Print
ميشيل كولون

الحرب على غزّة في الإعلام الفرنسي: ترويج الأكاذيب

28 أكتوبر 2024
ترجمات
ترجمة وتقديم: عماد فؤاد

تقديم:

أصدر الصحافي والخبير البلجيكي في السياسة الدولية، ميشيل كولون، مؤخّرًا، كتابه اللافت "السابع من أكتوبر: تقصّي حقائق وأكاذيب اليوم الذي غيّر العالم"(1)، بمشاركة مواطنه جان بيير بوشي، الناشط في القضايا الدولية، والملتزم بقضية فلسطين منذ إعادة اجتياح البلدات الفلسطينية عام 2002.
الكتاب يقدم نقدًا إعلاميًا مفصّلًا لوقائع وأحداث الهجوم الذي قامت به حركة حماس ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي العام الماضي، واستنادًا إلى مئات من المواد المرئية واللقطات الأرشيفية المصوّرة، يقدّم المؤلفان ملفًا شاملًا عن تغطية وسائل الإعلام الأوروبية الرئيسية، وخاصة الناطقة بالفرنسية منها، لهذا اليوم الفارق في تاريخ الصراع، كاشفين في كتابهما عن كثير من النتائج التي توصّلا إليها في ما يخصّ التغطية الإعلامية الغربية المشينة للإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل منذ ما يزيد عن العام ضد قطاع غزّة، قبل أن تتوسّع اليوم لتشمل لبنان، واليمن، وسورية، والعراق، وإيران.
يقول الكاتب ميشيل كولون، مؤسس موقع "إنفيستيج أكشن/ Investig’Action"، وهو من أهم المنصّات المستقلّة للصحافة الاستقصائية في بلجيكا الناطقة بالفرنسية: "كان الهجوم على غزّة، والآن على لبنان وإيران، مخطّطًا له منذ فترة طويلة من قبل مؤسّسي إسرائيل، فقد كان ديفيد بن غوريون (1886 ــ 1973)، وفلاديمير جابوتنسكي (1880 ــ 1940)(2)، قد أعلنا في السابق أن هدفهما هو السيطرة على أراضٍ شاسعة ومترامية الأطراف لإنشاء دولتهما اليهودية، وقد أراد جابوتنسكي تحقيق هذا الهدف دفعة واحدة وبأسرع وقت ممكن، ومن دون دبلوماسية، بينما أصرّ بن غوريون على أن الأمر لا بدّ أن يتمّ خطوة بخطوة، بطريقة أكثر تكتيكية ودبلوماسية، حتى يتقبّلها الرأي العام الغربي".
يستشهد كولون في كتابه الجديد قائلًا: "حتى في الآونة الأخيرة، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن إسرائيل لا تمتدّ فقط على الأرض المعروفة الآن باسم إسرائيل، بل أيضًا على كامل أراضي الضفّة الغربية وغزّة، وأجزاء كبيرة من لبنان، والعراق، ومصر، وسورية، وليس فقط مرتفعات الجولان. إذًا، هذا هو هدفهم الحقيقي، وإذا رأت إسرائيل إمكانية للتوسّع في احتلال مزيد ومزيد من أراضي هذه الدول، فإنّها لن تتردّد في فعل ذلك، ولكن في وسائل الإعلام الأوروبية، كما الغربية عمومًا، يجب أن تكون السردية على النحو الذي يُظهر إسرائيل "مجبرة" على التوسّع لـ"الدفاع عن نفسها"، و"لأنّها تتعرّض للهجوم"! لكن إسرائيل، على سبيل المثال، ليس لديها دستور يصف حدودها بوضوح كدولة، وهذا مفهوم، لم توضّح إسرائيل حدودها الرئيسية في دستورها الرسمي بسبب أجندتها الخفية للسيطرة على مزيد من الأراضي العربية المحيطة بها".
وفي فقرة أخرى من الكتاب، يقول ميشيل كولون: في عام 2009، أشار تقرير رئيسي لمركز الأبحاث الأميركي "بروكينجز إنستيتيوت" إلى أن: "إيران تمثّل مشكلة كبيرة للولايات المتحدّة، لأنها لا تستطيع الهيمنة والسيطرة عليها، والخيارات المتاحة وفقًا لمركز الأبحاث هي إمّا الغزو، والذي يبقى محفوفًا بالمخاطر، لأنّ إيران أقوى من العراق وأفغانستان، حيث فشل الغزو الأميركي لكليهما، أو فرض العقوبات الاقتصادية، والتي تبقى هي الأخرى صعبة التنفيذ، لأن أوروبا لا تريد الذهاب إلى أبعد مما ذهبت إليه الولايات المتحدة في عدائها مع إيران، إذ سيأتي تخريب الاقتصاد الإيراني على حساب أوروبا، كما كان الانقلاب العسكري خيارًا آخر، لكنه أيضًا صعب التحقق للغاية".
لا يتوقّف الكاتب عند هذا الحدّ، بل يضيف: "كان الخيار الوحيد المتبقي أمام الولايات المتحدة الأميركية وفقًا لمركز الأبحاث هو: الضربات الجوية التي تتم عن بعد، ومع ذلك، جاء في عنوان أحد فصول هذا التقرير ما يلي: "دع الأمر لبيبي ــ Leave it to Bibi"، في إشارة إلى إلقاء المهمة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". ويتابع كولون: "في هذا الفصل، يصف معهد بروكينجز أنه بهذه الطريقة لا يمكن إلقاء اللوم على الولايات المتحدة".
هنا ترجمة كاملة لأحد فصول كتاب ميشيل كولون الجديد "السابع من أكتوبر: تقصّي حقائق وأكاذيب اليوم الذي غيّر العالم"، وبالرغم من تركيز الكاتب عمومًا على نماذج من الإعلام البلجيكي والفرنسي الناطق بالفرنسية، إلّا أنّه ينسحب على معظم التغطيات الإعلامية الأوروبية للإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل ضد قطاع غزّة منذ أكثر من عام:

كتاب "السابع من أكتوبر: تقصّي حقائق وأكاذيب اليوم الذي غيّر العالم" للبلجيكي ميشيل كولون، بمشاركة مواطنه جان بيير بوشي


اليوم الذي غيّر العالم
قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد اختفى تقريبًا من نشرات الأخبار التلفزيونية الأوروبية، وخاصة الناطقة بالفرنسية منها(3)، هذا ما أكدته دراسة تستند إلى ما يقرب من 13 ألف ريبورتاج وتقرير إخباري تلفزيوني تمّ بثّها خلال نشرات الأخبار المسائية في الفترة من عام 1995 وحتى يونيو/ حزيران 2023، وقد أكّد تحقيق استقصائي أجراه مرصد الإعلام المستقلّ في فرنسا (Acrimed) غياب هذه التغطية الإعلامية، كاشفًا أنّ نشرة أخبار الساعة الثامنة مساء على قناة "France 2" الفرنسية لم تخصّص إلّا 10 مواد إخبارية سريعة، أو عابرة، تذكر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي(4)، في الفترة بين الأول من يناير/ كانون الثاني وحتى الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وخلال تلك الأشهر العشرة كانت المحصّلة النهائية للحديث عن الفلسطينيين على قناة "فرانس 2" هي 33 ثانية فقط!

