في عام 1909 فوجئ العاملون في الشأن الأدبي حول العالم بإعلان اسم الروائية السويدية سلمى لاغرلوف كأول كاتبة تمنح جائزة نوبل للآداب بعد ثماني سنوات من تأسيسها، كانت سلمى في أول خمسينيتها وعاشت بعدها ثلاثين عامًا ظلت خلالها عضوًا دائمًا في لجنة تحكيم الجائزة التي كانت من أهم شروطها في الترشيح هو تحقيق شرط المثالية في النظرة إلى العالم والحياة من خلال الكتابة. مفردة المثالية كانت موجودة دائمًا في التقديم الخاص بالفائزين بالجائزة بوصفه المعيار الأول للفوز. لم يعرف العالم العربي وقتها من هي سلمى لاغرلوف، ولا أظن أن أعمالها المترجمة مقروءة كثيرًا في العربية رغم أنه ترجم لها في عصرنا الحالي خمسة كتب، واحدة منها كتب قصص قصيرة تحت عنوان (كتاب البديل).
مضت بعد ذلك سبعة عشر عامًا قبل أن تعود لجنة الجائزة الأدبية (التي كانت لاغرلوف من أعضائها)، إلى منح الجائزة إلى الإيطالية غراتسيا ديليدا عام 1926، وهي شاعرة وروائية صنفت لجنة الجائزة أعمالها بأنها مفعمة بالمثالية في إبرازها لنمط الحياة في جزيرة سردينيا موطنها الأصلي، وترجمت من أعمالها إلى العربية ثلاثة كتب في السرد، أما الشعر فيبدو أنه لم يمنحها الشهرة التي منحها لها السرد الروائي.
بعد عامين فقط أي في عام 1928 قررت لجنة الجائزة منح الروائية النرويجية سيغريد أونديست نوبل للآداب لوصفها المميز والمثالي لحياة البشر في الشمال الأوروبي في القرون الوسطى وترجمت لها إلى العربية العديد من الروايات والقصص القصيرة.
في عام 1938 حصلت الروائية الأميركية بيرل باك التي عاشت معظم طفولتها وشبابها في الصين وصاحبة رواية (الأرض الطيبة) المشهورة في العربية، على جائزة نوبل لتوصيفها الملحمي الغني والحقيقي لحياة الفلاحين في الصين.
أما التشيلية المعروفة جدًا في بلاد العرب غابريلا ميسترال فقد جعلها شعرها الغنائي رمزًا للتطلعات المثالية لعالم أميركا اللاتينية بأسره وأهّلها للحصول على نوبل عام 1945.
ثم تمر إحدى عشرة سنة قبل أن تحصل عليها الشاعرة السويدية الألمانية نيللي زاكس عام 1966 بسبب الغنائية الدرامية المؤثرة في توصيفها لمصير إسرائيل في شعرها وأعمالها.
ومند عام 1966 وحتى عام 1991 لم تجد لجنة الجائزة أي كاتبة عالمية تستحق نوبل حتى منحتها في عام 1991 إلى الروائية الجنوب أفريقية البيضاء نادين غورديمير عن مجمل أعمالها المناهضة للعنصرية. وهي إحدى أشهر كتاب جنوب أفريقيا الذين كرسوا حياتهم وكتاباتهم للنضال ضد التفرقة العنصرية في البلاد.
بعد نادين غورديمير بدأت لجنة نوبل للآداب تقلل من عدد السنوات الطويلة في منحها الجائزة إلى كاتبة من كاتبات العالم، مخففة من شرط المثالية الذي كان على ما يبدو مطلوبًا فقط من الكاتبات ليحصلن على نوبل؛ ففي عام 1993 حصلت عليها الروائية الأميركية الشهيرة توني موريسون، لتلحق بها بعد ثلاثة أعوام 1996 الشاعرة البولندية الأشهر فيسوافا شيمبروسكا. ثم بعد ثماني سنوات حصلت عليها الروائية النمساوية الفريدي يلنييك عام 2004 التي لم تترجم لها إلى العربية سوى رواية واحدة.
من ضمن كاتبات نوبل السبع عشرة هناك كاتبة واحدة فقط سوداء هي الأميركية توني موريسون، بينما الكاتبة الوحيدة من قارة أفريقيا الحاصلة على الجائزة هي الجنوب أفريقية نادين غورديمير وهي بيضاء البشرة |
ومنذ ذلك الوقت صارت جائزة نوبل للآداب تمنح للكاتبات بشكل متواتر، فلا يكاد يمر عامان أو ثلاثة إلا وتحصل عليها إحدى كاتبات العالم. ففي عام 2007 نالتها البريطانية المعروفة دوريس ليسينغ، ثم في عام 2009 الشاعرة والروائية الألمانية هيرتا مولر؛ لتلحق بها في عام 2013 القاصة الكندية أليس مونرو، ثم كاتبة المقالات البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش عام 2015؛ والشاعرة والروائية البولندية أولغا تكارتشوك عام 2018، وأخيرًا حصلت عليها الروائية الفرنسية آني إرنو هذا العام 2022.
