ظهرتْ على السّطح مقولاتٌ تغيّر من واقعٍ كان معروفًا طوال قرون، منذ أن وُجدت الألواح والرُّقيمات التي تتحدّث عن اللغة السومريّة والحضارة السومريّة، وعن الشعب السومريّ صاحب الإنجازات الكبرى على البشريّة. هذه المقولات ركّزت على تكذيب وجود السومريّين، وأنّ هناك لغةً سومريّةً وجدتها أقوامٌ أخرى كالأكّاديّين، لتبدو هذه المقولات وكأنّها تحاول إمّا تعديل مسار التاريخ وتصحيح المعلومة التي ظلّت راسخةً في كلّ أنحاء العالم، أو هي محاولةٌ لطمس حضارةٍ سومريّةٍ كاملةٍ، لأغراضٍ قد تكون لها أبعادٌ سياسيّة، كما يقول البعض. ولهذا فإنّ الأمر لا يخلو من الصراع التاريخيّ الذي يشهده العالم في الرجوع إلى أوّليّاته.
فما هي الحقيقة وكيف نصل إليها؟
الأصل والتاريخ
تقول المصادر المتعارف عليها إنّ الحضارة السومريّة من الحضارات القديمة المعروفة في جنوب بلاد الرافدين، وقد عُرف تاريخها من الألواح الطينيّة المدوّنة بالخطّ المسماريّ. وظهر اسم سومر في بداية الألفيّة الثالثة ق. م. في فترة ظهور الحثّيّين، لكنّ بداية السومريّين كانت في الألفيّة السادسة ق. م. حيث استقرّ شعب العبيديّين بجنوب العراق، وشيّدوا المدن السومريّة الرئيسيّة كأور ونيبور ولارسا ولجش وكولاب وكيش وإيسن وإريدو وأداب ودير. واختلط العبيديّون بأهل الشام والجزيرة العربيّة عن طريق الهجرة أو شنّ غارات عليهم. وبعد عام 3250 ق. م. ابتكروا الكتابة على الرقم الطينيّة، وهي مخطوطات ألواح الطين، وظلّت الكتابة السومريّة 2000 عام، لغة الاتصال بين دول الشرق الأوسط في وقتها. وتقول المصادر إنّ كلمة سومر تُطلق على الأراضي التي أُطلق عليها بعد 2000 ق. م. اسم بلاد بابل. وسهل بلاد شنعار، هي أراضي ما بين النهرين. وقد أطلق الإغريق على هذه الأرض اسم (ميزوبوتاميا)، وهي كلمة تعني بلاد ما بين النهرين. ويشكّل أغلبها اليوم جزءًا من دولة العراق الحديثة.
السؤال الخطأ
الباحث العراقيّ نائل حنّون، أحد الذين ركّزوا على أنْ لا وجود لشعبٍ سومريّ، وقد أسهب كثيرًا في الحديث عن عدم وجود شعبٍ سومريّ ويشير بشكلٍ قاطعٍ إلى انعدام وجود السومريّين ودورهم في البناء الحضاريّ، وله بحوثٌ تشكّك بهذا الوجود أغلبها تشير إلى أنْ لا دليل دالًّا على ذلك سوى تداول اللغة السومريّة.
ونائل حنّون، الحاصل على بكالوريوس كليّة الآداب جامعة بغداد عام 1972، والحاصل على شهادة الماجستير في الآثار القديمة من الكليّة ذاتها عام 1976، ثمّ ماجستير آداب في اللغات المسماريّة من جامعة تورنتو الكنديّة عام 1982، وصولًا إلى الدكتوراه، هو عالم وباحث وكاتب وأوّل مترجم للنصوص السومريّة والأكّاديّة إلى العربيّة. له أكثر من 20 مؤلَّفًا في هذا الجانب.
