Print
أوس يعقوب

أحمد عزم: كمال عدوان من منظّري الكيانيّة الوطنيّة الفلسطينيّة

21 أكتوبر 2024
حوارات

بعد مرور واحد وخمسين عامًا على اغتيال القياديّ الفلسطينيّ كمال عدوان، ورفيقيه كمال ناصر، وأبو يوسف النجار، في منطقة "فردان" في العاصمة اللبنانيّة بيروت، في العاشر من شهر نيسان/ أبريل 1973، صدر حديثًا عن "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة كتاب بعنوان "كمال عدوان: رجل في ثورة... وثورة في رجل"، من تأليف الكاتب والباحث الأكاديميّ الفلسطينيّ الدكتور أحمد عزم، والذي يناقش فيه "فكر قائد ومفكّر فلسطينيّ مُلهِم تقلّ الكتابات عنه إجمالًا".
كمال عدوان هو أحد أبرز القادة الفلسطينيّين في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت، وكان عضوًا في اللجنة المركزيّة لحركة التحرير الوطنيّ الفلسطينيّ "فتح"؛ وعضو المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ (1963)؛ ومسؤول مكتب الإعلام في منظّمة التحرير الفلسطينيّة؛ وقائد "الجهاز الغربيّ" المسؤول عن الأرض المحتلّة منذ عام 1971 حتّى تاريخ اغتياله مع القائدين ناصر والنجار عام 1973.
لمعرفة تفاصيل أكثر عن الكتاب، وصاحب موضوعه، كان لنا هذا الحوار مع مؤلّفه الدكتور أحمد عزم:

الشهيد كمال عدوان 

 

(*) في مستهل حوارنا، أودّ أن أسألك كيف تعرّف نفسك لقراء "ضفة ثالثة"؟
أنا باحث وأكاديميّ، ولدت في العاصمة الأردنيّة عمّان، وأصلًا من قرية اسمها العيزريّة قرب القدس، وهي القرية الشهيرة التي حدثت فيها قصّة إحياء المسيح بأمر الله، لصديقه إلعازر من الموت.
أنهيت دراستي المدرسيّة والجامعيّة في الأردن (الكلّيّة العلميّة الإسلاميّة، والجامعة الأردنيّة)، ثمّ الدكتوراة في بريطانيا (جامعة إدنبرة، وزمالة في جامعة كيمبردج). عملت في الإمارات، والأردن، وفلسطين (جامعة بير زيت)، والآن في جامعة قطر. ترأست تحرير مجلة "شؤون فلسطينيّة"، ستّة أعوام، وعضو المجلسين الوطنيّ والمركزيّ الفلسطينيّين، وكتبت لخمسة عشر عامًا أعمدة في عدد من الصحف.

(*) حدّثنا عن قصّة كتابك الجديد "كمال عدوان: ثورة في رجل... ورجل في ثورة". ماذا عن مضمونه؛ وما هي منابعه وروافده؟
اعتمد الكتاب على مقابلات مع نحو 25 شخصًا عرفوا الشهيد القائد كمال عدوان شخصيًّا، وعملوا معه، منذ مطلع خمسينيات القرن الفائت. وهنا لا بدّ أن أترحم على عدد منهم، ممّن توفوا أثناء الأعوام التسعة التي مضت منذ بدء العمل على الكتاب. كما استفاد الكتاب من مئات الصفحات التي دوّنها الشهيد بخطّ يده، ولم تنشر؛ على شكل يوميّات، ورسائل لأصدقائه ورفاق العمل الثوريّ، أو شكل مشاريع ووثائق سياسيّة بعضها كان مسودات.
تمّت العودة إلى عشرات الصحف والدوريّات بالعربيّة والإنكليزيّة، التي تعود إلى فترات عاشها الشهيد، وغطت أخباره، أو كان هو من يشرف على إصدارها. فضلًا عن ذلك هنالك المصادر المنشورة التقليديّة، من كتب ومجلّات وصحف.
يبدأ الكتاب بليلة اغتياله، ثمّ يتمّ العودة بعد الفصل الأوّل (الاغتيال ــ كما روته العائلة)، إلى حياته بدءًا من قرية بربرة قرب عسقلان، إلى اللجوء في قطاع غزّة، وانضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين، ثمّ خلافاته معها، والمقاومة الشعبيّة في حرب 1956، ثمّ فكرة تأسيس حركة "فتح"، وتجربته في السفر إلى الخليج وأوروبا، وتأسيس "فتح"، خصوصًا في السعوديّة وقطر، ثمّ حبّه وزواجه، والانتقال في حياته من لاجئ فقير لا يجد خبزه اليوميّ إلى مهندس بترول ناجح يترك كلّ ذلك ليتفرغ للعمل الثوريّ، ويصبح مسؤول الإعلام في الثورة الفلسطينيّة، ويؤسّس معسكرات تدريب الكادر الثوريّ، ومن ضمن ذلك معسكرات استقطبت مئات الأوروبيّين والتقدّميّين من كلّ العالم، قبل أن يصبح قائد "الجهاز الغربيّ" في حركة "فتح"، وهو الإطار المسؤول عن العمل داخل فلسطين، لأعود في الختام إلى فصل آخر عن الاغتيال من مصادر أخرى، منها الإسرائيليّة.

