Print
أحمد عبد اللطيف

ساراماغو يكتمل على أبواب مئوية ميلاده

22 نوفمبر 2021
تغطيات



تحتفل الأوساط الثقافية الإسبانية والبرتغالية منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر بالعام الـ 99 لميلاد واحد من أبرز كُتّاب العالم: جوزيه ساراماغو، الذي ولد في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1922، ورحل في 18 حزيران/ يونيو 2010، تاركًا للإنسانية أعمالًا أدبية استطاعت أن تمثل العالم الحديث والواقعية الجديدة وأزمات الإنسان وجشعه وأنانيته، كما كانت طلقات نارية ضد السلطة السياسية والدينية. الاحتفالات أيضًا بوابة للاستعداد لمئوية ميلاد الروائي البرتغالي، وتستمر حتى نهاية العام المقبل.
في إطار هذا الاحتفال الذي سيمتد على مدار عام كامل، ستُقام مؤتمرات وقراءات لاستعادة أفكاره وفلسفته ونصوصه، مع طرح طبعات جديدة لأعماله. لكن الخبر الأهم هو نشر روايته الأولى "الأرملة" بالإسبانية، وإعادة نشرها بالبرتغالية، بعد أن كانت قد اختفت تمامًا منذ ما يزيد عن نصف قرن.


قصة رواية



"المؤلف شاب في الرابعة والعشرين، صامت ومنطوٍ، يعمل ككاتب في الخدمات الإدارية في هيئة المستشفيات المدنية في لشبونة، بعد أن عمل لأكثر من عام في صناعة الأقفال في ورش هذه المستشفيات". بهذه البداية، يقدم جوزيه ساراماغو نفسه في نص سيغدو الآن مقدمة لروايته الأولى "الأرملة"، المنشورة في عام 1947 في لشبونة، وتطبعه الآن بالإسبانية دار ألفاجوارا المرموقة، لتكون بداية الاحتفال بمئوية صاحب "العمى"، و"البصيرة"، و"كل الأسماء".




"الأرملة"، أولى روايات النوبلي البرتغالي، تحكي قصة شديدة الألم. والشاب الذي يبدأ في طريق طويل يتطلع إلى أن يغير المشهد الأدبي، فلا يهتم بتوقيع عقد، ولا بتلقي حقوق المؤلف، بحسب ما صرحت بيلار دل ريو، أرملة الكاتب ومترجمته إلى الإسبانية. وتضيف: "ولم يرق لمدير دار مينيرفا العنوان الأصلي، فقرر من تلقاء نفسه تغييره ليكون "أرض الخطيئة"، وهو العنوان المنشور باللغة البرتغالية".
خلال حفل تقديم النسخة الإسبانية منذ أيام، عرضت دل ريو الطبعة القديمة. لقد عثرت عليها ملفوفة بورق في أحد أدراج الكومودينو في بيت ساراماغو القديم بألينتجو، قريته في البرتغال. وفي صفحاتها الأولى إهداءاته للعديد من صديقاته.
"الحقيقة، وبحسب ما هو واضح، فالمستقبل لم يكن يعد المؤلف بالكثير"، يكتب جوزيه ساخرًا في مقدمته مدركًا حال عمله هذا في المكتبات في ذاك الزمن. مع ذلك، سبب توقفه عن الكتاب سيكون روايته الثانية "المنور"، التي كتبها عام 1953، ولن تُطبع قبل 2011، عقب وفاته. تعلق دل ريو: "عندما أرسل الرواية إلى ناشرين، لم يتلق حتى ردًا، فأدرك أن السبب أنه ليس لديه ما يقوله، فتوقف عن الكتابة خلال عقدين".


القطعة الأخيرة

رواية "الأرملة" لجوزيه ساراماغو اختار الناشر لطبعتها الأولى عنوان "أرض الخطيئة" 


اتسمت "الأرملة" بالكلاسيكية، وكانت بعيدة كل البعد عن أسلوب ساراماغو الفريد الذي انطلق بداية من "ثورة الأرض" عام 1980. تحكي الرواية بأسلوب رواية القرن التاسع عشر (مثل مدام بوفاي، آنا كارنينا، دونيا بيرفيكتا) مآسي ماريا ليونور، وهي امرأة شابة ومحظوظة غدت حياتها، بعد وفاة زوجها، مقسمة بين الألم الذي تفرضه التقاليد الاجتماعية وبين الرغبة. لا شيء في هذا العمل يرتبط بمشروع ساراماغو إلا النبرة الفلسفية.
هذه الرواية، التي ترجع أهميتها إلى الاطلاع على كتابة البرتغالي القديمة، يمكن أن نلحظ فيها السخرية العميقة، وما كان لها أن تظهر للنور لولا كارلوس رييس، صديق الكاتب المقرب، والمسؤول عن فاعليات المئوية. تقول دل ريو إنه بنشر هذا العمل تكتمل أعمال الكاتب، ويمكن قراءتها بالترتيب، "لقد اقتنعت بنشر العمل المفقود حتى لو كان لأغراض أكاديمية، لنتيح للدارسين والباحثين كل قطع البازل".