عدد الحاصلات على جائزة نوبل للآداب سبع عشرة كاتبة من أصل مئة وتسعة عشر كاتبًا، ست منهن في قرننا الحالي، مع أن الجائزة أطلقت تمامًا في بداية القرن الماضي، أي خلال قرن كامل من الزمن لم تجد لجنة الجائزة أكثر من عشر كاتبات في العالم تستحق أعمالهن أن تنال نوبل للآداب.
لا بأس، إذ لطالما كان عدد الكتاب الذكور أكثر من عدد الكاتبات في كل العالم، لعادات وقيود مجتمعية تضع المرأة في نسق خلفي خصوصًا في دول العالم الثالث كدول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية والأفريقية وطبعًا الدول العربية والإسلامية، لكن هذا ما تم تجاوزه والتمرد عليه في العالم الغربي خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، أي منذ منتصف القرن الماضي تمامًا، حيث ظهرت كاتبات وشاعرات وروائيات في أوروبا وأميركا أكثر أهمية من كثر من الكتاب الحاصلين على نوبل، لكنهن على ما يبدو لم يحققن شرط المثالية المطلوبة، والأسماء كثيرة جدًا، منهن نسويات ساهمت أعمالهن في تثبيت حضور المرأة في الساحة الأدبية العالمية، ومنهن شاعرات وروائيات كن ملهمات حقيقيات لأجيال من الكاتبات اللاتي قدمن بعدهن؛ ولا داعي هنا لعقد المقارنات مع الأسماء التي حصلت على نوبل تلك الفترة الزمنية، فهذا شيء يطول الحديث عنه جدًا ويحتاج إلى حركة نقدية كبيرة لرصده.
من ضمن كاتبات نوبل السبع عشرة هناك كاتبة واحدة فقط سوداء هي الأميركية توني موريسون، بينما الكاتبة الوحيدة من قارة أفريقيا الحاصلة على الجائزة هي الجنوب أفريقية نادين غورديمير وهي بيضاء البشرة كما أسلفنا من أم يهودية وأب إنكليزي. ما من كاتبة آسيوية على الإطلاق في القائمة، لا من آسيا الوسطى ولا آسيا الصغرى ولا جنوب شرق آسيا. طبعًا كما هو واضح فإن نصيب كاتبات العالم العربي والإسلامي معدوم ويكاد يكون شبه مستحيل، إذ حتى كتاب هذا العالم نصيبهم شبه معدوم لولا نجيب محفوظ الذي اكتفت به الجائزة على ما يبدو لتدل على نزاهتها.
هل يخطئ العرب الذين يتحدثون عن المركزية الأوروبية في تقييمات المرشحين لدى أعضاء الجائزة؟ يقينا هم محقون في ذلك، فالمركزية الغربية وتحديدًا الأوروبية تكاد تكون هي الطاغية، وشرط اللغة (إنكليزية وفرنسية وألمانية) يبدو شرطا أساسيًا، هكذا سيقصى مئات الكتاب والكاتبات من الملهمين والمؤثرين الحقيقيين في لغاتهم ولدى شعوبهم عن الجائزة فقط لأنه لم يتح لهذا الكاتب أو ذاك أن تترجم أعماله إلى إحدى اللغات المركزية. وطبعًا لا داعي للحديث عن حظ الكاتبات في بلاد العرب والإسلام والبلاد الأفريقية!!
ومن المفارقات المدهشة سنويًا مع إعلان نوبل للآداب، هو الترشيحات الشخصية للكتاب العرب عمن يستحق الفوز بالجائزة من العرب. هل ستندهشون لو عرفتم أنه ما من كاتب أو صحافي أو قارئ عربي يضمن قائمته اسم كاتبة عربية يراها تستحق نوبل؟ لم ير أحد من المثقفين العرب يومًا أن نوال السعداوي أو إيتيل عدنان أو آسيا الجبار أو سنية صالح أو فاطمة المرنيسي أو غادة السمان أو رضوى عاشور (كلهن على سبيل المثال لا الحصر) وغيرهن الكثيرات من شاعرات وروائيات وباحثات عربيات لا يقللن في الأهمية أبدًا عن أي كاتبة أوروبية يتم الاحتفاء بها عربيًا بمبالغة فيها الكثير من عقدة النقص تجاه المتفوق الأبيض. فهل نلوم لجنة الجائزة على مركزيتها وانحيازها ما دام تاريخها مع كاتبات أوروبا مبقع بالعنصرية ولم يتغير قليلًا إلا بفعل النضال النسوي النشط بقوة حول العالم، وما دام العرب أنفسهم لا يعترفون بأهمية كاتباتهم ومبدعاتهم؟