Print
سارة عابدين

الفن الإسلامي ومفهوم التوحيد

14 أبريل 2021
استعادات
لمعرفة ما إذا كانت هنالك وحدة جمالية، أو أسلوبية، للفنون الإسلامية، من الضروري إدراك أنه لم يكن هنالك كيان عرقي، أو جغرافي، مسلم، منذ البداية. لذلك لا يوجد فن إسلامي على طريقة الفن الصيني، أو الفن الفرنسي. كما أنه ليس مجرد فن قديم، مثل الفن القوطي، أو فن عصر الباروك. فبمجرد أن تحولت أرض، أو كيان معين، إلى الإسلام، بقي مسلمًا، مع عدد قليل من الاستثناءات، مثل إسبانيا، وصقلية.
حوّلت الفتوحات الإسلامية مجموعة كبيرة من الأراضي ذات التواريخ السابقة المتنوعة إلى أراض إسلامية. لكن الإسلام المبكر لم يمتلك فنًا خاصًا به، واستمرّت فنون كل منطقة، وكل شعب، في التطور، مع وجود التأثيرات الإسلامية. لذلك ليس من الدقيق إطلاق كلمة الفنون الإسلامية على الفنون البصرية لكل الشعوب الإسلامية، ويجب النظر بشكل منفصل إلى كل منطقة جغرافية على حدة، بعد دخول الإسلام: إسبانيا، شمال أفريقيا، مصر، سورية، بلاد ما بين النهرين، إيران، الأناضول والهند. كانت هذه الطريقة مفيدة، لأنها ركزت على عدد من السمات الدائمة في مناطق مختلفة من الأراضي الإسلامية أقدم من الفتح الإسلامي، ومستقلة عن الكيان السياسي.
على سبيل المثال، يعرض الفن الإيراني، على وجه الخصوص، عددًا من الموضوعات التي نجد فيها تمثيل الطيور والحيوانات، وهي السمة التي تبتعد كثيرًا عن سمات الفن الإسلامي. كما يشترك الفن العثماني مع تقاليد العمارة الإيطالية بشكل أكبر من اشتراكه مع سمات العمارة الإسلامية. مع ذلك، لا يجب المبالغة في أهمية هذه الاختلافات، لأنه إذا نظرنا إلى فن الأراضي الإسلامية، بمنظور مختلف، يمكن التعرف على نكهة، أو مزاج إسلامي، في الفنون البصرية الإسلامية، التي يمكن تمييزها عما هو معروف في شرق آسيا، أو في الغرب المسيحي.

غالبًا ما تتسم الفنون الإسلامية بالألوان الصريحة، وتجنب تمثيل الكائنات الحية، كما تعطي الفنون الإسلامية قيمة كبيرة للأعمال الحرفية. من بين روائع الفن الإسلامي، ليس فقط الهندسة المعمارية، أو الرسم، لكن إبداع النساجين والخزافين، وعمال تشكيل المعادن والزجاج.
توحي هذه الملاحظات بالخصوصية المعرفية الرئيسية للفن الإسلامي، لأنه يتكون من عدد من التقاليد المتباينة تمامًا، والتي عند رؤيتها بنظرة أوسع تبدو مميزة عما أحاط بها جغرافيًا، وما سبقها تاريخيًا، من خلال سلسلة من السمات الأسلوبية.

 من الفن الإسلامي: منمنمة فارسية ونسيج إسلامي 


يمكن أن نرجع كل الفنون الإسلامية إلى مصادر أساسية، وهي: المسجد، وهندسة المسجد، وما يتفرع من المسجد من فنون تطبيقية، مثل فنون الأخشاب، وفنون المعادن والزجاج، وهي فنون تتعلق باستخدام المسجد، أو تزيينه. تظهر هذه الفنون في الأبواب والمنابر والثريات والزخارف الخطية على جدران المسجد.
المصدر الثاني للفنون الإسلامية هو المصحف والخط العربي، حيث اهتم الفنان المسلم بزخرفة المصحف وتجليده وكتابته بخط جميل، ما أفضى إلى تنوع كبير في الخطوط العربية، وزخارف المصحف في الصفحات الأولى، ونهايات الآيات، ومواضع السجود.


