Print
صدام الزيدي

في ذكرى رحيل زيد مطيع دماج.. صاحب "الرهينة"

7 أبريل 2021
استعادات
صادفت يوم 20 مارس/ آذار المنصرم الذكرى 21 لرحيل الأديب والروائي اليمني، زيد مطيع دماج (1943 ـ 2000)، أحد الذين كتبوا بواكير القصة القصيرة في اليمن، وصاحب الرواية الشهيرة "الرهينة"، التي صدرت طبعتها الأولى عن دار الآداب للنشر والتوزيع في بيروت عام 1984، وتم اختيارها كواحدة من أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين.
بعد قرابة أربعة عقود على صدور الطبعة الأولى من رواية "الرهينة"، التي ترجمت إلى سبع لغات عالمية: الفرنسية؛ الإنكليزية؛ الألمانية؛ الروسية؛ الهندية؛ الصربية؛ السويسرية، ما تزال "الرهينة" علامة فارقة في منجز الرواية اليمنية المعاصرة. وإضافة إلى الترجمات التي حظيت بها، فقد صدرت في طبعات عربية عدة، ما جعل منها روايةً محظوظةً، ومن أكثر الروايات العربية، وليس اليمنية فحسب، ترجمةً إلى لغات العالم.
اختيرت "الرهينة" من قبل اليونسكو لتصدر ضمن مشروع "كتاب في جريدة"، العدد الرابع، سنة 1998، وهو المشروع الذي بدأ قويًا، وحظي بانتشار ومقروئية كبيرين، لكنه لم يدم طويلًا. ومعروف أن "الرهينة" هي العمل الروائي الوحيد والمكتمل والمنشور لزيد مطيع دماج، حتى الآن، لكنها ليست العمل الوحيد في قائمة إرثه السردي، فهنالك روايات مثل: "المدرسة الأحمدية (ابن الدستوري)"؛ "الهروب الكبير"؛ "سلطان الخبت"؛ "جسر إلى السيل"؛ "مقتل الفقيه مقبل".

وفي مناسبة استذكار زيد مطيع دماج، بعد أكثر من 20 عامًا من رحيله، يبدو الأمر مؤسفًا للمهتمين بأدب الرجل، فلا تزال ثمة رواية مفقودة كليةً، من بين رواياته، هي رواية "سلطان الخبت"، وبحسب الموقع الرسمي للأديب الراحل: ("سلطان الخبت" هي أول مشروع روائي أنجزه دماج في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لكن مسودتها النهائية والوحيدة فقدت، أو بالأصح تمت مصادرتها). ونشير هنا إلى أن جهاز الأمن السياسي، أو ما كان يسمى بجهاز الأمن الوطني، هو من قام بمصادرة مسودة الرواية وهي في طريقها إلى المطبعة في واقعة تعسفية قذرة، بينما هي المسودة الوحيدة التي كانت لدى الكاتب. والحال نفسها مع مخطوط رواية "المدرسة الأحمدية (ابن الدستوريّ)"، مع اختلاف في طبيعة الفقدان: (كتبت "المدرسة الأحمدية" كثاني رواية ضمن مشروع ثلاثية روائية تبدأ بـ"الرهينة"، ثم "المدرسة الأحمدية"، وثالثتهما "الهروب الكبير". وتدور أحداث الرواية خلال فترة الخمسينيات من القرن المنصرم، وتحديدًا فترة ما بعد ثورة 1948، وما قبل ثورة 1963. الرواية تحتوي على خمسة فصول، ولا يزال الفصل الأخير منها مفقودًا)، وفقًا للموقع الإلكتروني نفسه.



انتشار وترجمات
بعد أربعة أعوام، على صدور "الرهينة"، في نسختها الأولى، صدرت الطبعة الثانية لها في عام 1988، عن دار الشؤون الثقافية ـ بغداد، لتتوالى الطبعات: الثالثة، 1997، دار رياض الريس ـ بيروت؛ الرابعة، 1999، مهرجان القراءة للجميع ـ القاهرة؛ الخامسة، 2010، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ـ صنعاء. أما الترجمات، فأول ترجمة للرواية كانت إلى الفرنسية عام 1991 عن دار EDIFRA، وفي 2013، ترجمت مرة أخرى إلى الفرنسية عن دار ZOE/ سويسرا؛ كما ترجمت إلى الإنكليزية في 1994 عن دار INTERLINK BOOK، وإلى الألمانية في 1999، ثم إلى الروسية واليابانية والإسبانية (1988 ـ 2003)، وإلى الهندية في 2006، وإلى الصربية في 2007.