وعدّ حنّون السومريّين بوصفهم السؤال الخطأ والحقيقة المجهولة كما ذهب نحو مخفيّات الوجود السومريّ والصراعات التي عرفها العراق القديم، حيث كان ابتكار الكتابة في بلاد الرافدين القديمة أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. وقد استمرّ توظيف الخطّ المسماريّ في تدوين اللغتين السومريّة والأكّاديّة. بل يشير إلى أنّ هناك لغاتٍ أخرى استعارت الخطّ المسماريّ خلال ما يقارب ثلاثة آلاف عام. لكن بعد فترة طويلة جدًّا، تحوّل الخطّ المسماريّ إلى أحد أسرار الحضارات القديمة على الرغم من أنّه وسيلتها الأولى في التدوين.
ويطرح حنّون في واحدة من المقابلات تساؤلاتٍ مفادها: ما الدليل على أنّهم جاؤوا من خارج بلاد الرافدين. ويشير إلى أنّ مرثيّة بلاد أكّاد ومدينة أور تتألّف من 526 سطرًا، وتُعرف في أوساط المختصّين أنّها مرثيّة لسومر وأور، وهذا خطأ تعمّد صموئيل نوح كريمر نشره لتمرير فكرة وجود السومريّين (الهندو أوروبيّين) وبلاد سومر، رغم عدم ورود ذكر لبلاد سومر باعتبارها إقليمًا جغرافيًّا أو سياسيًّا جنوب بلاد الرافدين.
اليهود والأسس الدينيّة
لكنّ الدكتور خزعل الماجديّ، وهو المتخصّص في ذات الجانب فضلًا عن تخصّصات أخرى، يقول إنّه في أوّل ردّ فعل على اكتشاف يوليوس أوبرت للغة السومريّة والشعب السومريّ التي ظهرت عام 1869 قام جوزيف هاليفي بدوافع عنصريّة دينيّة، فقد كان يهوديًّا، برفض وجود الشعب السومريّ ولغته. ويضيف الماجديّ إنّ هاليفي رأى أنّ اللغة السومريّة هي مجرّد لغةٍ رمزيّةٍ دينيّةٍ اخترعها الكهنة البابليّون لتأسيس علومهم السريّة، وكان يدافع، ضمنًا، عن أنّ حضارات وادي الرافدين قد أسّسها الساميّون فقط والذين يلتقون في أصلهم مع العبريّين واليهود. ويقول: كان من أيسر الأمور دحض نظريّته حين اكتُشفت الآلاف من الرقم السومريّة وهي تحمل تفاصيل الحياة اليوميّة والملاحم والأساطير والشؤون الاقتصاديّة، فرفضها كلّ علماء الآشوريّات. ويعبّر الماجديّ عن استغرابه ومفاجأته ممّا يقوله البروفيسور نائل حنّون حين أعاد الحياة لنظريّة جوزيف هاليفي في كتابه (حقيقة السومريّين ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسماريّة) من منطلق آخر ذي طبيعة كتابيّة لغويّة منطلقًا في ذلك من تاريخ الكتابة في وادي الرافدين ومراحلها. ويشير إلى أنّ حنّون يرى أنّ هناك كتابةً سومريّةً وليست هناك لغةً سومريّة، وبالتالي ليس هناك شعب سومريّ، فالكتابة السومريّة بدأت بالظهور منذ عصر فجر السلالات حوالي 2800 ق. م. ويطرح الماجديّ أسئلةً: متى نشأت أكّاد؟ أليس في عصر سرجون الذي بناها وأسماها أكّاد؟ ألم تكن هناك أسماء لسومر بصيغة كينجي السومريّة؟ ألم يسمّها الساميّون في عصرها سومر؟