جوهر الفن الإسلامي
استخدم الفنان المسلم التكرار في التصميمات النباتية والهندسية، في إشارة إلى طبيعة الله المتعالية والكاملة واللانهائية. ويعتقد بعض العلماء أن هنالك بعض الأخطاء المتعمدة لإظهار التواضع من قبل الفنانين المؤمنين بأن الله وحده هو القادر على الكمال.
اختار الفن الإسلامي التركيز على الخط، والأنماط النباتية، بعيدًا عن الأشكال الإنسانية والحيوانية، لأن تصوير الأشكال البشرية يعتبر محرمًا في الفن الإسلامي، ومع ذلك يمكن العثور على صور إنسانية وحيوانية في الفن الإسلامي الإيراني والمغولي، لأنه تأثر بالفن الأصلي لهذه البلاد، لكن تبقى أغلب الرسوم والتصميمات الإسلامية مسطحة، من دون تظليل، أو محاولة لإضفاء البعد الثالث، ومع ذلك، في بعض الحالات يقوم الفنان برسم تصميمات متشابكة ومتداخلة تخلق وهم العمق، وتنتج تراكيب جمالية متشابكة.
من وجهة نظر عقائدية بحتة، يمكن للتصاميم الهندسية، كونها خالية من أي معنى رمزي، أن تنقل هالة من الروحانية، بالإضافة إلى ذلك يثير نقاء الأنماط والتناظرات إحساسًا بالجمال الفائق، الذي من شأنه أن يحرّر العقل ويحفزه بدلًا من أن يوقعه في أوهام التمثيل البحت. سواء أنتج الفن في إطار ديني، أم لا، فإن عمل الفنان الحرفي المسلم ينجح دائمًا في نقل إحساس الروحانية، لكن يبقى التمييز بين الفن والعمل الحرفي غير ذي صلة إلى حد كبير في الفن الإسلامي، لكن حتى عندما أظهرت الأعمال الفنية مهارة فائقة، كان الفنانون يميلون إلى عدم الكشف عن هويتهم، بسبب فلسفة الفن الإسلامي التي تخضع الإبداع الفردي لمفهوم أسمى من الجمال، وهو مفهوم التوحيد.
جزء كبير من الفن الإسلامي، سواء في العمارة، أو الخزف، أو المنسوجات، أو الكتب، هو فن الزخرفة. ومع ذلك، فإن الهدف ليس فقط الزخرفة، بل تغيير الشكل، لتصبح صفحات القرآن المزخرفة نوافذ على معنى اللانهائية، والأهم من ذلك أن الكلمة التي يتم التعبير عنها بأنماط خطية مختلفة تنقل انطباعًا أنها أكثر ديمومة من الأشياء التي طبعت عليها.


العمارة الإسلامية
تشمل العمارة الإسلامية مجموعة واسعة من الأساليب الدينية، لكن المثال المعماري الإسلامي الرئيسي هو المسجد. كان المسجد تاريخيًا مكانًا للصلاة، واللقاء والحكم بين الناس. كانت المساجد المبكرة مستوحاة من منزل الرسول محمد (ص) في المدينة المنورة، والذي كان أول مسجد في الإسلام.
يعد الجامع الكبير في القيروان في تونس أحد أفضل الأمثلة الباقية من المساجد القديمة. تأسس المسجد عام 670 هجرية، وفيه جميع السمات المعمارية التي تميز المساجد القديمة: مئذنة، وفناء كبير محاط بأروقة، وقاعة للصلاة في داخلها أعمدة.
وصلت العمارة الإسلامية إلى ذروتها في القرن السادس عشر، عندما أتقن المهندسون المعماريون العثمانيون تقنية بناء مساجد شاسعة تعلوها قباب تبدو خفيفة وبلا وزن، لكنها ضخمة بشكل لا يصدق، وحققوا انسجامًا داخليًا بين المساحات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى توزيع الضوء والظل داخل المسجد. قاموا بدمج القباب والمآذن النحيلة في المساجد التي أصبحت رمزًا للتوازن الجمالي والمعماري والتقني الفائق. يمكن ملاحظة تلك التقنيات المعمارية في الجامع الأزرق في إسطنبول في تركيا.

الجامع الأزرق - إسطنبول 


الخط العربي
كان التصميم الخطي حاضرًا في كل أنواع الفن الإسلامي، بما في ذلك الهندسة المعمارية والفنون الزخرفية. في الدين الإسلامي الذي يمنع التمثيلات التصويرية، تصبح الكلمة وتمثيلها الفني جانبًا مهمًا في الفن الإسلامي. أهم نص ديني في الإسلام هو القرآن الكريم. استعمل الفنان المسلم آيات القرآن، وكتبها بأنماط خطية مختلفة في أغلب الفنون الإسلامية.