أصداء

زيد مطيع دماج وابنه الشاعر همدان دماج


خروج رواية "الرهينة" إلى النور في عام 1984، قوبل منذ الوهلة الأولى بتفاعل كبير من القراء، وباتت الرواية تشق طريقها إلى الأضواء يمنيًا وعربيًا. وهنا يقول الشاعر والروائي، همدان دماج، ابن الروائي زيد دماج: "ما زلت أتذكر صدى ذلك النجاح رغم صغر سني في ذلك الوقت، وعدم معرفتي بالمشهد الثقافي في اليمن. كان الجميع يتحدث عن الرواية، بدءًا من مدرس اللغة العربية، وانتهاءً بالأقارب وأصدقاء الوالد. لا أتذكر أنني قرأتها في ذلك الحين، لكنني كنت أعيش في بيئة تأثرت كثيرًا بنجاح الرواية".

ويضيف همدان في حديثه لـ"ضفة ثالثة": لم أكن أعرف في ذلك الوقت (ربما مثل كثيرين) أن نجاح "الرهينة" ما هو إلا بداية لانتشار عربي، ثم عالمي، ستحرزه الرواية خلال السنوات التالية. غير أنه كشف أن نجاح الرواية الكبير واللافت "لم يكن مدهشًا لوالده، لكنه بالتأكيد كان سعيدًا به".

همدان دماج ووالده الروائي والقاص زيد مطيع دماج، في صورة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي 


ويلفت همدان الانتباه إلى أنه: معروف عن زيد مطيع دماج قلة حديثه عن أعماله الأدبية، وعدم انشغاله بما يُكتب عنها، مرجعًا ذلك إلى "شخصيته المتواضعة التي عُرف بها". وهنا يتذكر همدان أنه في فترة لاحقة، سأل والده عن عدم اهتمامه بأصداء الرواية، فكان رده أنه يؤمن بأن مهمته الأساسية هي الكتابة، تنتهي بإنجاز العمل، وتبدأ بكتابة عمل آخر: "كان يرفض الدخول في الجدالات الأدبية والفكرية التي أحدثتها أعماله، مكتفيًا بمتابعتها بشكل عابر، وتوثيقها قدر الإمكان".
ويستطرد همدان دماج: "ليس هنالك ما يجعلني أندهش من نجاح وشهرة رواية كـ(الرهينة)، فثقافتي السردية كافية لاستنتاج مبررات شهرة الرواية التي كلما أعدت قراءتها اكتشفت في خبايا نصها الممتع شيئًا جديدًا يضاعف من إعجابي الشديد بها".
إلى ذلك، يتفق همدان مع ما ذهب إليه بعض النقاد من أن شهرة "الرهينة" قد أثر سلبًا على شهرة زيد مطيع دماج، كقاص كتب أعمالًا قصصية قد لا تقل إبداعًا عن "الرهينة". وهنا يقول: "عادة ما يحدث مثل هذا لدى الأدباء الذين يكتبون أكثر من جنس أدبي، ويبدعون فيها كلها. فعلى سبيل المثال، طغت شهرة عبدالعزيز المقالح الشعرية على شهرته كناقد أدبي، رغم ما لأعماله النقدية من مكانة مرموقة في عالم النقد".
عندما كُتبت "الرهينة"، كان همدان ما يزال في العاشرة من عمره، لهذا، فهو لا يتذكر تفاصيل كتابتها، لكنه ينوه في حديثه لـ"ضفة ثالثة" أنه يتذكر طقوس والده الكتابية في ذلك الوقت، والمتمثلة في إغلاق باب مكتبته في المنزل منذ السابعة والنصف مساءً، منعزلًا للكتابة: "أتذكر أننا لم نكن ندخل عليه إلا للضرورة. غير أنه حكى لي في فترة لاحقة أنه تفرغ لكتابة (الرهينة) خلال شهر رمضان من ذلك العام، فلم يكتب أي شيء آخر (مقالات، أو قصص قصيرة) سوى الرواية".

ويستدرك همدان في هذا الصدد: "أستطيع القول إن ذلك العام كان خلال الفترة التي قرر فيها والدي التفرغ للأدب بعد مشوار غير قصير من النشاط السياسي والمناصب الحكومية التي تقلدها مقتنعًا بمنصب صغير في وزارة الخارجية (مدير عام)، رافضًا تعيينات دبلوماسية في الخارج".


