Print
سمير رمان

ذكرى ميلاد أراغون.. "في أعماقنا قوى عظيمة"

22 أكتوبر 2022
استعادات

على الرغم من مرور 125 عامًا على ولادة أحد رواد الحركة السوريالية، الشاعر والكاتب التقدمي الفرنسي لويس أراغون، فإنّ شخصيته ومواقفه المتناقضة لا تزال تثير اهتمام القارئ المعاصر.
ولد أراغون في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1897 في باريس. تمتع والده بمواهب أدبية انتقلت بالوراثة إلى ابنه غير الشرعي.


مكسيم غوركي ليس لك!
تعلّم أراغون القراءة في وقتٍ مبكّر، وكان يقرأ كلّ ما يقع تحت يده. وهكذا، وفي سن 11، أهدته إليزابيتا نيكولايدزه، إحدى صديقات والدته المقربات، رواية "أنّا كارنينا"، ومجموعة قصص لمكسيم غوركي، عندما كانت سمعة الرواية الروسية قد بلغت أوجها في فرنسا، ليكبر في ظلّها أجيالٍ من الكتاب الفرنسيين الذي اعترفوا بتأثير تولستوي ودوستويفسكي الهائل في تشكّل نظرتهم إلى الأدب وعلاقتهم به (منهم حائزون في ما بعد على جائزة نوبل للأدب). وأراغون لم يكن استثناءً من ذلك، فقد كتب لاحقًا: "في طفولتي، أحببت القراءة، وكان شغفي بها عظيمًا... أحبّت أمي الروايات الروسية، وعندما رأتني ذات يومٍ منغمسًا في قراءة تورغينيف، راحت تحكي لي عن تولستوي، وأعطتني كتابه "حكايات من سيباستيبول". كنت حينئذٍ في العاشرة من عمري، ورحت أقرأ على التوالي روايات "تاراس بولبا"، و"الجريمة والعقاب"، و"المعطف"، و"رسائل من بيت الموتى"... بالنسبة لأميّ، كانت الأمور مع دوستويفسكي، وغوغول، على خير ما يرام، ولكنّ الأمر كان مختلفًا تمامًا بالنسبة لمكسيم غوركي. وعندما باغتتني في أحد الأيام أقرأ كتابًا عتيقًا من كتب جدي، تزين غلافه صورةٌ لأحد جنود القوزاق وهو يضرب امرأة بالسوط، انقضّت على الكتاب تنتزعه من بين يدي، وهي تقول: "إلا هذا!، غوركي ليس لك!"".





بيد أنّ مكسيم غوركي بالذات كان هو من شقّ توجهًا جديدًا في حياة أراغون. يقول الكاتب: "عندما بلغت الصفحات التي تتحدث عن طفولة غوركي، شعرت بالخجل من طفولتي، وشعرت بالذنب والخجل من كلّ ما في أسلوب حياتنا، وبدأت أنظر بشكل مختلف تمامًا إلى الأطفال الفقراء الذين ألتقيهم في الشارع". بعد سنواتٍ، سيلتقي أراغون مكسيم غوركي وجهًا لوجه مرتين عام 1932، وعام 1934.


البحث عن علاج للبشرية

إلسا تريوليه ولويس أراغون يحضران العرض الأول لفيلم "زيزي جانمير" في مسرح الأولمبيا (15/ 11/ 1968/ Getty)


