Print
صدام الزيدي

عمار باطويل: للرواية اليمنية مكانة بين مثيلاتها عربيًا

19 سبتمبر 2024
حوارات
يقيم الروائي اليمني عمار باطويل (1981) في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت بأقاصي شرق اليمن. عاش شطرًا من حياته في السعودية حيث وجدت مقالاته الأدبية طريقها للنشر هنالك في عدة صحف ومجلات.

بين عامي 2005 و2007، أخذته الأقدار إلى الولايات المتحدة الأميركية، للدراسة التحضيرية في "كلية نورث هلبن كمينتي"، بولاية مينيسوتا. صدرت له ثلاث روايات هي على التوالي: "سالمين" عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن- 2015؛ "عقرون 94" عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) لبنان- 2017؛ "طريق مولى مطر" عن الدار نفسها- 2019. وقبل ذلك، كان صدر له في 2012 كتاب بعنوان: "قرحة قلم" عن دار حضرموت للدراسات والنشر، هو عبارة عن مقالات أدبية وثقافية، وعن الدار نفسها صدر له، أيضًا، عام 2014، كتاب بعنوان: "الوقوف على حافة ثلجية: مطالعات من أميركا". وإلى ذلك، نشرت له نصوص في كتاب مشترك بعنوان: "كم رئة للساحل" بمناسبة "الشارقة عاصمة للكتاب"، 2019، وفي كتاب مشترك، آخر، حمل عنوان: "الرواية في اليمن تجديد وتجريب"، صادر عن دار عناوين بوكس للنشر في القاهرة- 2022. أُختير محكمًا في "جائزة محمد عبد الولي للرواية" الدورة الثانية عام 2023، وهي جائزة مكرسة للرواية اليمنية، ويعمل حاليًا مستشارًا لمحافظ حضرموت للشؤون الثقافية.

هنا حوار معه:

(*) منذ روايتك الثالثة "طريق مولى مطر" (2019) وحتى الآن، مرّت قرابة خمس سنوات. أي أفكار وتصويبات طرأت يمكن الاستفادة منها في أعمال قادمة بحكم أن الكتابة هي في تطور مستمر ومراجعة وتقييم؟

بعد عام تقريبًا على روايتي الثالثة "طريق مولى مطر" التي صدرت عام 2019، كانت قد تغيرت ملامح العالم تحت وطأة جائحة الكورونا. وقتئذ، تشتتت الأفكار في كل أنحاء الكرة الأرضية وانشغلت البشرية بالوباء الطارئ... ولكوني جزءًا من هذا العالم المزدحم بهمومه ومشاكله أخذ الوباء الكثير من وقتي كبقية الناس، لكني لم أهتم بالكتابة وقتها، ثم، بعد الوباء بسنوات قليلة عزمت على العودة مع أسرتي من السعودية إلى بلدتي ومسقط رأسي حضرموت، بعد هجرة دامت ربع قرن من الزمان، وخلال هذه السنوات بين فيروس كورونا والعودة إلى الوطن لا بد أني استفدت من التجارب التي قابلتها أمامي أو سمعت عنها، فهي تمنحني مساحة كبيرة من التمعّن والتفكّر في كتاباتي علمًا أن تجربة القراءة هي الأخرى مفيدة للكاتب. ومجمل التجارب التي يمر بها الكاتب، سواء تلك التي يعيشها بنفسه أو ما يشاهده في يومياته، تجعل روحه متوهجة وقابلة للتطور.


(*) ضعنا في صورة المشهد الثقافي في حضرموت، التي لطالما مثلت حالة ثقافية استثنائية في سنوات ما قبل  الحرب؟

الحرب هي كارثة إنسانية تعرقل الحياة وتقلبها رأسًا على عقب. في أثناء اشتعال نيران الحرب، تشهد أي منطقة صراع حياة غير مستقرة، فتبدأ الهجرة الداخلية من محافظة إلى أخرى ومن الوطن إلى دول مختلفة، ولقد شاهدنا هجرة الأفكار والأقلام الثقافية الأدبية مثل المفكر الدكتور سعيد الجريري إلى هولندا وكذلك الكاتب والروائي علي المقري إلى فرنسا، وغيرهما إلى أوطان عربية كجمهورية مصر العربية. ففي هذا المشهد من الحرب تشهد البلدان هجرة العقول إلى الخارج، ناهيك عن هجرة "ثقافية" داخلية يتراجع فيها إصدار المجلات والندوات الثقافية. لم تعد المجلات العربية تصل إلى المكتبات في اليمن أو في محافظة حضرموت وكذلك الحال بالنسبة إلى الصحف اليمنية التي لا تصل إلى بعض المدن مثل مدينة المكلا. نتابع بصيص أمل يمضي نحو السعي إلى الارتقاء بالمشهد الثقافي، فثمة نشاط يعتمل لمؤسسة حضرموت للثقافة وكذلك مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر. 
 



(*) وبمناسبة الحديث عن الحرب - مع أن حضرموت بعيدة نوعًا ما عن مناطق الصراع- كيف هي ملامح الفعل الثقافي الراهن: حركة النشر، معارض الكتب، مجلات ثقافية، منتديات ثقافية، إلخ...