(*) كيف تبلورت فكرة الكتاب، وكيف تطوّرت؟ وماذا عن مراحل الاشتغال عليه؟ وكم من الوقت استغرق إنجازه؟
لعلّ بداية الكتاب الأولى كانت في قراءة عبارة، من سطر واحد أو أقلّ، في أحد الكتب التي أودّ أن أعود لأبحث عنه الآن وأتيقن من عنوانه، عن أنّ كمال عدوان اهتمّ ببناء الجامعات في فلسطين، لتكون حاضنة ثوريّة، وأعتقد أنّ هذا كان نحو عام 2012. وكتبت عن هذا الأمر في إحدى مقالاتي، إذ كان لديّ عمود في صحيفة "الغد" الأردنيّة، وكنت أخصّص مقالات يوم الجمعة لـ"قصص" وشخصيّات الحياة الفلسطينيّة النضاليّة والإنسانيّة. كتبت في هذا العمود عن مئات الأشخاص والناس المناضلين والعاديّين، وشملت من ضمنهم الأكاديميّين والمهنيّين الفلسطينيّين الذين انخرطوا في النضال، سواءً بعودتهم لفلسطين، أو بحمل البندقيّة، أو الانخراط في العمل الشعبيّ.
تلقّيت في عام 2015، اتّصالًا من صديقة باحثة وأكاديميّة وصحافيّة، أخبرتني أنّها في زيارة لعائلة الشهيد كمال عدوان في عمّان، وأبلغوها أنّهم يرغبون بإصدار دراسة توثّق مسيرة الشهيد، وأنّهم يودّون لو أقوم أنا بالمهمّة، وذلك بناءً على ما قرأوه لي من كتابات. وكان هذا خبرًا سعيدًا للغاية، فسيرة الشهيد كانت قد جذبتني فعلًا، وأعتقد أنّه والشهيد عبد الفتاح حمود (الذي أعتقد أنّه لعب دورًا مهمًّا في التنظير لفكرة الوطنيّة الإسلاميّة) يستحقّون التوثيق والدراسة.




زرت العائلة في ذلك العام، ثمّ توالت الزيارات، وكان معي في بعضها أصدقاء وباحثون، منهم الأخ معين الطاهر، الذي كان قد أطلق مشروع "ذاكرة فلسطين" في "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات"، وقدّم المشروع لي خدمة رائعة، خصوصًا نسخ أرشيف الشهيد الشخصيّ إلكترونيًّا، وتنظيم الأرشيف.
كما عملت معي مساعدة البحث عايدة الحجار بشكل يوميّ لسنوات، في تنظيم المعلومات والمساهمة في جمعها والتنقيب فيها، وفي العمل على كتب أخرى نشرت بسبب العمل في كتابي "كمال عدوان: ثورة في رجل... ورجل في ثورة".

من صور كتاب "كمال عدوان: رجل في ثورة... وثورة في رجل"


