Print
سناء عبد العزيز

البوكر بين أتوود وإيفاريستو... خرق القواعد

16 أكتوبر 2019
تغطيات
على الرغم من رفض المديرة الأدبية لجائزة البوكر، غابي وود، مبدأ تقسيم الجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني، أصرت لجنة التحكيم هذا العام على خرق صريح لقواعد منح الجائزة المرموقة لأول مرة منذ ثلاثين عاما تقريبا بمنحها لفائزتين بدلا من فائز واحد؛ الكندية مارغريت أتوود، والكاتبة البريطانية من أصل نيجيري برناردين إيفاريستو. وبعد أكثر من خمس ساعات مع هيئة التحكيم، خرج رئيس اللجنة، بيتر فلورنس، ليعلن أن مجموعة الخمسة لم تكن قادرة على اختيار فائز واحد من قائمة المرشحين الستة.

أول امرأة سمراء تفوز بالبوكر
بفوز روايتها متعددة الأصوات "فتاة وامرأة وأخريات" تعتبر إيفاريستو أول امرأة سمراء تفوز بالجائزة منذ أن أطلقت في عام 1969. وفيها تمنح الكاتبة صوتها إلى 12 شخصية مختلفة، معظمها من النساء السود ومن خلفيات ثقافية متنوعة، لكسر حالة الصمت المفروضة على السود. هؤلاء النساء يقمن برواية قصص عن أنفسهن وعائلاتهن وأصدقائهن وعشاقهن، لافتين الانتباه إلى قضيتين رئيسيتين؛ العنصرية والنسوية؛ فضلا عن أفكار أخرى بشأن الهوس بالجمال.
وصفتها الصنداي تايمز بأنها رواية "استثنائية، تتركك في دوامة نشطة، وتجمع السرد والشعر والتاريخ الاجتماعي وأصوات النساء في بوتقة واحدة". وقال عنها فلورانس إن هناك "شيئاً سحرياً تماماً" حول شخصيات الكتاب، اللائي "أعطين طيفاً رائعاً من النساء البريطانيات السود اليوم".

وصرحت إيفاريستو: "أنا سعيدة جدا بفوزي بالجائزة. نعم، أنا أتقاسمها مع كاتبة مذهلة، لكنني لا أفكر في مسألة المناصفة، بل أفكر في حقيقة أنني هنا، وهذا أمر لا يصدق بالنظر إلى ما تعنيه الجائزة بالنسبة لي ولحياتي الأدبية، وحقيقة أنها بدت بعيدة المنال لعقود". وفي مؤتمر صحافي، حين سُئلت إيفاريستو ما إذا كانت تفضل الفوز بـ50 ألف جنيه إسترليني كاملة، أجابت: "ما رأيك؟ نعم بالطبع، ولكنني سعيدة حقا بالفوز بها مناصفة... هذه هي طبيعة الشخص الذي أنا عليه".
ولدت برناردين إيفاريستو عام 1959، في مدينة وولويتش، جنوب شرقي لندن، لأم إنكليزية وأب نيجيري، وتشمل كتاباتها أيضاً القصة القصيرة والدراما والشعر والمقال والنقد الأدبي ومشاريع المسرح والإذاعة، فلها مسيرة مهنية كبيرة في المسرح، حيث شاركت في تأسيس شركة مسرح النساء السود عام 1982، واختيرت في 2018 زميلة في كلية روز بروفورد للمسرح والأداء، كما حصلت على جائزة MBE عام 2009 لخدمات الأدب، وجائزة غوردن بيرن عام 2019، وتعتبر روايتها الفائزة ثامن أعمالها.

أتوود.. كلاكيت ثاني مرة
أما أتوود فهي أكبر فائزة بالجائزة سناً (79 عاماً)، وهذه ليست المرة الأولى التي تفوز بها، فقد فازت بها عام 2000 عن روايتها "القاتل الأعمى"، وبذلك تصبح رابع مؤلفة تفوز بالجائزة مرتين. وكان من المدهش بالفعل أن تحظى روايتها "الوصايا" بشهرة واسعة قبل نشرها، بل وتتنافس على الجائزة وتصل إلى قائمتها القصيرة، على الرغم من أن لا أحد قرأها سوى لجنة التحكيم، وربما يعود ذلك إلى حقيقة كونها تتمة "حكاية جارية"، ديستوبيا أتوود التي تم تحويلها إلى مسلسل درامي. وباستثناء أنها تستأنف في "الوصايا" السرد بعد أكثر من 15 عاماً من محاولة بطلة أتوود الهروب من مستقبل ثيوقراطي في أميركا، بقيت حبكة الرواية مجهولة إلى أن حان موعد صدورها في 10 أيلول/سبتمبر الفائت، ونشرت الغارديان البريطانية بمجرد صدورها فصلا منها.
كان دافع أتوود إلى كتابة الجزء الثاني من رواية "حكاية جارية" كما تقول هو تدهور حقوق المرأة في بعض البلدان، ومنها الولايات المتحدة، ووصفتها لجنة التحكيم بأنها رواية "شرسة وبديعة". كما تجاوزت مبيعاتها 100 ألف نسخة في الأسبوع الأول من صدورها في بريطانيا. وصرحت أتوود بعد الحفل الذي أقيم في غيلدهول بلندن: "كان من المحرج للغاية بالنسبة لشخص في سني وفي مرحلتي أن يفوز بالجائزة كلها، وبالتالي أن يعيق هذا أي شخص في مرحلة مبكرة من حياته المهنية المرور عبر هذا الباب. كنت محرجة حقاً".


