Print
إيهاب محمود

رحيل محمد الشحات: آمن بالشعر رغم سطوة الصحافة

12 أكتوبر 2024
استعادات
على الرغم من ابتعاده بنفسه عن تجمعات الشللية ودوائر المثقفين كي لا يأخذ ذلك من اهتمامه الأول بالكتابة سواء على مستوى القصيدة أو الكتابة الصحافية، غير أن رحيل الشاعر والكاتب الصحافي المصري محمد الشحات شهد حالة واسعة من اهتمام المشتغلين بالعمل الثقافي في مصر والمتابعين له، بعد رحلة ثرية أنجز خلالها عددا كبيرا من المجموعات الشعرية، ليرحل عن عمر يبلغ السبعين.
كرس الشحات كتاباته منذ البداية للإنسان، فآمن أن الشاعر لا يكتب لنفسه، بل يكتب عن نفسه ومعبرا عن الآخرين، منطلقا من الخاص إلى العام إلى الإنسان في كل مكان على وجه هذه الأرض، وهو مهتم جدا بأن يصل ما يكتبه للقارئ، وأن يتفاعل معه، وكان الشعر بالنسبة له يجب أن يتسبب فيما يشبه زلزال بداخل القارئ، يحرك كل سواكنه، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان الشاعر شديد الصدق شديد الأمانة يكتب من أبعد نقطة من أعماق مشاعره، بحسب تصوراته.
انتمى الشحات لمدرسة الشعراء الذين يرفضون استخدام لغة مقعرة تتعالى على القارئ، لأن الشعر، بالنسبة له، كتب لكي يفهم ويصل إلى قارئه، فالشاعر لا يكتب ألغازًا وطلاسم، هو يكتب شعرًا مستخدمًا كلمات عربية، "البعض يميل إلى الكلمات الغريبة والموحشة والتراثية والمهجورة، وهذا ما يفسر غموض بعض القصائد، والآخر يميل إلى استخدام الكلمات السهلة والبسيطة، والتي يسعى من خلالها إلى إرسال رسالته، فاللغة الشعرية هي وسيلة لإيصال أفكار ومشاعر الشاعر إلى الآخرين، وهو المسؤول عنها، وإيمان الشاعر بأهمية الشعر تجعله يتخذ ما يراه من اتجاه، إما الإيغال والرمزية والتعقيدات اللغوية وانغلاق الأفكار، أو في البساطة والسهولة، وأنا لا أعني هنا بالمباشر أو السطحية، ولكني أتحدث عن البساطة الخادعة"- يقول الشحات في أحد حواراته الصحافية.




دعا الشحات في مناسبات عدة لأن يخلص الشاعر للقصيدة في وقت انتشرت فيه الجوائز الأدبية التي تحتفي بالرواية ومن بعدها القصة القصيرة على نحو واسع، فكان يأخذ على الشعراء هجر القصيدة والذهاب إلى الرواية، رغم أن معظمهم لم يحقق النجاح الإبداعي الذى كان يحققه من الشعر، ولكني أعتقد بأن القضية شديدة التعقيد، "لأن هناك حربا على اللغة العربية وضربها في مقتل بالقضاء على القصيدة العربية، وتوسيع الساحة للرواية وحثهم على الكتابة بالعامية واللغة الدارجة، وهو ما يميل إليه معظم كتاب الرواية، من خلال إطلاق مصطلحات زمن الرواية وما شابه ذلك لأن الشعر سيظل هو سيد الإبداع في كل الأزمنة، ولن يستطيع أحد أن يقضى عليه، فهو ديوان العرب وسيظل ديوان العرب ولكن للأسف الشديد الشعراء ساعدوا على ذلك إما بسبب كسلهم وعدم الإخلاص للشعر، فاختفت في حياتنا الإبداعية الأصوات الشعرية المميزة القادرة على التعبير عن هموم وطموحات وأحلام الإنسان العربي، وفتحت المجال للرواية، فدخل الروائيون بكل طاقاتهم وأدواتهم، ولكن عليك أن تسأل: كم رواية تركت أثرا في حياتنا؟ وما هي الأسماء الروائية العربية التي يمكن أن تقف عندها الآن؟ وللأسف سوف تدخل في حيرة شديدة".
بحسب كتابات نقدية تناولت أدب الشحات، لا يمكن فصل تجربته عن مكابداته الإنسانية، هو الذي يعشق الظل، ويقترن به، وهو الذي يكتب عن ملامح ذلك الظل في ديوانه "ملامح ظلي" على سبيل المثال، وهو الذي تحدث بعد عودته من رحلته الطويلة بأميركا عن الرحيل الأكبر لشاعر ظل يعاني طول العمر، وهو الذي كتب عن عازف الناي، وعن لاعب السيرك، وعن ابنه الذي سيعود من بعيد، وعن الاعتكاف الصوفي الذي يلتقي في لياليه الغامضة مع كبار على شاكلة النفري وابن الفارض وجلال الدين الرومي، في محادثات تخيلية أدارها بنفسه.
بالتوازي مع تجربته الشعرية، نجح الشحات في اقتحام مجال العمل الصحافي، وتدرج في المناصب حتى أصبح نائب رئيس تحرير بدار "أخبار اليوم"، كما ترأس تحرير "مجلة الموسيقى العربية"، التي كانت تصدرها دار الأوبرا المصرية لمهرجان الموسيقى العربية، ورئاسة تحرير "مجلة القراءة للجميع" التي كانت تصدر عن دار الكتب ومن بعدها هيئة قصور الثقافة، ورئاسة تحرير "جريدة الكتاب" التي تصدرها هيئة الكتاب مواكبة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب منذ عام 1984 وحتى عام 2011، فضلا عن مئات المقالات المنشورة في دوريات ومطبوعات مصرية وعربية على مدار رحلته الإبداعية والصحافية التي قاربت النصف قرن.