في عام 2014 أصدرت دار فلاماريون الباريسية كتاب "الأدب والسياسة" لفيليب سولرز في 807 صفحات. وهو كناية عن مقالات نشرها سولرز ما بين 20/9/1999 و14/6/2013 في جريدة Le Journal du dimanche ومجلة Le Point. وتتصدر الكتاب عبارة لفرانسوا مورياك تقول: "سآخذ السياسة وأسميها أدبًا فتصبح على الفور أدبًا". يقول سولرز في مقدمة كتابه: "كانت السياسة بالفعل معركة قاسية أو كان تصورها على الأقل متوهَّمًا. عليها دائمًا أن تمضي قدمًا، حتى وإن نكصت. أما الأدب فيسبح في السديم، لا سيّما وأن العالم تحرّكه مليارات الدولارات واليوروات". تعطي السياسة الانطباع بأنها تسيطر على عالم يفلت منها، فتسير دائمًا في الاتجاه نفسه "اليسار المتصدّع، اليمين المفتت، في حين أن الأدب هو في كل مكان دون أن يكون في مكان. السياسة لا تقرأ شيئًا. أما الأدب فهو قراءة محمومة". ويرى أن السياسة تسعى إلى محاكمة الأدب، في حين أن الأدب هو الذي يحاكم السياسة؛ "يحبذ الأدب الهوية الشقيّة كثيرًا، أي كل ما يناوئ الحرية والتفرد السياسيين". لذا يتصدّر الكتاب مقالان عن ألفريد جاري وفلاديمير نابوكوف ويختتمه مقال عن ألفريد هيتشكوك.
وفي هذا العالم الذي يعجّ بوسائل الإعلام الحديثة وبالقنوات التلفزيونية، يطلّ بعض السياسيين علينا كالبهاليل، ولكن بأطقمتهم المنشّاة، وربطات أعناقهم المزركشة، وابتساماتهم الملائكية، وينثرون علينا أوامرهم وإرشاداتهم وتحليلاتهم، فنستمع إليها صاغرين كأنهم مخلوقات نزلت علينا من مجرّات أخرى لتسوس عالمنا بعلمها وحكمتها. ومع إدراكنا بأنها تهذي وتهذر نصدّقها بدل أن نقول لها كما قالت لويز ميشيل، ثائرة الكومونة، لرئيس الجمهورية Thiers في 28 أيار/ مايو 1872: " أيها العجوز، القبر يناديك والتاريخ ينتظرك. أيها القاتل، ملعون أنت وزبانيتك" (ص 19 من كتاب سولرز).
في القسم الأول من هذه المقالة تكلمت بخاصة عن الأدباء والفنانين والمفكّرين، تاركًا التحدّث عن السياسيين إلى هذه المقالة. وفي هذا الكتاب الضخم، يستعرض سولرز مجموعة كبرى من سياسيي هذا العالم ومن مهرّجيه وجلاوزته، وأيضًا من حكمائه وعاقليه وآدمييه على قلّتهم. ولكثرة سياسيي القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين الذين يستعرضهم سولرز في ثبت أسماء العلَم المذكورين في نهاية كتابه، سأتوقف عند أبرزهم وعند من ظنوا أنهم يسيطرون على عالمنا. وكفرنسي وأوروبي، يعطي سولرز الأولوية لسياسيي الغرب وأوروبا الشرقية، ولا يوفر صواعقه الساخرة فيزجّها عليهم بأريحية جوبيترية. فيقول مثلًا عن مدة الرئاسة الفرنسية التي انتقلت من 7 سنوات إلى 5: على الرئيس أن ينتخب لمدة سنة قابلة للتجديد خمس مرات، لترك الفرصة أمام أصحاب "المواهب" وصاحباتها بخاصة. فيقترح تناوبًا بين الرجال والنساء بالتساوي. ويتوقف عند فيلم "فاتيل، سان سير" المرشّح لجائزة مهرجان كان، قائلًا إن الفرنسيين يميلون إلى النظام الملكي ويحنّون إلى لويس الرابع عشر صاحب المقولة الشهيرة: "الدولة هي أنا".
ويذكر سولرز ما كتبه الناقد الفني ألبير وولف [المقرّب من الأليزيه] عن معرض الانطباعيين الذي نُظّم في باريس يوم 15 أيار/ مايو 1874، إذ قال: "عندما يدخل المشاهد إلى صالة المعرض، بعينيه المذعورتين وفمه الفاغر، يعاين خمسة معتوهين أو ستة، بينهم امرأة... ثمة مشهد مريع من الجنون البشري. أرجوكم أن تُفهِموا السيد بيسارو أن الأشجار ليست بلون بنفسجي. واشرحوا للسيد رينوار أن صدر المرأة ليس لطخات خضراء... هذه اللوحات رثّة وتثير الضحك وتزخر بجهل عميق لقواعد الرسم واختيار الألوان". وينعت وولف هؤلاء الانطباعيين بالعته والكذب؛ ولكنهم أصبحوا من أساطين الفن الحديث.
