Print
إسكندر حبش

قراءة أخرى لكاداريه: الانشقاق... البلقان... فلسطين

23 يوليه 2024
آراء



منذ روايته الأولى "جنرال الجيش الميت" [1] التي صدرت في عام 1963 أفرد الروائي الألباني (الحاصل على الجنسية الفرنسية) إسماعيل كاداريه مكانة له على خارطة الرواية في العالم. صحيح أن روايته هذه، وكما يقول هو نفسه، لم تلقَ صدى إيجابيًا حين صدورها في بلاده، "لأسباب سياسية كثيرة"، إلا أن ترجمتها إلى الفرنسية في عام 1970 لفتت أنظار الأوروبيين لها، مثلها مثل روايته الثانية "الوحش" [2]، ليصبح بالتالي، طفل الثقافة الفرنسية المدلل، حيث حظي باهتمام واسع من النقاد، كما من الجمهور، لدرجة أن كتبه كلها تُرجمت إلى لغة موليير وكتبت عنه العديد من المؤلفات، ليمنحه الرئيس الفرنسي ماكرون وسام الاستحقاق قبل سنوات. (والجدير ذكره أن العديد من رواياته تُرجمت إلى العربية، كما أن عبد اللطيف الأرناؤوط، أصدر كتابًا عنه، يستحق القراءة، بعنوان "إسماعيل كاداريه، شاعرًا- روائيًا من ألبانيا، تأملات في أعماله المترجمة إلى العربية") [3].

في أي حال، لا أحاول في هذه المقالة، الدخول إلى عالم كاداريه الأدبي (وأعترف مسبقًا، أنه كاتب على قدر كبير من الأهمية الأدبية، على الأقل وفقًا لقراءتنا له)، بل سأحاول قراءة بعض مواقفه السياسية (ثلاثة فقط في هذه المقالة)، أولا لأن قسمًا كبيرًا من أدبه، هو أدب سياسي بالدرجة الأولى حيث عالج في العديد من كتبه، مسألة النظام الاشتراكي في بلاده، وكلّ التبعات الناتجة عنه، كما علاقة ألبانيا بالصين، وعلاقتها أيضا بالاتحاد السوفياتي، وغيرها من الموضوعات، وثانيًا لأن الكاتب، منذ عام 1990، اعتبر منشقًّا سياسيًا، حيث طلب اللجوء إلى فرنسا، ولم يتوقف من يومها عن نقد نظام أنور خوجة (رئيس ألبانيا الإشكالي، في تلك الفترة، قبل أن تنهار المنظومة البلقانية، بعد سقوط جدار برلين وما نتج عن ذلك كلّه، من أحداث متشعبة).

الانشقاق

حين اختار كاداريه المنفى ليقيم في فرنسا، طرح كثيرون وفي أنحاء مختلفة من العالم هذا السؤال: هل أن كاداريه كاتب منشقّ، فعلًا؟ لو حاولنا أن نقارن حالة كاداريه بكتّاب منشقّين آخرين، مثل فاتسلاف هافل (التشيكوسلوفاكي) أو سولجنتسين (الاتحادي السوفياتي) أو دانيلو كيش (اليوغسلافي)– وأستعمل هنا أسماء البلدان كما كانت عليه في تلك الحقبة– وغيرهم، لوجدنا أنه لا يمت بصلة إلى هذا المفهوم. بداية كان كاداريه كاتبًا "رسميًا" (حتى أن النظام هو من أرسله للدراسة في الاتحاد السوفياتي في معهد غوركي، وعاد من هناك إثر قطيعة السوفيات مع ألبانيا)، قبل أن يتحول إلى كاتب "مخالف لقواعد" الواقعية الاشتراكية، وإلى كاتب "غير ملتزم"، كي يقاوم "بصمت" وبشكل "مخفي عن "أنظار النظام". لكنه مع ذلك كلّه، لم يتوقف عن الكتابة، بل استمرت كتبه بالصدور داخل بلاده (على الرغم من بعض الرقابة عليها كما يقال)، بل لم يُمنع من الكتابة أصلًا (مثل كتّاب غالبية بلدان المعسكر الاشتراكي) ولا من السفر ولم يُرسل إلى "الغولاغ" أو يُقتل، ولا حتى نجد في سيرته أنه تعرض لممارسات عنيفة من قبل السلطة.

