عرَّف المؤرِّخ ابن خلدون، واضع أصول فلسفة التاريخ ومؤسِّس علم الاجتماع، جوهر تفكير المؤرِّخ ببلاغة وعمق قائلًا: "التاريخ لا يستقيم إلا بالاحتكاك بالمعارف متَّسعة الفضاء، والنظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء". ويُطلَق لقب المؤرِّخ على العالِم الذي يهتمُّ بدراسة التاريخ عن كثب وتدوينه، ويُعَدُّ بمثابة مرجع موثوق به في علم التاريخ، ولذلك فإنَّ المؤرِّخين من أكثر الأشخاص اهتمامًا بالسرد المنهجي المتتالي، بالإضافة إلى تسليط الضوء على البحث العميق بين الأحداث التي وقعت في الماضي ومدى علاقتها بالإنسان. وهم لا يكتبون تاريخ فرد أو حادثة أو تاريخ شعب وأمة أو التاريخ الكلي الإنساني الشامل وإنما يعملون على تحليل وفهم الأحداث التاريخية بواسطة منهج علمي صارم للوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر واستشراف المستقبل، ملتزمين بالحيادية السياسية والفكرية والعقائدية.
والمعروف أنَّ دراسة التاريخ تحوَّلت إلى مهنة في أواخر القرن التاسع عشر، وعرف عالمنا العربي أعدادًا كبيرة من المؤرِّخات والمؤرِّخين الذين لعبوا دورًا مهمًّا في حماية هوية وثقافة المجتمع، وساهموا في قراءة وتحليل وتفسير التاريخ بأسلوب نقدي ومنهجي وعلمي.
وظهرت في فلسطين المحتلة مؤرِّخات فلسطينيات رائدات ساهمن في حماية التراث الفلسطيني ودحض الأكاذيب الإسرائيلية وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالحقائق والوقائع التي جرت عبر السنين، وقدَّمن دراسات عن تاريخ البلدان العربية ونشأتها وتطوُّرها، ومن بين المؤرِّخات الفلسطينيات برز اسم روز ماري سعيد زحلان، العالمة والأكاديمية السياسية والناشطة في الدفاع عن فلسطين وأهلها والمؤرِّخة التي ركَّزت أبحاثها على الدراسة التاريخية لنشوء الدول الخليجية العربية وعلاقتها بفلسطين.
وُلِدت في القاهرة 1937 لرجل أعمال فلسطيني ثري يعيش في أميركا، ولأم من الناصرة من أصل فلسطيني لبناني. درست الموسيقى في كلية "برين ماور" للمرأة بولاية بنسلفانيا وتعلَّمتها، لكنها لم تمارس مهنة عزف البيانو بسبب حادث سيارة تعرَّضت له وأدَّى إلى إصابات بيديها وبفقرات ظهرها، مما جعل ممارسة المهنة أمرًا مستحيلًا بالنسبة لها.
درست في القاهرة أيضًا ثم سافرت إلى لبنان وألقت محاضرات عن التاريخ الثقافي والموسيقي في الجامعة الأميركية وكلية بيروت للمرأة، ثم ذهبت إلى لندن ونالت شهادة الدكتوراه حول موضوع: "طريق البحر الأحمر إلى الهند في القرن التاسع عشر... جورج بالدوين" في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية.
هي شقيقة المفكِّر إدوارد سعيد، أحد أبرز المثقَّفين العرب الفلسطينيين في القرن العشرين وأكثرهم تأثيرًا، وأخت الكاتبة جين سعيد مقدسي، المؤرِّخة والنسوية المعروفة. تزوَّجت من د. أنطوان زحلان، ابن مدينة حيفا وعالم الفيزياء الذي كتب في شتَّى المجالات الاجتماعية والفكرية وأصبح أحد كبار المختصِّين بنقل التكنولوجيا وسوسيولوجيا العلوم في العالم. ودافعا سويًّة وبشدَّة عن مشروع "مكتبة غزة" لتوريد الكتب إلى فلسطين ولعبا دورًا بارزًا بهذا المجال، وساهما برعاية حملة التضامن البريطانية من أجل فلسطين.