رسم بياني يظهر تدني الاهتمام بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الإعلام الناطق بالفرنسية في  أوروبا من أكتوبر 2023 وحتى فبراير 2024


في أغسطس/ آب 2023، دقّ تور وينيسلاند، مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط، ناقوس الخطر قائلًا: بعد انقضاء ثمانية أشهر فقط من 2023، كان قد أصبح بالفعل أكثر الأعوام دموية للفلسطينيّين في الضفّة الغربية المحتلّة، رقم قياسي محزن بالنسبة لـ"زمن السلم"، وفي النهاية، صار هؤلاء هم مجرد "الضحايا الفلسطينيون المعتادون"(5).
فاجأ هجوم السابع من أكتوبر العالم بأسره، وفي مساء اليوم نفسه، دعت هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية الناطقة بالفرنسية RTBF(6)، أستاذًا للقانون الدولي للتعليق على الأحداث، وقد اعتقدت القناة ــ بسذاجة ــ أن في إمكانها القيام بعملها الصحافي المحايد، ولكن لأن أي شيء له علاقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح "شديد الحساسية"، فقد دعت القناة فرانسوا دوبويسون، الأستاذ في القانون الدولي "لمحاولة فهم ما يحدث هناك" وطُلب منه "التذكير بسياق الأحداث"، وقد تحدث دوبويسون عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وحصار غزّة وسلبية المجتمع الدولي بشكل منطقي معتدل، أما رئيس اليمين الليبرالي، جورج لوي بوشيه، فقد عارض المقابلة بشدة، وأشار إلى "الحياد الإلزامي" الذي يجب على هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية RTBF أن تتحلّى به في رصدها لهذا الصراع، ووفقًا لجورج دالماين (يمين الوسط) فإن الأمر ببساطة "مهين"، ذلك لأن: "وضع الأحداث في سياقها الحقيقي يرقى إلى مستوى التغاضي عن الآثام".




بعد يومين فقط من بثّ البرنامج الإخباري، تراجع مسؤول في هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية عما تضمّنته المقابلة مما بدا للبعض "انحيازًا لطرف دون الآخر"، وأوضح المسؤول: "صحيح أنّنا لم نذكر في هذه المقابلة أن حماس مدرجة على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية، إلّا أننا أشرنا إلى هذه النقطة في هذا البرنامج الإخباري نفسه في وقت سابق، ولكن لم يتم ذكرها في أثناء هذه المقابلة، وقد أثار ذلك مشاعر قوية داخل المجتمع اليهودي بطبيعة الحال، ونحن إذ نأسف لذلك، نؤكد مجددًا أن هذه لم تكن نيتنا". وتنهي هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية بيانها بأن "أعمال حماس إرهابية"(7).

"الحقّ في الدفاع"

الدعاية المنحازة لإسرائيل وحق الدفاع عن نفسها 


لطالما ردّد بنيامين نتنياهو هذه المقولة، قبل وفي أثناء وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكان نتنياهو يتجنّب دائمًا الحديث عن قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فبالنسبة له، لا يقاتل الفلسطينيون من أجل حقوقهم المشروعة، بل هي إسرائيل التي تدافع عن نفسها في "حرب حضارة ضد البربرية". لذلك فإن وضع الأحداث في سياقها الصحيح سيكون بمثابة تغاضٍ عن الخطأ؛ يهاجم الإعلامي الفرنسي رفائيل انتهوفن ما فعلته حماس بشدة، وكذلك أولئك الذين يريدون رؤية الصراع "في سياقه" من خلال التذرع بـ"الاحتلال وغيره من الترهات"، قائلًا: "محاولة التعليل وحشية، لا يمكنك تفسير البربرية"(8).
وبالتالي، وبناءً على ما سبق؛ وبما أن إسرائيل تواجه "همجية فظيعة" لا يمكن تفسيرها، فإن لها الحق المشروع في الدفاع عن نفسها. هذا هو المنطق العنيد الذي يتم عبره تبرير أسوأ الفظائع. من الصعب تجاهل آلاف الفلسطينيين الذين قضوا تحت القصف بآلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات، لذا يحاولون تبرير ذلك قدر المستطاع، على موقع CNews، تشرح الكاتبة سيلين بينا أنه لا يمكننا أن نسمح "للعاطفة أن "تساوي" بين جميع الضحايا، لأن طريقة قتلهم مختلفة".
وردًا على سؤال: إذًا، هل يُقتل آلاف الأطفال في غزّة؟ تجيب قائلة: "نعم القنبلة [...] ستقتل الأطفال بلا شك، ولكن هؤلاء الأطفال لن يموتوا وهم يشعرون بأن الإنسانية خانت كل ما كان لهم الحق في الحصول عليه"(9)، تعقبها إيماءة موافقة من مقدمة البرنامج لورانس فيراري.
أمّا على قناة i24 NEWS الإخبارية الفرنسية الإسرائيلية، والتي يملكها الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، فكل شيء مباح؛ في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلن الكاتب ديفيد أنتونيلي على قناة دراهي: "إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية بزعامة بايدن، وإذا كان المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي غير راضين جميعهم عن ردّنا الذي يجب أن يكون قاسيًا (...)، حسنًا، هذا سيء جدًا بالنسبة لهم، ليس علينا أن نقلق بشأن حقوق الإنسان، أو التفكير التقدمي، أو العولمة".