بمعنى آخر، لنفترض أنه تعرض للرقابة، كان بإمكانه ببساطة إما أن ينشر كتبه في الغرب أو أن يرفض النشر أصلًا، أو أن يختار المنفى باكرًا كي يكتب "براحة"، مثلما فعل الكثير من زملائه في "المعسكر" الاشتراكي، لكنه لم يفعل كلا الأمرين، بل هادن النظام بشكل من الأشكال، بمعنى أنه بقي يكتب من دون اللجوء إلى هجوم مباشر على سلطة بلاده (باستثناء بعض القصائد التي هاجمت بيروقراطية الحزب). لنأخذ روايات تلك الحقبة، فهجومه الأساسي كان على الاتحاد السوفياتي وعلى قطيعتها مع ألبانيا (كما في رواية "شتاء الوحدة الكبيرة") كما علاقة بلاده مع الصين (رواية "الحفل")، وعلى استرداد بعض الأساطير البلقانية (رواية "من أعاد دوروتين؟" على سبيل المثال). صحيح أنه يمكن لنا أن نقرأها كنوع من تورية، لكن ليس إلى درجة اعتباره منشقًّا فعليًا بالمعنى الكلاسيكي، قطع مع النظام بشكل مباشر، إذ بقي يكتب ما يريد. هذه القطيعة حدثت فعليًا مع بداية تسعينيات القرن الماضي، حين بدأ العالم يتحول فعلا مع سقوط جدار برلين، حين طلب اللجوء إلى فرنسا التي أعلن فيها انشقاقه الرسمي. ليصبح نقده للنظام السابق أوضح. لكن بعد أن ذهب النظام ولم يبق منه أي شيء.

البلقان

هل إن إسماعيل كاداريه يُعدّ فعلًا كاتبًا بلقانيا؟ للوهلة الأولى يبدو كذلك، إذ ثمة روايات عديدة يستمد فيها الكاتب خياله، وبشكل أساسي، من تاريخ البلقان وأساطيرها القديمة. كما أنه يعيد النظر في الفولكلور الخاص بتلك المنطقة، ولو جاء ذلك عبر نثر يتسم بالسخرية اللاذعة في بعض الأحيان، كما أنه سعى جاهدًا لإدانة الشمولية من خلال استعاراته الذكية. كأن ثمة حلمًا بلقانيًا كان يحاول العمل عليه. هذا الحلم قد يكمن في الاتحاد الجغرافي على الأقل، من حيث أنه يشكل منطقة واحدة متعددة الطوائف.

هذه "البلقانية"، تبدو واضحة في رواية "شفق آلهة السهوب"، وهي وإن تحدثت عن طالب ألباني يدرس في معهد غوركي بموسكو (كما حصل مع كاداريه نفسه) إلا أنه حين الانشقاق بين البلدين يختار بلاده ومنطقته، لا الفكرة الشيوعية السوفياتية (ثمة قصيدة شهيرة لكاداريه عن لينين). أسطورة قسطنطين ودوروتين حاضرة في كتابه "من أعاد دوروتين؟" (1980). أسطورة "قلعة الروزوفات المسورة" حاضرة في رواية "الجسر ذو الأقواس الثلاثة" (1978). ما يهمني هنا، هذه الرواية الأخيرة، إذ أن جسر إسماعيل كاداريه يذكرنا بالضرورة بجسر إيفو أندريتش، وإن تختلف توجهات الروائيين في النهاية.