كانت هويتها الفلسطينية مركزية في حياتها، وشاركت في النضال من أجل تحقيق العدالة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكافة الوسائل والطرق. عملت في الجامعة الأميركية ببيروت والجامعة اللبنانية الأميركية، وكتبت لصحف عالمية وعربية مهمَّة: الفايننشال تايمز - مجلة الشرق الأوسط - المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط والموسوعة العالمية للإسلام. ونشرت ورقات بحث ودراسات مهمَّة في مجلات فكرية تابعة لمراكز أبحاث عالمية وعربية، حول اختصاصها الأساسي المتعلِّق بنشوء الدول الخليجية وعلاقتها بالغرب في فترة الاستعمار، والأثر الاقتصادي والاجتماعي للامتيازات النفطية، إضافة إلى دراسات عديدة عن "العلاقات السعودية مع دول الخليج"، والتنافس الأميركي البريطاني في الخليج، وفي هذه الدراسة تحدَّثت عن أهداف الدول الكبرى وبريطانيا الرامية إلى السيطرة على هذه الدول ومقدَّراتها، وعن بروز قوة جديدة على المسرح الدولي هي الولايات المتحدة الأميركية. وركَّزت على المنافسة بين بريطانيا وأميركا في البحرين فور انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى انحلال حكومة الهند البريطانية حيث تغيَّرت السياسة هناك تغيُّرًا كبيرًا. وركَّزت على أهمية الخليج العربي في الاعتبارات الاستراتيجية للدول الكبرى بأسلوب نقدي وعلمي جاد.
تركت أثرًا غنيًّا عن تاريخ الدول الخليجية من خلال كتبها وأبحاثها وواجهت، كشقيقها إدوارد سعيد، مبدأ صراع الحضارات في نتاجها الأكاديمي البارز.
كتبت عام 1978 كتابًا بعنوان: "أصول دولة الإمارات العربية المتحدة: تاريخها السياسي والاجتماعي" والذي صدر بالإنكليزية واعتُبِر أحد المصادر القليلة جدًّا التي تروي قصة نشوء الإمارات وتاريخها وتطوُّرها استنادًا إلى المجريات الحقيقية للأحداث. وتحدَّثت فيه عن الوضع الاقتصادي في هذه الدول والإيرادات تاريخيًّا، وعن صناعة اللؤلؤ التي كانت محور البنية الاقتصادية والاجتماعية في "الساحل المتصالح" كما وصفته حتى أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، وعن تجارة اللؤلؤ التي جلبت التجار الهنود والفرس للعيش في هذه المدن. إضافة إلى تركيزها على اكتشاف النفط هناك وآثاره الاقتصادية.
نشرت أيضًا كتابًا مهمًّا عام1979 عن "نشوء دولة قطر" ووضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتطوُّرها عبر التاريخ، والذي صدر باللغة الإنكليزية وأصبح من المراجع الأساسية حول هذه الدولة وكل ما يتعلَّق بالمراحل التي مرَّت بها، وقد أُعيد طباعته للمرة الثانية عام 1989.
أما أبرز كتبها- كما يقول الباحثون- فقد صدر عام 1989 تحت عنوان: "تكوين دول الخليج الحديثة: الكويت - قطر - البحرين - الإمارات العربية المتحدة - عُمان"، وقد صدر مرة ثانية بعد تنقيحه عام 1998.
صدر لها أيضًا عام 2009 وبعد وفاتها بثلاث سنوات كتابها المهم: "فلسطين ودول الخليج: العلاقات الفعلية"، وفيه سلَّطت الضوء على الدور الخليجي تجاه القضية الفلسطينية والمواقف الرسمية والشعبية الخليجية تجاه التعنُّت الإسرائيلي الغربي حول كل ما يتعلَّق بقضية فلسطين العادلة وحقوق شعبها المشروعة.