خرق قواعد بوكر للمرة الثالثة
هذه هي المرة الثالثة التي تمنح فيها الجائزة منذ انطلاقها مناصفة بين كاتبين، ففي عام 1974 حصل عليها كل من الكاتبين نادين غورديمر وستانلي ميدلتون، وفي عام 1992 منحت كذلك مناصفة بين مايكل أونداتجي وباري أونسورث. ولكن بعد عام 1992، تم تغيير القواعد لتنص على أن الجائزة "لا يمكن تقسيمها أو حجبها". ويفسر فلورنس ما حدث: "حاولنا التصويت، وهذا لم ينجح، لقد وُضعت هيئة التحكيم تحت ضغط لاختيار فائز واحد فأجمعنا على تجاهل تلك القاعدة والاحتفال هذا العام بفائزين... كان من الصعب التخلي عن إحدى الروايتين، رغبنا في فوز كل منهما، وكلما تحدثنا عنهما زاد تقديرنا لكليهما ولم نتمكن من الفصل بينهما".

ووفقا لما ذكرته الغارديان فإن هيئة التحكيم بعد أكثر من ثلاث ساعات من التداول، سألت غابي وود إذا كان بوسعها منح الجائزة مناصفة، فردت بلا. بعد نقاش استمر ساعة أخرى، توصلت إلى إجماع بخرق قواعد الجائزة، وتحدثت وود مع رئيسة الأمناء، هيلينا كينيدي، التي أصرت بدورها على الالتزام بقواعد الجائزة المقررة، فعادت هيئة التحكيم مرة ثالثة لتجتمع، بعدها أعلنت ما قاله فلورنس بشأن قرارها بتجاهل تلك القواعد بالإجماع.
يقول فلورنس: "لقد أمضينا ساعة ونصف الساعة في معاناة حول كيفية حل تلك الأزمة بما يرضي الهيئة المانحة، وكان القرار النهائي الذي اتخذ لحظة سعادة لنا جميعاً، كيف يمكنك أن تحل بطريقة منصفة وعادلة شيئاً يبدو غير قابل للحل؟ بالبحث عن طريقة لتغيير اللعبة". ولدى سؤالها عما إذا كانت تؤيد القرار، قالت وود: "إنه انتهاك صريح، وهم يدركون ذلك جميعاً... كانت لفتة متمردة ولكنها... قوية". وأوضحت أنه لن يتم تغيير القواعد في المستقبل.



شخصيات يتردد صداها إلى الأبد
أعرب فلورنس عن أمله في تفهم الفائزتين، أتوود وإيفاريستو، اختيار اللجنة باعتباره "دليل احترام لكاتبتين". وأكمل رئيس التحكيم، الذي انضم إليه في لجنة التحكيم كل من ليز كالدر وشياوولو قوه وآفوا هيرش وجوانا ماكجريجور، أن "الوصايا" و"فتاة وامرأة وأخريات" من الروايات التي تورطك معها تماماً، كلاهما تمتازان ببراعة لغوية خاصة، وكلاهما تغامران في شتى الطرق.
كما تحدث عن الطريقة الناجحة التي تخاطب بها كل منهما العالم اليوم وما تقدمانه من نظرة ثاقبة و"شخصيات يتردد صداها معنا، ولسوف يتردد على مر العصور"، واصفا رواية إيفاريستو بأنها "رائدة"، مع "شيء رائع للغاية حول أطياف من الشخصيات المكتملة"؛ باتخاذها من البوليفونية "استراتيجية ضد الاختفاء". وفي ذلك تقول إيفاريستو "نحن النساء البريطانيات السود نعرف أنه إذا لم نكتب عن أنفسنا، فلن يفعل شخص آخر". وفي الوقت نفسه، تعد رواية أتوود "أكثر إلحاحا من الناحية السياسية من أي وقت مضى". يقول عنهما فلورنس "هذه كتابة طموحة.. أهم ما تعلمته هو أن كلاً من البراعة الأدبية، الرقي في اللغة، البنية الذكية، كل هذه الأشياء تخدم سواء أكان لدى المؤلف شيء قيم حقاً يقوله أم لا... في هذين الكتابين يوجد شيء ملح لقوله، كما أنهما تحدثان إثارة مذهلة كلما قلبت الصفحات، والتي أعتقد أنها يمكن أن تخاطب معظم جمهور الأدب، وكذلك القراء الذين يقرأون كتاباً واحداً فقط، أو في هذه الحالة كتابين، في العام".
فازت الروايتان على أربعة عناوين أخرى أدرجت في القائمة القصيرة: "بط نيوبريبورت" لإلمانز دوكس، "أوركسترا الأقليات" لتشيجوزي أوبيوما، "10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب" لإليف شفق، و"كيشوت" لسلمان رشدي.