Print
هدى عمران

حكمة الجوعى

27 يونيو 2020
شعر

عندما يجوع الإنسان في هذه البلاد القذرة

يتعلم كيف يصبح قاسيًا وعنيفًا

أنا قاسية للأبد.

الجوع طبق كبير يحوي الدموع 

ليل طويل وبارد 

سِكين في عظام هشة، 

لو نفخت فيها تفرقت مع الرياح 

وَحش ينام في سريرك

ومشي مضنِ في شوارع لن تعرفنا أبدا

لن يذوقه هؤلاء من حولي

تفاهتهم وليمتهم 

شوارعهم بيضاء وفاضحة

ودماؤهم تسعى وراء الطهارة والشرف 

أنت فقط يا أبي صديق جوعي الوحيد

صديق نهمي وهوسي

وغناؤك الحزين وأنت تهدهدني 

عن أبطال منكسرين 

ستجلب لهم النهاية المجد 

جعلتني أحب موتي 

وهذا هو القدر، 

لو استطعتُ إعادة الزمن لسنين 

كنتُ ذهبت معك في الحقول مع الفجر 

طبطبت على الطفل الخائف وهو يرعى عنزته

ووهبت له الأمان المسروق.

لكن الزمن لا يُعاد

والجوع باب حياتي

لملمني يا أبي من هذه البلاد

أنا جائعة وحزنك وبهجتك هما طعامي 

 أنا جائعة ويدك هي طعامي 

أنا جائعة وقلبك هو طعامي. 

ولا شفاء من ذلك.

 

*****


رجل المقهى يحدثني عن أنواع الجُبن التي اختفت
نتشارك الغناء والغرابة
ثم ندخن ونبكي
أنا أبكي في بلد العميان.
الكل يحدق في مكان آخر
وضباب الصبح الكثيف تخرج منه كائنات الليل
تذهب لجحورها بعدما قايضت دماءها بالمتعة
ليتنا نتبادل الأجساد والأرواح
لكننا محبوسون حتى الموت.
في الليل تتجسد الوحدة رداءً
ليست صماء
لكنها  قماش شفاف يلف القلوب إلى الأبد
هذه القلوب لن يمنعها شيء عن الحزن.
والحزن شيئي النبيل الذي أعيش فيه
حجرتي الآمنة الدافئة.
لكننا في هذا الصباح الثقيل
الذي يتحول لفمٍ جائع
نحاول إنكاره بالضجيج
لنصم أذننا
عن السكون الذي يسبق شيئًا جليلًا
لنقتلع كل شيء في هذه المدينة
يقول صاحبي: الليل طويل وذكرياتي أكبر من حياتي.
أتذكر أن بطلي المفضل سائق تاكسي مهووس يجوب الشوارع باحثًا عن المجد
يقول: "كل الحيوانات تخرج ليلًا"،

 وإيمانه بالعنف يصنع حياته من جديد
أحاول شرح فكرتي،

لكن الدخان الذي يخرج من أفواهنا لفم النهار يغطي القاهرة
في لمحةٍ، ينتشر البوليس في كل مكان
الخوف يتحول إلى مدينة

وكلاب الدولة النائمة تحت الكباري وبين الشقوق.

*شاعرة مصرية.