Print
حكيم عنكر

أدب عربي مترجم... هل من معنى آخر؟

21 مارس 2017
آراء

لا يتوفر المتابع ولا المهتم بحياة الأدب العربي مترجمًا إلى لغات أخرى على خارطة طريق تمكنه من معرفة الشكل الذي صار عليه هذا الأدب، أكان شعرًا أو قصة أو رواية، وهل اكتسب معنى آخر لوجوده وهو يقع بين أيدي قراء لم يكتب لهم في أول النشوء والتكوين.

ما يوجد في المحصّلة هو بعض الملاحظات المتفرقة أو العابرة هنا أو هناك، عن هذا الأديب أو ذاك، أو لدى هذا الشاعر أو الروائي. ملاحظات لا تتجاوز الاحتفاء العابر، أو الاستخدام المسيء، أو الاستعمال لأغراض أخرى خارج أدبية.

فحينما صدرت رواية "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري، مترجمة إلى اللغة الإنجليزية من طرف الكاتب الأميركي بول بولز، لفتت إليها الأنظار، ليس لجمالية في سردها، ولكن لجرأتها ولصورة مناخ مغربي تقدمه للقارئ الأجنبي الذي يبحث عن المنتج "الإيكزوتيكي". كانت الغرائبية قد أصبحت مثل كنز يبحث عنه الجميع ولا يجده في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وبسبب هجمة التصنيع والتسليع والتشييء التي زحفت على مناحي حياة الإنسان الأوروبي،  استيقظ نوع من الحنين إلى هذا البدائي المحتفظ بصفائه والذي لا يزال  كنزًا ثمينًا في بعض المستعمرات القديمة.

هكذا، حمل عدد من الكتاب والفضوليين و"المخبرين" والصحافيين، حقائب الظهر، وشدوا الرحال إلى إفريقيا والجزر باحثين عن حكايات وأثر عيش الإنسان الأول، مهتدين بفتوحات الأنتروبولوجيا الاجتماعية في القرن التاسع عشر التي بحثت في "النّيء والمطبوخ".

حينما ترجم بولز رواية شكري، أو فصولها تباعًا، لم يكن همه أن يقدم أدبًا كبيرًا إلى القارئ الأميركي، لكنه أراد تغذية فضول نوع من القراء تجاه عالم ينتمي بالنسبة إليهم إلى البدائي وقبل "المتحضر".

ولمّا ترجم الطاهر بنجلون نفس الرواية إلى الفرنسية لاقت الفضول من قبل الصحافة الفرنسية التي هللت لها وقدّمت محمد شكري ككاتب ثائر وخارج الأعراف.

شكري كان واعيًا تمامًا للمطب الذي وضعته فيه روايته "الخبز الحافي" وقد حاول جاهدًا طوال حياته الأدبية تفسير ذلك للقراء الأجانب، وعمل كل ما في وسعه لتجاوز لعنة هذه الرواية التي ارتبطت به وارتبط بها.

في أحد اللقاءات في باريس، سعى شكري جاهدًا إلى شرح الأمر لمحاوريه، حين تركزت جل المداخلات حول علاقته بوالده، وما إذا كان في ذلك قتل للأب بالمعنى الفرويدي. ظل شكري طيلة اللقاء يؤكد على خلاف ما يريدون "تلبيسه" إياه، وهو يتحدث عن والده. فالمشاعر المعبّر عنها في الرواية، هي مشاعر ذلك الطفل الذي كانه، وليس هو الآن وقد كبر واتّضحت أمامه التفاصيل، وأدرك أن العامل الاقتصادي والفقر الذي كان يهيمن على طفولته وجيله، هو الذي أنتج كل ذلك البؤس والانحراف، وهو الذي جعل والده في لحظة غضب يطبق على عنق أخيه الصغير حتى فاضت روحه.

ربما هذا هو شأن الكثير من النصوص التي جرى انتقاؤها لترجمات موجهة، أو على الأقل بعضها. لا تغيب هنا رواية كاتب عربي آخر هو الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" وكيف اشتغل عليها النقد الغربي، أو أعمال نجيب محفوظ أو المنتخبات من الشعر والقصة التي نقلت إلى الفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية أو الإيطالية.

ويحدث ذلك في غياب مقدرة على مراقبة حياة النصوص الأدبية العربية في اللغات الأخرى، وما إذا كانت تصل إلى قراء معينين: طلبة ودارسون ونقاد أم أنها موجهة للعامة، وما هو حجم انتشارها الجغرافي، أو أعداد النسخ التي طبعت أو بيعت منها، على الأقل خلال العشرين سنة الأخيرة.

لا نعلم حق العلم كل ذلك، وليس بيد المتابع العربي ما يكفي من المعطيات، حتى يمكن الاطمئنان إلى حديث صريح عن أدب عربي مترجم إلى اللغات الحية الأخرى.

 قد يكون مسار اللوحة التشكيلية العربية أوضح ربما، فهي على الأقل موجودة في المتاحف والمجموعات الخاصة ودور العرض، وخطاطة "سفرها" يسيرة التتبع.