Print
سما هلسة

جبيرة

1 يونيو 2020
سير
ذات يوم حين كسرت كاحلي واجهت صعوبة في المشي.. بدت الحياة مظلمة حولي.. ماذا يعني أنني بالكاد أتحرك..!! ماذا يعني أنني لا أستطيع أن أجلب لنفسي كأس ماء وأن قرار الاستحمام لدي يحتاج إلى دراسة مستفيضة..!

قدمي التي استخدمتها أكثر من ثلاثين عاما خذلتني لأسابيع.. لكنني وقتها أدركت كم كنت مجحفا في حقها.. تلك الرفيقة التي لطالما أتعبتها رغم نداءاتها بأنها مرهقة أو تلميحاتها بأنني لست عادلا معها وكنت بالرغم من ذلك أدوس عليها لمعرفتي بأنها جزء مني.. ومتى كانت الأجزاء تتجزأ!
إلى أن خذلتني يوما ورمتني مثقلا بجبيرتي.. حتى تعطيني درسا قاسيا بأن النعم لا تدوم.. وأن أي جزء منك يمكن أن ينفصل في أي وقت.
بعدها.. صرت أهتم بقدمي.. لا أضغط عليها ولا أتعبها.. صرت أقدر اللحظة التي تمنحني بها بركاتها في حياتي.. ولكنها لم تعد كما كانت قبل.. أصبحت هشة، أي نسمة برد تلهبها، وأي قفزة بها قد تكون الأخيرة..
قصة قدمي جعلتني أعيد حسابات حياتي.. جعلتني أسمع باهتمام أكبر لمشاكل زوجتي البسيطة، أركز عندما تشاركني حيرتها باختيار فستانها لزيارة صديقتها، وأشاركها التقدير والامتنان حين تشكو لي معاناتها لثلاث ساعات قضتها لتدريس ابننا حرفا، وفرحتها حين أتقن قراءة كلمة!
دربت نفسي على أن أناقش والدتي وأهتم أكثر وهي تخبرني قصة أم محمد التي لا أعرفها ومشكلتها مع كنتها الأجنبية التي ترفض أن تضع شالًا على كتفيها على درج العمارة.. وأن أظهر تعاطفا حقيقيا مع تلك المشكلة، وأن أسألها عن المستجدات في زيارتي القادمة.
وعرفت أن نجاحي بإبعاد ابني عن التلفاز ومشاركته اللعب ولو لساعة هو استثمار طويل الأمد يحتاج مجهودا لا يقل عن مجهودي الذي أقضيه بالعمل، وأن لعبة الشدة مع والدي مع كأس من الشاي بالنعناع يعادل فرحته بي حين ولدت ..
وأدركت قبل الخسارات الكبيرة، أنه حتى الأجزاء تنفصل عنك وما اعتقدت أنك تمتلكه يغادرك بثوانٍ وأن الجراح العميقة قد تحولها أنت إلى خدوش بسيطة أو الى جروح قطعية تودي إلى البتر..
وغدا حين تخذلك الحياة... على الأقل لا تكن أنت السبب.

*كاتبة من الأردن.