مارلين بارون: "نحن دولة تمتلك قنبلة نووية، لا ينبغي لأحد أن يسكن هذه الأرض، لا أحد، باستثناء الشعب اليهودي"!


في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2023، ذهبت الكاتبة مارلين بارون، وهي فرنسية ــ إسرائيلية الأصل، إلى أبعد من ذلك: "نحن دولة تمتلك قنبلة نووية، لا ينبغي لأحد أن يسكن هذه الأرض، لا أحد، باستثناء الشعب اليهودي". وفي آذار/ مارس 2024، في الوقت الذي كان يموت فيه آلاف النساء والأطفال الفلسطينيّين، قال برنار هنري ليفي، الفيلسوف القانوني: "نادرًا ما رأيت جيشًا مهتمًا إلى هذا الحد، في حرب مروعة، بتجنب سقوط ضحايا من المدنيين"(10)!




لكن كريم خان، المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يرى الأمر بشكل مختلف، ويدعو إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، وتحديدًا بتهمة "تجويع المدنيين عمدًا"، و"تعمد توجيه هجمات عسكرية ضد المدنيين"(11).

أرواح الفلسطينيين لا تُحسب
مع بثّ الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، من الصعب تبرير جرائم الجيش الإسرائيلي، لذا تحاول وسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية وضع الأمور في "نصابها الصحيح"، أو دفن رؤوسها في الرمال، فالضحايا الفلسطينيون "أقل إثارة للاهتمام"، حيث أظهرت دراسة أجراها موقع "أكريميد/ Acrimed" للصحافة الاستقصائية أن صحفًا مثل لوباريزيان، ولوفيغارو، وليبراسيون، ولوموند، خصصت عددًا أقل بكثير من الأخبار التي نشرت على صفحاتها الأولى لمجزرة غزّة الراهنة، مقارنةً بهجمات السابع من أكتوبر، وينطبق الشيء نفسه على المقابلات الصباحية التي أجرتها قناة "فرانس إنتر"(12).
إن حصيلة القتلى في غزّة، ومعظمهم من النساء والأطفال، مذهلة، لكن وسائل الإعلام الغربية تذكر بشكل منهجي أن هذه الأرقام هي أرقام حماس(13). وتشرح الصحافية والإعلامية كارولين فورست التأثير المطلوب: "إذا كان لديك مصدر إرهابي واحد (تقصد الفلسطينيّين)، فعليك أن تحدّده، لتدرك أن عليك أن تقسّم أرقام الضحايا هذه، إن لم يكن على 5، فعلى الأقل على 10".
في الواقع، عدد الضحايا أعلى من الأرقام الرسمية بمراحل، ووفقًا لمقال نُشر في مجلة لانسيت/ Lancet الطبّية المرموقة، يجب علينا مضاعفة العدد الرسمي للقتلى، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد المفقودين تحت الأنقاض، وغيرهم ممّن ماتوا بسبب العواقب الصحية غير المباشرة(14).