العامل الاقتصادي هو عامل مشترك لكل أبناء الوطن، به تنهض الحياة الثقافية، ولكن بكل أسف أصبح المثقف كبقية المواطنين يبحث عن لقمة العيش قبل أن يفكر في الثقافة التي تعد ضرورية للفكر وللروح، إلا أنه وبرغم الواقع الصعب، تطالعنا بعض المؤلفات التي تصدر بجهود شخصية من قبل أصحابها وهو عمل يثنى عليه ونأمل أن يُدعم من قبل السلطة المحلية والمؤسسات الثقافية. لدينا مجلات بارزة مثل مجلة حضرموت الثقافية التي تصدر عن مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، ومؤخرًا عادت مجلة المكلا بعد انقطاع لفترة طويلة وهي تصدر عن مكتب الثقافة بحضرموت. ومع أننا نعيش حياة ثقافية غير صحية في ظل الحرب، إلا أن هنالك جهودًا تحاول أن تعيد لحضرموت مكانتها الثقافية، وهذا حتمًا بحاجة إلى تحسن الظروف الاقتصادية على نحو أفضل مما هي عليه الآن، فبدون هذا التحسّن الاقتصادي، تظل الثقافة متقطعة بين الحياة والموت.

رحلة أميركا

(*) بين عامي 2005 و2007 أقمت في أميركا (ولاية مينيسوتا)، وتتويجًا لتلك الرحلة، صدر لك، لاحقًا، كتاب بعنوان "الوقوف على حافة ثلجية". حدثنا عن الرحلة وعن الكتاب معًا؟

الكتاب هو عبارة عن مقالات ترصد حياة العرب في أميركا وكذلك الوجوه التي قابلتها هنالك من عرب وغير عرب وهو يصنّف ضمن أدب الرحلات، أتحدّث فيه عن المتناقضات وعن العدالة المفقودة في أميركا وعن ضحايا الهجرة وضحايا السياسة الأميركية من خلال استذكارات وأحاديث شخصيات قابلتها في أميركا.

(*) لنعد إلى فضاء الرواية. كيف تتابع تدفّق الإصدارات الروائية اليمنية في السنوات الأخيرة. بصيغة أخرى: هل نعيش زخمًا في الإنتاج الروائي اليمني حاليًا، وما الذي تجترحه هذه الروايات المكتوبة في ظروف الحرب؟

للرواية اليمنية قراء ومهتمّون من بلدان الوطن العربي كافة، ولكن ما يؤسف هو أن الروايات التي تطبع في بعض الدول العربية لا تصل بسهولة إلى المكتبات في اليمن بسبب الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس هنا، وإن وصلت، فتكون النسخ محدودة ومدعومة من قبل الكاتب نفسه الذي يقوم بدور التوزيع في بعض الأوقات، وهي مهمة يقوم بها طوعيًا رغبة منه في انتشار أعماله؛ مع أن المسؤولية تقع على عاتق دور النشر العربية التي يبدو أنها لا ترى أي ربح بوصول المؤلفات إلى اليمن. هنالك روائيون لهم قراؤهم في الوطن العربي بشكل جيد مثل علي المقري ووجدي الأهدل والغربي عمران، ولدينا أقلام روائية شابة تسعى بجهود حثيثة للحضور عربيًا. ويمكنني القول إن للرواية اليمنية مكانة بين مثيلاتها عربيًا، فاليمن بلد متعدد الثقافات غني بتراثه وإنسانه، وهذا يشكّل مصدر إلهام للروائيين.

(*) لك تجربة في كتابة المقال الثقافي والأدبي سواء في صحف ومجلات يمنية أو في صحف سعودية حيث عملت هنالك لفترة وجيزة. حدّثنا عن هذه التجربة: ما الذي قدمته لك كقارئ ومتفاعل مع الوسط الثقافي والأدبي اليمني؟

عرفني القارئ في بداية مشواري عبر كتابة المقالة، فكنت أكتب في صحف سعودية مثل المدينة والجزيرة، وكذلك جريدة الحياة، فكانت تجربة مفيدة بالنسبة لي. اتجهت بعدها إلى الرواية عملًا بنصيحة صديقي الراحل الدكتور مسعد أحمد مسرور، الذي رأى في مقالاتي روح القصة. إلى ذلك، أرى أنه ما زال للمقالة الثقافية والأدبية حضورها في المشهد الثقافي في اليمن، فهي فن مثله مثل الفنون الأخرى.

(*) ما الذي تشتغل عليه حاليًا سواء في الرواية أو غيرها؟

بعد عودتي من الغربة إلى حضرموت عام 2022 وجدت أن حضرموت غنية بالتاريخ وبتفاصيل حياة إنسانها في داخل الوطن أو خارجه، حيث الكثير جدًا لم يُسرد بعد. ما زلت أحاول اكتشاف حضرموت، وأعمل حاليًا على رواية قد أنتهي منها في الأشهر القليلة القادمة. آمل أن تنفرد وتتميّز ويكون لها قبول لدى القارئ في اليمن والوطن العربي.