Print
محمد جميل خضر

عن المونديالات والديربيات.. السحر المخزّن داخل "المستديرات الساحرات"

14 مايو 2022
آراء

لا يعدله أيُّ هَوَس، ذلك المتعلق بكرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية على امتداد المعمورة. هوسٌ تدخل فيه ثقافات الشعوب، ويمدّه المخيال الشعبي بما يحتاجه من هتافات، ويعزز حماسته من تفتقات.
ونحن على أبواب مونديال قطر 2022، فإن التأمّل يأخذنا نحو أجواء لا تشبه غيرها، عندما تجتمع شعوب من قارات العالم جميعها، كل شعب منها يحاول أن يعرض في الكرنفال الأمميّ الذي يحلّ كل أربعة أعوام مرّة، ويتواصل على امتداد شهر كامل، خصوصياته وعاداته ورقصاته وأشكال شغفه.

الكرة المعتمدة من الفيفا في مونديال قطر 2022 


وكما تتجلى الموسيقى بوصفها لغة عالمية لا تحتاج إلى مفردات الكلام المنطوق، وكما تفعل الرياضيات، كذلك تفعل المستديرة الفاتنة كرة القدم، فتلك الكرة التي لا يزيد وزنها بأي حال من الأحوال، على 450 غرامًا، أي أقل من نصف كيلو غرام، ويركض على ركضها 22 لاعبًا داخل حدود الملعب، ويتابع هذا الركض آلاف الجالسين في المدرجات، وملايين المتجمعين من أجلها إما في البيوت، أو المقاهي، أو حتى في بعض المباريات في الساحات العامة والشوارع، توحّد لغات الشعوب، صانعةً سحرًا لا يشبه غيره، وفاتحةً أبوابَ شغف لا حدود له، ولا قوانين تحكم تجلياته.




يجتمعون فإذا بهم سرعان ما يتفاهمون، فلغة التنافس المحتدم تنطقها عيونهم وحركاتهم، وكل نأمة تبدر منهم. وأما الدولة التي تستضيف واحدًا من نهائيات كأس العالم لكرة القدم، فما تلبث معظم مدنها، خصوصًا تلك التي تتضمّن ملعبًا من ملاعب البطولة، أن تتحوّل أجواءها إلى عرسِ فرحٍ بهيج.
وعند ذِكْر كأس العالم يتبادر للذهن مباشرة كأس العالم للعبة كرة القدم، رغم وجود نهائيات كأس عالم في ألعاب عديدة أخرى، مثل: الكريكيت (رجال ونساء)، الرغبي، ألعاب القوى، باندي (رجال ونساء)، الريشة، القاعدة Baseball (رجال ونساء)، السلة (رجال ونساء)، الشطرنج، الخيل، الهوكي، والتنس الأرضي.
ولعل اختزال نهائيات كأس العالم بمفردة مونديال mondial الفرنسية التي تعني أمميّ، أو عالميّ، مع ترجيحي المعنى الأول: أمميّ، يلخّص كل شيء، يضعنا في دائرة مقاربات مدى الأهمية الأممية لتلك البطولة عن باقي البطولات الرياضية. فأي بطولة دولية لكرة القدم هي بطولة العالم أجمع: championnat mondial، ثم مع الأيام، وللتسهيل والاختصار، شطبت مفردة championnat، وبقيت مفردة مونديال mondial.

 
ألوان الشغف



بعدد ألوان (فانيلات) اللاعبين في الملاعب، وتنوّع درجاتها، وتباين دلالاتها، يتعدد شغف كرة القدم، وتتنوّع أشكال التعبير عنه، وتتكاثر، في مساحة التأويل، دلالاته.
بلغة الأرقام، يُقدّر عدد متابعي كرة القدم عبر العالم بحوالي أربعة مليارات شخص. ولعلّ في هول الرقم ما يغني عن حديث طويل حول مدى السحر المخزّن داخل هذه المستديرة التي كانت تُصنع من الجلد فقط، قبل أن تصبح صناعتها هذه الأيام أكثر تعقيدًا، تدخل فيها مواد وحسابات وتقنيات، وصولًا إلى تضمينها شريحة ذكية.