ويتوقف الكاتب عند وصف ساخر للرؤساء المشاركين في مؤتمر أوكيناوا في اليابان عام 2000 للبلدان الصناعية الثمانية الأكثر ازدهارًا. "كلينتون جذل ومرتاح الأعصاب ويمشي دائمًا فوق أرض لملعب غولف متخيل وينتقل من كوكتيل إلى آخر. وطوني بلير – وهو توأمه تقريبًا – رشيق ورائق الطبع وظاهر الأسنان، يمشي كما يمشي الطلاب المتأخرون عن دراستهم... ويبدو لي المستشار الألماني شرودر كئيبًا. لماذا. ربما لسوء هضم". أما النجم الباهر فكان جاك شيراك الذي أصرّ على حضور مباراة سومّو، وبصحبة زوجته برناديت التي لا حول لها ولا قوة أمام رغبة بعلها في مشاهدة صراع الوعول البشرية. أما بوتين فكان مواربًا وسكوتًا ووجلًا ربما، لأن بلاده فقيرة ودُعي إلى نادي الأغنياء، ولكنه أراد أن يقول لهؤلاء الرؤساء إن الكرملين موجود.
ومن مؤتمر أوكيناوا ننتقل بقفزة واحدة إلى الشيشان وإلى مقالة مريرة لأندريه غلوكسمان في لوموند وعنوانها: "شهر في المعتقلات الشيشانية" يقول: "الصراعات على المصالح تفرّق بين الفريق الحاكم. وورثة المنظمات الستالينية القديمة يستعرضون عضلاتهم ليلجموا نصف روسيا اليائس من تردي حياته. ويتصرف الأثرياء المحشوة جيوبهم كأنهم ضروريون، لأن لهم علاقات مصرفية جيدة مع الغرب. ويمزق الكبار بعضهم بعضًا بسبب أعراف المنافسة المافياوية. ويبقى المآل معلقًا، نظرًا للتضامن بينهم، ولكنهم يسنّون سكاكينهم" (ص 51). ثم يتكلم سولرز عن غرق الغواصة كورسك بطاقمها الذي تجاوز مئتي بحار. ولإسكات الاحتجاجات، تهرع السلطة إلى تطويب القيصر نيكولا الثاني قديسًا. ويشير إلى زيارات بوتين إلى فرنسا، وبخاصة إلى مدير الأكاديمية الفرنسية موريس دروون، ويدور الحديث بينهما حول الخيول والشعر. ويهدي دروون ضيفه، وريث القياصرة، علبة كبيرة مليئة بنبيذ بوردو الفاخر وبينها قنينة تعود إلى عام 2000، أي عام وصول بوتين إلى الكرملين. ويذكر زيارة القيصرة (قبل طلاقها) إلى معمل (مشغل؟) المصممة العالمية شانيل وتعليقها على الفساتين القصيرة: "لا أستطيع ارتداءها". ويضيف سولرز بخبث "يكون هذا أفضل". ويشير سولرز إلى بعض عمليات الأجهزة الروسية للتخلص من المعارضين: كتسميم المعارض فكتور إيوشتشنكو، وتجنيد التركي علي أقصى الذي أطلق في ساحة القديس بطرس رصاصتين على صدر البابا البولوني يوحنا الثاني دون أن يُقتل، وقتل الصحافية آنا بولتيكونسكايا في موسكو إذ فضحت ما يحصل عليه بوتين من غاز شركة غازبروم... وفي هذه المناسبة، يستشهد سولرز بعبارة لجويس قال فيها: "التاريخ كابوس وأحاول أن أستيقظ منه" (ص 727).
ويتوقف الكاتب كثيرًا عند الرئيس نيكولا ساركوزي ويصفه قائلًا: "يصعد، ينزل، يعود، هو في كل مكان، يسارع ويؤشر... هل يجري بسرعة؟" وتنعته مارين لوبين بأنه "سنجاب في قفصه" (ص 252). ويصفه هو بأنه "يفحص بيديه ورجليه"، بعد أن تصارع مع جاك شيراك وفاز بالجولة في الحلبة، وتصارع مع فرانسوا هولاند وخسرها. ويأسف الكاتب من عدم انتصار الجميلة سيغولين روايال على ساركوزي في انتخابات 2007. وبعد اندلاع جائحة حمّى الطيور ينصح شيراك قائلًا: احقنوا ساركوزي لأنه ملك الفراريج. ويسخر سولرز من الرئيس ويسميه Sarkosius I قائلًا إن فرنسا وجدت فيه ضالتها: "فنيكولا هو الرجل – الأوركسترا الذي يظهر آلاف المرات في السينما، وهو الامبراطور الكوكبي... نظنه هنا، فإذا هو هناك، ثم يحلّق إلى مكان آخر، ثم يعود... أراه في حلة رومانية يعود إلى العاصمة مع فيالقه هو الذي وُلد متواضعًا في تخوم الإمبراطورية... حاول بعضهم خنقه وتهميشه وإغراقه في قضايا مريبة، ولكنه كان ينهض في الظلام. لقد انتصر على الجميلة سيغولين ووصل القنصل الأول إلى السلطة (ولاحقًا سيحذو بونابرت حذوه وسينتصر" (ص 540). وفي Sarkozius II يقول عنه: "يعرف ساركوزيوس كل شيء، ويفحص الكلى والقلوب والعمل كقيمة كما يفحص البورصة... هو يحتاج إلى مؤرخين كبار كسالوستوس وتيتوس ليفوس وتاكيتوس" (ص 541).
