر من خمسين أنطولوجيا ومجلة متخصصة في إسبانيا، إيطاليا، تونس، المكسيك، الأرجنتين، إسرائيل، رومانيا، البرتغال، بلجيكا، تشيلي، بيرو، إنكلترا، لبنان وقطر. وقد حاز على العديد من الجوائز الأدبية الوطنية والدولية.  وتم إدراجه في الموسوعة العامة للأندلس.
من قصائده: لون الذاكرة (زمن الانتظار، خوسيه سار، ترجمة سلمى المتوكل، صفحة 32)

ذكرى

الذكرى هي الزمن المتوقف
في مكان معين،
شبابا لوهلة كنّا
خالدين، سرمديين، لا نقهر:
صغار غزلان عطشى
إلى المنبع تغدو
لتَرتوي
سالمة من النار والجروح.
هنا حوار معه:
(*) بعد هذه التجربة الطويلة في مجال الأدب وكتابة الشعر خصوصًا، ما هو تعريفك للشعر؟
كان الشاعر الكبير فيديريكو غارسيا لوركا يقول: "لا أنا ولا أي شاعر آخر نعرف ما هو الشعر". فمحاولة شرح هذا اللغز وتعريفه، وأعني هنا "الشعر"، أمر مستحيل. بالنسبة إلي يأتي الشعر من مكان حر لا يتحكم فيه أحد. نحن الذين نكتب الشعر نعلم أننا كائنات عاجزة، يتيمة، ومتروكة، وأن الشعر هو من يبحث عنا، ونحن لا نعرف متى أو وكيف يأتينا، في نهاية الأمر يكون القرار له. لكن، إذا كان عليّ تعريف الشعر، وهو بالنسبة إلي أمر مستحيل كما سبق أن قلت، فقد يكون لغزًا أو القوة خفية أو من الأصوات الغامضة التي تسكن الفجوات بين الكلمات، وتصلنا عبر قنوات العاطفة وبالذاتية التي تسكن كل إنسان.

(*) إنّ المتطلّع إلى تجربتك الأدبية، يكتشف الحفر الذي تقوم به في عالمين هما: الشعر والنقد؟ إلى أي مدى يمكن لهذا الثنائي أن يلتقي؟ وأي منهما تعتبره الأقرب إليك؟
الشعر موهبتي الأساسية لذا أعتبر نفسي شاعرًا قبل كل شيء. أما النقد الأدبي أو البحث، فهو بمنزلة عمل في ورشة، أو مجرد عمل يدوي. لا شيء يحدث من دون ذلك الإلهام الذي يعدّ المحرك الأساسي للخلق الشعري والعملية الإبداعية ككل، وهذا ما يتطلب التركيز على القراءة أو العمل على الأمور المتعلقة بالأدب. يمكنني هنا الحديث عن حال الرياضي الذي يجب أن يكون دائم التدريب ليصبح جسده مستعدًا للمنافسة، هكذا أستخدم هذا الجانب لتطوير البحث والنقد الأدبي، وهذا ما يساعدني لأكون مستعدًا أيضًا عندما يأتي الإلهام، وللحظة التي يدق فيها سحر الشعر بابي.





كما قلت سابقًا، لا يمكنك أن تبحث عن الشعر، فالشعر الحقيقي هو الذي يبحث عن الشاعر. من الضروري أن تكون لدى الشاعر تجارب عديدة، سواء أكانت على الصعيد الشخصي أم من خلال القراءات، لتصبح كما كتب ريلكه: "تصبح جزءًا منا، دمًا، نظرة، إيماءة، عندما لا تحمل هذه التجارب اسمًا ولا يمكن تمييزها عنا، عندها فقط يمكن أن يحدث أنه في لحظة نادرة جدًا، ترتفع من داخلها أول كلمة من أول بيت شعر".