هو ليس اسم مسلسل كرتونيّ فقط (ثمة مسلسل كرتونيّ يحمل اسم "شغف كرة القدم")، بل هو شغف متعدد الدوافع بقدر ما هو لا نهائي الألوان؛ مرتبطٌ بالانتماء وتجليات معنى هذا الانتماء من ثقافةٍ إلى أخرى، مقرونٌ بالمتعة، مرتهنٌ لِحجم التوقعات، متوارٍ خلف ميكانيزمات التحدي، متعانقٌ مع مفاهيم الفرجة في بعديْها (الفرجة) الشعبيّ والنخبويّ، مأسورٌ لِمعاني الجمال وآليات التفاعل معه حركيًّا وبصريًّا، متعلّقٌ بأبهى أشكال الإثارة. وعند الحديث عن الإثارة، فإن ثمة مصطلحًا كرويًّا يعرفه جيدًا متابعو اللعبة وعشّاقها، إنه مصطلح (الريمونتادا) الذي قد تصعب ترجمته بمفردة عربية واحدة، مثل "العودة"، على سبيل المثال، ومعناه، باختصار، تحويل فريق تعرّض لخسارة كبيرة في مباراة الذهاب إلى فوز في مباراة الإياب، كفيل بتأهله هو، وليس منافسه الذي فاز في الذهاب. في هذا السياق، تشكّل مباراتا الذهاب والإياب بين فريقي برشلونة الإسبانيّ، وباريس سان جيرمان الفرنسي، في دوري أبطال أوروبا عام 2017، مثالًا صاخبًا واستثنائيًا للمصطلح الآتي من كلمة إسبانية La Remontada، عندما حوّل فريق برشلونة خسارته بأربعة أهداف من دون مقابل على ملعب "حديقة الأمراء" في باريس إلى فوز كاسح بستة أهداف مقابل هدف واحد في مباراة الإياب على ملعب الكامب نو الخاص بنادي برشلونة الكتالونيّ. في المباراة الثانية، وصلت الإثارة ذرى غير مسبوقة، حبست أنفاس الجميع، وفجّرت أفراحًا كبرى لمن حقق الريمونتادا وجمهوره ومناصريه الذين لا يقتصرون على أبناء مدينة برشلونة فقط، بل ينتشرون في كل أصقاع الدنيا، وتسببت في أحزانٍ لا توصف لفريق عاصمة النور وجمهوره ومناصريه.

دروغبا قاد عبر كرة القدم دروب السلام في بلاده ساحل العاج




في مباريات بعينها، يتسبب الشغف بخلوّ الشوارع من المارّة، وقد يؤدي، حين يتحوّل إلى هوس، إلى حالات طلاق، ويكون سبب حروب، كما حدث بين دولتي السلفادور وهندوراس (وكلتاهما من دول أميركا الجنوبية) عام 1969، عندما اندلعت حرب استغرقت أربعة أيام، وراح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف أغلبهم من المدنيين الهندوراسيين. وما يزال كثيرون يتذكرون هذا النزاع باسم "حرب الكرة". صحيح أن أبعادًا إقطاعية وسياسية واقتصادية شكّلت أسبابًا باطنية لتلك الحرب المؤسفة، لكن شرارتها كانت خسارة الهندوراس بهدف قاتل في الوقت الإضافيّ، وقيام حكومة الهندوراس، بعد المباراة بيومٍ أو يوميْن، وكإجراء انتقاميّ بعد خسارة منتخبهم، بطرد آلاف المهاجرين السلفادوريين الباحثين في الهندوراس عن فرص حياة أفضل، وعن أراض يمكن لهم أن يفلحوها. فما كان من حكومة السلفادور إلا أن أمرت قواتها، وتحديدًا في يوم 14 يوليو/ تموز 1969 بغزو هندوراس، وشن غارات جوية ضدها.




بعد مرور 50 عامًا على تلك المباراة، وتحديدًا في عام 2019، وفي حديث لقناة (بي بي سي) عربي، يقول اللاعب موريشيو "بيبو" رودريغيز صاحب هدف الفوز إياه: "شعرنا أن علينا واجبًا وطنيًا هو الفوز من أجل السلفادور. كنا نخشى الخسارة بسبب تلك الظروف. كانت الخسارة تعني عارًا أبديًّا. ما لم ندركه أن ذلك الفوز، وذلك الهدف، سيكون رمزًا للحرب". ويضيف: "يرى الناس أن الهدف أشعل الحرب، في الواقع كانت الحرب ستندلع بالهدف أو من دونه".