ويسخر سولرز بملء شدقيه من رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ويتهمه بأنه يتعامل مع رئاسة الوزارة الإيطالية كما يتعامل موظف صندوق الدفع في أحد المولات. ويرى أنه لم يتورع عن تقديم الرشاوى لبعض النواب والصحافيين والقضاة الفاسدين كي يعيدوا انتخابه على كرسي رئيس الحكومة. وهذا ما حصل ثلاث مرات. واشتهر هذا الرجل بفضائحه الجنسية، ولا سيما مع القاصرات. والصادم – كما يقول سولرز – أن هذا الرجل كان يعشق أن يُصوَّر محاطًا بهؤلاء الفتيات. مع أنه كان جَدًا لأربعة أحفاد. وصرّح ذات مرة للتلفزيون أنه "ليس قديسًا". وفي هذه المناسبة يستذكر سولرز عبارة جميلة في كتاب "الأمير" لماكيافيلي يقول فيها: "الانطباع الأول الذي نكوّنه عن صاحب السلطة وعن ذكائه يرتبط بالأشخاص الذين يحيطون به" (ص 694).
ويتوقف سولرز عند كثير من السياسيين المخضرمين – وليسوا كلهم مؤبلسين. يتوقف عند ثروة ياسر عرفات، وبهلوانية طوني بلير، ودغمائية فيديل كاسترو، وهماهمية جاك شيراك، وفضائحية بيل كلينتون، وثعلبية لوران فابيوس، ووديعية جيسكار ديستان وفرانسوا هولاند، وذئبية ليونيل جوسبان، وعنصرية جان ماري لوبين وابنته مارين التي ورثت قيادة حزب أقصى اليمين، ودموية ماو تسي تونغ، وثقافوية دومينيك دو فيلبان.
ولكنني سأكتفي بإلقاء ضوء الكاتب على ستالين وهتلر وبوش وميتران.
يقول عن ستالين ما يلي: "كي يفهم المرء أغوار التربية التاريخية والفيزيائية التي وصل إليها بوتين (أو من يخلفه، الأمر سيان) ينبغي عليه أن يقرأ الرسالة المذهلة والفريدة التي أرسلها بوخارين لستالين في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1937 قبيل أن يُعْدَم: "لا أكن لك أية ضغينة. لست مسيحيًا. صحيح أن لي غرائبي. أرى أنه يترتب عليّ أن أكفّر عن تلك السنوات التي ناوأت فيها خط الحزب... وهذا الحدث يقضّ مضجعي، إنه الخطيئة الأصلية، إنه خطيئة يهوذا" (ص 20). ويطلب بوخارين من ستالين أن يقدم له جرعة المورفين ليموت. يعلق سولرز قائلًا إن جريمة الجرائم هي إذلال الكائن البشري حتى يطالَب بالتكفير عن خطيئته المزعومة. وسيكشف لنا الأرشيف – الذي بدأ يُفتح – عن جرائم أخرى. ويورد لنا سولرز نصًا لفرانسوا مورياك مستلًا من كتابه "سلام القمم: مذكرات 1948 – 1955" يقول فيه: "هل تظنون أن ستالين سيتأثر عندما نعتبره رجلًا ملطخًا بالدماء؟ إنه فلّاح جيّد مكب على عمله، يشق بسكة محراثه أديم البشر ويخترقه حتى الأعماق" (ص 31). ويضيف سولرز: "ثمة جزّاران بزغا في القرن العشرين: هتلر وستالين، وقلّدهما كثيرون. ومآثرهما معروفة، وصيحات المعذّبين لا تخفت" (ص 74). ويتوقف الكاتب عند خطاب مخيف وكارثي للشاعر أراغون عن ستالين ألقاه بمناسبة جائزة ستالين للكاتب السوفياتي إيليا أهرنبورغ: "تحمل هذه الجائزة اسم أكبر فيلسوف عبر الأزمان، اسم من نادى بأن الإنسان يمثّل القيمة العليا على هذه الأرض، أجمل اسم وأبهاه في جميع البلدان ولدى من يناضلون من أجل كرامتهم، اسم الرفيق ستالين" (ص 197). وستالين ورهطه هم من نعتوا الكاتب ميخائيل بولغاكوف بأنه "ابن عاهرة" و"مغتلم" و"كنّاس الأدب" وأنه "قيء" و"قذارة عفنة" ومن معشر البورجوازيين الجدد. فمنع ستالين كتاب بولغاكوف الرائع عن موليير، ومنعه من الهجرة إلى الغرب، فتوفي بائسًا في سن التاسعة والأربعين فقط. ويتكلم سولرز عن فيلم المخرج البولوني أندريه فاجدا عن المجزرة التي ارتكبها رجال ستالين بحق 22 ألف بولوني (وبينهم 4000 ضابط). وخلال 50 سنة نًسبت المجزرة إلى النازيين، ولكن ستالين هو الذي مهر توقيعه الشريف عليها. وسمّيت بمجزرة "كايتن".
