Print
محمود عبد الغني

"عشرة فلاسفة يؤثرون في العالم اليوم"

22 يناير 2020
تغطيات
عشرة تعني عشرة وأكثر

عشرة فلاسفة لهم تأثير خاص على الساحة الدولية؟ عشرة فقط؟ نعم عشرة؟ وعشرة تعني عشرة وأكثر. فكل فيلسوف له تأثير في فيلسوف لاحق، وله حضور في الرسائل الجامعية، والتأملات الفكرية التي تنتقل إلى أمداء عديدة عن طريق الترجمة والتأويل والنقل والاستدلال. لتحديد هؤلاء العشرة، وتسميتهم، اتّبعت المجلة الفرنسية "المجلة الأدبية الجديدة" (عدد 25، يناير/كانون الثاني 2020) وبنت فرضيتها، ليس فقط على نزعتها الثقافية، فالمفكّرون الحاضرون في مجلتهم لهم تشعّبات كثيرة. لذلك ارتأت هيئة التحرير تطوير عملها بفحص المكتبات الإلكترونية التي مكّنتها بسهولة من قياس عدد التواردات والاستشهادات التي يحظى بها هذا الفيلسوف أو ذاك في الكتب والمجلات العالمية، وورود اسمه في لوائح الجوائز الكبرى والموسوعات الفلسفية، إضافة إلى إجراء استقصاء في الوسط الفلسفي الفرنسي. إن مهمة الاختيار هذه ليست سهلة. فلماذا لم تعمد المجلة الأدبية الشهيرة إلى "جمع" مجموعة من "الخبراء" حول مائدة تتداول حول القضية وتجيب على هذا السؤال الصعب، وتضع خلاصات لآرائهم، تقوم بتطعيمها بالمعلومات والمعطيات الأخرى المتوفّرة، بالأرقام الخاصة بالمبيعات، وهذه المواد كلها يمكن أن توفّرها وسائل الاتصال الحديثة؟ خصوصاً وأن كل اللوائح التي ظهرت تمّ تحصيلها بهذه الطريقة. لكن التحفظ ربما يكون هذا مصدره: الخبراء المستجوبون لهم مكانة خاصة، والنتائج تكون "جيدة"، غير أنها تعكس قبل كل شيء أحكاماً شخصية.
الفلاسفة العشرة الذين وضعتهم المجلة في لائحتها هم: مارثا نوسباوم (أميركا 1947)، شارلز تايلور (كندا 1931)، كوامي أنثوني أبيا )بريطانيا/غانا 1954)، يورغن هابرماس ( ألمانيا 1929)، غاياتي شاكرافورتي سبيفاك (الهند 1942)، ألان باديو (فرنسا 1937)، جوديث باتلر (أميركا 1956)، سلافوي جيجيك (سلوفينيا 1949)، جون سيرل (أميركا 1932)، برونو لاتور (فرنسا 1947).


لا وجود لقطيعة بين الفلسفة والأيديولوجيا
جاء في كلمة المجلة أن هيئة التحرير أرادت الذهاب أبعد من ذلك، في اتجاه عدم تجاهل أي حكم قيمة، بل توظيفه ومنحه دوراً معيّناً انطلاقاً من قاعدة "موضوعية"، صادرة عن عناصر معلوماتية إن لم تكن قابلة للقياس، هي على الأقل مستخلصة بوضوح. لقد فكرت الهيئة المذكورة في وضع لائحة "مفكّر فيها". وبرنامج البحث البسيط هذا يصطدم بعدد من الصعوبات، كون الفلسفة ليست علماً، رغم أنها تقتسم مع العلم عدّة خصائص. فهي مخترقة بعدّة نقاشات أيديولوجية- فالقطيعة: أيديولوجيا/فلسفة لم تكن يوماً واضحة-، فهي تتوزّع إلى "تيارات"، متعارضة فيما بينها ويكون تأثيرها في الآخرين أحياناً لاغياً وباطلاً. هذه حقيقة وضعتها المجلة في الاعتبار. لذلك أعلنت بكل وضوح: هذه اللائحة ليست من اختيارنا، الذي يفيد أنها تعكس ميولاتنا. فهي تضمّ "أعداء" حقيقيين. الفيلسوفة الأخلاقية الأميركية مارثا نوسباوم كتبت مقالة شهيرة عن مواطنتها جوديث باتلر اعتبرت فيه سيدة هذا النوع بمجرد "أستاذة في السخرية"، بمعنى "مضادّة للفلسفة". وفي نفس الآن، لا بدّ من التأكيد أنه رغم صراعهم حول نفس الأسئلة، فإن جميع فلاسفة مرحلة معينة ينكبون على نفس القضايا. لأن هناك وحدة داخل الفلسفة لا تنشأ عن الأجوبة التي تقدّمها بل عن الأسئلة التي تطرح. وهذه المعاينة زوّدت الهيئة بخصائص تكميلية لهذه اللائحة. فليس من فأل الخير أن يكون الفيلسوف غير مرتبط برهانات حاضره، رغم أن هذا الارتباط، الذي يكون في الغالب غير مباشر، صعب الفهم.
 إن الصيغة التي انطلقت منها المجلة كعنوان لملفها "عشرة فلاسفة يؤثرون اليوم في العالم"، هي صيغة إشكالية إلى حدٍّ ما. فنعت "في الحاضر" لا يطرح أي مشكل، ويكفي أنها اكتفت بالفلاسفة الأحياء. لكن "العالم" من السهل التعامل معه بالتقدير الكافي. ورغم العولمة، فإن لكل بلد على هذا المستوى طريقته في استقبالها والتجاوب معها. في هذه النقطة الفيلسوف الألماني هابرماس مشهور جداً، لكنه لم يُقرأ بالقدر الكافي، لكنه في الولايات المتحدة يُعتبر أهم اسم في "الفلسفة الأوروبية". وبالعكس من ذلك، فمارثا نوسباوم تكاد تكون شبه مجهولة في أوروبا. لكنها تعتبر معروفة خارج المحيط الأطلسي، حيث فازت في السنة الماضية بالجائزة الكبيرة "بيرغروم". ولجعل وضع لائحة عالمية أمراً ممكناً، تجاوزت المجلة هذه الاعوجاجات "الوطنية".
لكن الكلمات الأكثر إشكالية تبقى هي "فلاسفة" و"أكثر أهمية". فتمّت معالجة الكلمة الأولى بالمعنى الأكثر ضيقاً، وتمّ إبعاد من هذا الحقل المؤرخين، وعلماء الإناسة، وعلماء الاجتماع، وعلماء النفس. إلا إذا كان بعضهم يميلون إلى وضعية الفلاسفة. ومنذ القرن التاسع عشر امتزجت الفلسفة بالعلوم الاجتماعية. بهذا المعنى قدّم هابرماس باعتباره "فيلسوفاً اجتماعياً"، عالم اجتماع وفيلسوف في نفس الآن. ونفس الشيء بالنسبة لبرونو لاتور وشارلز تايلور، ورغم ذلك لا يمكن إبعادهم من أجل هذا.