وسبق للماجديّ أن أصدر كتابًا حمل عنوان (الحضارة السومريّة) الذي ظهر بطبعتين، وخصّص فصلًا عن موضوع فرضيّات أصل السومريّين، وذكر فيه ما يقرب من 18 فرضيّة، كانت واحدة منها (فرضيّة نفي وجود السومريّين) التي ناقشتْ عالمين آثاريّين ساهما فيها هما: مؤسّس هذه النظريّة جوزيف هاليفي 1869، والدكتور نائل حنّون الذي أحياها عام 2007، معتبرًا أنّ ما قام به جوزيف هاليفي كان ردّة فعلٍ على اكتشاف يوليوس أوبرت للغة السومريّة والشعب السومريّ التي ظهرت عام (1869) وأنّها كانت بدوافع عنصريّةٍ دينيّةٍ كونه كان يهوديًّا، برفض وجود الشعب السومريّ ولغته، معتبرًا ما قام به حنّون هو إلغاء اللغة السومريّة ويشير إلى أنّ ما قدّمه من تفسيرٍ أحدث إرباكًا شديدًا يتناقض مع الكثير من البديهيّات، فاللغة السومريّة حيّة عبر كتابتها لدرجة أنّها كوّنت لهجتين منها، وهي منظّمة بدقّةٍ ورهافة، ويشير إلى أنّ الأكّاديّين لم يكتبوا بلغتهم أثناء وجودهم، وقد وصلتنا النصوص الأدبيّة باللغة السومريّة، وأنّ البابليّين هم من طوّروا الكتابة الأكّاديّة البابليّة.
ويشير إلى أنّ الباحث حنّون انتحل فكرة عدم وجود السومريّين من المستشرق الفرنسيّ اليهوديّ الصهيونيّ (جوزيف هاليفي 1827-1917) الذي كانت فرضيّته مبنيّة على أسس دينيّة وعرقيّة لأنّه خاف من أن يكون هناك شعب سومريّ أسّس حضارات وادي الرافدين وكان يرى أنّ الساميّين فيه وهم الأكّاديّون والبابليّون والآشوريّون والآراميّون هم من أسّس حضارات الرافدين بسبب عنصريّته الساميّة اليهوديّة.
شرائع وإثبات
أمّا الباحث الدكتور حسين الهنداويّ فيرى أنّ السومريّين هم من سكّان دولة سومر، وبالأكّاديّة شوميرو، أي سكّان بلاد القصب، ويرى أنّهم شعبٌ طوّر لغةً خاصّةً وغير ساميّةٍ هي السومريّة التي هي أقدم من الأكّاديّة ومصدر لها في الوقت نفسه. أمّا كشعبٍ بمعنى أصحاب مدنٍ وحضارةٍ ومعبدٍ وملوك، فهم الجماعة الحضاريّة الأقدم لسكّان بلاد ما بين النهرين، الواقعة جنوبيّ بغداد حتى الخليج حسب أقدم المصادر الرصينة، أي أنّهم سكّان هذه البلاد الأصليّون على الأرجح منذ مطلع الألف الخامس قبل الميلاد، ويرى أنّهم لم يأتوا إليها من أيّة بقعةٍ أخرى، قد تكون استقبلت جماعاتٍ قادمةً من جنوبيّ بحر قزوين أو الجزيرة العربيّة وانصهرت معهم. مستدركًا أنّهم لم يتركوا دلائل جليّةً على أصلهم. لكنّه يرى من جهةٍ أخرى أنّ اللغة السومريّة لا تنسب إلى أيّ من اللغات المعروفة، الساميّة، والهندو- أوروبيّة، والصينيّة، واللغات الأفريقيّة وغيرها، كونها لغة مقطعيّة رمزيّة، تقوم الكلمات بدمج مفردتين أو أكثر، وليست اشتقاقيّة كالعربيّة، كما أنّها كانت لغة خاصّة على صعيدي المفردات والنحو ولا يبدو أنّها ذات صلة بأيّ لغة أخرى حيّة أم ميّتة. ويمضي بقوله إنّ السومريّين هم الذين أدخلوا البشريّة في العصور التاريخيّة للمرّة الأولى بالتدوين، حين دوّن الإنسان سجلّ حياته وتعاملاته التجاريّة وتاريخه العامّ والخاصّ وشرائع دوله. فقد تمّ العثور على عدّة شرائع تعود إلى فترة نظام دويلات المدن السومريّة، أي قبل شريعة حمورابي بعدّة قرون، أهمّها شرائع أورنمو، ولبت عشتار، وإيشنونا، وأوركاجينا. وتعدّ شريعة أورنمو التي تتألّف من 31 مادّة أكثرها اكتمالًا بعد شريعة حمورابي، وقد وُجدت مدوّنة على ألواح طينيّة في مدينتي نفّر وأور.