يمثِّل الكتاب كما جاء في تعريفه: "محاولة جادة لإجراء تحليل كامل لبواعث حكام الخليج العربي للتأثير في موقف القوى العظمى من القضية الفلسطينية وتعديله". وركَّزت المؤرِّخة روز ماري في هذا الكتاب على العلاقات بين فلسطين ودول الخليج منذ الثلاثينيات وقبل اكتشاف النفط وبعده، وعلى فترة حرب 1967 وحرب السويس وما بعدها وحرب أكتوبر 1973 بين مصر وسورية وإسرائيل، وموقف دول الخليج عندما قطعت النفط عن أميركا وداعمي إسرائيل أثناء هذه الحرب وبعدها، وشمل الحظر دولًا أوروبية للضغط عليها بهدف التخلِّي عن دعم الاحتلال وإصدار بيان يطالب بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967.
وتحدَّثت أيضًا عن دور نكبة فلسطين واكتشاف حقول النفط في تحفيز الفلسطينيين على الهجرة إلى الخليج والعمل في قطاع التعليم والوظائف العامة ومختلف فروع الاقتصاد والتجارة، وعن الدعم الخليجي لفلسطين ماليًّا ودبلوماسيًّا خلال مراحل تاريخية عديدة، وأشارت إلى مرحلة الثمانينيات والتسعينيات والتغيُّرات الإقليمية التي حدثت آنذاك، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت، وتفاصيل تتعلَّق بدور منظمة التحرير الفلسطينية بالأحداث الجارية ومدى حضورها وقدرتها على الفعل. وأكَّدت في كتابها أيضًا أنَّ جذور علاقة دول وشعوب الخليج العربي بفلسطين تعود إلى مطلع القرن العشرين، وأنَّ العلاقة متجذِّرة وعميقة بين الطرفين. وقالت في معرض حديثها عن استخدام سلاح النفط لنصرة فلسطين: "إنَّ فرض حظر النفط بعد سنوات قليلة من سحب بريطانيا لقواتها من الخليج أظهر الطبيعة العربية الأصيلة لدول الخليج على الرغم من مائة وخمسين عامًا من المحاولات البريطانية لطمسها". وهذا الكتاب هو كتابها الوحيد الذي تُرجِم إلى اللغة العربية.
تجدر الإشارة إلى قلَّة المعلومات المتوفِّرة عن المؤرِّخة روز ماري على الشبكة وغيرها من مصادر المعلومات، ويُرجِع البعض ذلك إلى أنها كانت تعمل وتُنجِز بصمت، رغم أنَّ كتبها من أبرز ما كُتِب في تأريخ الدول الخليجية بحسب رأي النقاد والمختصِّين.
من جانبها تحدَّثت الباحثة مرارًا عن قلَّة الإنتاج المحايد والعلمي عن الدول الخليجية حيث أتاح ضعف الإنتاج المحلي سابقًا - كما ذكرت - المجال لهيمنة الإنتاج الأجنبي على المؤلَّفات الخاصة بهذه الدول والتي تنظر إليها على أنها مصدر لرأس المال وفرص العمل وسوق دولية للسلع الاستهلاكية والأسلحة، ولا تعكس أبدًا الإنجازات الداخلية لها ودورها في العلاقات والسياسات العربية والدولية.
قالت عنها صحيفة "التايمز" البريطانية: "قلقها الدائم طوال حياتها كان لفلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، وشاركت بجدِّية في النضال من أجل تحقيق العدالة لهذا الشعب وقضيته".
وصفوها بالنسر: "لقد كانت كالنسر تقرأ بين السطور، وما عرضته في كتاباتها عن الإمارات يحتوي ميزة الرؤية النقدية والتحليلية لسياسات الدول العظمى". وقالت إحدى طالباتها وهي تحضِّر لرسالة الدكتوراه: "لقد عرفت الدكتورة قبل أن أراها، فلقد قرأت كتبها منذ السبعينيات، وكم يدهشني أن يسرد شخص مثلها التاريخ ويحاكيه وكأنه صديق عاد من سفر".