أقدم أشكال الخط العربي هو الخط الكوفي، الذي تم تطويره في وقت مبكر من العصر الإسلامي، ونسخت منه أقدم نسخ القرآن الكريم الباقية. في وقت لاحق، تطورت أنواع عدة من الخط الكوفي، بما في ذلك الكوفي المرقق، والكوفي المتشابك، والكوفي المربع. في بداية القرن الثاني عشر، لم يعد الخط الكوفي مستخدمًا بشكل عام، لكن استمر استخدامه كعنصر زخرفي جمالي. لم تكن النقوش الخطية مقصورة على القرآن فحسب، بل تضمنت الأحاديث الشريفة، وبيوت الشعر العربي، وكان الخطاطون يحظون بتقدير كبير في الإسلام، ما يعزز أهمية الكلمة دينيًا وفنيًا، وهو ما يتناسب، أيضًا، مع أول ما أنزل من آيات القرآن الكريم.
 


المخطوطات الإسلامية
بدأ تطور رسم المخطوطات الإسلامية لأول مرة في القرن الثالث عشر، عندما اجتاح المغول العالم الإسلامي، بقيادة جنكيز خان. بعد وفاة جنكيز خان، قسّمت إمبراطوريته بين أبنائه. ولد فن المخطوطات في بلاد فارس، وتطور حتى وصل إلى البلاد العربية. شهدت المخطوطات أول عصر ذهبي لها في القرن الثالث عشر داخل سوريا والعراق.
بعد ذلك، تطورت المنمنمات الفارسية، وأثّرت على المنمنمات العثمانية، ومنمنمات المغول، في الهند، وقلت القيود المرتبطة بتمثيل الأشكال البشرية، لأن هذا الفن كان أقرب لفنون البلاط، ولم ينتشر في الأماكن العامة، فكانت القيود عليه أقل من الفنون الأخرى.
استخدمت المخطوطات لتسجيل السير الذاتية لأباطرة المغول، وكسجلات عسكرية للفتوحات التركية. تطورت الموضوعات بعد ذلك، واختلفت لتضم بعض الرسوم التوضيحية الخاصة بأهم الكتب العربية.


فن المنسوجات الإسلامية
تشير فنون النسيج إلى منتجات الفنون والحرف اليدوية التي تستخدم الألياف النباتية، أو الحيوانية، في صناعة النسيج. يمكن أن يكون النسيج للاستخدام اليومي، أو يكون عناصر زخرفية فاخرة. يرجع تاريخ إنتاج المنسوجات وتجارتها إلى فترة ما قبل الإسلام. كان ذلك لوقت طويل مهمًا لثقافات ومدن الشرق الأوسط التي ازدهرت بسبب طريق الحرير.
عندما توسعت الفتوحات الإسلامية، سيطرت على إنتاج المنسوجات في أغلب المناطق الإسلامية. كانت أهم المنسوجات التي أنتجت في الإمبراطوريات الإسلامية الحديثة هي السجادة.
كان فن السجاد ذا أهمية خاصة في الإمبراطورية العثمانية التي امتدت بعد الفتح الكبير إلى القسطنطينية. كان للسجاد قيمة كبيرة داخل الإمبراطورية العثمانية، كأثاث زخرفي، ولقيمته العملية. لم يستخدم فقط على الأرضيات، ولكن على الجدران والأبواب، لتوفير خصوصية أكبر.
في القرن السادس عشر، تطور نسج السجاد من مجرد حرفة يدوية إلى صناعة جيدة التنفيذ، تستخدم تقنيات التصميم والتصنيع المتخصصة. أصبحت المنسوجات من أهم الصادرات الإسلامية إلى أوروبا، وكانت تعتبر من أفخر القطع الموجودة في قصور ملوك أوروبا. وهنالك لوحات عديدة من عصر النهضة توثق وجود المنسوجات الإسلامية في المنازل والقصور الأوروبية في ذلك الوقت.



المصادر:
https://www.britannica.com/topic/Islamic-arts
https://courses.lumenlearning.com/boundless-arthistory/chapter/introduction-to-islamic-art/
https://www.metmuseum.org/toah/hd/orna/hd_orna.htm
shorturl.at/dnFLN
https://www.hisour.com/history-of-islamic-art-31803/
https://muslimheritage.com/introduction-to-islamic-art/