(*) ترجمت سلمى المتوكل كتابك "زمن الانتظار" إلى اللغة العربية، ولديك اهتمام كبير بهذه اللغة. كيف ساهمت الترجمة في بلورة عوالم هذه اللغة؟ ولماذا اخترت اللغة العربية تحديدًا؟
أعتبر تجربتي مع الترجمة إيجابية جدًا، لأنها سمحت لي بأن أكون معروفًا في دول أخرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وإيطاليا. أما بالنسبة إلى الترجمات للعربية، فقد وصلت قصائدي إلى المغرب، تونس، ومصر، وهذا يمنحني فرحًا كبيرًا لأنه مكنني من خروج كتاباتي إلى العالم العربي. لطالما كان الشرق مرتبطًا بأعمالي وأبحاثي، بسبب التأثير، الذي لا يمكن إنكاره، والذي تركته الأندلس وما زالت تتركه في نفسي، خصوصًا وأنها مسقط رأسي.

(*)  يشكل عنوان "زمن الانتظار" مظلة للمحاور الفرعية في الديوان والتي تعبر عن حالات إنسانية نفسية في أثناء الانتظار. هذه المواضيع الفرعية هي: زمن الانتظار، فترة المساء، الشكوك. كيف يمكن ربط هذه المواضيع المتفرعة من الزمن، بالتجارب التي تتكون وتنضج بمرور الوقت في رحلة الكاتب الإبداعية؟
"زمن الانتظار" هو ديوان شعري كُتب خلال جائحة كوفيد على الرغم من أنه لا يتحدث عن هذا الوباء. ومن هنا جاء "زمن الانتظار"، ذلك الوقت الذي توقفت فيه حياتنا وجعلني أتأمل بعمق في قضايا مثل هشاشتنا، ضعفنا، وطبيعتنا الموقتة.



ومن هنا جاءت كل تلك الشكوك والأسئلة الوجودية التي تمر عبر القصائد في هذا الكتاب، وارتبطت العناوين التي اخترتها وصارت متشابكة ببعضها البعض.

(*) يلاحظ المتابعون لأعمالك الأدبية اهتمامك بالشعر العربي ومواضيعه وبخاصة الشعر المغربي والتي تتناول الوجود والحياة والموت... وقد نشرت أنطولوجيا للشعر المغربي. ما هي نقاط التقاء الشعر الإسباني الغربي والشعر العربي؟
عندما تكتشف الشبه بين شعرك وشعر "الآخر"، الذي كنت تعتقده مختلفًا، تلاحظ أن الهواجس، الشكوك، والدوافع مشتركة ومتطابقة، وهذه هي حال الشعر المغربي الذي درسته بعمق. فنحن عائلة واحدة، إخوة من النوع البشري الوحيد، وبالتالي نقاط الالتقاء كثيرة، لأن الشعراء من الجانبين يتناولون ويتحدثون عن القضايا نفسها: الله، الحب، والموت، وهي القضايا المحورية للتأمل الشعري. أما الاهتمام الكبير لدى الجميع اليوم، فهو التوجه نحو إنشاء شعر حديث ومتجذر في الحداثة.

(*)  لطالما كان هناك اهتمام من قبل المترجمين بالشعر العربي ونعثر على الكثير من الترجمات للشعراء العرب القدامى، بينما لا نرى الاهتمام نفسه بالشعر الحديث، وما ترجم في معظمه محدود ويعود إلى جهود شخصية. ما هي أسباب ذلك؟
في الحقيقة، ما يجب معرفته أن هناك جهلًا كبيرًا في إسبانيا بالأدب العربي. فقد عاشت إسبانيا لعقود، بل لقرون، وهي تجهل ما يحدث في الشرق، أدبيًا. ولكن مع الترجمات الكبيرة التي قام بها إميليو غارسيا غوميز في أوائل القرن العشرين، بدأ يظهر اهتمام معين بين كتّاب جيل 1927، ومن هناك جزء صغير من الجمهور، ولكن هذا الاهتمام ظل محصورًا بالشعراء العرب الكلاسيكيين وأدباء الأندلس مثل المعلقات، عمر الخيام، ابن الرومي، ابن عربي، المعتمد، الأميرة ولادة، ابن زيدون، وابن رشد، ولا شيء غير ذلك. أما المعرفة بالكتاب العرب المعاصرين فهي محدودة جدًا. وكما قلت، يعود هذا إلى أن إسبانيا تناست ذلك الوقت الذي "كنا فيه عربًا"، فقد قررت، بتوجيه من الطبقات السياسية الحاكمة، أن توجّه اهتمامها أكثر نحو أوروبا بدلًا من البحر المتوسط أو الشرق.