شارك أراغون في الحرب العالمية الأولى بصفته ممرضًا. وكان الأفكار التي تدور في رأسه تحرمه النوم: "في أعماقنا قوى عظيمة، ولكن ليس لدينا هدفٌ واحد (رواية "الموت حقًّا").
كلّ أهدافنا سحقت!". في تلك اللحظات بالتحديد، قرّر أراغون أن يصبح كاتبًا؛ "وبدا أنّ الشخص النمطي السابق قد وجد الإجابة عند نيتشه: الذي يؤمن بوجود هدفٍ واحدٍ لدى الجميع، هدف لكلّ المشاعر الإنسانية، ولكلّ الناس". أراغون الآن، لا يعالج الجنود المغاربة من السلّ فقط، بل يحدوه الأمل بإيجاد علاجٍ من نوعٍ آخر يشفي البشرية جمعاء، كما في رواية "الموت حقًّا". احتاج أراغون، كما في رواية "الفلّاح الباريسي"، الذي كان رائد حركة "الدادا" الأوروبية، وأفضل شعراء فرنسا السورياليين، عشر سنواتٍ كاملة من التجارب الفنية كي يبلغ ذلك الشكل من استيعاب الواقع، الذي توِّج بولادة روايات سلسلة "العالم الواقعي". حتى ذلك الوقت، كان أراغون شاعرًا كتب قصيدة "الجبهة الحمراء" التي تسببت في جرّه إلى المحاكم الفرنسية، ومؤلّفًا لـ"أورا.. أورال"، التي كتبها في أعقاب رحلته إلى منطقة الأورال في الاتحاد السوفياتي عام 1934. حدثان قلبا حياة أراغون رأسًا على عقب، الأول كان انتسابه إلى الحزب الشيوعي الفرنسي نهاية القرن العشرين، والثاني عندما تعرّف، في أحد مقاهي مونبارناس، على الكاتبة والمترجمة إلسا تريوليه، التي ستصبح زوجته مستقبلًا، وعلى صديقها شاعر الثورة البلشفية فلاديمير ماياكوفسكي، الذي سيكون لجمالياته الأدبية تأثيرٌ حاسم على الأسلوب الجديد لأراغون الشاعر، الذي بدأ تدريجيًا فكّ الارتباط مع الحركة السوريالية.




في ما بعد، وفي عام 1965، سيكتب أراغون وهو يفكّر بحدود الواقعية، عن إمكانية "أن نرى ولا نفهم"، وفي هذا يكمن سرّ "الواقعية الاشتراكية". كما كتب: كنت غير مرّة في حياتي شاهدًا على أحداثٍ بدت لي في البداية ذات معنى خاصّ، وعندما أدركت لاحقًا مغزاها شعرت كم كنت مغفلًا: فأنت عندما ترى ولا تفهم، فهذا يعني في واقع الأمر أنّك لم تر البتّة.... في موسكو، رأيت فقط محطات المترو الفاخرة تزينها أعمدة الرخام والتماثيل. وبعد كلّ هذا ما زلت أتحدث عن السوريالية. الحقائق تفقأ العين، ولكنّك تشيح ناظريك بأفكارٍ جميلة رقيقة... هكذا هي الأشياء المحرجة في الحياة. ونحن نسعى جاهدين.. ناسٌ بسطاء "الموت حقًّا". بزياراته المتكررة إلى الاتحاد السوفياتي في الثلاثينيات، بصفته عضوًا في الجمعية العامة للأدباء والفنانين الثوريين، ترك أراغون انطباعاته عن تلك الحقبة: لقاءاته هناك مع الكتاب السوفيات والأوروبيين، الأحداث التي رافقت مقتل كيروف، مراسم تشييع مكسيم غوركي، تعارفه مع ميخائيل توخاتشوف، ومع القائد الأسطوري فيتالي بريماكوف، وملابسات اعتقاله، الاضطراب الذي عاشه وإلسا تريوليه عندما علما باختفاء بيلا كون الذي تعرفا عليه في اليوم السابق.


من أجل تدعيم السلام

حشد يقدم احترامه الأخير للشاعر لويس أراغون في مقر الحزب الشيوعي (28/ 12/ 1982/Getty)


شغل أراغون لمدة عشر سنواتٍ تقريبًا منصب رئيس تحرير صحيفة Les Lettres fravcaises، التي كانت تصدر برعاية الحزب الشيوعي الفرنسي. وفي عام 1957، قلِّد أراغون جائزة لينين الدولية "لمساهمته في تعزيز السلام بين الشعوب". في عام 1959، وفي روايته "أسبوع حافل"، قارن أراغون وداع الماضي خلال فترة الدفء الخروشوفي في الاتحاد السوفياتي بانشقاق الضباط الفرنسيين عن إمبراطورهم. لكنّ هذه كانت البداية فقط. فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها أراغون في تمكين القارئ الفرنسي من الوصول إلى كنوز الأدب الروسي والسوفياتي عبر نشر سلاسل أدبية في كبريات الصحف والمجلات، فإنّه لم يتردد في الوقوف ضدّ قمع ومحاكمة الأدباء وأصحاب الرأي، مثل فيكتور نيكراسوف، وسينيافسكي، ودانييل (عام 1966)، كما لم يتوانَ عن شجب الممارسات السلبية في أحداثٍ عاصرها شخصيًا، كسحق "ربيع براغ" عام 1968. بالإضافة إلى ذلك، تدخل أراغون شخصيًا لدى ليونيد بريجنيف مطالبًا بإطلاق سراح المخرج السينمائي سيرغي باراغانوف.