وبما أن دموية هتلر قذ ذكرت في آلاف الكتب، فلن أتكلم عن مُشعل الحرب العالمية الثانية، بل سأكتفي بالربط السهل الذي أقامه سولرز بين ستالين وهتلر.
أما شخص جورج بوش الابن فقد احتل مكان الصدارة في كتاب "الأدب والسياسة" إذ ذكر 49 مرّة. بعد كلينتون الداعر، أتى جورج بوش الذي يقال إنه كان ينخطف بالروح ويصلي علانية قبل كل اجتماع في المكتب البيضاوي. وفي نص عنوانه "كرة بوش الأرضية" (ص 93) يقول سولرز: "إنه سيد التلوث في العالم. كلا، إنه لن يقلّص آثار الدفيئة ولن يحمي رئاتكم وشواطئكم وغاباتكم ورمالكم. لا وزن عنده للبشر القادمين، كما أن بوتين لا يكترث بحرية الصحافة... العقود الموقعة هي العقود الموقعة"، ويسخر سولرز من الصورة الملتقطة في شنغهاي للفرسان الثلاثة: بوش وبوتين وجيانغ زيمن، وهم واقفون ويتصدّون للإرهاب العالمي، مع العلم أن زراعة الخشخاش تضاعفت عدة مرات في أفغانستان ووصل مردودها السنوي إلى مئتي مليار دولار. وفي نص عنوانه "محور الشر"، يتوقف الكاتب عند بلدان هذا المحور ويرى أن البلدان الثمانية الكبار يجب ألا تستبعد من هذا المحور (ص 142). ويتصدى سولرز لمسألة الكذب، وأي كذب! صدام حسين يخفي أسلحة دمار شامل في كهوف العراق. ويشن بوش وحلفاؤه حربًا سريعة على العراق يقتل فيها أكثر من مليون عراقي ويختفي صدّام ويقبض عليه ويشنق. وتظهر بعدئذ الحقيقة: لا توجد أسلحة دمار شامل في العراق. مَن كذبَ على من؟ Delenda Carthago، قال شيبيون الأفريقي. ويسخر الكاتب من إعادة انتخاب بوش الذي تظهر ابتسامته الملائكية على جميع المحطات العالمية، محاطًا بـ"كوندي" [كوندوليسا رايس]. ويسخر من اسمها ويقول إن أمها اقتبست اسمها من الإيطالية con dolcezza (مع الألم)، ورايس تعني الأرز، أي أنها "أرزّ مع الألم". ويذكر أنها كانت تكره الفرنسيين لأنهم لم يصدقوا كذبة بوش. ومع ذلك انصاع الفرنسيون لها.
وفي مقالة عنوانها "نابليون السادس" يعود سولرز إلى ألكسندر دوما الذي قال عام 1848 إن الحكم في فرنسا ملكي وجمهوري في آن واحد. ويعدّد سولرز أرقام النابليونات: نابليون الأول الكبير (1798-1815)، نابليون الثالث (1852-1870)، نابليون الرابع أو شارل ديغول، نابليون الخامس أو فرانسوا ميتران، نابليون السادس أو جاك شيراك. ويذكر سولرز في سيرته الذاتية أنه التقى بميتران في الإليزيه ثلاث مرات، فأعجب بذكائه ورهافته. وبما أن النقد هو النقد، لا بدّ من ذكر بعض الثغرات: لقد قال إن حكومة فيشي [مع الجنرال بيتان المتعاون مع الألمان] لا تمثل فرنسا. هذا صحيح، لكنها جزء من التاريخ الفرنسي الأسود. ولكن سولرز يشيد ببناء المكتبة الوطنية الجديدة في باريس بتشجيع ومتابعة من الرئيس ميتران الذي كان يتابع إصدارات دور النشر الفرنسية عن كثب. ويعتبر سولرز أن سيغولين رويال – وهي في خط ميتران – كان بإمكانها أن تجعل فرنسا أكثر حضورًا في العالم المعاصر، إلا أن الثعلب ساركوزي فاز عليها في الانتخابات الرئاسية. أما الخطأ الجسيم الذي ارتكبه ميتران فهو تهميش الجنرال ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة التي لم يستطع ميتران تجاوزها للانتقال إلى السادسة، وما زالت قائمة حتى الآن. والحق يقال إن ميتران هو أشبه بكايوس كلينيوس فيسيناس الذي كان راعي الآداب والفنون في عهد أوغسطس قيصر، وهو القائل: "الأدب بالنسبة لي دائمًا، هو فردوسي المفضل" (ص 703). لقد كان يؤمن بطاقة الروح، "وأنا كذلك"، أضاف سولرز (ص 719).