اختار الجنود الألمان والإنكليز في عام 1914 كرة القدم كبديل عن الحرب


وكما قد يتحوّل شغف كرة القدم إلى مآسٍ، فإنه، وفي حالة بعينها، تحوّل إلى لحظة تسامح كبرى، بحسب الكاتب حسام سليمان، في مقال نشره له موقع "أراجيك" بتاريخ 20 يونيو/ حزيران 2020: "في وقت متأخر من ليلة عيد الميلاد عام 1914، وفي خِضم الحرب العالمية الأولى، وبينما كانت كل جبهة تعدّ العدة لمعركة جديدة، وضحايا آخرين، ودمار إضافي، قررت مجموعة من الجنود الألمان التقدم لمقابلة الإنكليز، ولكن هذه المرة بالأغاني وترانيم العيد، وليس بالأسلحة، تصافح الطرفان، وتبادلا الهدايا، وقررا نسيان الحرب القائمة، وخاضا مباراة كرة قدم".
في السياق نفسه، استغل نجم ساحل العاج، ديديه دروغبا، تأهل بلاده عام 2005، لأول مرة في تاريخ ساحل العاج، إلى مونديال 2006، ملتقطًا اللحظة المفعمة بالمعاني الوجدانية، التي جاءت بعد مخاض عسير، وألقى خطابًا من أجل إيقاف الحرب الأهلية التي كانت مستمرة في بلاده منذ ثلاث سنوات. وفعلًا، كان وقع خطابه أقوى من صوت الرصاص، فبعد هذا الخطاب، جلس المتنازعون على طاولة الحوار، ووقعوا اتفاقية وقف إطلاق نار.
في الحديث عن الشغف، وتحديدًا الشغف الإنكليزي المستعر، يوجد في بريطانيا متحف خاص لكرة القدم، هو المتحف الوطني لكرة القدم National Football Museum الموجود في مدينة مانشستر. متحف لكرة القدم فقط، تخيلوا يا رعاكم الله، وهو يُعَدُّ من المَعالِم المهمة في المدينة.

 
لعبة تشبهنا

في البرازيل لعبة تشبه الناس


لسان حال الناس البسطاء، الطالعين من شوارع الفقر في البرازيل وأفريقيا وآسيا، الغارقين في وحل الواقع وطين الشتاء، يقول إنها لعبة تشبهنا. لا تحتاج تجهيزات معقدة، ولا مستلزمات مكلفة. حتى إن كثيرًا منهم كان يصنعها من الأقمشة البالية، ومن جوارب الصوف، وغير ذلك. وفي مصر، على سبيل المثال، هناك ما يعرف باسم "الكرة الشراب"، وهي كرة مصنوعة من الجوارب القديمة المحشوة بعدد من الخرق واللفافات، وما إلى ذلك. أما المصطلح نفسه، فقد أصبح يرتبط بمختلف أشكال التنافس الشعبي في برّ مصر وصعيدها وأحيائها الشعبية.

"الكرة الشراب" كرة بسطاء الأرض وفقرائها




ولـ"الكرة الشراب" في مصر جمهورها وشعبيتها وبطولاتها وقصصها وحكاياتها، حتى أن اللاعب المصري الشهير، الكابتن محمود الخطيب، يقول في مقابلةٍ إن الكرة الشراب كانت مرحلة لا بد منها لكل لاعب كرة قدم في مصر قبل الانتقال للكرة الحقيقية والاحتراف والشهرة، وأنه، شخصيًّا، قضى معها ردحًا من الزمن.
والحقيقة أن أشهر لاعبي كرة القدم في البرازيل، ممن حققوا شهرة عالمية كاسحة، أمثال بيليه (الجوهرة السوداء)، ونيمار، وزيكو وغيرهم، خرجوا من أفقر أحياء البرازيل، ومن العشوائيات المنتشرة في كل مكان هناك. في البرازيل، يزاحم عشق كرة القدم ما يمر في الرئتين من هواءٍ، هناك فقط، ترى وسط تكدُّس مئات المنازل الصغيرة، مساحة كبيرة لإنشاء ملعبٍ كرة القدم، وداخل تلك الملاعب تداعب كرة القدم الجميع؛ الفتيات يزاحمن الصبية في اللعب، والصغار يطمحون في إحراز انتصارٍ على الكبار.
تملك كرة القدم هذه الميزة: إنها لعبة تشبهنا. تبوح بفرح قد نفشل بقطف مباهجه من مصادر أخرى. تداعب أحلام صغار يملأون أشجان الأرض في عوالمها المنسية، أن يصبحوا مشاهير أغنياء منعّمين، كل ما يحتاجونه الموهبة والفرصة، ومتعهد لاعبين يملك عينًا ثالثة.

