Print
سناء عبد العزيز

تعويذة الحرب والحب والجنون "شقيق الروح" تفوز بالبوكر الدولية

8 يونيو 2021
تغطيات

 

تصدّرت الرواية الثانية للكاتب الفرنسي ديفيد ديوب "شقيق الروح Frère d'âme"، قوائم أكثر الكتب مبيعًا في فرنسا، بمجرد صدورها عام 2018، ورشّحت في القوائم القصيرة لـ 10 جوائز أدبية، وفازت بالفعل بجائزة غونكور. كما حظيت ترجماتها بجائزتي بريميو الإيطالية وليبريس الهولندية الأوروبية.

في هذا العام، أدرجت ترجمتها الإنكليزية في قائمة البوكر الدولية القصيرة المكوّنة من 6 عناوين اختيرت من بين 125 عملًا مترجمًا. وضمّت، إلى جانب ديوب، الأرجنتينية ماريانا إنريكيز بروايتها "مخاطر التدخين في الفراش"، والتشيلي بنيامين لباتوت "حين نتوقف عن فهم العالم"، والدنماركية أولجا رافن بـروايتها "الموظفون"، وكذلك الروسية ماريا ستيبانوفا "في ذكرى الذكريات"، وأخيرًا "حرب الفقراء" للكاتب الفرنسي إريك فويلار.
 

تعويذة ديوب الغامضة

وصفت رئيسة لجنة تحكيم جائزة بوكر الدولية، المؤرخة لوسي هيوز هاليت، رواية ديوب بأنها "استثنائية".. "فالعديد من الكتب المقدّمة هذا العام، بما في ذلك الرواية الفائزة، تستكشف قضايا الاستعمار أو الهجرة، وهي بالطبع تداعيات لحقب طويلة من الاستعمار الغاشم. اشتمل معظمها على قصص عن الأشخاص الذين يتنقلون حول العالم هربًا من واقع مروّع، وسواء تم الترحيب بهم من قبل البلدان المضيفة أو استبعدوا نهائيًا، فهي قصة أراد كثير من الكتاّب معالجتها. وكانت لقصة الحرب والحب والجنون التي سردها ديوب بنوع من النثر التعويذي، القدرة المطلقة على تنويم أعضاء لجنة التحكيم مغناطيسيًا وكأننا بإزاء نوع من السحر الغامض. ولا أريد أن أذهب إلى أبعد من ذلك، فالكتب الستة المختارة كانت أكثر من رائعة، لكننا اعتقدنا بإجماع الأصوات أن رواية ديوب بترجمة البريطانية آنا موسكوفاكيس، تعدّ عملًا استثنائيًا".

ديوب هو أول كاتب فرنسي والأول من أصل أفريقي الذي يفوز بجائزة البوكر الدولية. صحيح أن الكاتبة النيجيرية تشينوا أتشيبي فازت بها في عام 2006، ولكن هذا كان في نسختها السابقة، "مان بوكر الدولية"، عندما كانت جائزة للإنجاز مدى الحياة.

لوسي هيوز هاليت  


ولد ديوب في باريس عام 1966 لأم فرنسية وأب سنغالي، وقضى طفولته في السنغال قبل أن يعود إلى الدراسة في فرنسا، ليصبح أستاذًا لأدب القرن الثامن عشر في جامعة باو، ويترأس الآن قسم الفنون واللغات والأدب في الجامعة.

صدرت روايته الأولى "جاذبية عالمية" عام 2012 عن دار لامارتان المهتمة بالشأن الأفريقي، وفيها تظهر إرهاصات تجربته في معالجة موقف الاستعماريين من الأفارقة، وإن لم تلفت إليه الأنظار. وفي عام 2018 أصدر أول كتبه العلمية الكاملة بعنوان "الخطاب الزنجي في القرن الثامن عشر" ويتناول تمثيل الأفارقة في كتابات السفر في القرن الثامن عشر ونصوص إلغاء الرق.

 

"في الليل كل الدم أسود"

تلعب الترجمة دورًا رئيسيًا يعادل النص الأصلي في جائزة بوكر الدولية، منذ أن تأسست عام 2005، فهي واحدة من الجوائز القليلة التي تكافئ المترجم باعتباره شريكًا في إنتاج النص، حيث يتم تقسيم قيمتها البالغة 50 ألف جنيه استرليني، مناصفة بين الكاتب والمترجم. وفي "شقيق الروح" قامت المترجمة البريطانية آنا موسكوفاكيس، الشاعرة المعروفة، بتغيير عنوان نسختها الإنكليزية إلى "في الليل كل الدم أسود"، مهتدية بالمغزى العام للرواية والجملة الواردة في صفحاتها الأولى. وفي حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية، أبدى المؤلف الفرنسي، مدى ارتياحه للعنوان: "أنا سعيد جدًا بالفوز، فهذا يدل على أن الأدب لا حدود له، وأن من شأن الترجمة أن تتيح للناطقين باللغة الإنكليزية، امتدادًا للشحنة العاطفية التي أثّرت في القراء الفرنسيين. بالنسبة للعنوان الذي اختارته المترجمة فهو بمثابة انعكاس لرغبة الرواية في الإيحاء بأن الحرب وعنفها يؤثران على الجميع، وأن الدم عندما يسيل، يكون له اللون نفسه، مع اختلاف البشر".