في "جسر على نهر الدرينا" (أندريتش) نجد أن للجسر ذلك الطابع المفيد والمقدس. كأنه ترصيع للعالم السماوي على الأرض. أي ما يضمن الارتباط بين العالم الإلهي والعالم المحسوس ما يسمح بلقاء المخلوقات البشرية فيما بينها. في "جسر" كاداريه نجد أيضًا ذاك النموذج الإلهي للجسر الذي ليس سوى قوس قزح، إلا أنه يظل عابرًا ومجرّدًا للغاية، لأن كل شيء يتدهور بشكل لا يمكن إصلاحه (في يد الإنسان). فالاضطرابات التي يسبّبها الجسر أثناء بنائه، وتحويل المياه والطين النتن الذي يبدو أنه يغزو كلّ شيء، يعطل نظام الطبيعة. ربما الفكرة الأخطر التي عمل عليها كاداريه هي فكرة الاضطرابات اللغوية التي اجتاحت البلاد (مع بناء الجسر) فكما يقول الراوي: "يتحدث مبعوثو شركة البناء "لغة جهنمية"، و"كلمات مقدونية"، و"حيل"، و"هريسة من الأصوات""؛ فعمّال الجسر هم أصحاب "لغة هجينة لا طعم لها مثل الماء المغلي"... كأننا هنا أمام أسطورة بابل بشكل معكوس. فهؤلاء الرجال المتباعدون بسبب لغاتهم (ومن أصول غير معروفة) هم من كانوا يبنون الجسر. وعلى النقيض من قصة الكتاب المقدس، فهم ليسوا من السكان الأصليين... "كانوا يسيئون إلى أنفسهم، وبالتالي لا يعملون لأنفسهم. متباينون، تم جمعهم معًا بإرادة سيد خفي تتجاوز نواياهم. هؤلاء العمال لا يعرفون ماذا يبنون". تورية حقيقية عن بلدان تلك الحقبة، التي يميل كاداريه إلى عزو سبب فشلها الأساسي إلى السلطنة العثمانية. فالجسر بالنسبة إليه هو التجسيد الحقيقي لتاريخ البلقان، مع الرعب الذي يجلبه حتمًا. هذا ما نفهمه فعلًا فيما لو عدنا إلى كتابه "دعوة إلى محترف الكاتب" حين يقول (في فصل "ملاحظات على شكل جردة"): "جسر واحد فقط: الجسر ذو الأقواس الثلاثة، يشع منه سوء الحظ دائمًا".

موقف كاداريه في روايته الأخيرة "عشاء زائد عن حدّه" قرّبه أكثر من دولة الكيان التي منحته جائزتها- جائزة أورشليم (القدس)- عام 2015


هذه الفكرة نعود ونجدها في كتاب آخر له بعنوان "ثقل الصليب" (1991، منشورات فايار الفرنسية) حين يقول: "كانت ألبانيا تتفكك أمام أعيننا. مثل أيقونة أكلتها الدود، تشيخ يومًا بعد يوم، وتتشوه، وتذبل. إذا كان لا يزال لدي أي سبب وجيه لأكون كاتبًا... السبب الوحيد والأول والأخير هو: محاولة استعادة الأيقونة. حتى أن الأجيال القادمة، عندما تكشط طلاء هذا العصر الذي لا يرحم، تعيد اكتشاف الصورة السليمة".

بمعنى آخر كان الحلم البلقاني عنده "التفتت"، وإزالة هذه "الوحدة" [4]. وهذا ما نراه جيدًا في موقفه من حرب الأطلسي، التي أنهت وحدة تلك البلدان. موقف كاداريه كان واضحًا، إذ لم يخف سروره مطلقًا، فقد رحّب بارتياح كبير- في مقالة له نشرها بتاريخ 16 نيسان/ أبريل في يومية "الوقت" (لو تان) السويسرية- بمشاركة قوات الناتو في العمليات ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش، إذ رأى فيه "عملًا تأسيسيًا لأوروبا، تمّ إنجازه بألم"، ولكن "الصفحات الجديدة من التاريخ لا تُقلب في المعارض أو المآدب"، وهو ما يثبت رغبته في دمج منطقة البلقان ذات يوم. في مقالته تلك، يضيف أيضًا أن شبه جزيرة البلقان هذه "كانت... هي التي جلبت وما زالت تجلب معظم التعقيدات للعالم المعاصر. ويبدو أنها تطالب بالتعويض عن عصر التنوير الذي أغدقته ذات يوم على بقية العالم، والذي، بحسب رأيها، نسيه بقية العالم لفترة طويلة".

هذه الفكرة تقوده لاحقًا، إلى المطالبة بأوربة بلاده، معتبرًا أن تلك المنطقة تمّ تجاهلها بسبب القرون الخمسة التي حكمت فيها السلطنة العثمانية تلك البلاد. من هنا مطالبته أوروبا أن تهتم أكثر بتلك المنطقة، من أجل إدخال الحضارة التي لم تعرفها المنطقة.