كانت فلسطين في قلبها وروحها أينما حلَّت، إنها مثل "الروز ماري" الذي يعني نبات إكليل الجبل، الشجرة دائمة الخضرة والعشب الطري الذي يساعد في تخفيف الآلام، وموطنه الأصلي البحر الأبيض المتوسط، والذي يعني أيضًا ندى البحر الشاهد على تاريخ طويل من عذابات الفلسطينيين وتضحياتهم وخيبات أملهم وجدارتهم بالحياة.
مراجع
- بوابة تاريخ.
- بوابة فلسطين.
والمعروف أنَّ دراسة التاريخ تحوَّلت إلى مهنة في أواخر القرن التاسع عشر، وعرف عالمنا العربي أعدادًا كبيرة من المؤرِّخات والمؤرِّخين الذين لعبوا دورًا مهمًّا في حماية هوية وثقافة المجتمع، وساهموا في قراءة وتحليل وتفسير التاريخ بأسلوب نقدي ومنهجي وعلمي.
وظهرت في فلسطين المحتلة مؤرِّخات فلسطينيات رائدات ساهمن في حماية التراث الفلسطيني ودحض الأكاذيب الإسرائيلية وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالحقائق والوقائع التي جرت عبر السنين، وقدَّمن دراسات عن تاريخ البلدان العربية ونشأتها وتطوُّرها، ومن بين المؤرِّخات الفلسطينيات برز اسم روز ماري سعيد زحلان، العالمة والأكاديمية السياسية والناشطة في الدفاع عن فلسطين وأهلها والمؤرِّخة التي ركَّزت أبحاثها على الدراسة التاريخية لنشوء الدول الخليجية العربية وعلاقتها بفلسطين.
وُلِدت في القاهرة 1937 لرجل أعمال فلسطيني ثري يعيش في أميركا، ولأم من الناصرة من أصل فلسطيني لبناني. درست الموسيقى في كلية "برين ماور" للمرأة بولاية بنسلفانيا وتعلَّمتها، لكنها لم تمارس مهنة عزف البيانو بسبب حادث سيارة تعرَّضت له وأدَّى إلى إصابات بيديها وبفقرات ظهرها، مما جعل ممارسة المهنة أمرًا مستحيلًا بالنسبة لها.
درست في القاهرة أيضًا ثم سافرت إلى لبنان وألقت محاضرات عن التاريخ الثقافي والموسيقي في الجامعة الأميركية وكلية بيروت للمرأة، ثم ذهبت إلى لندن ونالت شهادة الدكتوراه حول موضوع: "طريق البحر الأحمر إلى الهند في القرن التاسع عشر... جورج بالدوين" في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية.
هي شقيقة المفكِّر إدوارد سعيد، أحد أبرز المثقَّفين العرب الفلسطينيين في القرن العشرين وأكثرهم تأثيرًا، وأخت الكاتبة جين سعيد مقدسي، المؤرِّخة والنسوية المعروفة. تزوَّجت من د. أنطوان زحلان، ابن مدينة حيفا وعالم الفيزياء الذي كتب في شتَّى المجالات الاجتماعية والفكرية وأصبح أحد كبار المختصِّين بنقل التكنولوجيا وسوسيولوجيا العلوم في العالم. ودافعا سويًّة وبشدَّة عن مشروع "مكتبة غزة" لتوريد الكتب إلى فلسطين ولعبا دورًا بارزًا بهذا المجال، وساهما برعاية حملة التضامن البريطانية من أجل فلسطين.