لا شك في أن عددًا كبيرًا من السياسيين يمكنني تصنيفهم بالأوباش والزعران، إلا أن بعضهم ترك بصمات بهية على الثقافة. وقد يكون ميتران واحدًا منهم؛ وقد يكون المسرحي التشيكي فاتسلاف هافيل (1936ـــ2011) (فترة رئاسته من 1993-2003) من أنجح رؤساء الجمهوريات في عصرنا الحديث، لكونه أعطى السياسة بُعدها الإنساني والحضاري.
وفي هذا العالم الذي يعجّ بوسائل الإعلام الحديثة وبالقنوات التلفزيونية، يطلّ بعض السياسيين علينا كالبهاليل، ولكن بأطقمتهم المنشّاة، وربطات أعناقهم المزركشة، وابتساماتهم الملائكية، وينثرون علينا أوامرهم وإرشاداتهم وتحليلاتهم، فنستمع إليها صاغرين كأنهم مخلوقات نزلت علينا من مجرّات أخرى لتسوس عالمنا بعلمها وحكمتها. ومع إدراكنا بأنها تهذي وتهذر نصدّقها بدل أن نقول لها كما قالت لويز ميشيل، ثائرة الكومونة، لرئيس الجمهورية Thiers في 28 أيار/ مايو 1872: " أيها العجوز، القبر يناديك والتاريخ ينتظرك. أيها القاتل، ملعون أنت وزبانيتك" (ص 19 من كتاب سولرز).
في القسم الأول من هذه المقالة تكلمت بخاصة عن الأدباء والفنانين والمفكّرين، تاركًا التحدّث عن السياسيين إلى هذه المقالة. وفي هذا الكتاب الضخم، يستعرض سولرز مجموعة كبرى من سياسيي هذا العالم ومن مهرّجيه وجلاوزته، وأيضًا من حكمائه وعاقليه وآدمييه على قلّتهم. ولكثرة سياسيي القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين الذين يستعرضهم سولرز في ثبت أسماء العلَم المذكورين في نهاية كتابه، سأتوقف عند أبرزهم وعند من ظنوا أنهم يسيطرون على عالمنا. وكفرنسي وأوروبي، يعطي سولرز الأولوية لسياسيي الغرب وأوروبا الشرقية، ولا يوفر صواعقه الساخرة فيزجّها عليهم بأريحية جوبيترية. فيقول مثلًا عن مدة الرئاسة الفرنسية التي انتقلت من 7 سنوات إلى 5: على الرئيس أن ينتخب لمدة سنة قابلة للتجديد خمس مرات، لترك الفرصة أمام أصحاب "المواهب" وصاحباتها بخاصة. فيقترح تناوبًا بين الرجال والنساء بالتساوي. ويتوقف عند فيلم "فاتيل، سان سير" المرشّح لجائزة مهرجان كان، قائلًا إن الفرنسيين يميلون إلى النظام الملكي ويحنّون إلى لويس الرابع عشر صاحب المقولة الشهيرة: "الدولة هي أنا".
ويذكر سولرز ما كتبه الناقد الفني ألبير وولف [المقرّب من الأليزيه] عن معرض الانطباعيين الذي نُظّم في باريس يوم 15 أيار/ مايو 1874، إذ قال: "عندما يدخل المشاهد إلى صالة المعرض، بعينيه المذعورتين وفمه الفاغر، يعاين خمسة معتوهين أو ستة، بينهم امرأة... ثمة مشهد مريع من الجنون البشري. أرجوكم أن تُفهِموا السيد بيسارو أن الأشجار ليست بلون بنفسجي. واشرحوا للسيد رينوار أن صدر المرأة ليس لطخات خضراء... هذه اللوحات رثّة وتثير الضحك وتزخر بجهل عميق لقواعد الرسم واختيار الألوان". وينعت وولف هؤلاء الانطباعيين بالعته والكذب؛ ولكنهم أصبحوا من أساطين الفن الحديث.
ويتوقف الكاتب عند وصف ساخر للرؤساء المشاركين في مؤتمر أوكيناوا في اليابان عام 2000 للبلدان الصناعية الثمانية الأكثر ازدهارًا. "كلينتون جذل ومرتاح الأعصاب ويمشي دائمًا فوق أرض لملعب غولف متخيل وينتقل من كوكتيل إلى آخر. وطوني بلير – وهو توأمه تقريبًا – رشيق ورائق الطبع وظاهر الأسنان، يمشي كما يمشي الطلاب المتأخرون عن دراستهم... ويبدو لي المستشار الألماني شرودر كئيبًا. لماذا. ربما لسوء هضم". أما النجم الباهر فكان جاك شيراك الذي أصرّ على حضور مباراة سومّو، وبصحبة زوجته برناديت التي لا حول لها ولا قوة أمام رغبة بعلها في مشاهدة صراع الوعول البشرية. أما بوتين فكان مواربًا وسكوتًا ووجلًا ربما، لأن بلاده فقيرة ودُعي إلى نادي الأغنياء، ولكنه أراد أن يقول لهؤلاء الرؤساء إن الكرملين موجود.