فما هي الحقيقة وكيف نصل إليها؟
الأصل والتاريخ
تقول المصادر المتعارف عليها إنّ الحضارة السومريّة من الحضارات القديمة المعروفة في جنوب بلاد الرافدين، وقد عُرف تاريخها من الألواح الطينيّة المدوّنة بالخطّ المسماريّ. وظهر اسم سومر في بداية الألفيّة الثالثة ق. م. في فترة ظهور الحثّيّين، لكنّ بداية السومريّين كانت في الألفيّة السادسة ق. م. حيث استقرّ شعب العبيديّين بجنوب العراق، وشيّدوا المدن السومريّة الرئيسيّة كأور ونيبور ولارسا ولجش وكولاب وكيش وإيسن وإريدو وأداب ودير. واختلط العبيديّون بأهل الشام والجزيرة العربيّة عن طريق الهجرة أو شنّ غارات عليهم. وبعد عام 3250 ق. م. ابتكروا الكتابة على الرقم الطينيّة، وهي مخطوطات ألواح الطين، وظلّت الكتابة السومريّة 2000 عام، لغة الاتصال بين دول الشرق الأوسط في وقتها. وتقول المصادر إنّ كلمة سومر تُطلق على الأراضي التي أُطلق عليها بعد 2000 ق. م. اسم بلاد بابل. وسهل بلاد شنعار، هي أراضي ما بين النهرين. وقد أطلق الإغريق على هذه الأرض اسم (ميزوبوتاميا)، وهي كلمة تعني بلاد ما بين النهرين. ويشكّل أغلبها اليوم جزءًا من دولة العراق الحديثة.
السؤال الخطأ
الباحث العراقيّ نائل حنّون، أحد الذين ركّزوا على أنْ لا وجود لشعبٍ سومريّ، وقد أسهب كثيرًا في الحديث عن عدم وجود شعبٍ سومريّ ويشير بشكلٍ قاطعٍ إلى انعدام وجود السومريّين ودورهم في البناء الحضاريّ، وله بحوثٌ تشكّك بهذا الوجود أغلبها تشير إلى أنْ لا دليل دالًّا على ذلك سوى تداول اللغة السومريّة.
ونائل حنّون، الحاصل على بكالوريوس كليّة الآداب جامعة بغداد عام 1972، والحاصل على شهادة الماجستير في الآثار القديمة من الكليّة ذاتها عام 1976، ثمّ ماجستير آداب في اللغات المسماريّة من جامعة تورنتو الكنديّة عام 1982، وصولًا إلى الدكتوراه، هو عالم وباحث وكاتب وأوّل مترجم للنصوص السومريّة والأكّاديّة إلى العربيّة. له أكثر من 20 مؤلَّفًا في هذا الجانب.
وعدّ حنّون السومريّين بوصفهم السؤال الخطأ والحقيقة المجهولة كما ذهب نحو مخفيّات الوجود السومريّ والصراعات التي عرفها العراق القديم، حيث كان ابتكار الكتابة في بلاد الرافدين القديمة أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. وقد استمرّ توظيف الخطّ المسماريّ في تدوين اللغتين السومريّة والأكّاديّة. بل يشير إلى أنّ هناك لغاتٍ أخرى استعارت الخطّ المسماريّ خلال ما يقارب ثلاثة آلاف عام. لكن بعد فترة طويلة جدًّا، تحوّل الخطّ المسماريّ إلى أحد أسرار الحضارات القديمة على الرغم من أنّه وسيلتها الأولى في التدوين.