في حديث لها نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية قالت موسكوفاكيس: "برغم خصوصية سياق الرواية الذي يعني القراء الفرنسيين على وجه الخصوص، فقد تمكنت من لفت انتباه لجنة التحكيم بالإنكليزية، ويرجع ذلك بالأحرى إلى كل ما تثيره من قضايا، أهمها الهيمنة القائمة على العرق والعنف الاستعماري، الموجودين في كل مكان في العالم".
وترجمت الرواية إلى العربية، وصدرت عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2018 بالعنوان نفسه "شقيق الروح". 

 آنا موسكوفاكيس  وديفيد ديوب



مفترس الأرواح

استلهم ديوب كتابه من صمت جده الأكبر السنغالي عن الفترة التي قضاها في الحرب. "لم يقل أي شيء لزوجته أو لأمي عن تجربته قط. لهذا السبب كنت دائمًا مهتمًا جدًا بتلك الحكايات وكافة الاعتبارات التي أعطت المرء الحق في الوصول إلى شكل من أشكال العلاقة الحميمة مع تلك الحرب بالذات".

ما يقرب من 135 ألف جندي سنغالي قاتلوا في أوروبا في هذه الحرب، قتل منهم 30 ألف جندي، كان لكل منهم قصة، يمتزج فيها تاريخ الحرب بتاريخ الاستعمار، منها حكاية لجنديين سنغاليين في مقتبل العمر؛ أحدهما الراوي ألفا ندياي، والآخر، رفيقه في السلاح وصديق طفولته ماديمبا ديوب، جندتهما الإمبراطورية الاستعمارية للقتال في إحدى الجبهات الأوروبية، حين تحولت الحرب العالمية الأولى إلى معركة خنادق.

في هجوم مفاجئ يصاب ماديمبا بجروح بالغة تدفعه إلى التوسّل لصديقه لينهي حياته بأن يطلق عليه رصاصة الرحمة، "بحق الله، وحق عرّافنا الأكبر، إن كنت أخي بالفعل، إن كنت حقا كما أعتقدك، اذبحني كما يُذبح خروف الأضحى، لا تترك خطم الموت يلتهم جسدي! لا تتركني لكل هذه القذارة، ألفا ندياي… ألفا، أتوسل إليك، اقتلني!" لكن ألفا يأبى عليه أن يستريح بدلا من المعاناة الرهيبة تحت السماء الرمادية، ووسط روائح البارود وبقايا الجثث.

حين يجن الليل، يجمع ألفا أمعاء صديقه، ويكوّمها في بطنه الممزقة، محكمًا ربطها بقميصه ليتسنى له الرجوع بالجثة كاملة إلى الخندق، آنذاك لا يعود ألفا هو الشخص نفسه، إنه التحّول الرهيب حين لا نستطيع الذود عمن نحبهم، أو لا نستطيع تنفيذ مطلبهم الأخير لاعتبارات تشل قدرتنا على التفكير.  فنتفاجأ بألفا وقد أكسبته التجربة شراسة حوّلته إلى وحش كاسر متعطش للدماء، يخاطر بالزحف إلى خنادق الأعداء متسلحا ببندقيته وساطوره ليقتل ويمثل بالجثث أنى شاء، ويعود بها إلى خندقه كغنائم حرب.

 



الشعوذة باللغة الوُلوفية

تقول هاليت: "الكتاب مخيف، حين تقرأه، تشتبك عواطفك كلها، وينفتح عقلك على أفكار جديدة. إنها قصة غير عادية، قوية جدًا، ومقنعة للغاية. بطل الرواية متهم بالشعوذة وكلنا، ونحن نقرؤه، شعرنا أن ثمة تعويذة تحوم فوق رؤوسنا!".

"إنها أيضًا قصة عن اللغة"، تضيف هاليت، "وبطل الرواية لا يتحدث الفرنسية كثيرًا، لذا فهي قصة مكتوبة بالفرنسية، نقرأها باللغة الإنكليزية، عن رجل يفكر باللغة الولوفية (لغة أغلبية سكان السنغال وأقلية كبيرة في موريتانيا). لقد صهر ديوب ذلك على نحو ذكي بابتكار نوع من اللغة التعويذية التي تنقل بطريقة ما هذا الإحساس بما يشبه التفكير خارج لغتك. آمل ألا يؤدي العنف إلى إبعاد القراء المحتملين".

انضم إلى هاليت في لجنة التحكيم، الكاتبة والصحافية عايدة إدماريام، والروائية نيل موخيرجي، والمؤرخة أوليفيت أوتيل، والشاعر والمترجم جورج سزيرتس. وتم الإعلان عن الفائزيْن ديوب وموسكوفاكيس في حفل افتراضي، بث على الهواء مباشرة من كاتدرائية كوفنتري.
ومن بين أبرز الفائزين السابقين بالجائزة، هان كانغ من كوريا الجنوبية، والبولندية الحائزة على نوبل أولغا توكارتشوك.