Print
نجيب مبارك

سوق الكتاب في فرنسا.. خطط للإنقاذ وخسائر بالجملة

27 مايو 2020
تغطيات

بعد إغلاق اضطراري لمدة شهرين كاملين، بسبب الحجر الصحّي، عادت دور النشر والمكتبات الفرنسية لاستئناف أنشطتها يوم 11 مايو/أيار الحالي. وحسب استطلاع أجرته مؤخّرًا النقابة الوطنية للنشر، تكبّد قطاع النشر والكتاب في فرنسا خسائر بالجملة، بينما ارتفعت أصوات مختلف الفاعلين للمطالبة بتفعيل خطّة الحكومة لإنقاذ سوق الكتاب في الشهور المقبلة.

 

خطة لإنقاذ الكتاب
من النادر في فرنسا أن يطالب الكتّاب والناشرون الفرنسيون بتدخّل رئيس الجمهورية شخصيًّا في أمور تخصّ وضعية النشر والكتاب في البلاد. ومع ذلك، في عمود نُشر يوم السبت 23 مايو/ أيار على موقع جريدة "لوموند"، بعنوان "سيدي الرئيس، لا تنسوا الكتاب!"، طلب 625 مؤلفًا وناشرًا وبائعًا للكتب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التفكير في خطّة عاجلة لإنعاش سوق الكتاب. ومن بين الموقعين كتاب وناشرون بارزون مثل مايليس دي كيرانغال، وبيير لو ميتر، وكارين طويل، وفرانسواز نيسن، وفنسنت مونتاني، وأنطوان غاليمار، وكزافييه موني. وتأتي هذه الدعوة بعد إجراءات أعلن عنها رئيس الجمهورية لدعم المجال الثقافي في 6 مايو/أيار الماضي. لكن هذه الإجراءات "غاب عنها الكتاب بشكل غريب"، بحسب رأي بيير دوتيول، المدير العام للنقابة الوطنية للنشر، في حوار مع مجلة "ليفر إيبدو".  ويرى هؤلاء الموقعون أن الإغلاق الكامل لمحلات بيع الكتب "قد أدى إلى فقدان كل مبيعاتها تقريبًا، وفقدان أكثر من 80% بالنسبة لدور النشر والموزعين والمطابع. بينما يواجه المؤلفون المحرومون من مبيعات الكتب واللقاءات مدفوعة الأجر خسائر غير مسبوقة في الدخل.  وإن عالم الكتب في خطر".
وتدعو خطة الإنعاش المقترحة إلى تبنّي "سياسة دعم قوي للعرض- عن طريق الإعانات والقروض والإعفاء من الرسوم والضرائب الاجتماعية- من خلال زيادة الطلب حسب مواقع البيع، ودعم طلبات أكبر من قبل المكتبات والأفراد عبر استخدام "بطاقة الثقافة" أو قسيمة القراءة". كما يطلب الموقعون من إيمانويل ماكرون توفير "مساعدات بمئات الملايين من اليوروهات"، بالإضافة إلى تفعيل خطة الطوارئ التي اعتمدها المركز الوطني للكتاب يوم الجمعة 3 أبريل/نيسان، والبالغة قيمتها خمسة ملايين يورو، مع التذكير بأن "هناك ضرورة ملحة للتدخل قبل الصيف".
منذ رفع الحجر تدريجيًا في فرنسا، بدءًا من11 مايو/أيار الجاري، وإعادة فتح المكتبات، قفز عدد القراء إلى مستويات قياسية.  فقد زادت المبيعات بنسبة 233% من حيث القيمة و178% من حيث الحجم خلال الأسبوع الأول من رفع الحجر من 11 إلى 17 مايو/أيار، مقارنة بالأسبوع السابق عليه، وفقًا لتقديرات مكتب للإحصاء. وبالنسبة للمقارنة السنوية، ارتفعت مبيعات الكتب خلال الأسبوع العشرين من هذا العام بنسبة 2.7% من حيث القيمة و6.8% في الحجم مقارنة بعام 2019.

مطالبة  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتفكير في خطّة عاجلة لإنعاش سوق الكتاب

 

التأثير الاقتصادي للحجر
أدى الإغلاق الإداري للمكتبات لمدة شهرين تقريبًا إلى انخفاض كبير في عائدات المكتبات واستنزاف أموال الناشرين. ويخشى هؤلاء الناشرون من انخفاض في حجم التداول بين 20 و40 بالمئة على مدار العام، وفقًا لمسح أجرته النقابة الوطنية للنشر. وعلى الرغم من الانتعاش القوي على ما يبدو في نقاط البيع المختلفة، إلا أن العديد من الأصوات ارتفعت للمطالبة بتنفيذ خطة إنعاش قطاع الكتاب بأكمله، وستكون الأولوية فيها لدعم المتاجر مباشرة. وفي هذا الصدد، أعلن وزير الثقافة فرانك ريستر، في جواب أمام الجمعية الوطنية في 19 مايو/أيار، أنه يعمل على مثل هذا البرنامج، وسيكشف عنه في الأسابيع المقبلة.