ومن مؤتمر أوكيناوا ننتقل بقفزة واحدة إلى الشيشان وإلى مقالة مريرة لأندريه غلوكسمان في لوموند وعنوانها: "شهر في المعتقلات الشيشانية" يقول: "الصراعات على المصالح تفرّق بين الفريق الحاكم. وورثة المنظمات الستالينية القديمة يستعرضون عضلاتهم ليلجموا نصف روسيا اليائس من تردي حياته. ويتصرف الأثرياء المحشوة جيوبهم كأنهم ضروريون، لأن لهم علاقات مصرفية جيدة مع الغرب. ويمزق الكبار بعضهم بعضًا بسبب أعراف المنافسة المافياوية. ويبقى المآل معلقًا، نظرًا للتضامن بينهم، ولكنهم يسنّون سكاكينهم" (ص 51). ثم يتكلم سولرز عن غرق الغواصة كورسك بطاقمها الذي تجاوز مئتي بحار. ولإسكات الاحتجاجات، تهرع السلطة إلى تطويب القيصر نيكولا الثاني قديسًا. ويشير إلى زيارات بوتين إلى فرنسا، وبخاصة إلى مدير الأكاديمية الفرنسية موريس دروون، ويدور الحديث بينهما حول الخيول والشعر. ويهدي دروون ضيفه، وريث القياصرة، علبة كبيرة مليئة بنبيذ بوردو الفاخر وبينها قنينة تعود إلى عام 2000، أي عام وصول بوتين إلى الكرملين. ويذكر زيارة القيصرة (قبل طلاقها) إلى معمل (مشغل؟) المصممة العالمية شانيل وتعليقها على الفساتين القصيرة: "لا أستطيع ارتداءها". ويضيف سولرز بخبث "يكون هذا أفضل". ويشير سولرز إلى بعض عمليات الأجهزة الروسية للتخلص من المعارضين: كتسميم المعارض فكتور إيوشتشنكو، وتجنيد التركي علي أقصى الذي أطلق في ساحة القديس بطرس رصاصتين على صدر البابا البولوني يوحنا الثاني دون أن يُقتل، وقتل الصحافية آنا بولتيكونسكايا في موسكو إذ فضحت ما يحصل عليه بوتين من غاز شركة غازبروم... وفي هذه المناسبة، يستشهد سولرز بعبارة لجويس قال فيها: "التاريخ كابوس وأحاول أن أستيقظ منه" (ص 727).
ويتوقف الكاتب كثيرًا عند الرئيس نيكولا ساركوزي ويصفه قائلًا: "يصعد، ينزل، يعود، هو في كل مكان، يسارع ويؤشر... هل يجري بسرعة؟" وتنعته مارين لوبين بأنه "سنجاب في قفصه" (ص 252). ويصفه هو بأنه "يفحص بيديه ورجليه"، بعد أن تصارع مع جاك شيراك وفاز بالجولة في الحلبة، وتصارع مع فرانسوا هولاند وخسرها. ويأسف الكاتب من عدم انتصار الجميلة سيغولين روايال على ساركوزي في انتخابات 2007. وبعد اندلاع جائحة حمّى الطيور ينصح شيراك قائلًا: احقنوا ساركوزي لأنه ملك الفراريج. ويسخر سولرز من الرئيس ويسميه Sarkosius I قائلًا إن فرنسا وجدت فيه ضالتها: "فنيكولا هو الرجل – الأوركسترا الذي يظهر آلاف المرات في السينما، وهو الامبراطور الكوكبي... نظنه هنا، فإذا هو هناك، ثم يحلّق إلى مكان آخر، ثم يعود... أراه في حلة رومانية يعود إلى العاصمة مع فيالقه هو الذي وُلد متواضعًا في تخوم الإمبراطورية... حاول بعضهم خنقه وتهميشه وإغراقه في قضايا مريبة، ولكنه كان ينهض في الظلام. لقد انتصر على الجميلة سيغولين ووصل القنصل الأول إلى السلطة (ولاحقًا سيحذو بونابرت حذوه وسينتصر" (ص 540). وفي Sarkozius II يقول عنه: "يعرف ساركوزيوس كل شيء، ويفحص الكلى والقلوب والعمل كقيمة كما يفحص البورصة... هو يحتاج إلى مؤرخين كبار كسالوستوس وتيتوس ليفوس وتاكيتوس" (ص 541).