ويطرح حنّون في واحدة من المقابلات تساؤلاتٍ مفادها: ما الدليل على أنّهم جاؤوا من خارج بلاد الرافدين. ويشير إلى أنّ مرثيّة بلاد أكّاد ومدينة أور تتألّف من 526 سطرًا، وتُعرف في أوساط المختصّين أنّها مرثيّة لسومر وأور، وهذا خطأ تعمّد صموئيل نوح كريمر نشره لتمرير فكرة وجود السومريّين (الهندو أوروبيّين) وبلاد سومر، رغم عدم ورود ذكر لبلاد سومر باعتبارها إقليمًا جغرافيًّا أو سياسيًّا جنوب بلاد الرافدين.
اليهود والأسس الدينيّة
لكنّ الدكتور خزعل الماجديّ، وهو المتخصّص في ذات الجانب فضلًا عن تخصّصات أخرى، يقول إنّه في أوّل ردّ فعل على اكتشاف يوليوس أوبرت للغة السومريّة والشعب السومريّ التي ظهرت عام 1869 قام جوزيف هاليفي بدوافع عنصريّة دينيّة، فقد كان يهوديًّا، برفض وجود الشعب السومريّ ولغته. ويضيف الماجديّ إنّ هاليفي رأى أنّ اللغة السومريّة هي مجرّد لغةٍ رمزيّةٍ دينيّةٍ اخترعها الكهنة البابليّون لتأسيس علومهم السريّة، وكان يدافع، ضمنًا، عن أنّ حضارات وادي الرافدين قد أسّسها الساميّون فقط والذين يلتقون في أصلهم مع العبريّين واليهود. ويقول: كان من أيسر الأمور دحض نظريّته حين اكتُشفت الآلاف من الرقم السومريّة وهي تحمل تفاصيل الحياة اليوميّة والملاحم والأساطير والشؤون الاقتصاديّة، فرفضها كلّ علماء الآشوريّات. ويعبّر الماجديّ عن استغرابه ومفاجأته ممّا يقوله البروفيسور نائل حنّون حين أعاد الحياة لنظريّة جوزيف هاليفي في كتابه (حقيقة السومريّين ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسماريّة) من منطلق آخر ذي طبيعة كتابيّة لغويّة منطلقًا في ذلك من تاريخ الكتابة في وادي الرافدين ومراحلها. ويشير إلى أنّ حنّون يرى أنّ هناك كتابةً سومريّةً وليست هناك لغةً سومريّة، وبالتالي ليس هناك شعب سومريّ، فالكتابة السومريّة بدأت بالظهور منذ عصر فجر السلالات حوالي 2800 ق. م. ويطرح الماجديّ أسئلةً: متى نشأت أكّاد؟ أليس في عصر سرجون الذي بناها وأسماها أكّاد؟ ألم تكن هناك أسماء لسومر بصيغة كينجي السومريّة؟ ألم يسمّها الساميّون في عصرها سومر؟
وسبق للماجديّ أن أصدر كتابًا حمل عنوان (الحضارة السومريّة) الذي ظهر بطبعتين، وخصّص فصلًا عن موضوع فرضيّات أصل السومريّين، وذكر فيه ما يقرب من 18 فرضيّة، كانت واحدة منها (فرضيّة نفي وجود السومريّين) التي ناقشتْ عالمين آثاريّين ساهما فيها هما: مؤسّس هذه النظريّة جوزيف هاليفي 1869، والدكتور نائل حنّون الذي أحياها عام 2007، معتبرًا أنّ ما قام به جوزيف هاليفي كان ردّة فعلٍ على اكتشاف يوليوس أوبرت للغة السومريّة والشعب السومريّ التي ظهرت عام (1869) وأنّها كانت بدوافع عنصريّةٍ دينيّةٍ كونه كان يهوديًّا، برفض وجود الشعب السومريّ ولغته، معتبرًا ما قام به حنّون هو إلغاء اللغة السومريّة ويشير إلى أنّ ما قدّمه من تفسيرٍ أحدث إرباكًا شديدًا يتناقض مع الكثير من البديهيّات، فاللغة السومريّة حيّة عبر كتابتها لدرجة أنّها كوّنت لهجتين منها، وهي منظّمة بدقّةٍ ورهافة، ويشير إلى أنّ الأكّاديّين لم يكتبوا بلغتهم أثناء وجودهم، وقد وصلتنا النصوص الأدبيّة باللغة السومريّة، وأنّ البابليّين هم من طوّروا الكتابة الأكّاديّة البابليّة.
