Print
علياء تركي الربيعو

ومن الشعر ما قتل!

16 يناير 2018
تغطيات

إذا كان الحب قد قتل العرب، فإن الشعر قتل باكستانيين، كما هو الحال في قصيدة "إنشا جی اٹھو" (انهض، إنشا)، أو ما يعرف بالقصيدة الملعونة، لصاحبها الشاعر الباكستاني المعروف ابن إنشا، والتي كانت وراء شهرة الشاعر، والسبب في وفاته أيضاً!

ابن إنشا، اسمه الحقيقي شير محمد خان، شاعر ودبلوماسي ومؤلف وكاتب عمود في العديد من الصحف الناطقة بالأوردو. كان يعتبر واحداً من أفضل الفكاهيين باللغة الأردية. شُبهت لغة قصائده بشعر أمير خسرو من حيث استخدامه للكلمات والبناء وأسلوبه الشعري، تأثر به العديد من جيل الشعراء الشباب الباكستاني.

في بداية 1970 صاغ ابن إنشا قصيدته الحزينة والمشهورة "إنشا جی اٹھو ". تتحدث القصيدة عن رجل كئيب، والذي، بعد أن يقضي ليلة طويلة في تجمع (على الأرجح بيت الدعارة)، يقرر فجأة النهوض ليغادر، ليس فقط المكان، ولكن المدينة نفسها. يسير إلى بيته ويصل إليه في الساعات الأولى من الصباح، محاولاً إيجاد عذر لحبيبته لتأخره. هو رجل غالباً ما يساء فهمه، ويسعى بأن يبحث عن معنى في وجود لا معنى له، كما يعتقد.

سرعان ما أثارت القصيدة اهتمام الأيقونة المغني الكلاسيكي الشرقي، أمانت علي خان، والذي كان يبحث حينها عن كلمات ترثي الحياة الحضرية في كراتشي ولاهور. وحالما قرأ القصيدة، أعرب عن رغبته في غنائها، فالتقى ابن إنشا موضحاً له طريقته في غناء القصيدة، حيث وضع نفسه مقام بطل القصيدة، الأمر الذي أثار اعجاب ابن إنشا فوافق على إعطائها له.

عندما قدم أمانت الأغنية في التلفزيون الباكستاني، كانون الثاني/يناير 1974، أمطرت القناة رسائل تطالب بإعادة بثها مرة أخرى، لتصبح أكثر الأغاني شهرة وطلباً. بيد أنه، وبعد بضعة أشهر فقط من التمتع بهذا النجاح، توفي أمانت فجأة بعمر 52 عاماً.

في كانون الثاني / يناير 1978، بعد أربع سنوات من تسليم أمانت علي خان قصيدة "إنشا جی اٹھو"، توفي شاعر القصيدة، ابن إنشا، بعد معاناة مع مرض السرطان في لندن حيث تلقى علاجه فيها، وكتب من هناك عدة رسائل لأصدقائه المقربين من على سرير المشفى. في آخر رسالة كتبها، تساءل ابن إنشا عن سبب نجاح قصيدته وموت المغني أمانت، ورثى نفسه بعد أن تدهورت حالته الصحية، قائلاً: "كم من الأرواح ستحصد هذه القصيدة الملعونة". توفي ابن إنشا في اليوم التالي من كتابة هذه الرسالة، وهو في الخمسين من عمره.

إلا أن القصيدة لم تكتف بحصد روح ابن إنشا وأمانت، ففي عام 2007 توفي أسد أمانت خان، ابن المغني أمانت علي خان، والذي عُرف بغنائه الموسيقى الكلاسيكية والغزل، كما شارك في أداء الكثير من الأغنيات لأفلام لوليوود وبوليوود، وحقق شهرة كبيرة في الثمانينيات. في إحدى حفلاته عام 2006، طلب منه الجمهور وبإصرار تأدية الأغنية. للأسف، كان هذا آخر حفل له، وآخر أغنية أداها في حياته. توفي أسد بعد بضعة أشهر وهو في 52، تماماً في نفس العمر الذي فارق به والده الحياة.

يبدو أن أكثرهم حكمة كان شفقت أمانت علي، وهو شقيق أسد، والذي برز كمغنٍّ موهوب للموسيقى الكلاسيكية والبوب عام 2000. شفقت، ما يزال يرفض حتى اليوم تأدية الأغنية سواء في حفلاته الموسيقية أو على شاشة التلفزيون، بعد أن قطع وعداً لعائلته بذلك، ولم يثنه عن وعده طلب الجمهور المتكرر له بأدائها.

ما زالت الأغنية تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم، وبينما يقول البعض إن إحجامهم عن غنائها احتراماً (للرجال الثلاثة الذين توفوا)، يعترف البقية بأن السبب الرئيسي هو خوفهم من مصير مشابه.

وهنا محاولة لترجمة القصيدة:

انهض إنشا، دعنا نغادر

لا مكان لنا في هذه المدينة لنبقى

نحن مجانين، نرفض السلام (الهدوء)

لا مكان للمتسولين في هذه البلدة

ألقِ نظرة على روحك الحزينة

تأمل لبعض الوقت، بهدوء متعقل

قلبك المثقل باليأس، مثل كفن ممزق

هل تجرؤ على التسول به لاستجلاب الصدقات؟

انتهت الليلة، وتلاشى القمر

سلسلة محكمة تغلق بوابة منزلك

كيف تشرح الأمر الآن لحبيبتك، عن سبب عودتك متأخراً؟

جمالها مثل لؤلؤة، تراه، ولا تتجرأ على لمسه

هذا كنز لا قيمة له، يخدع ويطارد العين

إذا تخلى عني سكان المدينة، هل ألجأ إلى البراري؟

قدري أن أتكلم كمجنون، فلهذا الحديث خُلق المجانين

قصيدة "انهض إنشا" بالأوردو