عملت ستّة أعوام على الكتاب، بشكلٍ كبير، لكن متقطّع، بسبب الانشغال بأبحاث ومهامّ أخرى، خاصّة أنّ المقابلات التي أجريتها مع بعض رفاق وأخوة الشهيد حفّزهم (رجال ونساء) على نشر مذكّراتهم، ووجدت نفسي أخصّص وقتًا لمساعدتهم في ذلك، لحين إصدار ونشر وإشهار كتبهم، وكانت هذه المهمّة تأخذني من الكتاب الأصليّ، ولكنّها كانت مهمّة لأنّها تُسهم في إثراء المكتبة الوطنيّة. ولعلّي أتذكّر قصّة أحد الكتب، فقد استطعت الوصول لعنوان بنت إحدى الشخصيّات التي عرفت كمال عدوان منذ عام 1958، واتّصلت بها لتخبرني أنّ والدها في المستشفى، وبحسب توقّعات الأطباء لن يعيش أكثر من أسبوع، ولكنّه أجرى مقابلات عن مذكّراته، وتأمل هي أن تصدر في كتاب قبل وفاته. أخبرتها أنّه لا يوجد كتاب يصدر في أسبوع. وبعد أن أرسلت لي الأوراق، وكانت تحتاج لكثير من العمل، بدأ العمل، وخصّصت له أسابيع من العمل، بمساعدة فريق، وتحسّنت بحمد الله صحّة صاحبها، فأجاب عن استفساراتنا، وأمدّ الله في عمره لنحو عام حتّى صدر الكتاب، وتصفّحه بسعادة قبل أن يتوفّاه الله.
بعد الكتابة، احتاجت عمليّة تحكيم ومراجعة الكتاب من عدد من المحكّمين والخبراء، وتحرير، وتدقيق، وفهرسة، وطباعة الكتاب ثلاثة أعوام أخرى.

(*) ما هي أبرز التحدّيات والصعوبات التي واجهتك أثناء مراحل البحث والإعداد والتحرير؟
كان التحدّي الأكبر هو الذاكرة. بعض من قابلتهم، بما في ذلك السيدة مهى الجيوسي (أم رامي) أرملة الشهيد، وعبد الفتاح القليلي (أبو نائل فيتنام) أخبروني صراحةً أنّهم يخشون آفة النسيان وتراكم السنوات. بعض آخر لم يعِ خطورة تقادم السنوات، لذلك كان يجب قضاء وقت طويل في التحقّق من الذكريات، والمقارنة بينها.
آخرون تردّدوا في تقديم شهاداتهم، ربّما بسبب مخاوف وهواجس غير ضروريّة، بشأن التبعات السياسيّة والأمنيّة للشهادات، خصوصًا من أشخاص تركوا العمل السياسيّ. وفعلًا بعضهم امتنع عن إجراء المقابلات، حتّى بعد أن كنّا نحدّد مواعيد معهم، مع أنّي سافرت من بلد لآخر لمقابلتهم. كما مُنعت من دخول إحدى الدول العربيّة أثناء الذهاب لإجراء مقابلات هناك، لأسباب تتعلّق بمنع من يقيم في فلسطين من دخول هذا البلد إلّا بإذن خاصّ.
لكن اسمح لي أن أضيف لسؤالك عن التحدّيات سؤالًا آخر عن الذي سهّل صدور الكتاب. وهنا أذكر السيدة مهى الجيوسي، التي خصّصت كثيرًا من الوقت للكتاب، والتي حفظت بمساعدة أبنائها دانا ورامي عدوان، أرشيف الشهيد، ويوميّاته.
ولعلّي أتذكّر من بين عشرات القصص يوم اتّصل بي المهندس رامي يخبرني أنّ والدته تطلب أن تلتقيني لأمر مهمّ، وكنت أخشى أنّها ستعاتبني على طول الوقت الذي قضيته في العمل، لأجدها تقول لي أريد أن أقول لا تستعجل، خذ كلّ الوقت المطلوب، المهمّ أن يظهر العمل بأفضل صورة.




بعض الأشخاص نقّب في ذاكرته وأوراقه، ورافقني في أوقات لا تخلو من الحميميّة والألفة. وكثير من المقابلات التي جرت، رافقني فيها أصدقاء ومناضلون قدامى، وبعض المقابلات كانت تجري بحضور "جمهور" من المناضلين القدامى، أو عائلاتهم.