ويشير إلى أنّ الباحث حنّون انتحل فكرة عدم وجود السومريّين من المستشرق الفرنسيّ اليهوديّ الصهيونيّ (جوزيف هاليفي 1827-1917) الذي كانت فرضيّته مبنيّة على أسس دينيّة وعرقيّة لأنّه خاف من أن يكون هناك شعب سومريّ أسّس حضارات وادي الرافدين وكان يرى أنّ الساميّين فيه وهم الأكّاديّون والبابليّون والآشوريّون والآراميّون هم من أسّس حضارات الرافدين بسبب عنصريّته الساميّة اليهوديّة.
شرائع وإثبات
أمّا الباحث الدكتور حسين الهنداويّ فيرى أنّ السومريّين هم من سكّان دولة سومر، وبالأكّاديّة شوميرو، أي سكّان بلاد القصب، ويرى أنّهم شعبٌ طوّر لغةً خاصّةً وغير ساميّةٍ هي السومريّة التي هي أقدم من الأكّاديّة ومصدر لها في الوقت نفسه. أمّا كشعبٍ بمعنى أصحاب مدنٍ وحضارةٍ ومعبدٍ وملوك، فهم الجماعة الحضاريّة الأقدم لسكّان بلاد ما بين النهرين، الواقعة جنوبيّ بغداد حتى الخليج حسب أقدم المصادر الرصينة، أي أنّهم سكّان هذه البلاد الأصليّون على الأرجح منذ مطلع الألف الخامس قبل الميلاد، ويرى أنّهم لم يأتوا إليها من أيّة بقعةٍ أخرى، قد تكون استقبلت جماعاتٍ قادمةً من جنوبيّ بحر قزوين أو الجزيرة العربيّة وانصهرت معهم. مستدركًا أنّهم لم يتركوا دلائل جليّةً على أصلهم. لكنّه يرى من جهةٍ أخرى أنّ اللغة السومريّة لا تنسب إلى أيّ من اللغات المعروفة، الساميّة، والهندو- أوروبيّة، والصينيّة، واللغات الأفريقيّة وغيرها، كونها لغة مقطعيّة رمزيّة، تقوم الكلمات بدمج مفردتين أو أكثر، وليست اشتقاقيّة كالعربيّة، كما أنّها كانت لغة خاصّة على صعيدي المفردات والنحو ولا يبدو أنّها ذات صلة بأيّ لغة أخرى حيّة أم ميّتة. ويمضي بقوله إنّ السومريّين هم الذين أدخلوا البشريّة في العصور التاريخيّة للمرّة الأولى بالتدوين، حين دوّن الإنسان سجلّ حياته وتعاملاته التجاريّة وتاريخه العامّ والخاصّ وشرائع دوله. فقد تمّ العثور على عدّة شرائع تعود إلى فترة نظام دويلات المدن السومريّة، أي قبل شريعة حمورابي بعدّة قرون، أهمّها شرائع أورنمو، ولبت عشتار، وإيشنونا، وأوركاجينا. وتعدّ شريعة أورنمو التي تتألّف من 31 مادّة أكثرها اكتمالًا بعد شريعة حمورابي، وقد وُجدت مدوّنة على ألواح طينيّة في مدينتي نفّر وأور.