Print
رشا عمران

شرايين تالفة على العتبة

16 يونيو 2017
شعر

 

بياض

كنت أقف على باب الموت

بيني وبينه عتبة صغيرة

مددت قدمي عدة مرات وتراجعت

كان الفراغ يشدني

الفراغ بصمته الأبيض

والعدم

والسلام

لكنني كنت أسمع ما يهمس به قلبي

صوت نفسي

الألم الطالع من عظامي

شغب الدم في شراييني الجديدة

حينها، بهدوء أغلقت الباب بيني وبين الموت

ووضعت شراييني التالفة على العتبة

ثم أمسكت بيد الحياة كطفلة تخشى أن تتوه

وفتحت فمي بدهشة

حين شعرت ببرودة الأوكسجين

تنخر عظم صدري المكسور

الغبطة هي: ألم شديد في الصدر

أفرح بزياراته الخاطفة

تلك الزيارات

التي توسع لي كوة واسعة

في سقف الحياة

 

تقسيم

منذ تلون صدري بتلك العلامة الأبدية

وضعت عقلي في طبق أنيق

وتركته على طاولة السفرة

الزائرون يرمقونه بإعجاب

وبعضهم يمد يده ليتأكد أنه ليس مصنوعا من البلاستيك

لكنهم جميعا يمضون عنه، محدقين بالخط المتعرج الذي يقسم صدري إلى نصفين

غير مكترثين بيدي اليمنى وهي تنتقل من الطبق إلى فمي بحركة روتينية دون أن  تغير شيئا في شكل الطبق، منذ تلون صدري بتلك العلامة الأبدية وأنا أحاول التهام عقلي كي لا يغافلني ويخبئ في المساحات المكشوفة من قلبي مسلات الكراهية
الكراهية التي تظهر كثعابين صغيرة قلما يراها أحد
لكنها تمتد على طول الخط المتعرج الذي يقسم صدري العريض إلى نصفين

يضيقان بي.

 

 

اكتمال

لم أر القمر الذي رآه الجميع أمس

نوافذي كانت مغلقة

والستائر سميكة

نمت كما أنام كل يوم

ظهري على الحافة الحادة بين اليقظة والنعس الشديد

ويداي مستلقيتان في الفراغ على الجانبين

وعلى غير العادة كان قلبي يتسرب كشعاع ضوء من الشق الطويل في صدري

يضيء تلك المساحة التي فرغت للتو من حب مريض

هكذا

في الخارج كانت الطبيعة تغير عادتها

وأنا في الداخل أفعل مثلها

أنهض عن الحافة

يدي اليمنى تتلمس جرح صدري الطويل

بينما اليسرى تحاول الإمساك بذلك الشعاع الذي يظهر ويختفي كطيف مخاتل لفراشة بيضاء.

 

مشرط

كنت أظن أن الحياة حصاة صغيرة

أمسكها بكفي وألعب بها كما النرد

لهذا لم أنتبه يوما إلى الألم الذي تسببه حوافها في باطن كفي

ولم ألتفت إلى مزاج ألوانها في عيني كلما لاعبتها

ولم أعر برودتها المفاجئة أدنى اهتمام

ولفرط مخاتلتها

ظننتها حبة دواء

فبلعتها

لم تتحلل

ولم تذب

ولم أستطع ترجيعها

بقيت مستقرة في مجرى الهواء

تدخل أحيانا إلى الدم

تمتص منه حلاوته

ثم تعود لتقف قريبة من القلب

تمد حوافها الحادة كمشرط

وتجرحني

كلما تجاهلتها.

 

ألم

لو أنهم حين أخرجوا قلبي ألقوه جانبا، ووضعوا هناك، في ذلك الشق الطويل، شجرة خضراء لا تزهر ولا تثمر، لكنها تصلح لأن تظلل من يحتاج إلى الظل، دون أن يكون على أغصانها ما يغري أحدا أن يمد يده ويقطف شيئا، فتتألم. 

شهوة

أريد أن أكتب عن الحياة،

الحياة في رئتي عصفور صغير يحاول الدخول من درفة النافذة المواربة فيضرب رأسه بالخشب

الحياة في جناحي فراشة شفافة تقترب من أثر الضوء وهي تعتقد أن السلام يكمن هناك فيحترق طرف جناحها الأيسر

الحياة في بطء نملة تسير على حافة الجدار وهي تحلم بذرّة سكر ستجدها في مكان ما

أريد أن أكتب عن الحياة

وأنا أشم رائحة جلدك كذئبة متوجسة حين تتصل بي

أو حين يبدأ الخدر اللذيذ يعرش على جسدي كلما سمعت صوتك ، ثم أحتفل وحدي بكل هذا الحب الذي لا يعرف به أحد غيري.

أريد أن أكتب عن الحياة

عن الذين يفردون أحلامهم ولا ينتبهون كيف تنحني ظهورهم وهم ينقون الأحلام من الحصى والتراب

عن الذين يحملون بيوتهم على أكتافهم يحتمون بها كلما مرّ معول الموت وهو يحفر في الدروب حولهم

عن الذين يختمون غصة القهر بالسخرية كما لو كانوا يرسمون على جدران التاريخ أعينا مفتوحة

أريد أن أكتب عن الحياة

أنا التي قضمت الحياة أصابعي اليمنى كما يقضم فأر لعبة بلاستيكية، وراقبتها دون أن أبالي، ثم مددت لها اليسرى دون أن أشعر بالندم.