Print
صالح لبريني

إِيلَانُ أَبَدُ الْحَيَاةِ فِي الْمَوْتِ

14 نوفمبر 2016
شعر

                                                                                 

 

-1

أَيُّتُهَا الْحَيَاةُ
هَا هُوَ الْمَوْتُ يَنْصُبُ شِبَاكَ الْمَكَائِد
يُفَخِّخُ الْأَرْضَ بِحُرُوبٍ غَايَةٍ فِي السَّعَادَة
يُدَجِّجُ الْمَدَى بِلَيْلِ صُبْحٍ خَارِجٍ عَنِ الْقَبِيلَة
يَتَسَيَّدُ عَلَى جُثَثٍ مُتَزَهِّدَةٍ فِي الْأَحْلَامِ 
جُثَثٌ تَحْمِلُ خَرَابَ الْمَاءِ فِي جِرَابِ الصَّحْرَاءِ
تَتَزَيَّنُ لِلْبَحْرِ بِبَرَاءَةِ الرَّمْلِ
وَنَمِيمَةِ النَّوَارِسِ فِي حَقِّ الْقَرَاصِنَة
وَحُزْنِ الصَّيَّادِينَ مِنْ فَرَاغِ الشِّبَاكِ
وَرَحِيلِ السَّنُونُو عَنْ مَدَافِعَ حَائِلَةٍ فِي الصُّمُود 
مَدَافِعٌ تَبْكِي حَظَّ الْحُصُونِ مِنْ حَنِينِ الْجُنُودِ
الْجُنُودُ الَّذِينَ تَرَكُوا الْقِلَاعَ لِمَوْجِ الْبَحْرِ
الْبَحْرُ الَّذِي سَكَنَ حُلْمَ إِيلَانَ غِيلَةً
إِيلَانُ يَا وَجَعَ بَرَدَى
الشَّمْسُ مَاعَادَتْ تَسْتَيْقِظُ عَلَى نَدَى دِمَشْق
الظِّلَالُ الَّتِي رَبَّاهَا الْأَسْلَافُ مَا بَاتَتْ تَحْضُنُهَا أَشْجَارُ حَلَب
الْأُغْنِيَاتُ الرَّعَوِيَّةُ اخْتَنَقَتْ صُدْفَةً فِي نَايِ دَرْعَةَ
الْقَمَرُ مَا زَالَ حَزِيناً عَلَى الْجِبَالِ يَنْدُبُ حَظَّكَ الًَّصَّغِيرَ
حُلْمَكَ الْكَبِيرَ فِي الْحَيَاة
ضَحْكَتَكَ الْبَرِيئَةَ نِكَايَةً فِي غَثَيَانِ الْوُجُودِ
تَلْوِيحَةَ يَدَيْكَ الَّتِي أَوْدَعْتَهَا فِي يَدِ أَبِيكَ
النَّظْرَةَ الْأَخِيرَةَ فِي زُقَاقِ الْحَيَاة
التَّنْهِيدَةَ الْفَاصِلَةَ بَيْنَ الْأَمَلِ وَالْأَلَمِ
إِيلَانُ 
أُنْشُودَةٌ مَبْحُوحَةٌ عَلَى كَمَنْجَاتِ الشَّامِ
تَارِيخٌ جَرِيحٌ يَبْكِي صَلَاتَكَ الْأَخِيرَةَ عَلَى رَمْلِ الْمُتَوَسِّطِ
دُعَاكَ الْيَتِيمَ السَّمَاءِ يُرَبِّي حُزْنَ الْأَبَدِ فِي عُيُونِ الْعَدَم
تِرْحَالٌ يُدَوِّنُ خُطُوَاتِ التَّائِهِينَ فِي مَسَالِكِ التِّيه
أَيَّتُهَا الْحَيَاةُ
كُفِّي عَنْ لَعْنَةِ الْمَوْتِ
فَإِيلَانُ أَبَدُ الْحَيَاةِ فِي الْمَوْت

-2

أَيَّتُهَا الْحَيَاةُ
الطَّرِيقُ إِلَى دِمَشْقَ يَحُفُّهُ حِدَادُ الْوَقْتِ
تَارِيخُ الْجَثَامِينِ
سِيَرُ الدَّسَائِسِ
مَقَاصِلُ لِصُبْحٍ يَعَتَنِقُ سَمَاءَ الزَّبَدَانِي
يَفِيضُ بِهَيْبَةِ الْأَمْدَاحِ فِي قِبَابِ حِمْصٍ
تَغْرِيدَةُ الْأَسَى فِي وَجْهِ النَّدَم
تَرَاتِيلٌ حَزِينَةٌ فِي مَدَائِنِ اللَّهِ

عَتَمَاتٌ تُظَلِّلُ قَنَادِيلَ الْبُيُوت
مَآتِمٌ تُرَبِّي الْيَأْسَ فِي مَحَاجِرِ الْأَمَلِ
خَرَابٌ يُعَانِقُ رَأْسَ الْمُتَنَّبِّي الْمَغْتَالَ 
بِضَغِينَةِ اللَّيْلِ
بِبَلَاغَةِ الْجَهْلِ
يَفْقَأُ بَصِيرَةَ الْمَعَرِّي 
يَتَحَالَفُ مَعَ الْعَتَمَاتِ
وَيُنَاصِرُ مَحَبَّةَ الْمَكَائِد


-3

أَيَّتُهَا الْحَيَاةُ
إِيلَانُ هَاجَرَ مِنْ عَتَمَةِ الضَّوْءٍ
إِلَى مَاءِ الْحَيَاة
لِيُنْصِتَ لِإِيقَاعِ الْبَحْرِ
لِدَبِيبِ الْمَدِّ فِي الرَّمْل
لِتَهَجُّدِ الْجَزْرِ فِي انْكِمَاشِ الْمَاء
لِقَرَاصِنَةٍ يَقْتَسِمُونَ تُفَّاحَ الْغَنِيمَة
لِصَيَّادِينَ يَبْعَثُونَ رَسَائِلَ الشَّوْقِ لِزَوْجَاتٍ 
يَكْتُمْنَ حَنِينَ الْجَسَدِ لِلْمَاء
وَهَا قَمِيصُ إِيلَانَ يَتَعَطَّرُ بِاُبُوَّةِ الْغَيْم
وَيَنَامُ عَلَى سَرِيرِ الْغِيَاب
يُودِعُ أَحْلَامَهُ بَرِيدَ الْمَوْج
هَشَاشَةَ الرَّمْل
هُوَ الْمُتْرَعُ بِالْحَيَاة
الشَّاهِدُ عَلَى خَرِيفٍ يَعُضُّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى الْأَرْض
وَرَبِيعٍ تُكَبِّلُهُ الْخِيَانَات
وَنَحِيبٍ يَقْطُنُ وَحْشَةَ الْجُدْرَان
الزَّاهِدُ فِي رَحْمَةِ الأَشْجَان
الْقَانِتُ فِي سُمُوقِ الْجُرْحِ
الْكَافِرُ بِأَشْجَارٍ ضَئِيلَةِ الظِّلَال


-4


أَيَّتُهَا الْحَيَاةُ
إِيلَانُ 
نَبِيُّ يُنَقِّحُ رُؤَاهُ مٍنْ نَجَاسَةِ الْعَشِيرَةِ
يُرَتِّبُ أَغَانِيهِ 
يَرْقُصُ نَائِماً عَلَى هَدِيرِ الْحَيَاة
وَأَمِيناً عَلَى مَوْتِ الْأَحْيَاء.

* شاعر من المغرب