وفي عام 1969، وقّع أراغون على عريضة احتجاج جماعي على فصل الكاتب السوفياتي سولجنيتسين من اتحاد الكتاب السوفيات، حيث وصفت العريضة القرار بـ"الخطأ الرهيب":
"هل يمكن أن نصدّق أنّ يجري اليوم في بلاد الاشتراكية المنتصرة أمور لم يكن القيصر نيقولاي الثاني حتى ليفكّر القيام بها ضدّ تشيخوف الذي نشر بكلّ حرية رواية "ساخالين" التي أصبحت اليوم تحكي مصير سولجنيتسين، أفضل الكتاب الذين واصلوا نهج تقاليد الأدب الدرامي الروسي، وضحيةً من ضحايا الإرهاب الستاليني، والذي ارتكب جريمةً وحيدة: النجاة من كلّ هذا!".
رغم كلّ شيءٍ، تغاضت السلطات السوفياتية عن مواقف أراغون "صديق الاتحاد السوفياتي"، والحائز على ميدالية لينين لتعزيزه الصداقة بين الشعوب، وميدالية "ثورة أكتوبر"، وميدالية الصداقة بين الشعوب.
فتحت مشاركة أراغون في المقاومة الفرنسية للنازية صفحةً جديدة في مسيرة إبداع الشاعر والكاتب، فألّف سلاسل قصائد، وأغاني رائعة، من قبيل "ليس هناك من حبٍّ سعيد"، التي أصبحت من كلاسيكيات الشعر الفرنسي في القرن العشرين. وحصل أراغون على أوسمة عدة تقديرًا للشجاعة التي أبداها في الحرب العالمية الثانية، وفي المقاومة الفرنسية ضد الفاشية.
خلِّد اسم مؤلف "الحركة الأبدية" عام 1926، الذي عاش حياة لامعة مديدة في الفنّ، مترافقة بشغفٍ سياسيّ حارّ، في الكتب المدرسية، وفي مختارات شعر القرن العشرين، وكذلك في تسمية شوارع وساحات مدنٍ فرنسية باسمه، وبالطبع في قلب باريس على جزيرة سان لوي، حيث جرت فيها أحداث إحدى أكثر رواياته غموضًا "أورليون" (1944) من سلسلة "عالم حقيقي"..


من مؤلفات أراغون:
ـ (1920) مجموعة أشعار "فرح النار/ Feu de Joi".
ـ (1922) رواية "مغامرات تيليماك/ Les Aventure de Telemaque".
ـ (1926) رواية "الفلاح الباريسي/ Le Paysan de Paris".
ـ (1926) "الحركة الأبدية/ Le Mouvemet perpetuel".
ـ (1931) قصيدة "الجبهة الحمراء/ Front rouge".
ـ (1932) مجموعة شعرية "أورا أورال/ Hourra L Oural".
ـ (1934) رواية "أجراس بازل/ Les Cloches de Bale".
ـ (1936) رواية "الأحياء الثريّة/ Les Beaux Quartiers".
ـ (1941) رواية "ركّاب إمبريال/ Les Voyageurs de L Imperiahe".
ـ (1941) مجموعة أشعار "سكين في القلب/Le Creve- coeur".
ـ (1942) مجموعة أشعار "عيون إلسا/ Les Yeux d Elsa".
ـ (1943) مجموعة أشعار "بانوبتيكوم/ Le Musee Grevin".
ـ (1944) رواية "أورلين/Aurelien".
ـ (1959) "أسبوع حافل/ La Semain Sainte".
ـ (1965) رواية "الموت حقًا/ La Mort a mis".
ـ (1971) رواية "هنري ماتيس/ Henri Matisse".