حياة مأساوية
غير بعيد، ظل الاعتقاد السائد لدى كثير من قراء رواية "الرهينة" أنها كانت انعكاسًا لتجربة ذاتية عاش تفاصيلها الكاتب. ويعزو همدان ذلك "إلى قوة الإقناع التي امتلكتها الرواية على لسان بطلها الراوي". غير أن الحقيقة، يتابع همدان، أن والدي لم يكن في يوم من الأيام رهينةً، وقد اضطر في أكثر من مقابلة صحافية أن يوضح ذلك: "كان صغيرًا جدًا، عندما تم أخذ العديد من أبناء عمومته (منهم ابن عمه الشاعر أحمد قاسم دماج) كرهائن، بناء على أمر من الإمام (حينذاك) لجنوده وسواريه باحتلال منازل أسرة (آل دماج)، في محاولة للضغط على جدي، المناضل الشيخ مطيع دماج، الذي كان قد أعلن تمرده الرسمي على الإمام، وهرب إلى عدن، وكتب من هناك مقالاته اللاذعة ضد الظلم والتخلف". غير أن "حياة الرهائن المأساوية لم تكن خافية على من عاشوا تلك الحقبة المخيفة من تاريخ اليمن"، وفقًا لهمدان، الذي ينوه في هذا السياق، بـ"وعي المؤلف/ الراوي، ومعاشرته لتفاصيل تلك الحقبة"، خاصة وأن كثيرًا ممن أُخذوا رهائن ماتوا في السجون، لهذا كان هناك اختلاط (أعتقد أنه منطقي) بين الخيال والواقع، "وأستطيع القول إنه كان خيالًا واقعيًا، إن جاز لي التعبير".
ونشير هنا إلى أنه صدرت لدماج في القصة القصيرة خمس مجموعات، هي: "طاهش الحوبان"، 1973، ثم صدرت في طبعة ثانية، 1979، وطبعة ثالثة، 1980؛ "العقرب"، 1982؛ "الجسر"، 1986؛ "أحزان البنت مياسة"، 1990؛ "المدفع الأصفر"، 2001. وبمناسبة الاحتفاء بـ"تريم عاصمة الثقافة الإسلامية" سنة 2010، صدرت الأعمال القصصية الكاملة لدماج في مجلد احتوى مجموعاته الخمس المذكورة آنفًا. كما صدر له كتاب سردي من الذاكرة بعنوان "الانبهار والدهشة"، عام 2000. وكتب دماج عدة مقالات سياسية واجتماعية في الصحافة اليمنية والعربية.
انتمى دماج إلى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كواحد من أعضائه، كما أنه كان عضوًا في اتحاد الأدباء والكتاب العرب، واتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، وسكرتير عام مجلس السلم والتضامن اليمني، وعضو مجلس السلم العالمي. أسس مجلة "أصوات"، كصاحب امتياز، المجلة التي تخصصت في إبراز الأحدث في الأدب اليمني والعربي، وترأس تحريرها الشاعر اليمني، محمد حسين هيثم (نوفمبر/ تشرين الثاني 1958 ـ مارس/ آذار 2007). أما وظيفيًا، فقد تولى دماج عدة مناصب حكومية، بعيد انتخابه عضوًا في مجلس الشورى (أول برلمان منتخب في اليمن سنة 1970) وشغل منصب رئيس لجنة الاقتراحات والعرائض وتقصي المظالم في المجلس. في يناير/ كانون الثاني 1976، عين محافظًا للواء المحويت، ثم عضوًا في مجلس الشعب لفترتين متتاليتين منذ عام 1979. وعين بعدها وزيرًا مفوضًا وقائمًا بالأعمال في دولة الكويت عام 1980. وفي سنواته الأخيرة، عين مستشارًا لوزير الخارجية، ثم وزيرًا مفوضًا في المملكة المتحدة عام 1997، ليداهمه الموت في 20 مارس/ آذار 2000، في المستشفى الجامعي في لندن عن عمر يناهز السابعة والخمسين.

تعليميًا، كان زيد مطيع دماج محظوظًا، قياسًا بكثير من أبناء جيله في تلك الحقبة البائسة والمظلمة من تاريخ اليمن تحت حكم الأئمة، في ما قبل ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، إذ حظي بتعليم جيد، فبعد أن تلقى تعليمه الأولى في (المعلامة: الكتّاب) في قريته بلواء إب (وسط اليمن)، استفاد من مكتبة زاخرة عاد بها والده من عدن (في 14 مايو/ أيار 1944 فر والده مطيع بن عبدالله دمّاج من سجن "الشبكة" في تعز إلى عدن، وبدأ يكتب مقالاته الشهيرة في صحيفة "فتاة الجزيرة" ضد نظام الأئمة في صنعاء، وأسس مع رفاقه في ما بعد "حزب الأحرار")، وتولى والده تعليمه وتثقيفه، فقرأ كتب الأدب والتاريخ والسياسة، وكان من أهمها "روايات الإسلام" لجرجي زيدان. وفي عام 1957، التحق بالمدرسة الأحمدية في تعز، وحصل فيها على الشهادة الابتدائية، ثم في 1958 أرسله والده لينال قسطًا من تعليم جيد في مصر، حيث أتمّ الإعدادية في "بني سويف" في صعيد مصر عام 1960، والثانوية في طنطا عام 1963. وهنا التحق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1964، لكنه تركها بعد سنتين ليلتحق بكلية الآداب/ قسم صحافة، بعد أن برز توجهه الأدبي. وفي أثناء ذلك، بدأت تباشير مقالاته السياسية وبواكير أعماله القصصية، التي وجدت لها منبرًا وحيزًا في مجلة "اليمن الجديدة"، آنذاك.