احتجاج الصحافيين

محمد قاسي (يسار) قاطع الجنرال الإسرائيلي (أوليفييه رافوفيتش، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي) الذي كان يبرر قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين: "إذًا، أنتم تتصرفون بالضبط مثل حماس"؟


"طفح الكيل"، كما هي الحال مع صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث بدأ صحافيون من وسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية بالاحتجاج على تعامل وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي رسائل إلكترونية مسرّبة، يتحدّث بعض العاملين في وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) عن وجهة نظر أنجلو ــ ساكسونية "مثيرة" و"غياب شديد للحياد"(15). وفي قناة "فرانس 24"، شهد أحد الصحافيين أنه كانت هناك انتقادات عنيفة داخليًا على غير العادة(16). وحتى في قناة BFMTV، التي يملكها الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، كانت هناك مناقشات وخلافات ارتفعت حدتها مع تصاعد الحرب الوحشية ضد غزّة بين إدارة القناة ونقابة الصحافيين الفرنسية، التي حذرت من عدم الاهتمام بالضحايا الفلسطينيين(17).




أمّا على قناة TV5 Monde، فقد أجرى محمد قاسي في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مقابلة مع أوليفييه رافوفيتش، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عقب هجوم إسرائيلي على أحد مستشفيات غزّة، وسأله مباشرة دون توخي الحذر المعتاد: "هل ستأخذون الآن بعين الاعتبار حالة الطوارئ الإنسانية في القطاع الفلسطيني؟". وبينما كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يحاول تبرير مقتل المدنيين، سأله الصحافي: "إذًا، أنتم تتصرفون بالضبط مثل حماس"؟
اعتذرت إدارة TV5 من مشاهديها، وألقت باللوم على محمد قاسي، ما زاد من مساندة زملائه له، وبرّأه المجلس الفرنسي للصحافة قائلًا إنه "لم يقم سوى بما يجب عليه القيام به، ممارسة عمله الصحافي".

التحيز لإسرائيل مستمر
على الرغم من احتجاج عدد من الصحافيّين الأوروبيّين ضد الانحياز السافر لمنابرهم الصحافية التي تقف إلى جوار إسرائيل، إلّا أن التغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تتغيّر، وربما نفهم ذلك حين نعرف أن كل شركة تقريبًا من الشركات الأربعين المتصدرة في بورصة باريس لديها أعمال استثمارية ضخمة في إسرائيل، ثلاثة منها يملكها مليارديرات ممن يسيطرون على وسائل الإعلام الفرنسية، وهي كالتالي:
1 ــ من خلال شركة هافاس Havas، استحوذت مجموعة بولوريه Bolloré (المالكة لقنوات: "سي نيوز CNews، وأوروبا 1، وباريس ماتش) على وكالة الإعلانات الإسرائيلية "إنبار ميرهاف ج"، وشبكة Blink، التي تعد أكبر منصة تواصل اجتماعي في إسرائيل اليوم، ويقول نجله يانيك بولوريه، الرئيس التنفيذي لمجموعة هافاس، سادس أكبر مجموعة اتصالات في العالم: "إسرائيل هي رائدة الابتكار وريادة الأعمال في العالم"(18).
2 ــ لطالما زودت مجموعة داسو Dassault (المالكة لصحيفة لوفيغارو) إسرائيل بالطائرات الحربية، حتى ضد أي حظر دولي، ولديها مكاتب وشركات تابعة لها في إسرائيل، وقد صرّح الرئيس التنفيذي لوران داسو: "أنا داسو الذي عاد إلى إسرائيل، أنا من العائلة التي تذهب إلى هناك للاستثمار، ومن أشد المناصرين لإسرائيل"(19).
3 ــ يمتلك برنار أرنو (المالك لصحيفتي: Les Echos وLe Parisien)، شركة لوريال، أكبر شركة مستحضرات تجميل في إسرائيل، ومن خلال شركته التابعة سيفورا/ Sephora، يسوّق منتجات المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي العربية، ويستثمر أيضًا في شركة ويز Wiz الإسرائيلية للأمن الإلكتروني.
في مذكّرتها بشأن إسرائيل، والمنشورة بتاريخ 25 يونيو/ حزيران 2024، لا تذكر الخزانة الفرنسية شيئًا عن المستوطنات، ولكنها تشير إلى "الصراع الذي أشعلته حركة حماس الإرهابية"(20). لا تندهش، ففي عام 2013، دعا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين قائلًا: "صحيح أن الصداقة لا تقاس بالمليارات، حسنًا، سيكون من الجيد مضاعفتها على أية حال"(21). وبعد بضع سنوات، دعا وزير الاقتصاد الفرنسي السابق برونو لومير إلى مضاعفة الاستثمارات الفرنسية في إسرائيل "ثلاث مرات"(22).

