Print
فتحي عبد الله

المثقفون المصريون والصراع السياسي

9 يناير 2017
آراء
   

لم يشكل المثقفون في مصر، في أي حقبة تاريخية، جماعة ضغط على الهيئة الحاكمة إلا في استثناءات قليلة كانت تنتهي دائما بتدمير العناصر الراديكالية سواء بالقتل أو الاعتقال أو التهميش، بينما يندمج الإصلاحيون في السياق بشروط تحقق لهم بعض المصالح، سواء المعنوية أو المادية مثل المفكر محمود أمين العالم، في حقبة عبد الناصر، إذ خرج من السجن ليدير جريدة "الأخبار"، أو الهيئة العامة للمسرح ويمارس عنفاً أشد على صناع الرأي العام بينما قتل شهدي عطية وتم اعتقال ابراهيم فتحي وصنع الله ابراهيم، وغيرهم من كل التيارات وتعرضوا لجميع أنواع التعذيب . فيهرب سمير أمين وأنور عبد الملك إلى أوروبا، لعدم قدرتهما على المواجهه، وربما اختارا الطريق السليم، فقد أصبح سمير أمين أحد أكبر المفكرين الاقتصاديين في العالم، فهو صاحب نظرية " المركز والأطراف " في الصراع الدولي، بينما أسس أنور عبد الملك مشروعه عن الهوية الإسلامية في الشرق الأوسط، بما فيه من تناقضات.

وربما تكون حقبة عبد الناصر من الحقب التي كانت تدرك أهمية الثقافة في إدارة المجتمعات، فيما تعاملت الحقب التاليه مع الثقافة باعتبارها من أدوات السيطرة والهيمنة على المجتمع، وتحول المثقفون إلى خبراء فنيين يديرون مجال "صناعة الرأي" لصالح السلطة الحاكمة، وكان من أبرز الذين لعبوا هذا الدور من شعراء "جيل الستينيات" أحمد عبد المعطي حجازي، فاروق شوشه، محمد ابراهيم أبو سنه، وفي السرد أبرزهم بهاء طاهر، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، وعندما لم يتطابق بهاء طاهر مع توجه السادات أرسله للعمل في الأمم المتحدة.

وقد تحول المثقفون في حقبة السادات إلى جزء من الأجهزة السيادية التي تحاول ضبط الجماعة الثقافية، فاضطر بعض الفاعلين فيها إلى الهجرة إلى دول الخليج لكي لا يتعرضوا للاعتقال أو التهميش، أو الخضوع الكامل لآليات الدولة ذات التوجه العنصري ولمقاومة الانفصال عن الثقافة العربية.

واستمر هذا الوضع في حقبة مبارك وإن اعتمد التهميش أداة أولى وفاعلة في التخلص من الراديكاليين، ولم يعتقل إلا الشاعر عفيفي مطر، وبعض المثقفين الاشتراكيين ذوي التوجه التروتسكي أو الفوضوي، بينما تحول الإصلاحيون إلى "حراس" على مصالح الدولة في الداخل أو الخارج. 
وفي ثورة " 25 يناير"، وما بعدها، وقف كثير من المثقفين مع الثورة المضادة ومع دولة الاستبداد والهيمنة، بل مع الطغمة العسكرية بشكل واضح وصريح، مما عرض السياق الثقافي لأزمة شديدة إذ سيطر على جميع المؤسسات، صغار المثقفين الذين لا يمتلكون خبرات ثقافية أو ادارية وتم تشويه، وتهميش، أصحاب المواقف الراديكالية في مجالات صناعة الرأي والإبداع، بل تم تخليق بعض الرموز التي تتوافق مع اللحظة الراهنة وتعمل على إحياء العنصرية المصرية تجاه العرب والثقافة الإسلامية. وبرزت، في هذا السياق، بعض الأعمال التي تعتبر أرض مصر ملكا للمصريين واليهود ولا وجود للعرب فيها ولا أثر، وعليهم أن يتركوا مصر حتى تسترد هويتها المفقودة. وتم الدفع بأحد الشعراء ليكرس وحدة الأصل الثقافي بين اليهود ومصر في نصوص شعرية كثيرة ربما تجاوزت أربع مجموعات شعرية.

وهناك تيار ثقافي يسعى إلى تكريس العنصرية، لا لأسباب اقتصادية أو اجتماعية وإنما لأسباب تعلي من قيمة بعض مؤسسات الدولة بينما تتحول بقية المؤسسات إلى أدوار خدمية لتكريس هذا الوضع، وقد لعب المثقفون دوراً كبيراً في صناعة هذا الزيف سواء بالرؤية المختلة والمصنوعة دون إرادة منهم، أو الكتابة في أشكال كثيرة تدعي العقلانية أحياناً، والتقدم أحياناً أخرى، بالرغم من أنهم يدركون أنهم أمام طغمة جديدة.



*شاعر من مصر