كانت هويتها الفلسطينية مركزية في حياتها، وشاركت في النضال من أجل تحقيق العدالة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكافة الوسائل والطرق. عملت في الجامعة الأميركية ببيروت والجامعة اللبنانية الأميركية، وكتبت لصحف عالمية وعربية مهمَّة: الفايننشال تايمز - مجلة الشرق الأوسط - المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط والموسوعة العالمية للإسلام. ونشرت ورقات بحث ودراسات مهمَّة في مجلات فكرية تابعة لمراكز أبحاث عالمية وعربية، حول اختصاصها الأساسي المتعلِّق بنشوء الدول الخليجية وعلاقتها بالغرب في فترة الاستعمار، والأثر الاقتصادي والاجتماعي للامتيازات النفطية، إضافة إلى دراسات عديدة عن "العلاقات السعودية مع دول الخليج"، والتنافس الأميركي البريطاني في الخليج، وفي هذه الدراسة تحدَّثت عن أهداف الدول الكبرى وبريطانيا الرامية إلى السيطرة على هذه الدول ومقدَّراتها، وعن بروز قوة جديدة على المسرح الدولي هي الولايات المتحدة الأميركية. وركَّزت على المنافسة بين بريطانيا وأميركا في البحرين فور انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى انحلال حكومة الهند البريطانية حيث تغيَّرت السياسة هناك تغيُّرًا كبيرًا. وركَّزت على أهمية الخليج العربي في الاعتبارات الاستراتيجية للدول الكبرى بأسلوب نقدي وعلمي جاد.
تركت أثرًا غنيًّا عن تاريخ الدول الخليجية من خلال كتبها وأبحاثها وواجهت، كشقيقها إدوارد سعيد، مبدأ صراع الحضارات في نتاجها الأكاديمي البارز.
كتبت عام 1978 كتابًا بعنوان: "أصول دولة الإمارات العربية المتحدة: تاريخها السياسي والاجتماعي" والذي صدر بالإنكليزية واعتُبِر أحد المصادر القليلة جدًّا التي تروي قصة نشوء الإمارات وتاريخها وتطوُّرها استنادًا إلى المجريات الحقيقية للأحداث. وتحدَّثت فيه عن الوضع الاقتصادي في هذه الدول والإيرادات تاريخيًّا، وعن صناعة اللؤلؤ التي كانت محور البنية الاقتصادية والاجتماعية في "الساحل المتصالح" كما وصفته حتى أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، وعن تجارة اللؤلؤ التي جلبت التجار الهنود والفرس للعيش في هذه المدن. إضافة إلى تركيزها على اكتشاف النفط هناك وآثاره الاقتصادية.
نشرت أيضًا كتابًا مهمًّا عام1979 عن "نشوء دولة قطر" ووضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتطوُّرها عبر التاريخ، والذي صدر باللغة الإنكليزية وأصبح من المراجع الأساسية حول هذه الدولة وكل ما يتعلَّق بالمراحل التي مرَّت بها، وقد أُعيد طباعته للمرة الثانية عام 1989.
أما أبرز كتبها- كما يقول الباحثون- فقد صدر عام 1989 تحت عنوان: "تكوين دول الخليج الحديثة: الكويت - قطر - البحرين - الإمارات العربية المتحدة - عُمان"، وقد صدر مرة ثانية بعد تنقيحه عام 1998.
صدر لها أيضًا عام 2009 وبعد وفاتها بثلاث سنوات كتابها المهم: "فلسطين ودول الخليج: العلاقات الفعلية"، وفيه سلَّطت الضوء على الدور الخليجي تجاه القضية الفلسطينية والمواقف الرسمية والشعبية الخليجية تجاه التعنُّت الإسرائيلي الغربي حول كل ما يتعلَّق بقضية فلسطين العادلة وحقوق شعبها المشروعة.
يمثِّل الكتاب كما جاء في تعريفه: "محاولة جادة لإجراء تحليل كامل لبواعث حكام الخليج العربي للتأثير في موقف القوى العظمى من القضية الفلسطينية وتعديله". وركَّزت المؤرِّخة روز ماري في هذا الكتاب على العلاقات بين فلسطين ودول الخليج منذ الثلاثينيات وقبل اكتشاف النفط وبعده، وعلى فترة حرب 1967 وحرب السويس وما بعدها وحرب أكتوبر 1973 بين مصر وسورية وإسرائيل، وموقف دول الخليج عندما قطعت النفط عن أميركا وداعمي إسرائيل أثناء هذه الحرب وبعدها، وشمل الحظر دولًا أوروبية للضغط عليها بهدف التخلِّي عن دعم الاحتلال وإصدار بيان يطالب بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967.