فلسطين

يميل دارسون كثر إلى الحديث عن صورة فلسطين في الشعر الألباني الحديث، بكونها تلك القضية التحرّرية والإنسانية الأبرز في القرن العشرين، لكننا في المقابل لا نقع في أدب كاداريه على أي صورة للفلسطيني، في حين أننا بدأنا منذ تسعينيات القرن الماضي نرى أكثر صورة اليهودي، وبالتالي صورة "الإسرائيلي"، حيث تحدّث كثيرًا عن المعاداة للسامية.

لنعد مثلًا إلى مقالته التي نشرها في "مجلة العالمين" [5] حيث يعيد صورة المعاداة للسامية، إلى ما قبل قصة صلب المسيح، بل يردّها إلى الفراعنة وإلى بعض الفلاسفة اللاتين مثل تاسيت، لذا يرفض كاداريه أن يكون هتلر هو أول من قام بهذا الأمر (فالنسبة إليه هو تجلّ آخر)، وبخاصة حين يضع هيغل وسويفت ودوستويفسكي ضمن فئة المعادين للسامية.

على سبيل المثال، في واحدة من رواياته الأخيرة "عشاء زائد عن حدّه"، يعيدنا إلى زمن دخول النازية إلى ألبانيا بعد أن وقعت ألمانيا اتفاقًا مع الإيطاليين يقضي بانسحابها، لكن المقاومين في الجبال لم يهتموا بهذا الأمر. في أي حال، تتحدث الرواية عن الدكتور غوراميتو الذي يجد أن من يدير هذه المقاطعة الألمانية ليس سوى الكولونيل فون شواب الذي كان زميل دراسته القديم في إحدى الجامعات الألمانية. فلم يجد الطبيب بُدًّا من إقامة عشاء على شرف الضابط الألماني صديقه. لكن في ذلك اليوم، أطلق المقاومون النار على الجيش الألماني الذي اعتقل، كردّة فعل، مئة شخص من مواطني المدينة. لكن خلال العشاء، الذي كان عشاء فائضًا عن حدّه، نجح الدكتور غوراميتو في إقناع الكولونيل بإطلاق سراح الأسرى بمن فيهم الصيدلي اليهودي.

بمجرد انتهاء الحرب، وبعد أن استلم الشيوعيون الحكم، عاد هذا الأمر إلى الواجهة. أخذ الجميع على الدكتور غوراميتو كيفية إقامته العشاء كما أخذوا عليه قضية تحريره للصيدلي، إذ اعتبروا أن إطلاق سراحه شكّل نواة للمؤامرة العالمية الكبرى التي تهدف إلى قطع رؤوس البلدان الاشتراكية.

هذا الموقف، قرّبه أكثر من دولة الكيان التي منحته جائزتها- جائزة أورشليم (القدس)- عام 2015. يومها أجرت معه وكالة الصحافة الفرنسية حوارًا [6]، يستحق الاطلالة عليه، قليلًا لنفهم موقفه من الفلسطينيين. يسأله الصحافي بأن الجائزة تعترف بالمكانة التي يوليها المؤلف للحرية الفردية في المجتمع. "هل هذه إحدى خاصياتك ككاتب"؟ ويجيب كاداريه: "هذا أمر بديهي. إذا كنت كاتبًا جادًا أو عاديًا، فأنت بطريقة أو بأخرى في خدمة الحرية. جميع الكتاب يعرفون أو يفهمون أو يحلمون بأن عملهم هو في خدمة الحرية. هل هذه هي الحال أم لا؟ إنه شيء آخر".

  • هنا في القدس قد يعترض الفلسطينيون على تقييد حريتهم...

** لم أطرح السؤال على نفسي. أنا كاتب. أمارس الأدب. أنا من إحدى الدول القليلة في العالم التي ساعدت اليهود أثناء الحرب. أعتقد أن عدد اليهود ارتفع من 200 في بداية الحرب إلى 2000 في نهايتها. ألبانيا كانت متعاونة. لكن كان هناك تعاطف شعبي وفني وفلسفي. لقد دافع السكان دائمًا عن اليهود، في ظل الملكية، وفي ظل الشيوعية، وبعد الشيوعية. ولهذا السبب لم أفكر في هذه المشكلة الأخرى هنا (مشكلة الفلسطينيين).