ويسخر سولرز بملء شدقيه من رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ويتهمه بأنه يتعامل مع رئاسة الوزارة الإيطالية كما يتعامل موظف صندوق الدفع في أحد المولات. ويرى أنه لم يتورع عن تقديم الرشاوى لبعض النواب والصحافيين والقضاة الفاسدين كي يعيدوا انتخابه على كرسي رئيس الحكومة. وهذا ما حصل ثلاث مرات. واشتهر هذا الرجل بفضائحه الجنسية، ولا سيما مع القاصرات. والصادم – كما يقول سولرز – أن هذا الرجل كان يعشق أن يُصوَّر محاطًا بهؤلاء الفتيات. مع أنه كان جَدًا لأربعة أحفاد. وصرّح ذات مرة للتلفزيون أنه "ليس قديسًا". وفي هذه المناسبة يستذكر سولرز عبارة جميلة في كتاب "الأمير" لماكيافيلي يقول فيها: "الانطباع الأول الذي نكوّنه عن صاحب السلطة وعن ذكائه يرتبط بالأشخاص الذين يحيطون به" (ص 694).
ويتوقف سولرز عند كثير من السياسيين المخضرمين – وليسوا كلهم مؤبلسين. يتوقف عند ثروة ياسر عرفات، وبهلوانية طوني بلير، ودغمائية فيديل كاسترو، وهماهمية جاك شيراك، وفضائحية بيل كلينتون، وثعلبية لوران فابيوس، ووديعية جيسكار ديستان وفرانسوا هولاند، وذئبية ليونيل جوسبان، وعنصرية جان ماري لوبين وابنته مارين التي ورثت قيادة حزب أقصى اليمين، ودموية ماو تسي تونغ، وثقافوية دومينيك دو فيلبان.
ولكنني سأكتفي بإلقاء ضوء الكاتب على ستالين وهتلر وبوش وميتران.
يقول عن ستالين ما يلي: "كي يفهم المرء أغوار التربية التاريخية والفيزيائية التي وصل إليها بوتين (أو من يخلفه، الأمر سيان) ينبغي عليه أن يقرأ الرسالة المذهلة والفريدة التي أرسلها بوخارين لستالين في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1937 قبيل أن يُعْدَم: "لا أكن لك أية ضغينة. لست مسيحيًا. صحيح أن لي غرائبي. أرى أنه يترتب عليّ أن أكفّر عن تلك السنوات التي ناوأت فيها خط الحزب... وهذا الحدث يقضّ مضجعي، إنه الخطيئة الأصلية، إنه خطيئة يهوذا" (ص 20). ويطلب بوخارين من ستالين أن يقدم له جرعة المورفين ليموت. يعلق سولرز قائلًا إن جريمة الجرائم هي إذلال الكائن البشري حتى يطالَب بالتكفير عن خطيئته المزعومة. وسيكشف لنا الأرشيف – الذي بدأ يُفتح – عن جرائم أخرى. ويورد لنا سولرز نصًا لفرانسوا مورياك مستلًا من كتابه "سلام القمم: مذكرات 1948 – 1955" يقول فيه: "هل تظنون أن ستالين سيتأثر عندما نعتبره رجلًا ملطخًا بالدماء؟ إنه فلّاح جيّد مكب على عمله، يشق بسكة محراثه أديم البشر ويخترقه حتى الأعماق" (ص 31). ويضيف سولرز: "ثمة جزّاران بزغا في القرن العشرين: هتلر وستالين، وقلّدهما كثيرون. ومآثرهما معروفة، وصيحات المعذّبين لا تخفت" (ص 74). ويتوقف الكاتب عند خطاب مخيف وكارثي للشاعر أراغون عن ستالين ألقاه بمناسبة جائزة ستالين للكاتب السوفياتي إيليا أهرنبورغ: "تحمل هذه الجائزة اسم أكبر فيلسوف عبر الأزمان، اسم من نادى بأن الإنسان يمثّل القيمة العليا على هذه الأرض، أجمل اسم وأبهاه في جميع البلدان ولدى من يناضلون من أجل كرامتهم، اسم الرفيق ستالين" (ص 197). وستالين ورهطه هم من نعتوا الكاتب ميخائيل بولغاكوف بأنه "ابن عاهرة" و"مغتلم" و"كنّاس الأدب" وأنه "قيء" و"قذارة عفنة" ومن معشر البورجوازيين الجدد. فمنع ستالين كتاب بولغاكوف الرائع عن موليير، ومنعه من الهجرة إلى الغرب، فتوفي بائسًا في سن التاسعة والأربعين فقط. ويتكلم سولرز عن فيلم المخرج البولوني أندريه فاجدا عن المجزرة التي ارتكبها رجال ستالين بحق 22 ألف بولوني (وبينهم 4000 ضابط). وخلال 50 سنة نًسبت المجزرة إلى النازيين، ولكن ستالين هو الذي مهر توقيعه الشريف عليها. وسمّيت بمجزرة "كايتن".
وبما أن دموية هتلر قذ ذكرت في آلاف الكتب، فلن أتكلم عن مُشعل الحرب العالمية الثانية، بل سأكتفي بالربط السهل الذي أقامه سولرز بين ستالين وهتلر.