وتحدَّثت أيضًا عن دور نكبة فلسطين واكتشاف حقول النفط في تحفيز الفلسطينيين على الهجرة إلى الخليج والعمل في قطاع التعليم والوظائف العامة ومختلف فروع الاقتصاد والتجارة، وعن الدعم الخليجي لفلسطين ماليًّا ودبلوماسيًّا خلال مراحل تاريخية عديدة، وأشارت إلى مرحلة الثمانينيات والتسعينيات والتغيُّرات الإقليمية التي حدثت آنذاك، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت، وتفاصيل تتعلَّق بدور منظمة التحرير الفلسطينية بالأحداث الجارية ومدى حضورها وقدرتها على الفعل. وأكَّدت في كتابها أيضًا أنَّ جذور علاقة دول وشعوب الخليج العربي بفلسطين تعود إلى مطلع القرن العشرين، وأنَّ العلاقة متجذِّرة وعميقة بين الطرفين. وقالت في معرض حديثها عن استخدام سلاح النفط لنصرة فلسطين: "إنَّ فرض حظر النفط بعد سنوات قليلة من سحب بريطانيا لقواتها من الخليج أظهر الطبيعة العربية الأصيلة لدول الخليج على الرغم من مائة وخمسين عامًا من المحاولات البريطانية لطمسها". وهذا الكتاب هو كتابها الوحيد الذي تُرجِم إلى اللغة العربية.
تجدر الإشارة إلى قلَّة المعلومات المتوفِّرة عن المؤرِّخة روز ماري على الشبكة وغيرها من مصادر المعلومات، ويُرجِع البعض ذلك إلى أنها كانت تعمل وتُنجِز بصمت، رغم أنَّ كتبها من أبرز ما كُتِب في تأريخ الدول الخليجية بحسب رأي النقاد والمختصِّين.
من جانبها تحدَّثت الباحثة مرارًا عن قلَّة الإنتاج المحايد والعلمي عن الدول الخليجية حيث أتاح ضعف الإنتاج المحلي سابقًا - كما ذكرت - المجال لهيمنة الإنتاج الأجنبي على المؤلَّفات الخاصة بهذه الدول والتي تنظر إليها على أنها مصدر لرأس المال وفرص العمل وسوق دولية للسلع الاستهلاكية والأسلحة، ولا تعكس أبدًا الإنجازات الداخلية لها ودورها في العلاقات والسياسات العربية والدولية.
قالت عنها صحيفة "التايمز" البريطانية: "قلقها الدائم طوال حياتها كان لفلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، وشاركت بجدِّية في النضال من أجل تحقيق العدالة لهذا الشعب وقضيته".
وصفوها بالنسر: "لقد كانت كالنسر تقرأ بين السطور، وما عرضته في كتاباتها عن الإمارات يحتوي ميزة الرؤية النقدية والتحليلية لسياسات الدول العظمى". وقالت إحدى طالباتها وهي تحضِّر لرسالة الدكتوراه: "لقد عرفت الدكتورة قبل أن أراها، فلقد قرأت كتبها منذ السبعينيات، وكم يدهشني أن يسرد شخص مثلها التاريخ ويحاكيه وكأنه صديق عاد من سفر".
كانت فلسطين في قلبها وروحها أينما حلَّت، إنها مثل "الروز ماري" الذي يعني نبات إكليل الجبل، الشجرة دائمة الخضرة والعشب الطري الذي يساعد في تخفيف الآلام، وموطنه الأصلي البحر الأبيض المتوسط، والذي يعني أيضًا ندى البحر الشاهد على تاريخ طويل من عذابات الفلسطينيين وتضحياتهم وخيبات أملهم وجدارتهم بالحياة.
مراجع
- بوابة تاريخ.
- بوابة فلسطين.