(*) ميشيل كولون: كاتب وصحافي وخبير بلجيكي في السياسة الدولية، بدأ حياته العملية بالكتابة في مجلة حزب العمال الماركسي البلجيكي، كما كتب لمجلة سوليدير البلجيكية الأسبوعية، وواصل عمله بشكل مستقل من خلال تأليف الكتب وإنتاج الأفلام وإصدار نشرة إخبارية على الإنترنت تبث إلى 40 ألف مشترك، إلى أن أسس موقعه الخاص "إنفيستيج أكشن" للصحافة الاستقصائية المستقلة، وله عدد من المؤلفات في السياسة الدولية، ونشأة إسرائيل، والصراع العربي الإسرائيلي.

إحالات:
(1) Jean-Pierre Bouché & Michel Collon: ‘7 Octobre, enquête sur la journée qui a changé le monde’, Investig'Actions, Brussel, 2024.
(2) زئيف جابوتنسكي (1880 ــ 1940): زعيم صهيوني تنقيحي، كان كاتبًا وشاعرًا وخطيبًا وجنديًا، أسس منظمة الدفاع الذاتي اليهودية في أوديسا، كما شارك مع جوزيف ترومبلدور في تأسيس الفيلق اليهودي في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، كما أسّس لاحقًا العديد من المنظمات اليهودية، بما في ذلك منظمة "بيتار" شبه العسكرية في لاتفيا، ومنظمة "إتسل" في فلسطين الانتدابية.
(3) La Revue des médias (INA) 25/10/2023
(4) المرصد الفرنسي للإعلام المستقلّ Acrimed 23 /10 / 2023.
(5) People Dispatch ــ 22/10/2023.
(6) هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية الناطقة بالفرنسية، والتي تُعرف اختصارًا بـ RTBF، هي هيئة بث إذاعي وتلفزيوني عامة تقدم خدمات إذاعية وتلفزيونية للمجتمع البلجيكي الناطق بالفرنسية، خاصة في إقليم والونيا الجنوبي، وبروكسل العاصمة.
(7) قناة Europe 1 ــ 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
(8) قناة Europe 1 ــ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
(9) قناة CNews ــ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
(10) لو باريزيان/ Le Parisien ــ 16 مارس/ آذار 2024.
(11) بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، 20 مايو/ أيار 2024.
(12) المرصد الفرنسي للإعلام المستقلّ/ Acrimed ــ 22 فبراير/ شباط  2024.
(13) قناة BFMTV ــ 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
(14) مجلة The Lancet ــ 5 يوليو/ تموز 2024.
(15) Les Échos ــ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
(16) Mediapart ــ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
(17) Mediapart ــ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
(18) Israel Valley ــ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
(19) Israel Valley ــ 1 مايو/ أيار 2021.
(20) الخزانة الفرنسية، 25 يوليو/ تموز 2024.
(21) Le Point ــ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
(22) قناة Orient XXI ــ 26 أبريل/ نيسان 2021.