أما شخص جورج بوش الابن فقد احتل مكان الصدارة في كتاب "الأدب والسياسة" إذ ذكر 49 مرّة. بعد كلينتون الداعر، أتى جورج بوش الذي يقال إنه كان ينخطف بالروح ويصلي علانية قبل كل اجتماع في المكتب البيضاوي. وفي نص عنوانه "كرة بوش الأرضية" (ص 93) يقول سولرز: "إنه سيد التلوث في العالم. كلا، إنه لن يقلّص آثار الدفيئة ولن يحمي رئاتكم وشواطئكم وغاباتكم ورمالكم. لا وزن عنده للبشر القادمين، كما أن بوتين لا يكترث بحرية الصحافة... العقود الموقعة هي العقود الموقعة"، ويسخر سولرز من الصورة الملتقطة في شنغهاي للفرسان الثلاثة: بوش وبوتين وجيانغ زيمن، وهم واقفون ويتصدّون للإرهاب العالمي، مع العلم أن زراعة الخشخاش تضاعفت عدة مرات في أفغانستان ووصل مردودها السنوي إلى مئتي مليار دولار. وفي نص عنوانه "محور الشر"، يتوقف الكاتب عند بلدان هذا المحور ويرى أن البلدان الثمانية الكبار يجب ألا تستبعد من هذا المحور (ص 142). ويتصدى سولرز لمسألة الكذب، وأي كذب! صدام حسين يخفي أسلحة دمار شامل في كهوف العراق. ويشن بوش وحلفاؤه حربًا سريعة على العراق يقتل فيها أكثر من مليون عراقي ويختفي صدّام ويقبض عليه ويشنق. وتظهر بعدئذ الحقيقة: لا توجد أسلحة دمار شامل في العراق. مَن كذبَ على من؟ Delenda Carthago، قال شيبيون الأفريقي. ويسخر الكاتب من إعادة انتخاب بوش الذي تظهر ابتسامته الملائكية على جميع المحطات العالمية، محاطًا بـ"كوندي" [كوندوليسا رايس]. ويسخر من اسمها ويقول إن أمها اقتبست اسمها من الإيطالية con dolcezza (مع الألم)، ورايس تعني الأرز، أي أنها "أرزّ مع الألم". ويذكر أنها كانت تكره الفرنسيين لأنهم لم يصدقوا كذبة بوش. ومع ذلك انصاع الفرنسيون لها.
وفي مقالة عنوانها "نابليون السادس" يعود سولرز إلى ألكسندر دوما الذي قال عام 1848 إن الحكم في فرنسا ملكي وجمهوري في آن واحد. ويعدّد سولرز أرقام النابليونات: نابليون الأول الكبير (1798-1815)، نابليون الثالث (1852-1870)، نابليون الرابع أو شارل ديغول، نابليون الخامس أو فرانسوا ميتران، نابليون السادس أو جاك شيراك. ويذكر سولرز في سيرته الذاتية أنه التقى بميتران في الإليزيه ثلاث مرات، فأعجب بذكائه ورهافته. وبما أن النقد هو النقد، لا بدّ من ذكر بعض الثغرات: لقد قال إن حكومة فيشي [مع الجنرال بيتان المتعاون مع الألمان] لا تمثل فرنسا. هذا صحيح، لكنها جزء من التاريخ الفرنسي الأسود. ولكن سولرز يشيد ببناء المكتبة الوطنية الجديدة في باريس بتشجيع ومتابعة من الرئيس ميتران الذي كان يتابع إصدارات دور النشر الفرنسية عن كثب. ويعتبر سولرز أن سيغولين رويال – وهي في خط ميتران – كان بإمكانها أن تجعل فرنسا أكثر حضورًا في العالم المعاصر، إلا أن الثعلب ساركوزي فاز عليها في الانتخابات الرئاسية. أما الخطأ الجسيم الذي ارتكبه ميتران فهو تهميش الجنرال ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة التي لم يستطع ميتران تجاوزها للانتقال إلى السادسة، وما زالت قائمة حتى الآن. والحق يقال إن ميتران هو أشبه بكايوس كلينيوس فيسيناس الذي كان راعي الآداب والفنون في عهد أوغسطس قيصر، وهو القائل: "الأدب بالنسبة لي دائمًا، هو فردوسي المفضل" (ص 703). لقد كان يؤمن بطاقة الروح، "وأنا كذلك"، أضاف سولرز (ص 719).
لا شك في أن عددًا كبيرًا من السياسيين يمكنني تصنيفهم بالأوباش والزعران، إلا أن بعضهم ترك بصمات بهية على الثقافة. وقد يكون ميتران واحدًا منهم؛ وقد يكون المسرحي التشيكي فاتسلاف هافيل (1936ـــ2011) (فترة رئاسته من 1993-2003) من أنجح رؤساء الجمهوريات في عصرنا الحديث، لكونه أعطى السياسة بُعدها الإنساني والحضاري.