(*) صدر الكتاب بعد نحو نصف قرن من اغتيال القائد كمال عدوان صاحب موضوعه، من قِبل جهاز "الموساد" الإسرائيليّ، مع القائدين كمال ناصر، وأبو يوسف النجار، في منطقة "فردان" في العاصمة اللبنانيّة بيروت، في 10 نيسان/ أبريل 1973. فما هي أهمّيّة إصداره حاليًّا؟
يمكن إيراد قائمة من النقاط حول أهمّيّة صدور الكتاب حاليًّا، فمن جهة كمال عدوان، كما ظهر معي في الكتاب، صاحب نظريّات مهمّة، فهو من منظّري الكيانيّة الوطنيّة الفلسطينيّة، والعمل على العامل الذاتيّ الفلسطينيّ، وقد نظّر منذ عام 1958 لفكرة إقامة جمهوريّة فلسطينيّة، ثمّ قاد فكرة "الثورة الدائمة" القائمة على إنشاء بنية تحتيّة للثورة من مؤسّسات تعليميّة، وثقافيّة، وإعلاميّة، وبحثيّة، وفنّيّة... إلخ.
تاريخيًّا، يكشف الكتاب تفاصيل مهمّة عن نشوء قطاع غزّة، والحركة السياسيّة هناك، وثورة أهالي غزّة ضدّ التوطين عام 1955، ثمّ المقاومة الشعبيّة في القطاع، ثمّ تفاصيل نشوء حركة "فتح"، خصوصًا من زاوية ساحات غير ساحة الكويت التي كانت أساسيّة في التأسيس، فالكتاب يقدّم معلومات عن الذي حدث في بلدان أهمّها مصر، والسعوديّة، وقطر، والبحرين أثناء عمليّة التأسيس. ويناقش عمليّة الانتقال من التنظيم الأيديولوجيّ للتنظيم الوطنيّ الجامع.
ومن الفصول الغنيّة في الكتاب تجربة استقطاب وإعداد اليسار الأوروبيّ ليكون رديفًا للثورة الفلسطينيّة. وكذلك تجربة إعلام الثورة الفلسطينيّة في بداياته.
وهو مفيد في حقل دراسات اللاجئين ليوضّح كيف انتقل اللاجئ من النكبة والكارثة والخيمة ليحقّق الخلاص الفرديّ عبر التعليم، قبل أن يتّجه للعمل على الخلاص الوطنيّ الجمعيّ.

(*) من هو الجمهور المفترض للكتاب؟ ومن هم القرّاء الذين تأمل أن يصل إليهم؟
لقد كان الإهداء في الكتاب إلى "الشباب المؤمن بالعدالة وقيم الحرّيّة والتحرّر... الذي يواصل الانتفاض ويخرج متجدّدًا كالعنقاء..."، وكنت دائم التفكير بالشباب المناضل في فلسطين وخارجها. بطلّابي في جامعة بير زيت، والمتدربين في "برامج الكتابة والتحليل السياسيّ"، التي أواظب على تنفيذها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، والشباب الذي انتفض في عام 2015/ 2016 في انتفاضة في الضفّة الغربيّة، ثمّ في القدس والشيخ جراح، ثمّ جنين وطولكرم ونابلس، والذين رأيتهم وجلست معهم في قطاع غزّة. وبالفنّانين والرسّامين والكتّاب الشباب. فأنا أشعر أنّه أصبحت لدينا قطيعة مع التاريخ، وهذا الكتاب يُسهم في ردم الفجوة.
أيضًا، الباحثون في علم الثورة، وعلم الحركات الاجتماعيّة، وفي دراسات اللاجئين، أتوقّع أن يجدوا شيئًا مهمًّا في الكتاب، سواء على شكل تحليلات جاهزة في حقولهم، أو مادّة خام للبناء عليها.

(*) في تقديرك، ما هي أسباب تأخّر اهتمام الباحثين والأكاديميّين الفلسطينيّين بتوثيق وأرشفة حركتهم الوطنيّة ورقيًّا ورقميًّا، خاصّة أنّ كثيرًا من الأرشيفات والمكتبات الفلسطينيّة، سواء الخاصّة بالأفراد، أو المؤسّسات والمراكز البحثيّة التابعة لمنظّمة التحرير، ولهيئات العمل الوطنيّ، تعرّضت ولا تزال للسرقة من قِبل العصابات الصهيونيّة وجيش الاحتلال منذ النكبة عام 1948 وحتّى اليوم، في خضمّ الحرب الوحشيّة على قطاع غزّة؟
لا أعتقد أنّ هنالك تأخّرًا في اهتمام الباحثين، وحتّى المناضلين، في التوثيق، بل إنّ كثيرًا من المناضلين خصّصوا أوقاتهم في المرحلة المتقدّمة من أعمارهم للكتابة، وهنالك جيل رائع من الباحثين الشبّان، لكنّ المعضلة، هي جودة العمل والإمكانيّات المقدّمة لهم.
كثيرٌ من الكتابات يجتهد في إنجازها أشخاص بجهد فرديّ، ينقصهم المؤسّسة التي تقوم بالتحرير، والتحكيم، والمراجعة، والتدقيق. تجد بعض كتابات قيادات الصف الأوّل في العمل السياسيّ الفلسطينيّ تخرج وفيها أخطاء معلوماتيّة، وتناقض، وأخطاء من شتّى الأنواع التحريريّة والأسلوبيّة واللغويّة، ولا ذنب لكتّابها في هذا، بقدر ما هي مشكلة غياب الناشر المحترف.