 
أسماء وتمائم..

"لعّيب"- الشخصية التميمة لمونديال قطر 2022 


في كرة القدم أسماء ومسميّات كثيرة تحظى بدلالات وأبعاد ومعطيات.
ومن هذه المسميّات كلمة (ديربي)، وهي مفردة متعلقة بالمباريات التي تقام بين نادييْن من مدينة واحدة في بلدهما؛ ناديا ريال مدريد، وأتلتيكو مدريد، على سبيل المثال، حيث كلاهما من العاصمة مدريد؛ ليفربول، وإيفرتون، وكلاهما من مدينة ليفربول؛ الأهلي والزمالك، وكلاهما من أندية القاهرة. بعض مباريات (الديربي) تحمل اسمًا آخر هو (الكلاسيكو)، والواضح من معنى المفردة الإسبانية الأصل أن المقصود هنا هو التنافس التقليديّ التاريخيّ بين ناديين، أو منتخبين؛ ففي حالة الأهلي والزمالك، فإن مبارياتهما هي مباريات ديربي وكلاسيكو في الوقت نفسه. وأي مباراة بين منتخبيّ الأرجنتين والبرازيل هي مباراة كلاسيكو تخضع لمنطق التنافس التقليديّ التاريخيّ المحتدم.
بعض الديربيات تحمل تفاصيلها أبعادًا سياسية، وربما اجتماعية، وربما تاريخية. كما هي الحال، على سبيل المثال، في ديربي ناديي إسبانيول وبرشلونة الكتالونييْن، حيث تختلط الرياضة بالسياسة، بتطلعات المقاطعات الإسبانية، بأحلام الاستقلال، بمن يمثّل الكتالونيين أكثر، وبقصص وحكايات وذكريات، تنفجر بعض احتقاناتها في الملعب، ولا تنتهي، كل مرّة، مع صافرة النهاية. هذا يقال، أيضًا، حول ديربي ناديي العاصمة الأردنية عمّان: الوحدات، والفيصلي، إذ سرعان ما يتأجج الأمر بين جمهوريهما، فإذا بالمباراة تأخذ أبعادًا لها علاقة بغرب النهر وشرقه، وما قد يؤلم في بعض الأحيان.