وبعد سؤال عن إسهام أوروبا في الحضارة وإجابة كاداريه بأنها قدّمت للبشرية ما لم يقدّمه آخرون، يسأله المحاور عن مساهمة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في هذه الحضارة، يقول كاداريه: "لا يمكنك أن تطلب من الكاتب أن يكون له رأي إيجابي أو سلبي في كل شيء في الحياة. لنأخذ على سبيل المثال ميثاق حقوق توماس جيفرسون. وهذا حدث عظيم في تاريخ البشرية. في الأدب، لا أعرف إذا كانت هناك أربع أو خمس صفحات حول هذا الموضوع الرائع. على العكس من ذلك، ما الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة للشفقة من قتل رجل بعد العشاء؟ لكن هنا لديك ماكبث، واحدة من أعظم التحف الفنية".

لكن ما نقلته "إسرائيل ناشيونال نيوز" يومها [7] عن الكاتب يفوق ما قاله لوكالة الصحافة الفرنسية، فبعد أن تستعيد جوابه عن الفلسطينيين، تعتبر أن كثيرين أصيبوا بخيبة أمل من تصرفات كاداريه، وبخاصة أولئك الذين أرادوا رؤية هذا الكاتب الألباني الأكثر شهرة يقاطع الحفل الذي حصل فيه على جائزة أورشليم. لكن كاداريه لم يخضع للرأي العام المعادي للسامية، على عكس الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان، الذي قبل الجائزة قبل ثلاث سنوات، لكنه استخدم الحفل أيضًا لوعظ الإسرائيليين... وكانت هناك سابقة أيضًا: الكاتبة الجنوب أفريقية نادين غورديمر، التي رفضت الجائزة لأسباب سياسية [8]. وبدلًا من ذلك، قال كاداريه إن إسرائيل تواجه "خطر الاختفاء". ويضيف الموقع "الاسرائيلي": "لكن أهم كتّاب العالم يستأصلون إسرائيل بالحبر والورق. على أرفف الكتب في الغرب، يمكنك رؤية عدد هائل من الكتب التي تمحو الدولة اليهودية من الخريطة". وتنقل عن الكاتب قوله: "... وبالتالي فإن مقاطعة اسرائيل ثقافيًا هي أكثر عدوانية، لأنها تعاقب الأشخاص الذين قدّموا أكبر قدر من المساهمة للإنسانية من حيث الثقافة. ولهذا السبب يجب على هؤلاء الأدباء المعادين للسامية أن يدركوا أن كتاباتهم، تلك التي تمحو إسرائيل من على الخريطة، سوف تمحى بدورها من وعينا".

لذا ثمة سؤال لا بدّ أن يطرح نفسه: كيف يمكن أن نقرأ كاداريه، حين يكون انشقاقه مزيّفًا، وحين يهلّل لاندثار منطقة جغرافية كاملة، وحين لا يفكر في حقوق شعب، ولا في حضارة كاملة، وحين يساهم بدوره في تزييف الوعي؟ وبخاصة أنها تأتي من "كاتب" يعتبر نفسه، ويعتبره الآخرون أنه من أكثر من عمل للديمقراطية ولتخليص الإنسانية من شموليتها. أليس كلامه واحدًا من أبهى تجليات الشمولية؟ 

هوامش:

[1] نقلها إلى العربية عبد اللطيف الأرناؤوط عام 1981 وصدرت عن منشورات وزارة الثقافة في سورية.
[2] نقلها إلى العربية عفيف دمشقية، وصدرت عن دار الآداب في بيروت عام 1992.
[3] صدر عن "وزارة الثقافة في دمشق"، "الهيئة العامة السورية للكتاب"، عام 2011.
[4] مهما كانت وجهة نظرنا في هذه الحرب (معها أم ضدها) فهي لم تكن حربًا قومية (برأيي) بل ببساطة، محاولة من الأطلسي، تفتيت ما كان يذكر بعد بالمعسكر الاشتراكي.
[5] la revue de deux mondes عدد 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999.
[6] يمكن مراجعته على الموقع التالي: (www.francetvinfo.fr)
[7]  www.israelnationalnews.com/news/345069
[8] يذكر أن الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، في خطابه يوم تسلم الجائزة، دافع عن الوجود الفلسطيني ما سبب صدمة كبيرة داخل الكيان.