Print
هاتف جنابي

عراقيات

7 أبريل 2021
شعر
حكاية العراقي

         [إلى الشاعر أومبرتو أكابال*]

أريدُ أن أحكي عن بلادِ زقوراتٍ وثيران مجنحة
عن أحلام غزاةٍ ومنفى أنبياء
آهاتٍ تُؤجّلها الكبرياءُ
عن الحبّ المُؤجّل في مملكة الرمل
قصصًا يعرفها أهلُها
ولا يُدركها الغرباءُ من أهل تيكال**


أريد تصفّحَ ألبومٍ لا حدود له
في اغتصابِ الحياة،
عن أرض تموت جَدْبًا ووحشة
أريد...
لكنّ الدموع
تُغرِقُ المشهدَ الرهيب
تحفر مجرى ومنفى
على الوجه
أودّ التحدّثَ عنها
بكلّ ما أملك منْ محبّة.


(يابوونّا/ 19/ 3/ 2020).

*Humberto Akʼabal/ أومبرتو أكابال(1952-2019): شاعر غواتيمالي من قوم المايا.
**تيكال/ Tikal: أحد أهم المعالم الأثرية لحضارة المايا.
(يابوونّا/ 19/ 03/ 2020)


العراق سنة 2021

عينٌ مسهّدةٌ، رئة لا تتنفّس، قلب لا يخفق
الرمل يكسو الشوارع والحقول
قطط وكلاب تبحث عن مأوى
الساسة امتلأت رؤوسهم بالعفنِ
وأنفسهم بالخطايا
والناس يبتهلون كالأضاحي
كي يقترب الفصلُ الأخيرُ من الحشر.

(برمنغهام/ 20/ 2/ 2021).


الأحدب العراقي

ينوءُ بحِمْلهِ
على كاهلهِ أسفارُ سومرَ، آشورَ، وبابل
حياتُه أرجوحةٌ بين القمةِ والهاوية
حظُّهُ أوْهَنُ من خيطِ عنكبوت
تقوّسَ ظهرُه فجأةً
حول شفرة الخسوف
خطوةً بعد أخرى تلاشى
كالبصيص في زحمةِ الغسق
سينطلق السهمُ من رئتيه
من أعلى قمّةٍ خلفَهُ
لكنه لا يعرف الآن
أهذه مجردُ تنهيدةٍ مارقة
تشقُّ السمواتِ
أم هو السهمُ مُقتلِعا قلبَه
كشُعلةٍ مندفعةْ
صوْبَ مملكة الحالمين.

(برمنغهام/ 29/ 1/ 2020).



أمنية
 
أخشى على أمنيتي
من الليل والنهار
أبوحها على مسامع الجماد:
الكرسيِّ والطاولة
الكأسِ وروحها الحائرة
أنظرُ للزهور كيف ترفعُ التُوَيْجاتِ في وجل
وسرعانَ ما تشيح ببتْلاتِها نحو نحلةٍ مرفرفة
أبثّ للظلال حيرتي ولم يَعُدْ بوسعها
إدراكُ ظلمتي أو فكّ شفرة المغيب
غيرَ أنْ أبوحَ للرعدِ والهاوية
برغبتي،
أكتبها على جناح طائرٍ
أزفّها للريح والمدى
ثم أرسلها بالإيميل
للهِ.

(برمنغهام/ 8/ 2/ 2020).


نَصْلٌ

الشمالُ - الجنوبُ يجيئان إليّ
من القطبِ ربما من صحرائه
من آثار فأسٍ خطّها الشرقُ
كي نراها على جنح الغروب
أقبّلُ لمْعَهَا في النوم واليقظة
على نصلِ المحبةِ
ما بين
الشروق والشروق.

(يابوونّا/ 20/ 10/ 2019).


الإلهُ الذبيح

معذرةً أيها الإله الذبيح
ليس لي طاقة على توديع مَنْ قُتلوا؛
تضميدِ جرْحايَ ومواساة الأمهاتِ الثكالى
أشعرُ بالعار لعجزي
عن اللحاق بموكب الينابيع الهادرة
بما يعزفه على قيثارة البدء
أحفادُ عشتارَ وكلكامش

مَوْتَى جسدي كثيرون
كيف يمكنني عدُّ الشُعَيْراتِ
في جسمي والنبض في أوردتي
كيف ستبدو جثتي بعدَ حين؟
معذرةً أيها الإلهُ الذبيح
أنا محضُ كائن أعمى
يبحث في التيه
عن وطن ليستريح.

(برمنغهام/ 20/ 2/ 2020).