(*) ما هو تقييمك لدور النقد اليوم؟ وما هو رأيك في الأصوات الشابة الصاعدة؟
للنقد دور أساسي في اكتشاف الأصوات الشعرية أو الأدبية القيمة والمهمة من جهة، ومن جهة أخرى، له دور كبير في تأسيس المضمون الأدبي الذي سيظل للأجيال المقبلة لدراسة الأدب. أما فيما يخص وضع الأصوات الشابة من الأجيال الأحدث، على الأقل في إسبانيا، فأقول إن هناك تنوعًا هائلًا، وتعددًا يجعل من التيارات أو المدارس تختفي، ليصبح لدينا وضع تسود فيه الفردية لدرجة أنه بات يمكننا ملاحظة حضور تيارات أدبية بعدد الشعراء.




لا أعرف إذا كان هذا جيدًا أو سيئًا، لكنه لا يساعد على فهم أو استيعاب الوضع الشعري لعدم وجود تيار مهيمن أو سائد.

(*) نلاحظ اهتماما كبيرا لديك بالقصيدة البصرية. بين الصورة والكلمة هناك الكثير من الأمور التي يمكن مناقشتها. هل يمكنك التعمق في هذا الموضوع أكثر؟
لا شك في أننا ندخل في مجتمع الصورة، المجتمع الفوري. الجهد الذي تتطلبه القراءة، من عزلة وتخصيص وقت، يجعلك تنقل الرسالة أو التغريدة من المكتوب إلى المرئي الذي يكون أكثر سهولة وسرعة. لذلك، منذ فترة طويلة، بدأت العمل على منصاتي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وضعت عنوانًا يندرج تحت اسم "القصيدة البصرية"، أحاول من خلالها التقاط رسالة "شعرية" ونقلها كاملة إلى المتابعين من خلال صور مليئة بالشعر والعاطفة الشعرية.

(*) كيف ترى المشهد والأنشطة الثقافية في إسبانيا وما هو مستوى المشاركة في هذا المجال؟
في إسبانيا، وبحسب ما أسمعه، في بلدان أخرى أيضًا، الأنشطة الثقافية أو التي يزعم أنها ثقافية كثيرة جدًّا. نحن نعيش في طفرة من "العروض الثقافية"، وفي أية مدينة تقدم برنامجًا ثقافيًا واسعًا باستمرار. قلقي هو أنه، في رأيي، هناك لغط وخلط بين الثقافة والترفيه والتسلية، فالكثير من هذه العروض الثقافية لا تحتوي إلا على اقتراحات بسيطة للترفيه والمتعة، معظمها من دون هدف سوى إبقاء الناس مشغولين أو مستمتعين، ولكن من دون السعي إلى تحفيزهم على التأمل أو خلق روح نقدية شخصية، والذي يعد الهدف الأساسي والنهائي للثقافة الحقيقية.

(*) كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي في تحولات المسار الأدبي وفي الشعر بشكل خاص؟
هذا هو السؤال الكبير. أعتقد أننا بحاجة إلى عملية فهم لماهية الذكاء الاصطناعي وما يقدمه، ثم استخدام هذه الأداة لصالح الأدب والشعر أو أي تعبير فني أو اجتماعي آخر. وإلا، ومن دون هذه العملية القائمة على المعرفة والتفكير، سنكون أول من يخضع للذكاء الاصطناعي.