في 19 مايو/أيار الماضي، كشفت النقابة الوطنية للنشر عن نتائج استطلاع أجرته مع الناشرين عن مدى تأثير الأزمة الصحية على دور النشر. وقد شمل هذا الاستطلاع حول التأثير الاقتصادي والاجتماعي للحجر 132 شركة، تمثل 250 دارًا للنشر، وهو يقدّم لمحة جزئية، ولكنها جوهريّة، عن الوضع المقلق للناشرين أو المستقلّين أو المجموعات التحريرية خلال هذه الفترة من استئناف النشاط. وعمومًا، بالنسبة لنتائج الاستطلاع، لم يكن مفاجئًا تدنّي إيرادات الناشر في الأشهر الأخيرة. إذ يتوقّع نصف عدد دور النشر انخفاضًا في حجم التداول يتراوح بين 20 و40 بالمئة هذا العام مقارنة بعام 2019. بينما اعترفت ربع المؤسسات الأخرى التي شملها الاستطلاع بأنّها ستفقد هذا العام أكثر من 40% من رقم الأعمال. وكلها تتّفق على أنّ شهر أبريل كان هو الشهر الأصعب خلال فترة الحجر، حيث أعلنت 73% من دور النشر عن انخفاض الدخل بأكثر من 60% خلال هذه الفترة مقارنة بالعام السابق. أما بالنسبة لشهر مارس، فقد كشف 63% من الناشرين عن خسائر بين 20 و60 بالمئة من حجم مبيعاتهم. وعلى الرغم من الانتعاش القويّ في المكتبات منذ رفع الحجر، إلا أن أكثر من ثلث المؤسسات تتوقّع انخفاضًا بنسبة 60% في دخلها خلال الشهر الجاري.


مساعدات غير كافية
لا شك أنّ الأثر الاقتصادي للحجر ستكون له عواقب متوسّطة وطويلة الأمد على الناشرين. وفي هذا السياق، يشير أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع إلى تراجع المداخيل النقدية وتأجيل أو إلغاء الاستثمارات المخطّط لها. كما يعتقد ثلث المؤسسات أنّ الأزمة الصحية تشكّل تهديدًا للعمالة المشتغلة لديها، بل اعترفت 18 مؤسسة بأنّها تواجه خطر الإغلاق فعليًا. كما أدّى الحجر الطويل إلى تعطيل النشاط التحريري إلى حد كبير. حيث أفاد أغلب المستجوبين أنهم قاموا في المتوسط بإلغاء أو تأجيل 18% من منتجاتهم الجديدة ​​ المخطّط لها لعام 2020. وإضافة إلى ذلك، حرم إلغاء معارض الكتب الدولية الرئيسية الناشرين من مداخيل مهمة كان سيوفرها بيع الحقوق الأجنبية.
ولتجاوز هذه الأزمة، يدعو غالبية الناشرين الفرنسيين إلى تفعيل خطط الدعم المختلفة التي وضعتها الدولة والسلطات المحلية، ومن بينها اللجوء إلى البطالة الجزئية، والمطالبة بتأجيل دفع المساهمات الاجتماعية والاقتراض عن طريق السلف الخاص بالشركات والمضمون من الدولة، والذي تمّ تأمينه بمبلغ إجمالي يصل إلى 300 مليار يورو. ومع ذلك، فإنّ أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا أنّ إجراءات الطوارئ هذه غير كافية ومبالغها محدودة جدًا. بينما أشار بعض الناشرين بأصابع الاتهام إلى معايير الاستحقاق الصارمة والمقيِّدة بشكل مفرط.

أمّا بالنسبة لتقييم شروط استئناف بيع الكتب، خلال الأسبوعين الماضيين، فقد أجمع كلّ المشاركين تقريبًا على صعوبة إعادة تشغيل المكتبات ونقاط البيع الأخرى. ووفقًا للعائدات الأولى، فإنّ تقاطر الحشود على المكتبات كان إشارة جيّدة في الأسبوع الأول من استئناف العمل. لكن ما يدعو إلى القلق أكثر، وإلى عدم اليقين أيضًا، هو الطلب غير الكافي من القرّاء، ونقص الموارد المالية لأغلبهم، وانخفاض الميزانيات الخاصّة بشراء الكتب على العموم. لهذا يبدو منطقيًّا أن تطالب الغالبية بدعم قويّ من الدولة والبلديات للمكتبات حتى تستأنف نشاطها، من خلال إمكانية تعليق ضريبة القيمة المضافة على الكتب، ودعم الكتب المدرسية وتوزيع قسائم القراءة. بينما يجب أن يركّز الجزء الثاني من خطّة الانعاش على مساعدة الناشرين المستقليّن، من خلال إلغاء مساهمات الضمان الاجتماعي، والمساعدة المالية على التكاليف الثابتة والصيانة المؤقتة (الإيجار، الكهرباء، إلخ) والبطالة الجزئية. وبالإضافة إلى تدابير دعم المقاولات، يؤيّد معظم الناشرين حلولًا سياسة وثقافية أكثر شمولية، مثل اعتماد سعر الكتب البريدية، وإطلاق نظام عام لتوزيع الكتب على المكتبات العمومية والمؤسسات التعليمية. أو القيام بحملة دعائية وطنية كبرى لدعم اقتناء الكتب والقراءة.