صحراء

أيتها الصحراء
أنّى رحلتُ ثمة حباتُ رمل
تنقر الشبّاكَ تخدشُ شرشفَ النوم
تدعوني لوليمة الأمسِ
أيها العراء
كلما عبرتُ مفازةً
رأيتُ خلف العروش الخاوية
عرباتٍ محمّلةً بالحالمين
يتدافعون نحو الفراغ
أيتها الرمال
تعبتْ عينايَ من وفْرةِ الدمع
واشتكى منّي أطباءُ العيون

يا منتجعَ الأنبياء والشعراء والأشباح
يا سرابَ الخلود
أيتها الروابي
رأيتُ نملًا يبحث عن مأوى
وواحةً تحرسها نسور كاسرة
لم أقلْ: هذي بلادي.

(برمنغهام/ 3/ 11/ 2019).



قبضة الريح

سأرحلُ عنكم غدًا أو بعد غد
سأقول ما ينبغي أنْ يُقال
لغتي البرقُ ومسكنيَ الشرار
سأرحلُ لا شكّ بلمح البصر

لكنني سأبقى حتى النهاية
كقبضة الريح في العاصفة.

(برمنغهام/ 10/ 11/ 2019).


حارسة الأعظمية

صوتكِ يأتي
بطاقةِ نيزكٍ
لكنّ برقًا عابرًا
يفلقه نصفين.
أيها البُعْدُ
يا حبرَ الظلام
طال انتظاري
مُعلّقًا ما بين شفرتين.

(وارسو/ 23/ 6/ 2020).



اتجاهات

الرحيلُ انتقاه اضْطرارًا ذاتَ يومٍ
من بين صحبه.
فرسُ الحقل بالصفير حيّاه.
سالتْ دمعتانِ على قارعةِ الطريق
جفلَ الطيرُ
والأشجارُ قد شرعتْ بالحفيف.
سارَ بعيدًا على خطى اللمع
حتى أطبق الظلامُ حوله
عظامُه ارْتجفتْ
تعثّر ساقطًا على حجر الحلم
فزّ فكان الغبشُ
غيرَ أنّ الشمسَ لم تزلْ غامضة
ولم يختفِ بعدُ القمر
لهذا سارَ وسارَ خلف إشاراتِ النجوم
لا جبلٌ يُرى ولا شعاعُ
أخيرا غيّرَ البوصلة
توقّفَ عند مفترق الأسئلة
وما زال يسأل نفسَهُ

أيُّ طريقٍ إليها
وهل مِنْ هنا للغيوم؟

* القصيدة كتبتْها أصلًا باللغة البولندية، وهذه ترجمتها.
(يابوونّا/ 13/ 7/ 2019).



مرثية اللحاء

أناديكَ من عمق الحياة
من فوَرانها، حيرتها، حسْرتِها ولُبّها الأبيض
أناديك من غصنٍ يتدلى تحت وطأة المطر
من ثمار روحي على التُرْبِ ساقطةً
من تسريحتي التي عبثتْ بها الريحُ
يا مطلعَ الشمس والطير والعاصفة
أناديك كي أقول وداعًا
أيها اللحاء الشقيّ
يا حارسَ الربيع في عزّ الزوال.


(برمنغهام/ 23/ 1/ 2020).



شُكْر

شكرًا أيتها الغابة
السهول التي تُشْبهُ روحي في تَشَعّبها
شكرًا أيتها الجبالُ على تحمّل الأرزاء
وما ترين قبل سواك من الرؤى
ولكِ يا رمالَ الشرق على محبة المطر
وأسلاكَ الكهرباء على الصمود
ولكم أطفالَ الشْرقِ على تحمّل ذنوب آبائكم
وأنتنّ ـ أيتها النساءُ ـ على سِتْرِ عورات رجالكن
شكرًا أيتها النخلة يا ذاتَ الرايةِ المنكسة
حزنًا على بلاد تضيع في مزابل الذكرى
شكرًا للزهور لوقوفها على الحياد
وللرياح تقتفي الأثر
شكرًا يا شوارعُ على تحَمّلِ هذا القدْرِ من الأحذية
وسماعِ الكلمات الفارغة
شكرًا أيتها الشمسُ وأنتِ تسهرين
ويا مقابر على تَحَمّل هذا الكمِّ من الموتى
ولك أيها الدودُ لتجنّب الزحف
على ما تبقّى من الجسد العراقي العليل
ويا كوابيسًا أكثرَ رأفةً من السياسيين
ويا طيورًا لتلوينِ سماءٍ عافَها اللهُ،
خانَها أهلُها والأنبياءُ
شكرًا لأضرحةِ الأولياء والقديسين
على تَحَمّلِ هَلْوَسَة الناس وبلادتهم
شكرًا أيتها الكلماتُ التي لمْ تَخُنِّي،
والمُخيّلةُ التي لم تنْضبْ،
ومنفى لم يَقْضمْني بعدُ.
شكرًا لما تبَقّى من أصدقاء
رغم المُغريات
وللنهرين النازفين
بالثبات
على قيد الحياة
شكرًا أيها الموتُ
تَأخّرْتَ كثيرًا.

(وارسو/ 26/ 1/ 2013).