غياب تشومسكي، لماذا؟
في مقابل ذلك، سيلاحظ القارئ أنه تمّ تغييب اسم نعوم تشومسكي، بالرغم من أنه الفيلسوف الأكثر جرداً وذكراً في العالم. فبحكم المهنة هو ينتمي إلى فئة اللسانيين. لكن إذا كان من بينهم، مثل فرديناند دي سوسير، من يمتلكون تأثيراً كبيراً على الفلسفة، فإن نشاطه يقيم، من هذه الزاوية، داخل سجلّ تقني. إن قوة إثارة تشومسكي، حسب هيئة تحرير المجلة، قائمة بوصفه خصوصاً ناقداً للمجتمع وللنخب المنحازة للدول. إنه "صحافي" سياسي، وليس فيلسوفاً بالمعنى الصارم للمصطلح. لهذا السبب تمّ إقصاؤه من اللائحة. هذا الاختيار خاضع للمناقشة، والسؤال أيضاً يُطرح بخصوص ألان باديو وسلافوي جيجيك. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما يسميانه "الأطروحة الشيوعية"، فهما معاً يدينان لهذا الالتزام بقسط كبير من سمعتهما. وما يميّزهما عن نعوم تشومسكي هو أنهما إلى جانب ذلك، يمتلكان أعمالاً فلسفية. فباديو هو أب لجيل كامل من الميتافيزيقيين الفرنسيين والأجانب، الذين ينأون كلهم عن مشاركته آرائه السياسية ويسائلون غالباً العلاقات الموجودة بين هذه الآراء وبين فلسفته. أما جيجيك فهو حامل مشعل هيغل وشارح لأعمال لاكان.
لكن بين هؤلاء الفلاسفة الذين تمّ تحديدهم، قياس من هو "الأكبر" قضية أخرى. وأرقام المبيعات، في هذا المجال، تبقى عارية من الدلالة. وإذا أخذناها بعين الاعتبار، وجب وضع على رأس اللائحة دون ميغل رويز، المؤلّف المكسيكي. وفي فرنسا وجب تتويج ميشيل أونفري، شارل بيبان أو رفائيل أنثوفن. كما تمّ إقصاء الإسرائيلي يوفال نوح هراري، رغم أن المجلات تقدّمه كـ"أكبر فيلسوف على قيد الحياة". وأعماله تقدّم خلاصات جيّدة عن بعض القضايا الحالية. هذا كل شيء، فهي تنتمي إلى حقل التبسيط، دون إضافة أي جديد للتفكير.
وهناك معين آخر كان وراء وضع هذه اللائحة القصيرة نسبياً: البيبليوغرافيا، والتي لا يُراهن عليها إلا نادراً. والفكرة القاعدية بسيطة جدّاً: يتعلّق الأمر بجرد ورود أسماء الفلاسفة في الاقتباسات وأفكار المقالات المنشورة في المجلات الدولية في حقل الفلسفة والعلوم الإنسانية الأكثر شهرة.