من صور الكتاب 


كما نجد كثيرًا من الكتابات تصدر عن دور نشر متواضعة لا يوجد لديها إمكانيّات للتوزيع، فمثلًا في فلسطين ذاتها أعرف حالات لعدد من الكتّاب نشروا مذكّراتهم، أو أعمالهم، بطبعات لا تزيد على 500 نسخة، تُطبع من دون تحرير حقيقيّ، ويكاد أن يقتصر توزيعها على مدينة رام الله ومحيطها، وأظن هذا متكرّر في عواصم أخرى.

(*) كيف تنظر إلى منجز "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" في مشروع توثيق القضيّة الفلسطينيّة، المتمثّل في إطلاق موقع "ذاكرة فلسطين"، وموقع "القدس: القصّة كاملة"؛ وتنظيم "المنتدى السنويّ لفلسطين"؛ وعقد الندوات والمؤتمرات العلميّة المختصّة بالقضيّة؛ وكذلك إصدار الكتب والدراسات، كسلسلة "ذاكرة فلسطين"؛ وغير ذلك من الإصدارات، لتقديم سرديّة فلسطينيّة بأقلام أصحاب الأرض والقضيّة في مواجهة زيف السرديّة الصهيونيّة؟
لعلّ هذا السؤال يجيب عن النقاط الأخرى التي وردت في السؤال السابق. في الواقع أنّ المركز العربيّ/ مشروع "ذاكرة فلسطين"، ومشروع "القدس القصّة الكاملة"، والندوات إضافة نوعيّة، ومكان يعمل وفق أرقى معايير التحرير، والمراجعة، والتحكيم، والنشر، والتوزيع... وما كان كتابي هذا ليصدر بهذا الشكل من دون الموارد، وحتّى المجتمع البحثيّ الذي تشكّل حول وفي مشروع "ذاكرة فلسطين". وهنا حتّى لا نجلد أنفسنا، لا بدّ من القول إنّ الفلسطينيّين أفرادًا ومؤسّسات قاموا بجهد رائع تاريخيًّا، فمن يستطيع أن ينكر دور "مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة"، ودور "مركز الأبحاث" في منظّمة التحرير الفلسطينيّة، منذ منتصف الستينيات. لقد كان الشهيد كمال عدوان بشكل خاصّ يعمل مع "مركز التخطيط"، و"الإعلام الموحد"، لتقديم الرواية الفلسطينيّة، واستأنف الشهيد خليل الوزير العمل عبر مؤسّسات بحثيّة ودور نشر لعبت دورًا بارزًا في الماضي قبل أن تتوقّف، مثل "دار الجليل"، و"دار الكرمل"، في عمّان في ثمانينيات القرن الفائت، ولا زالت عدة دور نشر تقوم بدور رائد.

(*) أخيرًا، هل هنالك مشروع جديد في الأفق المنظور على صعيد الكتابة؟
الحقيقة أنّ ما يحدث في قطاع غزّة وفلسطين من حرب إبادة لا بدّ، ويجب، أن يؤثّر في كلّ ما نفعل، ولذلك أعتقد أنّه يجب إعطاء أولوية لأعمال فكريّة وبحثيّة في تشريح ما حدث ويحدث، وما يجب أن يحدث. إلى ذلك، لديّ كتاب على وشك دفعه للنشر خلال أيّام، بعنوان "تحوّلات العقل الفلسطينيّ"، وهو مشروع أقوده ومعي أربعة باحثين آخرين. ولديّ مخطوط كتاب مكتمل في "نظريّة العلاقات الدوليّة" أنوي العودة له. كما أنوي نشر بعض الأوراق العلميّة المتعمّقة ذات البعد النظريّ في تاريخ الثورة الفلسطينيّة، مثل الانتقال بين الأيديولوجيا الدينيّة والقوميّة إلى الوطنيّة وبالعكس. ولديّ مشاريع لم تكتمل رغم العمل الكثيف عليها، في موضوعات مثل: سيرة القائد مروان البرغوثي؛ والأديبة والباحثة الراحلة سلمى الخضرا الجيوسي؛ وتاريخ القدس وأثره في الأيديولوجيا.