حتى الكرة التي يقع عليها الاختيار في كل مونديال لها اسم، اسم يحمل دلالات ومرجعيات. في هذا السياق، حملت الكرة التي وقع عليها الاختيار لتكون كرة مونديال 2014، الذي أقيم في البرازيل، اسم (برازوكا)، وهو مصطلح يستخدمه البرازيليون لوصف فخرهم الوطني واعتدادهم بطريقة حياتهم ومعيشتهم، ويعكس، بحسب ما جاء في بيانٍ، وقتها، للفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم)، نهج تعاملهم مع كرة القدم، حيث ترمز المفردة عندهم إلى العاطفة والفخر. أما اسم كرة مونديال عام 2006 فهو (تيغمايست/ Teamgeist، وهي كلمة ألمانية (أقيم مونديال 2006 في ألمانيا) تعني "روح الفريق". أما (جابولاني)، وهو اسم كرة مونديال جنوب أفريقيا في عام 2010، فهي كلمة أفريقية تعني بالعربية "لنحتفل"، أو ربما "هيا نحتفل".
"الرحلة" هي الكرة الرسمية لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي ستقام في قطر. وهي مستوحاة من الهندسة المعمارية العربية، ومن القوارب القطرية. أما ألوانها فمستوحاة من ألوان علم قطر. صُمّمت باستخدام بيانات واختبارات صارمة في معامل شركة "أديداس" الألمانية، في أنفاق الريح، وفوق عشب الملاعب. وتتميز بأعلى مستويات الدقة والموثوقية بفضل تصميمها وقوام سطحها. وبحسب خبراء، تعد "الرحلة" من أسرع كرات كأس العالم عبر التاريخ.
أما تمائم المونديال، فقد بدأت مع مونديال إنكلترا في عام 1966. واختار الإنكليز الأسد "ويلي" الذي صممه رسّام كتب الأطفال، ريج هوي، بوصف التميمة رمزًا نموذجيًا للشخصية الإنكليزية، مرتديًا علم المملكة المتحدة مع كلمة كأس العالم.
في مونديال المكسيك 1970، حملت التميمة اسم (خوانيتو)، وهو تصغير اسم خوان الشائع جدًا في الدول الناطقة باللغة الإسبانية. صبيٌّ ظريف يعتمر القبعة المكسيكية، ويضع تحت إحدى قدميه كرة قدم، ويبتسم. المكسيك استضافت المونديال مرّة ثانية عام 1986، وهذه المرّة كانت تميمتها (بيكي)، على شكل فلفل حار، مع شارب لافت طويل. بيكي يرتدي قبعة سومبريرو. وهكذا الأمر دواليك، في كل مونديال تميمة تعكس جزءًا من ثقافة الدولة المستضيفة وقيمها وعاداتها، وصولًا إلى مونديال قطر الذي اختارت الدولة المستضيفة له تميمة "لعّيب"، وهو طفلٌ محلّق في الهواء، مفعم بالحماسة والشغف، يرتدي زيًّا عربيًّا، على رأسه حطّة وعقال، وأمامه كرةٌ تحلّق مع تحليقه.
وتشير قصة التعويذة إلى أن "لعّيب" جاء من العالم الموازي الذي يجمع تعويذات البطولات السابقة، وهو عالم افتراضي يرتكز على الأفكار والإبداعات، حيث تنشأ تلك الشخصيات في عقول المبدعين لتتحول بعدها إلى تعويذات مبتكرة.
وبإمكان "لعّيب"، الذي يحمل صفات الشجاعة والإلهام، كسر حواجز الزمان والمكان، للانتقال من مكان إلى آخر حول العالم.

 
فنون وجنون..

من معرض المونديال في الدوحة


في المونديالات رقص، وفيها سامبا، وسالسا، وتانغو، وهتافات خالدة، فيها فنٌّ تشكيليّ بحسب ما يخبرنا معرضٌ أقيم نهاية العام الماضي في الدوحة بتنظيم من المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)، وضم المعرض لوحات لفنانين محليين وعالميين جسدت الأجواء الحماسية لآخر خمسة مونديالات في عالم كرة القدم، إلى جانب لوحات صورت أجواء المنافسات المحتدمة في المباريات النهائية، عاكسة لحظات الفرح بالانتصار، أو خيبة الأمل جراء الهزيمة، سواء بالنسبة للاعبين في الميدان، أو الجمهور في المدرجات. كما عكست بعض لوحاته حضارات الشعوب خلال هوسها بكرة القدم، وثقافة تعبيرها عن ذلك.
وفي المونديالات مشجعون يخرجون عن المألوف، فإذا بتونسيٍّ، على سبيل المثال، يصبح شخصية مشهورة بزيّه الشعبي التراثي المضاف إليه بعض لمساته، فإذا به زي غريب عجيب، وطاقية بعرض المحيط، وحالة استثنائية من الرغبة في السكن داخل غرف ذاكرة الشعوب وتلوّنات طعمها وعبق الناس فيها. وإذا بأفارقة يقرعون طبول الأجداد ويعيدون وشم كرة القدم بأنات تاريخهم الطويل. وإذا بمعلّق من طراز التونسي عصام الشوالي، يمتعك أكثر مما قد تفعل مباراة بعينها، ويمزج تعليقه بثقافة زاخرة، ومعلومات وافرة، وسجع رشيد. وإذا بصبايا برازيليات يأبين إلا أن يكنّ في لحظة بعينها خلال المباراة محط التحديق والتعليق. شغف وهوس وجنون. انعتاق كليانيٌّ من ألاعيب الساسة والسياسة، وانغماس داخل عوالم لعبة حقيقية، خالية من الضغائن، مشعة بأجواء لا تشبه غيرها، طالعة من قصائد لم يكتبها شعراء اللازورد المنكفئون على أنفسهم وقاموسهم غير المحيط.