أرملة النوبلي البرتغالي تؤكد أن "جوزيه لم يكن يريد إعادة نشرها، وكان يقول إنها عمل في الشباب، ولا يتمتع بشيء من أسلوب ساراماغو، وفكر أنها يمكن أن تربك القارئ، ولم يكن ذلك إلا مسألة تواضع". أضافت: "فعل الشيء نفسه مع "المنور"، وكانت تذكره بمرحلة قاسية جدًا، وكان يرى أن نشرها ليس إلا عملية تجارية. لذلك وافق على نشرها بعد موته".
يقول رييس: "هذان العملان المكتوبان في شبابه كانا الخطوات الأولى نحو جائزة نوبل، ويشكلان جزءًا رئيسيًا في مسيرة ساراماغو الأدبية والحياتية. الآن باتا في متناول يد القارئ". يضيف البروفسور في جامعة كويمبرا، والمتخصص في الأديب البرتغالي: "ثمة كتاب يرفضون الأعمال المنشورة، آخرون يعيدون كتابتها، أما ساراماغو فقال ببساطة إن المكتوب هو ذاته منذ 20 أو 30 أو 40 عامًا، ورفض دائمًا أن يتدخل فيها".


الحفاظ على القلق



استعادة هذه الرواية، التي ستستعيد في البرتغال كذلك عنوانها الأصلي، ما تعتبره دل ريو "إعادة الحق"، سيكون العتبة لطرح دار ألفاجوارا الأعمال الكاملة على ثلاث مراحل خلال العام المقبل. في 27 كانون الثاني/ يناير ستظهر في مجلد واحد أعماله الفارقة: "الإنجيل كما يرويه المسيح"، و"البصيرة"، و"النصب التذكاري بالدير"، بالإضافة إلى أعماله الشعرية الكاملة. وفي 17 آذار/ مارس يأتي دور "قابيل"، "عام موت ريكاردو رييس"، "الكهف"، و"الطوف الحجري"، كذلك ألبوم فوتوغرافي يضم حياته وأعماله. وأخيرًا في 16 حزيران/ يونيو تُطبع "الذكريات الصغيرة"، و"دفاتر لنثاروتي"، بالإضافة إلى أعماله المسرحية، وطبعة فاخرة ومصورة من "رحلة البرتغال"، التي غدت الآن دليلًا سياحيًا جذابًا في البرتغال.
لكن بعيدًا عن الاحتفال عبر إعادة نشر الأعمال، سيكون 2022 عام الفعاليات حول ساراماغو. وكشفت دل ريو بعضها: ثمة مؤتمر سينظمه ألبيرتو مانغيل في البرتغال، يشارك فيه العديد من كتاب العالم؛ ومعرض بعنوان "مكتب جوزيه ساراماغو" تستضيفه المكتبة الوطنية بالبرتغال، وكذلك في إسبانيا.
يقول البروفسور رييس إن شعار كل الأنشطة سيكون عبارة ساراماغو الشهيرة "أعيش في القلق، وأكتب لأزيد قلقي"، وهي أنشطة ستكتمل بالقراءات في العديد من دول العالم، وكذلك النقاشات الأكاديمية، وعروض الصوت والضوء والرقص والمعارض والأفلام المأخوذة من أعماله. وفي مسقط رأسه، في أزينياجا، ستُزرع مئة شجرة زيتون تحمل كل واحد منها اسم شخصية من شخصيات أعماله.




وخلال هذه الأيام، ومنذ بداية نوفمبر، افتتحوا في لنثاروتي مكان إقامة الكاتب خلال سنواته الأخيرة، ومعرضًا للصور الفوتوغرافية لـ دانييب موردزينسكي، وكذلك أمسيات ينظمها خوسيه لويس جوميث لقراءة نصوص ساراماغو، وماتشادو، وأثانيا، وأونامونو.